LatinКаждый столб представляет процент слов на 1000 наиболее распространенных слов
48ثانية - 4
Общее количество слов 4571
Общее количество уникальных слов составляет 2302
20.9 слов входит в 2000 наиболее распространенных слов
33.9 слов входит в 5000 наиболее распространенных слов
40.7 слов входит в 8000 наиболее распространенных слов
اآلن في مكان ضعيف ،من جهة لدي سالم وماركوس ومن جهة أخرى
عالقتي التي تشتد كل يوم بفيصل ،بدأ فيصل يعطيني مفاتيح
األشخاص الذين يعتمد عليهم سام ،وعلمت أن هنالك ما يقارب
العشرة أشخاص كما سام ،وبدأ يقدمني على أنني فرد جديد من
العائلة ،هنا أيقنت أنه ال عودة...
ما بعد العام السابع في امستلفين:
في عيد ميالدي الثالثين ،فاجأتني سالم بزيارة مع ماركوس ،إلى
ُ
نزل "ماركوس" في هارلم ،في السنوات الثالثة التي مضت أصبحت
عالقتي بسالم مرتبطة بماركوس فقط ،وصرت ال أترك مناسبة ال
أشعر بها سام بمدى ضعفه وعجزه أمام ماركوس سيتي الترفيهية،
والتي اآلن أفتتح فرعها الثاني في شتوتغارت على األخص بعد خروجي
التدريجي من سوق تجارة القنب ،طاملا كان الكرم مفتاح القلوب.
منذ كأس الويسكي على شرفة سام ،أصبحت سالم على ما يبدو
بين نارين أنا وماركوس من جهة وتصرفات أبيها من جهة أخرى ،بدت
ً
ً
غريبة األطوار أحيانا ،متأففة دون سبب أحيانا أخرى وبدت
102
ً
نقاشاتنا مشادات كالمية حتى أنني أتذكر جيدا حين خرجت في ليلة
ُ
ضبابية من شقتنا إلى نزل ماركوس وقضيت الليل فيه ،كانت سالم
في األشهر األخيرة حتى انفصالنا شديدة الغضب ،حتى أن ماركوس
مرة طلبني في الهاتف وقال لي أن هناك شاب يتردد إلى املنزل ،سألته
إن كان قد قض ى الليل فيه فنفى وقال إن سالم تحبني ،لكننا لم نعد
كما كنا قبل منذ مرضت ،وقال إنه يتمنى لو أنني أمرض ثانية كي
نعود عائلة كما كنا...
ً
ثالث سنوات في هارلم ،احتفلنا بعيد ميالدي لم أقرب سالما
ً
يومها ،ظل ماركوس غافيا على يدي حتى الصباح ،رحلت سالم في
اليوم التالي ،أما ماركوس قرر أن يبقى بقية األسبوع برفقة أبيه
ً
مستفيدا من أيام العطلة املدرسية ،هكذا صرنا أنا وماركوس ،يأتي
ً
في عطالت نهاية األسبوع نخرج معا نتحدث كصديقين من نفس
العمر ،كنت أتمنى لو أنني أستطيع أن أخبره ما الذي أتى بنا إلى هنا،
ً
كان يحب سام كثيرا ،وكان علي االنتظار حتى أنقل الحقيقة كاملة
إليه...
103
104
4
105
106
سحابة صيف يف النمسا
قاعة فسيحة ذات أرضية رخامية فضية اللون يتخلل الرخام
ً
أحجارا المعة تبدو كماسات صغيرة ،طاوالت عليها شراشف فاخرة
ونوافذ واسعة تطل على حديقة فيها بحيرة وملعب غولف ...صوت
تشيلو ممزوج بصوت كمان وبيانو ،أصدقاء نموذجيون لحفل
رسمي راق ،بدالت رسمية من صناعة ماركات عاملية فاخرة
ومصممون معروفون على مستوى أوروبا ،فساتين ساتان ودانتيل
بتصاميم ال تقل عن وزن الحضور ،والكثير من األقمشة الفاخرة
التي تبدي من التصاميم جمال مفاتنهن ...كان هنالك شاب بدين
شعره أصفر كالنحاس يمشطه إلى جهة اليمين ليخفي بداية الصلع،
107
له لحية خفيفة شعرها متناثر في وجهه ،وشارب مترام ،فمه عريض
ووجهه طفح ممتلئ ،يلبس بدلة سبور شيك ،حذاء أسود المع ،بيده
كأس ويسكي وباألخرى سيجار عريض ،كان يضحك وكأنه أطلق
العنان لكائن ما يختبئ بداخله...
هو الشخص الوحيد في هذا الحفل الذي ترك الزر األول من
ً
ً
قميصه الكاروهات مفتوحا والشخص الوحيد تقريبا الذي يحمل
ً
كرشا فوق قدميه ،يتدلى تدل بسيط ليغطي حزامه.
ً
كنت أقف صامتا أمسك بكأس على مستوى صدري وأنظر إليه
بقنوط ،شعرت وكأنني قد استبدلت عمودي الفقري بلوح خشبي
ً
وقدماي تسمرتا تماما إلى األرض والتصقت بأرضية حذائي ،نظر إلي
شعرت أن الحضور اختفوا عندما التقت أعيننا وأن ضغط هواء
ً
الغرفة قد ارتفع وأن هناك خطا من الطاقة فيما بيننا شعرت
بجسدي يستجمعها وأن ّ
يدي قد انتفختا وصررت قبضتي على
كأس ي ،ابتسم ابتسامة مصطنعة وأشار لي "بصحتك " أومأت إليه
بصمت ولم أحرك أي من عضالت وجهي كان هناك امرأة ثالثينية
ً
ً
ممتلئة الجسد تلبس فستانا أحمر ناريا يتدلى على أردافها وخصرها
ويرسم بعض مالمحه شعرها أسود كثيف متعرج ،بدت وكأنها
حضرت جلسة ماكياج خفيفة تليق بحفل كهذا .
108
في البحث كنت دائم الترحال ،كنت أتقلب كيوم خير في املزاج من
مدينة إلى أخرى ومن أرض جرداء إلى سهل ومن سهل إلى جرد أعبر
ً
ً
ً
طريقا طويال ،أقودها بأشد الحماس لكني تائه املقصد دائما ،أنا
بحجم قدرتي على امتالك كل ش يء وأكاد ال أمتلك قرارة نفس ي ،أكاد
ال أستطيع أن أحدد ما هو عشائي اليوم ،أبحث عن ش يء يخرجني
من هذا الضيق .ضيق بال سبب...
خرجت من هذا االحتفال الكبير وكأنه لم يكن كل ما أصابني منه
هو إرهاق الجسد فقط ،ال طعم له وال لون ،ال مقصد لي بهؤالء
ً
الذين قابلتهم وال يهمني ماذا يقصدون بي ،هذا أنا دائما طليق مقيد،
ً
حر املزاعم ،زعمي حقيقة وحقيقتي واقع مؤثر جدا على كل من
حولي.
ً
صعب جدا أن أرض ى ،فالرض ى بالنسبة لي هو حد نهاية طموحي
بذاك املبتغى الذي رضيت فيه.
أريد أن أتنفس .لم يخرق صدري ال هواء صيفي وال هواء بارد
أريد أن أخرج من جسدي وأتأمله ...أتأمله وهو في عري كامل .سأحزن
عليه لساعة وأعجب به لساعة سأضمه ساعة أخرى وسأنفر منه
ً
ساعة أخرى ...سأجلس معه كشخص أخر يفهمني تماما.
109
ساعات بصمت ...صمت فقط ،هذا الصمت يقرؤه كل ما
ً
بداخلي ال حزن يكفيني ،إن الحزن ال يكفي أبدا حتى شديد الحزن ال
ً
ً
ً
ً
يضيف إلي شيئا ،ال فرحا عرمرما ،إني ال أفتقد شيئا حتى إذا جاءني
فرحت.
أراك أيتها اآللهة جسدي الذي تحدثت عنه ،ال أضيف لذلك
ً
ً
أنت فقط هو ،أنت أنا ،أنت الذات التائه الذي وصل مبكرا
شيئاِ ،
ً
جدا إلى كل ما أراد ،أنت املعذب الذي على قدر ما ُعجن ُ
وصبغ ولطخ
وضرب تشكل بصيغة ال تقهر ،أنت أنا الذي أراه ّفي ،أنت الذي ال أرى
ً
شيئا سواك.
بدأت أتأملها كانت ممتلئة بطاقة لم أستطع تفسيرها بهذه
اللحظة تتحدث بصوت أنثوي مع أحدهم وترمقني بطرف عينها
خلسة ،وأنا بدوري أمثل عدم االكتراث ،نظرت تجاهي مبتسمة
بإغراء وكأنها لم تعنها لي ،أعطتني إشارة دون أن تثبت ذلك أدرت لها
ظهري تحدثت مع أحدهم كنت أشعر بنرجسية كبيرة ،الوحيد
ً
املوجود بهذه القاعة ،أشبه ممثال بدور البطولة ومن حولي هم
كومبارس الحلقة حتى هي...
شردت في غفلة مع أني لم أفكر بها ...حينها بدون إنذار أحسست
ً
أني أشتم رائحة جسدها ،إنها شهية وأن هذا البهاء اليزال موجودا في
ً
أنثى نظرت إليها نظرة إعادة تقييم رمقتها مجددا قدماها ناعمتان،
110
ً
أصابع يديها تتناسب تماما معهما في نعومة فائقة عنقها الطويل
تتدلى عليه خصلة من شعرها وكالهما ممزوج ببريق قصب املكياج.
ً
أكاد أستطيع تحديد أماكن على جسدها وضعت عليها عطرا،
ّ
جرني غروري إليها وقفت أمامها مشدود الظهر على مسافة قريبة،
لم أنبس بحرف اقتربت مني ونطقت بصوت شديد النعومة :
ً
مرحبا ...ليزا
ً
هززت رأس ي مومئا برض ى ،صمتت لوهلة ثم قلت:
كريم
بدت أنها تريد االستمرار بالحديث لكن قبل أن تنطق أدرت
ظهري وخرجت .
ً
كان الحفل ال يعني أبدا حفل تعارف بين أصحاب رؤوس األموال
ً
ينتهي بمزاد نشتري منه شيئا ال يستحق ربع قيمته ،فقط كي تكون
ً
لنا قيمة بين الحضور ولنثبت حجم ثرائنا ،إنه ال يعنيني أبدا وثروتي
سريعة املنال.
خرجت إلى سيارتي املرسيدس التي جئت أستعرضها وقدت
ً
بهدوء وصمت شديد إلى شاليه ريفي في منطقة جبلية ،شربت كأسا
111
من الويسكي وأنا أوقد موقد الحطب ،ارتديت بجامة خفيفة
وجلست أدخن أمام النافذة ثم غفوت على الكرس ي الهزاز.
ً
ُ
لم أغف إال قليال حتى رن هاتفي النقال لم أكترث ثم عاد الرنين...
ً
صمت قليال ثم رنة ثالثة من ذلك املتصل أجبت
هلو
ً
_ مرحبا سيد كريم (إنه صوتها) أنا ليزا كنت أتساءل إن كان
باإلمكان زيارتك في مكتبك أنا أعمل كمديرة عالقات عامة في شركة
االستثمار العقاري ونحن بصدد بناء منتجع صيفي وشتوي وقد
علمت من الشخص الذي أعطاني رقم هاتفك أنك تملك أوتيل هل
لي...
ً
ً
_غدا صباحا عند العاشرة في مكتبي سأرسل لك العنوان في
رسالة.
نسخت عنواني من رسالة نصية ولصقته في أخرى أرسلته لها
جاء رد سريع.
ً
_أنتظر غدا بحماس.
أرسلت لها إشارة تعجب.! :
وردت ّ
علي بوجه مبتسم :طاب مساؤك.
112
ً
في اليوم التالي استيقظت عند العاشرة والربع .جسدي كان ثقيال
كان الطباخ قد أعد قهوتي ومررته خادمتي الخمسينية جوليت،
ً
ً
وضعتها على طاولة الصالون .أخذت حماما سريعا شربت قهوتي
ً
وصلت عند الحادية عشرة إلى مكتبي وكنت قد نسيت تماما موعد
ليزا حتى أنني عندما رأيتها في صالة االستقبال سألت نفس ي للحظه
ماذا تفعل هنا َ ....
وقفت بغضب مكبوت:
_هل كل ش يء بخير سيد كريم؟
_آسف على التأخير تفضلي.
عال وتبدو عليها سمة
كانت ترتدي بدلة رسمية نسائية مع كعب ٍ
ُ
امل ِجد في العمل ،أحترم ذلك أحب أن تزورني صبية جميلة حسناء
تصغرني بضع سنوات وأن تراني مفتاح نجاح في سيرتها الذاتية.
للمال لسان سليط في هذه املدينة.
ً
ً
أخرجت حاسبها املحمول وعرضت ّ
علي مشروعا استثماريا
ً
يجذب رجال األعمال مؤخرا وهو األول من نوعه في املنطقة
ً
والجغرافيا هنا مناسبة تماما.
اقترحت أن نزور املشروع .قبلت ،لكن أحسست شبه متيقن أن
الذي شدني إليه هو شعرها املشدود رائحة عطرها وأنوثتها املفرطة
قلت لها ونحن في الطريق .
113
_يجب أن تكوني من أصول شرقية فأنت شديدة الجمال على أن
تكوني فتاة أجدادها أبناء هذه الجغرافية.
ً
_لم تخطئ تماما والدتي مكسيكية ووالدي من هنا من النمسا
وأنا أتحدث ثالث لغات بطالقة ،أضف إلى هذا أنني اكتسبت بعض
العادات من هنا وهناك خاصة أنني كنت من أعضاء الفرقة
ً
املكسيكية في الكنيسة أثناء دراستي الثانوية وكنت نمساوية تماما
أثناء دراستي الجامعية فاكتسبت هذا املزيج .
_ال عجب في ذلك نظرتي ال تخيب.
وصلنا إلى املشروع وبدأت تشرح لي وتطلعني على التفاصيل املهمة
وعلى مقدار األهمية العقارية للمشروع وأن أسعار أسهم البورصة
ً
ً
سوف تتضاعف قريبا وكانت منغمسة تماما في هذا الشرح الذي
يستهويني حتى أنها أجرت بعض املكاملات لتتأكد من بعض األرقام
وهي في خضم حديثها عن أهمية املوضوع وأنه سيكون تحت إشراف
ً
إدارة متخصصة وسوف يجذب الكثير من الناس ويجمع كثيرا من
الفعاليات ،خاصة أن كبار املستثمرين فيه من شركات طيران
وسياحة.
ً
أشعلت سيجارة وملت إليها قليال ،وسألتها بصوت منخفض
_كم علي أن أدفع؟
114
بدأت تشرح لي عن النسب والدفعات واألمور املالية قاطعتها :
ً
ّ
محامي الخاص وأنا
_حددي رقما وتعالي مع العقد إلى مكتب
جاهز للتوقيع وبهذه املناسبة فلنحتفل سوية في املطعم الصيني هذا
املساء .
ً
_عذرا ال أستطيع الخروج مع زبائننا املحتملين .
ً
_عذرا ،ما جعلني زبونك بالدرجة األولى هو أنت ،شخصيتك
وأسلوبك...
رحلت دون أن تقول كلمة واحدة وأرسلت لي العقد بعد يومين مع
ً
محامي الشركة ،كنت أشعر أني ضئيل جدا دنيء النفس خالل
هذين اليومين .
بعدها أتى العقد فأحسست أننا لم ننته ،أو أنني توهمت ذلك
عندها...
قمنا باإلجراءات القانونية كاملة وتم توقيع العقد وتحويل
األموال بعد جلسة استشارية طويلة مع محاسبي الخاص الذي
ً
تحمس جدا -هو ومكتبي اإلداري -إلى مستقبل ناجح لهذا االستثمار
على املدى البعيد .طلبت من املحاسب أن يأتيني بعنوانها ...ذهبت إلى
ً
متجر الورود اخترت باقة جميلة ثم اشتريت عطر امن أجود األنواع،
ً
ً
رجعت إلى منزلي ارتديت جينزا وقميصا .وصلت إلى بابها قرعت جرس
115
الباب ...نظرت إلي باستغراب شديد ارتبكت أحسست بها سعيدة
قدمت الورود وقلت لها :
_اآلن انتهينا من العمل ،هل لي باصطحابك إلى عشاء سيدتي؟
ً
صمتت قليال ثم أجابت :
ً
مساء
_عند التاسعة
ً
عند التاسعة تماما كنت عند بابها .ثم خرجنا حدث كل ش يء
بسرعة بعد العشاء أوصلتها شعرت بطاقة تخترق رأس ي كنت أريد أن
ً
أعود إليها حتى أنني وقفت قليال في الطريق شردت بتفاصيل
الحديث ...والدها رجل األعمال هي مديرة عالقات عامة هنالك حلقة
تائهة بين األب وابنته.
إن لم يكن هو نفسه صاحب املشروع علي أن أتحرى أسماء
الشركات املساهمة في املشروع أو ربما أسالها مباشرة...
أمها املكسيكية ستعود بعد أسبوع أريد أن أرى املرأة التي هرمت
التي أنجبت هذا السحر الذي أغواني إلى عشاء في هذه الليلة.
ً
كنت متحمسا كمن ضاع بسحرها ،شعرت بأنها أعجبت بفكرة
أصولي العربية وكيف أني بدوت لها في مظهر العصامي ...أنتظر
الصباح علي أكلمها ثانية ...
116
هي ليزا ،لربما جزء من هذا الضياع الذي ال ينتهي ،هي اليوم
فاتحة يوم جديد في العمر ،صباح بعد تعب ...لم أنم تلك الليلة...
عم أبحث ...؟
عن ّأم ..أم وطن؟
عن زاوية ما ألقي فيها كهلي املبكر وأنطلق بشباب جسدي الذي
بدأت أشعر أنه سئم من حمل روحي هذه...
عدت إلى الشاليه ،شربت قهوة تركية ثقيلة ،ودخنت بعض
سجائر املالبورو الـأحمر ،رميت كل ما في جيوبي على الطاولة مددت
قدمي على نفس الطاولة ثم غفوت غفوة نائم صاح ،رأيت نفس ي
أعانق أمي وأعطيها الكثير من املال وهي رمت مالي وجرتني إلى غرفتي
بأثاثها القديم نفسه أعطتني ساعتي القديمة وسوار جنى نعم جنى...
ما الذي أتى بجنى .
ثم سرت معها في شوارع البندقية واستيقظت على صرير باب
الصالون يقفل بهدوء ثم صوت رسالة نصية
_كانت ليلة جيدة عمت ً
مساء
ً
هذيت بصوت ماركوس يناديني ولم أفهم شيئا ،تفقدته في غرفته
ً
قبلته بهدوء كان نائما ثم أخذت حمام املساء ونمت بعمق شديد
حتى الثانية عشرة في اليوم التالي...
117
شربت قهوتي وأخرجت ورقة من طابعة مكتبي وسجلت عليها ما
يلي:
_مشروع املنتجع ...كلم املحامي.
_زيارة إلى امستلفين ...تفقد أوضاع العمل.
_أهاتف كاترين .
ثم إن وجهك لم يفارقني حتى على الجدار األبيض املقابل لي...
ً
أكتب هذا...أنا في مأزق ما مع فتاة ما مجددا .
أخذت هاتفي طلبت رقمها ردت في رسالة .
ً
_أنا في اجتماع أكلمك الحقا هل كل ش يء على ما يرام.
_ال سيدتي أنا لست على ما يرام.
_هل تحتاج مساعدة ما ؟
_نعم
_كيف ذلك؟
_أرسلي لي رسالة نصية بعد االجتماع.
ً
_حسنا قابلني في مكتبي بعد 20دقيقة.
خرجت لها ببدلة بريوني كحلية اللون ركبت سيارة املرسيدس
ً
وضعت عطرا لم أعتن بشعري أو ذقني خرجت وفقط .
118
دخلت مكتبها بل إنني بطريقة ما اقتحمته جلست خلف طاولتها
وتجاهلت عباره (ممنوع التدخين) أشعلت سيجارة واستعملت
محبرة للديكور لتكون منفضة مؤقتة ،دخلت ليزا وصرخت سيد
كريم أتيتً ...
رجاء اطفئ السيجارة وافتح الشباك .تجاهلت ذلك
ً
وأخذت قلما وورقة وكتبت
ً
لم أر مثلك أثيرا لم أقع في بحر قط ،لم أعرف نساء لم أعرف
نفس ي التي أكتشف اليوم هنا عندك أنت ليزا أريدك ...أريدك اآلن
أريدك معي ...طويتها وتركتها على لوحه مفاتيح كمبيوترها املحمول .
ً
لم أنتظرها خرجت متوجها إلى ماركوس ،اصطحبته إلى
امستلفين استمتعنا بموسيقا الطريق وحكاياتنا التي تضفي عليه
الكثير من البهجة ،رن هاتفي إنها ليزا لم أجب أكملت الطريق.
في املساء رن ثانية كنت قد تركته على طاولة السرير ثم أنني لم
ً
أالحظه حتى الصباح التالي كان يومي الثاني مكتظا بين عمل
وماركوس وكان علي إيصاله ليرى سالم .
صافحتها لم أشعر بوجودها حتى.
كيف الناس تعطى نعمه النسيان هكذا...أشعر باختالل ما
يترافق مع نرجسية من نوع آخر عدت إلى عملي وعند السابعة زارني
119
ً
ً
رفاق قدامى وجرى حديث طويل لبثنا معا حتى وقت متأخر جدا...
كان ّ
علي أن أحادث ليزا .
في صباح اليوم التالي طلبت رقمها رن الهاتف وأجابتني...
_سيد كريم هل هذه لعبة األغنياء! على صعيد العمل لقد انتهينا
ً
ً
تماما وعلى الصعيد الشخص ي أنت شخص مستفز جدا أشعر بأنك
بحاجة إلى إعادة تأهيل وتقييم لعالقاتك مع األشخاص كيف لك أن
تصبح على هذا الدرجة من االستفزاز ،تصرفك غير مسؤول وأنا
أحاول محادثتك ليومين على التوالي...
_على صعيد تأثيرك ...مساؤك جمال سيدتي
ً
_هل لك أن تكون جادا بعض الش يء ثم أنك...
انتهت املكاملة وأقفلت الخط.
وضعت هاتفي على الطاولة أعددت قهوة ثقيلة ووضعت
الفنجان بجانب هاتفي تأملته بصمت فتحت رسالة جديدة لها
وكتبت:
ً
_عطرك يمأل املكان صوتك في املرة األخيرة كان هادئا وكنت أنيقة
ً
جدا ثم أنك مثيرة لالهتمام بنظري أو هل أستطيع محادثتك أو
مراسلتك بوقت تكونين فيه بمزاج أفضل
120
_ال تراسلني
ً
_حسنا سأكلمك
!!_
_أكاد أرى اهتمامك
_أنت مخدوع بنفسك
فيك
_وربما مخدوع ِ
ً
ً
ً
وضعت هاتفي جانبا ارتديت شيئا خفيفا توجهت إلى املطار...
ً
في الطريق كنت ألوم نفس ي على كل ش يء ،كل ش يء تماما أتصرف
بطيش كبير ...أسعى دون أهداف شخصية أتكبد عناء السفر من
هولندا الى النمسا ألقابل فتاة ...إهمالي قادها لتنبذني.
وصلت بابها في وقت متأخر ،أحمل في يدي اليسرى فنجان قهوة
سريعة وفي اليمنى وردة بيضاء ...طرقت الباب ...رأتني من جهاز
االنترفون .
ً
ً
_ما الذي أتى بك؟ أنت مشغول جدا لكي تأتي اآلن عوضا عن
الصباح؟
_آسف كنت أنوي املجيء منذ أغلقت الخط لكن املسافة بعيدة
من هولندا إلى هنا...
121
_هولندا!
_نعم هذه عودتي من املطار لم أجد رحلة أقرب من هذه ثم إنه
في يدي فنجان قهوة ووردة جئتك بقهوة...
سمعت صوت قفل الباب اآللي ثم صوتها على الدرج املقابل
للباب:
ً
_من املعيب أن نرجع أحدا من الباب في عاداتنا...
_اخترت لك أمريكانو سادة
ً
_أنت لست جادا
ً
_لم أكن يوما على أي حال
ً
_قل لي ما تريد سريعا من فضلك
_عندي تاريخ وقصيدة وروح متعبة وحلم كبير بصيف ال ينتهي...
كانت قد وصلت الباب ،نظرت إليها تأملتها ...صندل صيفي فوقه
َ
دبابيس فيه.
شورت وكنزة خفيفة شعرها مجدول إلى الخلف وتضع
توجهت إلى الصالة .
_تفضل .
جلست ثم قالت:
122
سيد كريم لقد أنجزنا صفقة مهمة ،تحرشاتك باتت مزعجة
ً
جدا ،فلنوضح األمر على الشكل التالي تقابلنا في مزاد علني ،حصلت
على رقم هاتفك من رجل أعمال آخر ،وعقدنا صفقة ثم قبلت
مجاملة دعوتك وانتهى األمر ...ثم إن رسالتك في مكتبي خدعتني
ً
لوهلة لكني عندما توغلت في أفكاري عنك تيقنت تماما أنك شخص
خاطئ ثم أني...
قاطعتها .وقفت وأمسكت يدها اليمنى بيدي اليسرى وأعطيتها
الوردة وشكرتها على االستقبال ثم أجلستها على الكرس ي ...جلست
بهدوء كانت ترمقني بعينيها العسليتين الواسعتين تأملت رقبتها
الالمعة وعظام ترقوتها البارزة ثم جلست بجوارها وقلت :
_ أنا معجب بك على الرغم من أني مللت النساء على الرغم من
هذه الشخصية الناجحة التي ترينها لكني أمض ي بال هدف علك تريني
ً
هدفا ما ،إني كتائه يبحث عن نفسه بمكان ما ...بشخص ما ...بفكرة
ما.
وقفت بهدوء وقالت بصوت ناعم:
ً
ً
_شكرا على الوردة وشكرا على الزيارة املتأخرة.
ً
وقفت ومشيت نحو الباب ...شعرت أنه بعيد جدا ثم ذهبت...
123
ً
عملت كثيرا في األيام التي تلت ذلك ،أشغلت نفس ي بأمور كثيرة
كي أنس ى هذه اإلهانة ودققت بأتفه تفاصيل األمور كي أشغل عقلي
عنها.
ً
ومض ى أسبوع بعدها لم أكلمها ولم تحدثني أبدا.
ً
في األسبوع التالي كنت مارا بسيارتي بشارع مليء باملحالت
التجارية ملحتها ...وقد دخلت إلى محل مالبس ركنت سيارتي على
عجل ونزلت إلى محل هدايا مقابل للشارع ...صدفة رأيت أول ش يء
ً
في املحل دمية كبيرة على هيئة فتاة تشبهها كثيرا ،لون الشعر ذاته
نفس تفاصيل الجسم ...اشتريتها ودخلت ذلك املحل الذي اختارته،
كانت تقلب البضائع وتتجول باملتجر.
عندما دخلت التفتت نحوي فقلت :
ً
_وجدت هذه الدمية أمامي إنها تشبهك كثيرا أردت أن أعطيك
إياها .
ً
ً
ً
_شكرا سيد كريم ضعها جانبا أنا مشغولة اآلن نتحدث الحقا.
أحسست بش يء مر في فمي وبإهانة أخرى .
أعطيتها الدمية شكرتني ثانية وذهبت...
كنت أحب الطريقة التي تلفظ بها اسمي بشكل صحيح على الرغم
من ذلك.
124
ً
وصلت سيارتي ،جلست مشابكا يدي أحسست بخجل كبير من
ً
نفس ي كيف أتعامل هكذا مع سيدة وماذا أريد منها أصال؟
استجمعت قواي وقدت بشكل عصبي وصلت إلى الشاليه
وعندما دخلت من الباب شعرت أنني أرى نفس ي ألول مرة في تلك
املرآة املوجودة في مدخل البيت تأملت وجهي شعرت أني خرجت من
نفس ي .كانت عيناي العسليتان الواسعتان متعبتين ولحيتي قد نمت
ً
قليال بعد أن نسيتها عدة أيام بال تشذيب (طاملا أحبتها النساء) أشتم
ً
رائحة عطري ،خارت قواي تماما جسدي الطويل منهك ،ال أصفف
شعري عادة يصفف نفسه بنفسه ،مشيت بثقل إلى غرفتي تمددت
على السرير بشعور س يء ،تأملت سقف الغرفة وغفوت ...اثنتا
عشرة ساعة.
عندما استيقظت وجدت الكثير من االتصاالت الفائتة على
ً
هاتفي ...ماركوس قد اتصل كثيرا ،ورسالة منه ورسالة منها ...فتحت
ً
رسالتها أوال.
ً ً
ً
_شكرا على الدمية لكن تصرفك لم يكن الئقا أبدا رجاء حاول
أال تزعجني ثانية.
فتحت رسالة ماركوس:
ً
_أبي مض ى يومان هل كل ش يء على ما يرام إنني قادم غدا
اشتقت لك.
125
نهضت بجسدي الثقيل ذهبت إلى مكتبي ،كانت جوليت قد
أعدت القهوة ووضعتها في مكانها أخذت ورقة بيضاء وكتبت باللغة
الفرنسية:
_أنا يا سيدة أحتاج إلى الحنين ...الكثير من الحنين...
ثم وضعت فنجان قهوتي فوق الورقة أشعلت سيجارة وبدأت
ً
بشراهة أجري اتصاالت عمل متراكمة لدي ،وبعد ساعة تقريبا رميته
ً
جانبا وقلت لجوليت:
_اجلبي ماركوس لي.
حضرت له كل ما يحب وبعد نصف ساعة جاءت جوليت وقالت:
_قمت بجميع اإلجراءات سوف يصل مساء.
استقبلته بحب شديد وبعدها قلت له :
_هذان اليومان ملكك ،كل ش يء تريده فيهما هو لك
ً
ذهبنا إلى املسبح ،اشتريت له جيتارا جديد ومالبس ،ذهبنا إلى
مطعم صيني مشهور في جنيف ،تسابقنا بمعلومات نعرفها عن
النبيذ ،كالنا ال يعرف الكثير ،نحن لسنا جنيفيين وال هولنديين وال
ً
عربا .نتكلم األملانية والفرنسية والهولندية وال نمت لهم بصلة،
نعيش طليقين كحصاني سباق ،نعيش حرية الضياع قيد الالمكان
هوية دون منشأ ،ومنشأ ضاعت هويته ،نعيش كل الحب الذي
126
نبحث عنه ،نبحث عن أنفسنا بين كل نجاحاتنا ثم نثبت ونمض ي...
نمض ي دون ثبات ثم ننام منهكين ونستيقظ بطاقات جديدة بدون
مصدر ،ونعيد الكرة بطريقة جديدة .
ً
بعد أن انتهى هذان اليومان كنت جالسا مساء على طاولة
املشروب في منزلي أمامي كأس الويسكي وسيجارتي.
عادة ما تأخذني جلساتي مع نفس ي والكأس ملساحة أخرى
لتعطيني بعض السكينة كي أستجمع أفكاري ،بل إنها وبصورة ما
ً
طقس البد منه عدة مرات في األسبوع إن لم يكن يوميا ،وعادة ما
أشعر بترابط ما بين الكوهيبا والبالك ليبل لكنني اليوم بالذات
ً
أشعر أنهما ضيفين ثقيلين على مسائي وكأن شيئا ما يدفعني ألترك
هذه الغرفة وأمض ي ،أستغرب كيف أفقد الشعور بهذين الرابطين،
هناك عالقة وثيقة طويلة األمد فيما بيننا أحسست أنني أرفضهم
بشدة ،ش يء ما من ضياعي يقول لي أن أنهض .
إلى أين؟
ً
ً
ارتديت حذاء رياضيا وخرجت إلى الحديقة الواسعة متأمال
شجيرات الزينة كيف صففت بدقة شديدة وأن البستاني البد أنه
ً
ً
وضع كل طاقته وكل ما أوتي من ذوق وأضاع نهارا كامال بتشذيبها
ً
وسقايتها حتى تبدو طازجة ومرتبة بهذا الشكل ،لكني الحظت غصنا
127
وقد فلت منه .مشيت إليه على البالط شبه الجاف ،قصمته،
ووضعته بين أصابعي وذهبت إلى الباب الحديدي املطل على الشارع
ً
تحت عمود اإلنارة األسود تماما ،فتحت البوابة شعرت بالحديد
البارد ينعشني ،كيف لي أن أعيش هنا لسنوات ولم أفتح بابه مرة!
مشيت إلى الطريق الجبلي املعبد بدقة ،أخذت نظرة بعيدة على
الشارع املنار بأعمدة طويلة ،كان اإلسفلت يلمع وكأنه قد غسل اآلن
ً
والهواء منعش جدا بدأت أمش ي بخطوات بطيئة وبتسارع ضئيل ثم
مشيت ومشيت....
حتى لم أعد أرى املنزل خلفي ،جلست بجانب الطريق .أخرجت
هاتفي وبحثت عن اسم ليزا وكتبت رسالة لها:
_أيتها املشاكسة البعيدة القريبة أخذتني من نفس ي.
وكتبت رسالة أخرى:
_أنا جالس على طريق جبلية على صخرة بيضاء أتأمل املدينة،
أرى آالف األضواء وتحت كل ضوء هنالك قصة وحلم ،متيقن أنك
هناك في مكان ما ،تجلسين ربما مع أحد ما ال أخطر لك على بال،
ً
ترتدين بيجامة رياضية ضيقة وحذاء رياضيا أو تتنقلين بسرعة بين
محال تجارية عاملية إلضاعة الوقت ولتغذية أنوثتك بكل حال أنت
أكثر من أنثى .
ثم رسالة أخرى:
128
ً
_إن رأس ي فارغ تماما.
وصلتني رسالة منها :
ً
_غدا سيكون املشروع قد أتم %25من العمل لذا هنالك اجتماع
مجلس إدارة أرجو أن تحضر ،عمت مساء.
_ أخبرني وكيل أعمالي وسيتولى األمر.
ً
_ سأكون هناك غدا في الثانية عشرة.
ً
حضرت االجتماع متأخرا كالعادة ،كان وكيل أعمالي قد تولى
ً
مسبقا كل األمور القانونية.
قبل انتهاء االجتماع بربع ساعة بحلتها السوداء وكعبها العالي
ً
اقتربت مني وقالت بصوت خافت وبدت أنها جادة جدا أو تناقش
قضية مهمة مرتبطة بالعمل :
ً
هناك محل كرواسان جديد قد افتتح أنا أتضور جوعا.
لم آت بأي ردة فعل .
وعند انتهاء االجتماع خرجنا من القاعة الواسعة وكنت آخر من
ً
خرج تقريبا وكانت ليزا ما تزال في الداخل انتظرتها عند الباب
وأشعلت سيجارة وحادثت وكيل أعمالي ،طلبت منه أن يرسل
ً
ملخصا لالجتماع على البريد اإللكتروني الشخص ي .عندما انتهيت من
129
املكاملة مشت ليزا ببطء إلى الخارج كأنها مترددة أن تقف إلى جانبي
وعندما اقتربت كفاية قلت لها :
_تفضلي سيدتي أنا ال أعرف املحل.
ً
مشينا معا إلي سيارة الرنج روفر رباعية الدفع توجهنا بشكل ال
إرادي إلى مطعم آخر توقفت في املوقف الخاص باملطعم قلت لها :
_لقد تأخر الوقت على الكروسان لنتناول وجبة دسمة.
دخلت وكانت أمامي ،راقبت مشيتها الواثقة ،وأعجبت بكعبها،
ظهرها ،وكتفيها الصغيرين وأغازل شعرها بعيني ...أجلستها إلى
ً
الطاولة ثم جلست ،نظرت بعينيها مباشرة ،لم أتكلم أبدا لكن طاقة
ما كان تدفعني ألنهض وأقبلها .
ً
ً
َ
أخذت نفسا عميقا وبادلتني النظرة املباشرة بطريقة أحسست
أنها على وشك مهاجمتي .
ً
ً
أطلقت نفسا عميقا ثم قالت :
ً
_اسمع لطاملا كنت وقحا ،ولكنك بطريقة ما تصر على التواصل
ً
ً
معي وأنا ال أخفيك سرا أن هناك شيئا ما يشدني إليك بوسط هذه
األفكار املتراكمة وأنا غير قادرة على اتخاذ موقف واضح مع نفس ي
130
تجاه كل ما حدث فقررت أن آتي بفرصة ثانية لكلينا وعلها فرصة
أولى ال أعرف .
ً
_حسنا ماذا تأكلين؟ أنا سوف أطلب شريحة لحم مع نبيذ أحمر
ربما تطلبين أنت كوردون بلو ألنها تليق بشخصيتك أو كروسان
كونك تتناولين اإلفطار عند الثانية.
_سأكتفي بشوربة الفطر .
قالت ذلك بعد أن توترت مالمحها .
ً
عندما أتى الغداء بدأت باألكل وبعد قليل أوقعت قليال من
الحساء على الصحن كانت تحاول أن تمسح ما وقع وتزيل توترها
معه ،قلت لها ألخفف من حدة التوتر.
ً
_تملكين سحرا ال أستطيع مقاومته وال وصفه ،هل أستطيع أن
أشرب معك فنجان قهوة في الشاليه عندي؟
ً
ً
نظرت نحوي كان بريق عينيها جميال وأحمر شفاهها يلمع أيضا
وكانت تجلس بطريقة أنثوية جميلة.
أخذت ملعقة أخرى من الشوربة ثم وضعت امللعقة وأرجعت
ظهرها على الكرس ي بارتياح.
_فقط قهوة ...ال تعبث .
131
_ نعم وقليل من البسكويت ...ليست جيدة وحدها.
ً
في الطريق بدت مرتاحة جدا ،كنت مشدود األعصاب كاملقدم
ّ
ً
على خطيئة ما ،أو علها مقاضاة الذات ،كيف أنني كنت مرتبطا
بفتاة قبلها واآلن أقفز إلى أخرى ،ال أعلم إلى أين نحن ماضون ،وإن
ً
لم نمض فهو مطب آخر ،على أي حال لم أكن يوما من عشاق
التنقل ما بين أنثى وأخرى ألنه بنظري أن األنثى بحد ذاتها أو األنوثة
ً
بشكل خاص هي مفهوم آخر ،بل ربما ترتقي لتكون بعدا آخر في
ً
جنسنا البشريُ ،يمكن المرأة واحدة ُت ّ
قدر أنوثتها جيدا أن تأخذك
ً
ً
لعالم آخر حتى لتشعر أنك في مكان جديد تماما ال تعرفه مسبقا،
ُ
وإن استحق األمر ،قد تذهب معها إلى ُبعدك غير املكتشف وتعيد
ً
النظر في غالبية مفاهيمك عن أي ش يء وبأبعاد جديدة تماما.
فكرة االرتباط بحد ذاتها وإن كانت صحيحة وعلى املعايير
ً
املناسبة تماما وهي وجود الذات الناقصة مكتملة بذات أخرى وهذا
ينطبق على الجنسين إن صح هو كرجل...
كانت جالسة بجانبي متكئة على أريكه السيارة ،وضعت حزام
األمان ،شعرت بجمالها األخاذ حتى أنني لوهلة خطر لي أن مصمم
هذه السيارة صممها لتجلس واحدة تشبهها أو باألحرى هي ذاتها...
132
ً ً
ً
انطلقنا نحو البيت الجبلي كنت أيضا مرتاحا جدا ثم فجأة
توترت
كانت تتمتم مع أغنيه ”amy macdounald “this is the life
ً
بدأت أدندن معها ثم عال صوتانا لنغني األغنية معا...
ً
ً ً
وصلنا للشاليه وكنت متفائال جدا( ...حقا إن كل تفصيل صغير
ً
ً
يترافق مع نشاط ما يضفي عليه روحا وطابعا) دخلنا من الباب
األمامي ثم إلى بهو املنزل ثم إلى الطابق العلوي فالتراس املطل على
سفح الجبل...
إنها الخامسة مساء والشمس تغرب مع نسمة جبلية باردة وهدوء
ً
كبير ...جلسنا حول الطاولة الخشبية املصنوعة يدويا على كرسيين
ً
مريحين جدا وخالل دقائق أتت جوليت بالقهوة مع قطع شوكوالتة
سويسرية من النخب األول ،ولكسر الهدوء وضعت موسيقا
كالسيكية.
تحدثنا عن بعض العادات التي يمارسها النمساويون
والهولنديون والفروقات فيما بينهما ثم جرنا الحديث إلى االقتصاد
األوروبي وحسنات وسيئات اتحاد العملة وتاريخ أملانيا وتأثيرها على
املجتمع األملاني الحالي.
133
ً
حدثتها قليال عن بلدي األم وكيف وصلت إلى أوروبا وإنني بطريقة
ً
ما أصبحت أحد رواد األعمال على مستوى ليس بسيئ بل جيد جدا..
حدثتني عن والدتها املكسيكية وأنها اآلن في املنزل وأنه يجب علي
أن أستمع لها عندما تتكلم عن لحظة لقائها األول بوالدها في
الواليات املتحدة عندما كان في ميامي ألول إجازة له مع عائلته حيث
صادفها في مطعم مكسيكي تعمل به.
حين وقعت عيناه عليها أحبها وهام بها ،وعلم أنه وجد شريكة
حياته .
وكيف أنه بعد فترة ال تتجاوز أسبوع تركت عملها وأمضت الوقت
معه في إجازته ،وعاد بعد ثالثة أشهر ،عاشوا قصة حب جميلة .
ً
ثم قررا أن يأتيا معا إلى النمسا.
قالت لي:
ً
هي دائما تأتي على هذا الحديث وكأنها ترويه للمرة األولى ،أو كأنهاالتقت بأبي البارحة هذا وإن دل على ش يء يدل على أن العالقة منذ
اللقاء األول كانت في أفضل مستوياتها.
بعد أن أنهينا القهوة أطلعتها على املنزل بشكل عام ثم وصلنا إلى
غرفة التسلية التي تحوي هواية مشتركة لكلينا وهي التنس ،حين رأت
134
ً
ً
املضارب معلقة جانبا ،اتفقنا أن نذهب لنلعب سويا ولكن بما أن
كالنا مبتدئ تبرعت ليزا بأن تأتي بمدرب .
انتهت األمسية بكوب من الشاي في الصالون السفلي وكنت في
هذه األثناء أتناقش معها رواية 1984لجورج أوريل والخلود مليالن
عالقتي التي تشتد كل يوم بفيصل ،بدأ فيصل يعطيني مفاتيح
األشخاص الذين يعتمد عليهم سام ،وعلمت أن هنالك ما يقارب
العشرة أشخاص كما سام ،وبدأ يقدمني على أنني فرد جديد من
العائلة ،هنا أيقنت أنه ال عودة...
ما بعد العام السابع في امستلفين:
في عيد ميالدي الثالثين ،فاجأتني سالم بزيارة مع ماركوس ،إلى
ُ
نزل "ماركوس" في هارلم ،في السنوات الثالثة التي مضت أصبحت
عالقتي بسالم مرتبطة بماركوس فقط ،وصرت ال أترك مناسبة ال
أشعر بها سام بمدى ضعفه وعجزه أمام ماركوس سيتي الترفيهية،
والتي اآلن أفتتح فرعها الثاني في شتوتغارت على األخص بعد خروجي
التدريجي من سوق تجارة القنب ،طاملا كان الكرم مفتاح القلوب.
منذ كأس الويسكي على شرفة سام ،أصبحت سالم على ما يبدو
بين نارين أنا وماركوس من جهة وتصرفات أبيها من جهة أخرى ،بدت
ً
ً
غريبة األطوار أحيانا ،متأففة دون سبب أحيانا أخرى وبدت
102
ً
نقاشاتنا مشادات كالمية حتى أنني أتذكر جيدا حين خرجت في ليلة
ُ
ضبابية من شقتنا إلى نزل ماركوس وقضيت الليل فيه ،كانت سالم
في األشهر األخيرة حتى انفصالنا شديدة الغضب ،حتى أن ماركوس
مرة طلبني في الهاتف وقال لي أن هناك شاب يتردد إلى املنزل ،سألته
إن كان قد قض ى الليل فيه فنفى وقال إن سالم تحبني ،لكننا لم نعد
كما كنا قبل منذ مرضت ،وقال إنه يتمنى لو أنني أمرض ثانية كي
نعود عائلة كما كنا...
ً
ثالث سنوات في هارلم ،احتفلنا بعيد ميالدي لم أقرب سالما
ً
يومها ،ظل ماركوس غافيا على يدي حتى الصباح ،رحلت سالم في
اليوم التالي ،أما ماركوس قرر أن يبقى بقية األسبوع برفقة أبيه
ً
مستفيدا من أيام العطلة املدرسية ،هكذا صرنا أنا وماركوس ،يأتي
ً
في عطالت نهاية األسبوع نخرج معا نتحدث كصديقين من نفس
العمر ،كنت أتمنى لو أنني أستطيع أن أخبره ما الذي أتى بنا إلى هنا،
ً
كان يحب سام كثيرا ،وكان علي االنتظار حتى أنقل الحقيقة كاملة
إليه...
103
104
4
105
106
سحابة صيف يف النمسا
قاعة فسيحة ذات أرضية رخامية فضية اللون يتخلل الرخام
ً
أحجارا المعة تبدو كماسات صغيرة ،طاوالت عليها شراشف فاخرة
ونوافذ واسعة تطل على حديقة فيها بحيرة وملعب غولف ...صوت
تشيلو ممزوج بصوت كمان وبيانو ،أصدقاء نموذجيون لحفل
رسمي راق ،بدالت رسمية من صناعة ماركات عاملية فاخرة
ومصممون معروفون على مستوى أوروبا ،فساتين ساتان ودانتيل
بتصاميم ال تقل عن وزن الحضور ،والكثير من األقمشة الفاخرة
التي تبدي من التصاميم جمال مفاتنهن ...كان هنالك شاب بدين
شعره أصفر كالنحاس يمشطه إلى جهة اليمين ليخفي بداية الصلع،
107
له لحية خفيفة شعرها متناثر في وجهه ،وشارب مترام ،فمه عريض
ووجهه طفح ممتلئ ،يلبس بدلة سبور شيك ،حذاء أسود المع ،بيده
كأس ويسكي وباألخرى سيجار عريض ،كان يضحك وكأنه أطلق
العنان لكائن ما يختبئ بداخله...
هو الشخص الوحيد في هذا الحفل الذي ترك الزر األول من
ً
ً
قميصه الكاروهات مفتوحا والشخص الوحيد تقريبا الذي يحمل
ً
كرشا فوق قدميه ،يتدلى تدل بسيط ليغطي حزامه.
ً
كنت أقف صامتا أمسك بكأس على مستوى صدري وأنظر إليه
بقنوط ،شعرت وكأنني قد استبدلت عمودي الفقري بلوح خشبي
ً
وقدماي تسمرتا تماما إلى األرض والتصقت بأرضية حذائي ،نظر إلي
شعرت أن الحضور اختفوا عندما التقت أعيننا وأن ضغط هواء
ً
الغرفة قد ارتفع وأن هناك خطا من الطاقة فيما بيننا شعرت
بجسدي يستجمعها وأن ّ
يدي قد انتفختا وصررت قبضتي على
كأس ي ،ابتسم ابتسامة مصطنعة وأشار لي "بصحتك " أومأت إليه
بصمت ولم أحرك أي من عضالت وجهي كان هناك امرأة ثالثينية
ً
ً
ممتلئة الجسد تلبس فستانا أحمر ناريا يتدلى على أردافها وخصرها
ويرسم بعض مالمحه شعرها أسود كثيف متعرج ،بدت وكأنها
حضرت جلسة ماكياج خفيفة تليق بحفل كهذا .
108
في البحث كنت دائم الترحال ،كنت أتقلب كيوم خير في املزاج من
مدينة إلى أخرى ومن أرض جرداء إلى سهل ومن سهل إلى جرد أعبر
ً
ً
ً
طريقا طويال ،أقودها بأشد الحماس لكني تائه املقصد دائما ،أنا
بحجم قدرتي على امتالك كل ش يء وأكاد ال أمتلك قرارة نفس ي ،أكاد
ال أستطيع أن أحدد ما هو عشائي اليوم ،أبحث عن ش يء يخرجني
من هذا الضيق .ضيق بال سبب...
خرجت من هذا االحتفال الكبير وكأنه لم يكن كل ما أصابني منه
هو إرهاق الجسد فقط ،ال طعم له وال لون ،ال مقصد لي بهؤالء
ً
الذين قابلتهم وال يهمني ماذا يقصدون بي ،هذا أنا دائما طليق مقيد،
ً
حر املزاعم ،زعمي حقيقة وحقيقتي واقع مؤثر جدا على كل من
حولي.
ً
صعب جدا أن أرض ى ،فالرض ى بالنسبة لي هو حد نهاية طموحي
بذاك املبتغى الذي رضيت فيه.
أريد أن أتنفس .لم يخرق صدري ال هواء صيفي وال هواء بارد
أريد أن أخرج من جسدي وأتأمله ...أتأمله وهو في عري كامل .سأحزن
عليه لساعة وأعجب به لساعة سأضمه ساعة أخرى وسأنفر منه
ً
ساعة أخرى ...سأجلس معه كشخص أخر يفهمني تماما.
109
ساعات بصمت ...صمت فقط ،هذا الصمت يقرؤه كل ما
ً
بداخلي ال حزن يكفيني ،إن الحزن ال يكفي أبدا حتى شديد الحزن ال
ً
ً
ً
ً
يضيف إلي شيئا ،ال فرحا عرمرما ،إني ال أفتقد شيئا حتى إذا جاءني
فرحت.
أراك أيتها اآللهة جسدي الذي تحدثت عنه ،ال أضيف لذلك
ً
ً
أنت فقط هو ،أنت أنا ،أنت الذات التائه الذي وصل مبكرا
شيئاِ ،
ً
جدا إلى كل ما أراد ،أنت املعذب الذي على قدر ما ُعجن ُ
وصبغ ولطخ
وضرب تشكل بصيغة ال تقهر ،أنت أنا الذي أراه ّفي ،أنت الذي ال أرى
ً
شيئا سواك.
بدأت أتأملها كانت ممتلئة بطاقة لم أستطع تفسيرها بهذه
اللحظة تتحدث بصوت أنثوي مع أحدهم وترمقني بطرف عينها
خلسة ،وأنا بدوري أمثل عدم االكتراث ،نظرت تجاهي مبتسمة
بإغراء وكأنها لم تعنها لي ،أعطتني إشارة دون أن تثبت ذلك أدرت لها
ظهري تحدثت مع أحدهم كنت أشعر بنرجسية كبيرة ،الوحيد
ً
املوجود بهذه القاعة ،أشبه ممثال بدور البطولة ومن حولي هم
كومبارس الحلقة حتى هي...
شردت في غفلة مع أني لم أفكر بها ...حينها بدون إنذار أحسست
ً
أني أشتم رائحة جسدها ،إنها شهية وأن هذا البهاء اليزال موجودا في
ً
أنثى نظرت إليها نظرة إعادة تقييم رمقتها مجددا قدماها ناعمتان،
110
ً
أصابع يديها تتناسب تماما معهما في نعومة فائقة عنقها الطويل
تتدلى عليه خصلة من شعرها وكالهما ممزوج ببريق قصب املكياج.
ً
أكاد أستطيع تحديد أماكن على جسدها وضعت عليها عطرا،
ّ
جرني غروري إليها وقفت أمامها مشدود الظهر على مسافة قريبة،
لم أنبس بحرف اقتربت مني ونطقت بصوت شديد النعومة :
ً
مرحبا ...ليزا
ً
هززت رأس ي مومئا برض ى ،صمتت لوهلة ثم قلت:
كريم
بدت أنها تريد االستمرار بالحديث لكن قبل أن تنطق أدرت
ظهري وخرجت .
ً
كان الحفل ال يعني أبدا حفل تعارف بين أصحاب رؤوس األموال
ً
ينتهي بمزاد نشتري منه شيئا ال يستحق ربع قيمته ،فقط كي تكون
ً
لنا قيمة بين الحضور ولنثبت حجم ثرائنا ،إنه ال يعنيني أبدا وثروتي
سريعة املنال.
خرجت إلى سيارتي املرسيدس التي جئت أستعرضها وقدت
ً
بهدوء وصمت شديد إلى شاليه ريفي في منطقة جبلية ،شربت كأسا
111
من الويسكي وأنا أوقد موقد الحطب ،ارتديت بجامة خفيفة
وجلست أدخن أمام النافذة ثم غفوت على الكرس ي الهزاز.
ً
ُ
لم أغف إال قليال حتى رن هاتفي النقال لم أكترث ثم عاد الرنين...
ً
صمت قليال ثم رنة ثالثة من ذلك املتصل أجبت
هلو
ً
_ مرحبا سيد كريم (إنه صوتها) أنا ليزا كنت أتساءل إن كان
باإلمكان زيارتك في مكتبك أنا أعمل كمديرة عالقات عامة في شركة
االستثمار العقاري ونحن بصدد بناء منتجع صيفي وشتوي وقد
علمت من الشخص الذي أعطاني رقم هاتفك أنك تملك أوتيل هل
لي...
ً
ً
_غدا صباحا عند العاشرة في مكتبي سأرسل لك العنوان في
رسالة.
نسخت عنواني من رسالة نصية ولصقته في أخرى أرسلته لها
جاء رد سريع.
ً
_أنتظر غدا بحماس.
أرسلت لها إشارة تعجب.! :
وردت ّ
علي بوجه مبتسم :طاب مساؤك.
112
ً
في اليوم التالي استيقظت عند العاشرة والربع .جسدي كان ثقيال
كان الطباخ قد أعد قهوتي ومررته خادمتي الخمسينية جوليت،
ً
ً
وضعتها على طاولة الصالون .أخذت حماما سريعا شربت قهوتي
ً
وصلت عند الحادية عشرة إلى مكتبي وكنت قد نسيت تماما موعد
ليزا حتى أنني عندما رأيتها في صالة االستقبال سألت نفس ي للحظه
ماذا تفعل هنا َ ....
وقفت بغضب مكبوت:
_هل كل ش يء بخير سيد كريم؟
_آسف على التأخير تفضلي.
عال وتبدو عليها سمة
كانت ترتدي بدلة رسمية نسائية مع كعب ٍ
ُ
امل ِجد في العمل ،أحترم ذلك أحب أن تزورني صبية جميلة حسناء
تصغرني بضع سنوات وأن تراني مفتاح نجاح في سيرتها الذاتية.
للمال لسان سليط في هذه املدينة.
ً
ً
أخرجت حاسبها املحمول وعرضت ّ
علي مشروعا استثماريا
ً
يجذب رجال األعمال مؤخرا وهو األول من نوعه في املنطقة
ً
والجغرافيا هنا مناسبة تماما.
اقترحت أن نزور املشروع .قبلت ،لكن أحسست شبه متيقن أن
الذي شدني إليه هو شعرها املشدود رائحة عطرها وأنوثتها املفرطة
قلت لها ونحن في الطريق .
113
_يجب أن تكوني من أصول شرقية فأنت شديدة الجمال على أن
تكوني فتاة أجدادها أبناء هذه الجغرافية.
ً
_لم تخطئ تماما والدتي مكسيكية ووالدي من هنا من النمسا
وأنا أتحدث ثالث لغات بطالقة ،أضف إلى هذا أنني اكتسبت بعض
العادات من هنا وهناك خاصة أنني كنت من أعضاء الفرقة
ً
املكسيكية في الكنيسة أثناء دراستي الثانوية وكنت نمساوية تماما
أثناء دراستي الجامعية فاكتسبت هذا املزيج .
_ال عجب في ذلك نظرتي ال تخيب.
وصلنا إلى املشروع وبدأت تشرح لي وتطلعني على التفاصيل املهمة
وعلى مقدار األهمية العقارية للمشروع وأن أسعار أسهم البورصة
ً
ً
سوف تتضاعف قريبا وكانت منغمسة تماما في هذا الشرح الذي
يستهويني حتى أنها أجرت بعض املكاملات لتتأكد من بعض األرقام
وهي في خضم حديثها عن أهمية املوضوع وأنه سيكون تحت إشراف
ً
إدارة متخصصة وسوف يجذب الكثير من الناس ويجمع كثيرا من
الفعاليات ،خاصة أن كبار املستثمرين فيه من شركات طيران
وسياحة.
ً
أشعلت سيجارة وملت إليها قليال ،وسألتها بصوت منخفض
_كم علي أن أدفع؟
114
بدأت تشرح لي عن النسب والدفعات واألمور املالية قاطعتها :
ً
ّ
محامي الخاص وأنا
_حددي رقما وتعالي مع العقد إلى مكتب
جاهز للتوقيع وبهذه املناسبة فلنحتفل سوية في املطعم الصيني هذا
املساء .
ً
_عذرا ال أستطيع الخروج مع زبائننا املحتملين .
ً
_عذرا ،ما جعلني زبونك بالدرجة األولى هو أنت ،شخصيتك
وأسلوبك...
رحلت دون أن تقول كلمة واحدة وأرسلت لي العقد بعد يومين مع
ً
محامي الشركة ،كنت أشعر أني ضئيل جدا دنيء النفس خالل
هذين اليومين .
بعدها أتى العقد فأحسست أننا لم ننته ،أو أنني توهمت ذلك
عندها...
قمنا باإلجراءات القانونية كاملة وتم توقيع العقد وتحويل
األموال بعد جلسة استشارية طويلة مع محاسبي الخاص الذي
ً
تحمس جدا -هو ومكتبي اإلداري -إلى مستقبل ناجح لهذا االستثمار
على املدى البعيد .طلبت من املحاسب أن يأتيني بعنوانها ...ذهبت إلى
ً
متجر الورود اخترت باقة جميلة ثم اشتريت عطر امن أجود األنواع،
ً
ً
رجعت إلى منزلي ارتديت جينزا وقميصا .وصلت إلى بابها قرعت جرس
115
الباب ...نظرت إلي باستغراب شديد ارتبكت أحسست بها سعيدة
قدمت الورود وقلت لها :
_اآلن انتهينا من العمل ،هل لي باصطحابك إلى عشاء سيدتي؟
ً
صمتت قليال ثم أجابت :
ً
مساء
_عند التاسعة
ً
عند التاسعة تماما كنت عند بابها .ثم خرجنا حدث كل ش يء
بسرعة بعد العشاء أوصلتها شعرت بطاقة تخترق رأس ي كنت أريد أن
ً
أعود إليها حتى أنني وقفت قليال في الطريق شردت بتفاصيل
الحديث ...والدها رجل األعمال هي مديرة عالقات عامة هنالك حلقة
تائهة بين األب وابنته.
إن لم يكن هو نفسه صاحب املشروع علي أن أتحرى أسماء
الشركات املساهمة في املشروع أو ربما أسالها مباشرة...
أمها املكسيكية ستعود بعد أسبوع أريد أن أرى املرأة التي هرمت
التي أنجبت هذا السحر الذي أغواني إلى عشاء في هذه الليلة.
ً
كنت متحمسا كمن ضاع بسحرها ،شعرت بأنها أعجبت بفكرة
أصولي العربية وكيف أني بدوت لها في مظهر العصامي ...أنتظر
الصباح علي أكلمها ثانية ...
116
هي ليزا ،لربما جزء من هذا الضياع الذي ال ينتهي ،هي اليوم
فاتحة يوم جديد في العمر ،صباح بعد تعب ...لم أنم تلك الليلة...
عم أبحث ...؟
عن ّأم ..أم وطن؟
عن زاوية ما ألقي فيها كهلي املبكر وأنطلق بشباب جسدي الذي
بدأت أشعر أنه سئم من حمل روحي هذه...
عدت إلى الشاليه ،شربت قهوة تركية ثقيلة ،ودخنت بعض
سجائر املالبورو الـأحمر ،رميت كل ما في جيوبي على الطاولة مددت
قدمي على نفس الطاولة ثم غفوت غفوة نائم صاح ،رأيت نفس ي
أعانق أمي وأعطيها الكثير من املال وهي رمت مالي وجرتني إلى غرفتي
بأثاثها القديم نفسه أعطتني ساعتي القديمة وسوار جنى نعم جنى...
ما الذي أتى بجنى .
ثم سرت معها في شوارع البندقية واستيقظت على صرير باب
الصالون يقفل بهدوء ثم صوت رسالة نصية
_كانت ليلة جيدة عمت ً
مساء
ً
هذيت بصوت ماركوس يناديني ولم أفهم شيئا ،تفقدته في غرفته
ً
قبلته بهدوء كان نائما ثم أخذت حمام املساء ونمت بعمق شديد
حتى الثانية عشرة في اليوم التالي...
117
شربت قهوتي وأخرجت ورقة من طابعة مكتبي وسجلت عليها ما
يلي:
_مشروع املنتجع ...كلم املحامي.
_زيارة إلى امستلفين ...تفقد أوضاع العمل.
_أهاتف كاترين .
ثم إن وجهك لم يفارقني حتى على الجدار األبيض املقابل لي...
ً
أكتب هذا...أنا في مأزق ما مع فتاة ما مجددا .
أخذت هاتفي طلبت رقمها ردت في رسالة .
ً
_أنا في اجتماع أكلمك الحقا هل كل ش يء على ما يرام.
_ال سيدتي أنا لست على ما يرام.
_هل تحتاج مساعدة ما ؟
_نعم
_كيف ذلك؟
_أرسلي لي رسالة نصية بعد االجتماع.
ً
_حسنا قابلني في مكتبي بعد 20دقيقة.
خرجت لها ببدلة بريوني كحلية اللون ركبت سيارة املرسيدس
ً
وضعت عطرا لم أعتن بشعري أو ذقني خرجت وفقط .
118
دخلت مكتبها بل إنني بطريقة ما اقتحمته جلست خلف طاولتها
وتجاهلت عباره (ممنوع التدخين) أشعلت سيجارة واستعملت
محبرة للديكور لتكون منفضة مؤقتة ،دخلت ليزا وصرخت سيد
كريم أتيتً ...
رجاء اطفئ السيجارة وافتح الشباك .تجاهلت ذلك
ً
وأخذت قلما وورقة وكتبت
ً
لم أر مثلك أثيرا لم أقع في بحر قط ،لم أعرف نساء لم أعرف
نفس ي التي أكتشف اليوم هنا عندك أنت ليزا أريدك ...أريدك اآلن
أريدك معي ...طويتها وتركتها على لوحه مفاتيح كمبيوترها املحمول .
ً
لم أنتظرها خرجت متوجها إلى ماركوس ،اصطحبته إلى
امستلفين استمتعنا بموسيقا الطريق وحكاياتنا التي تضفي عليه
الكثير من البهجة ،رن هاتفي إنها ليزا لم أجب أكملت الطريق.
في املساء رن ثانية كنت قد تركته على طاولة السرير ثم أنني لم
ً
أالحظه حتى الصباح التالي كان يومي الثاني مكتظا بين عمل
وماركوس وكان علي إيصاله ليرى سالم .
صافحتها لم أشعر بوجودها حتى.
كيف الناس تعطى نعمه النسيان هكذا...أشعر باختالل ما
يترافق مع نرجسية من نوع آخر عدت إلى عملي وعند السابعة زارني
119
ً
ً
رفاق قدامى وجرى حديث طويل لبثنا معا حتى وقت متأخر جدا...
كان ّ
علي أن أحادث ليزا .
في صباح اليوم التالي طلبت رقمها رن الهاتف وأجابتني...
_سيد كريم هل هذه لعبة األغنياء! على صعيد العمل لقد انتهينا
ً
ً
تماما وعلى الصعيد الشخص ي أنت شخص مستفز جدا أشعر بأنك
بحاجة إلى إعادة تأهيل وتقييم لعالقاتك مع األشخاص كيف لك أن
تصبح على هذا الدرجة من االستفزاز ،تصرفك غير مسؤول وأنا
أحاول محادثتك ليومين على التوالي...
_على صعيد تأثيرك ...مساؤك جمال سيدتي
ً
_هل لك أن تكون جادا بعض الش يء ثم أنك...
انتهت املكاملة وأقفلت الخط.
وضعت هاتفي على الطاولة أعددت قهوة ثقيلة ووضعت
الفنجان بجانب هاتفي تأملته بصمت فتحت رسالة جديدة لها
وكتبت:
ً
_عطرك يمأل املكان صوتك في املرة األخيرة كان هادئا وكنت أنيقة
ً
جدا ثم أنك مثيرة لالهتمام بنظري أو هل أستطيع محادثتك أو
مراسلتك بوقت تكونين فيه بمزاج أفضل
120
_ال تراسلني
ً
_حسنا سأكلمك
!!_
_أكاد أرى اهتمامك
_أنت مخدوع بنفسك
فيك
_وربما مخدوع ِ
ً
ً
ً
وضعت هاتفي جانبا ارتديت شيئا خفيفا توجهت إلى املطار...
ً
في الطريق كنت ألوم نفس ي على كل ش يء ،كل ش يء تماما أتصرف
بطيش كبير ...أسعى دون أهداف شخصية أتكبد عناء السفر من
هولندا الى النمسا ألقابل فتاة ...إهمالي قادها لتنبذني.
وصلت بابها في وقت متأخر ،أحمل في يدي اليسرى فنجان قهوة
سريعة وفي اليمنى وردة بيضاء ...طرقت الباب ...رأتني من جهاز
االنترفون .
ً
ً
_ما الذي أتى بك؟ أنت مشغول جدا لكي تأتي اآلن عوضا عن
الصباح؟
_آسف كنت أنوي املجيء منذ أغلقت الخط لكن املسافة بعيدة
من هولندا إلى هنا...
121
_هولندا!
_نعم هذه عودتي من املطار لم أجد رحلة أقرب من هذه ثم إنه
في يدي فنجان قهوة ووردة جئتك بقهوة...
سمعت صوت قفل الباب اآللي ثم صوتها على الدرج املقابل
للباب:
ً
_من املعيب أن نرجع أحدا من الباب في عاداتنا...
_اخترت لك أمريكانو سادة
ً
_أنت لست جادا
ً
_لم أكن يوما على أي حال
ً
_قل لي ما تريد سريعا من فضلك
_عندي تاريخ وقصيدة وروح متعبة وحلم كبير بصيف ال ينتهي...
كانت قد وصلت الباب ،نظرت إليها تأملتها ...صندل صيفي فوقه
َ
دبابيس فيه.
شورت وكنزة خفيفة شعرها مجدول إلى الخلف وتضع
توجهت إلى الصالة .
_تفضل .
جلست ثم قالت:
122
سيد كريم لقد أنجزنا صفقة مهمة ،تحرشاتك باتت مزعجة
ً
جدا ،فلنوضح األمر على الشكل التالي تقابلنا في مزاد علني ،حصلت
على رقم هاتفك من رجل أعمال آخر ،وعقدنا صفقة ثم قبلت
مجاملة دعوتك وانتهى األمر ...ثم إن رسالتك في مكتبي خدعتني
ً
لوهلة لكني عندما توغلت في أفكاري عنك تيقنت تماما أنك شخص
خاطئ ثم أني...
قاطعتها .وقفت وأمسكت يدها اليمنى بيدي اليسرى وأعطيتها
الوردة وشكرتها على االستقبال ثم أجلستها على الكرس ي ...جلست
بهدوء كانت ترمقني بعينيها العسليتين الواسعتين تأملت رقبتها
الالمعة وعظام ترقوتها البارزة ثم جلست بجوارها وقلت :
_ أنا معجب بك على الرغم من أني مللت النساء على الرغم من
هذه الشخصية الناجحة التي ترينها لكني أمض ي بال هدف علك تريني
ً
هدفا ما ،إني كتائه يبحث عن نفسه بمكان ما ...بشخص ما ...بفكرة
ما.
وقفت بهدوء وقالت بصوت ناعم:
ً
ً
_شكرا على الوردة وشكرا على الزيارة املتأخرة.
ً
وقفت ومشيت نحو الباب ...شعرت أنه بعيد جدا ثم ذهبت...
123
ً
عملت كثيرا في األيام التي تلت ذلك ،أشغلت نفس ي بأمور كثيرة
كي أنس ى هذه اإلهانة ودققت بأتفه تفاصيل األمور كي أشغل عقلي
عنها.
ً
ومض ى أسبوع بعدها لم أكلمها ولم تحدثني أبدا.
ً
في األسبوع التالي كنت مارا بسيارتي بشارع مليء باملحالت
التجارية ملحتها ...وقد دخلت إلى محل مالبس ركنت سيارتي على
عجل ونزلت إلى محل هدايا مقابل للشارع ...صدفة رأيت أول ش يء
ً
في املحل دمية كبيرة على هيئة فتاة تشبهها كثيرا ،لون الشعر ذاته
نفس تفاصيل الجسم ...اشتريتها ودخلت ذلك املحل الذي اختارته،
كانت تقلب البضائع وتتجول باملتجر.
عندما دخلت التفتت نحوي فقلت :
ً
_وجدت هذه الدمية أمامي إنها تشبهك كثيرا أردت أن أعطيك
إياها .
ً
ً
ً
_شكرا سيد كريم ضعها جانبا أنا مشغولة اآلن نتحدث الحقا.
أحسست بش يء مر في فمي وبإهانة أخرى .
أعطيتها الدمية شكرتني ثانية وذهبت...
كنت أحب الطريقة التي تلفظ بها اسمي بشكل صحيح على الرغم
من ذلك.
124
ً
وصلت سيارتي ،جلست مشابكا يدي أحسست بخجل كبير من
ً
نفس ي كيف أتعامل هكذا مع سيدة وماذا أريد منها أصال؟
استجمعت قواي وقدت بشكل عصبي وصلت إلى الشاليه
وعندما دخلت من الباب شعرت أنني أرى نفس ي ألول مرة في تلك
املرآة املوجودة في مدخل البيت تأملت وجهي شعرت أني خرجت من
نفس ي .كانت عيناي العسليتان الواسعتان متعبتين ولحيتي قد نمت
ً
قليال بعد أن نسيتها عدة أيام بال تشذيب (طاملا أحبتها النساء) أشتم
ً
رائحة عطري ،خارت قواي تماما جسدي الطويل منهك ،ال أصفف
شعري عادة يصفف نفسه بنفسه ،مشيت بثقل إلى غرفتي تمددت
على السرير بشعور س يء ،تأملت سقف الغرفة وغفوت ...اثنتا
عشرة ساعة.
عندما استيقظت وجدت الكثير من االتصاالت الفائتة على
ً
هاتفي ...ماركوس قد اتصل كثيرا ،ورسالة منه ورسالة منها ...فتحت
ً
رسالتها أوال.
ً ً
ً
_شكرا على الدمية لكن تصرفك لم يكن الئقا أبدا رجاء حاول
أال تزعجني ثانية.
فتحت رسالة ماركوس:
ً
_أبي مض ى يومان هل كل ش يء على ما يرام إنني قادم غدا
اشتقت لك.
125
نهضت بجسدي الثقيل ذهبت إلى مكتبي ،كانت جوليت قد
أعدت القهوة ووضعتها في مكانها أخذت ورقة بيضاء وكتبت باللغة
الفرنسية:
_أنا يا سيدة أحتاج إلى الحنين ...الكثير من الحنين...
ثم وضعت فنجان قهوتي فوق الورقة أشعلت سيجارة وبدأت
ً
بشراهة أجري اتصاالت عمل متراكمة لدي ،وبعد ساعة تقريبا رميته
ً
جانبا وقلت لجوليت:
_اجلبي ماركوس لي.
حضرت له كل ما يحب وبعد نصف ساعة جاءت جوليت وقالت:
_قمت بجميع اإلجراءات سوف يصل مساء.
استقبلته بحب شديد وبعدها قلت له :
_هذان اليومان ملكك ،كل ش يء تريده فيهما هو لك
ً
ذهبنا إلى املسبح ،اشتريت له جيتارا جديد ومالبس ،ذهبنا إلى
مطعم صيني مشهور في جنيف ،تسابقنا بمعلومات نعرفها عن
النبيذ ،كالنا ال يعرف الكثير ،نحن لسنا جنيفيين وال هولنديين وال
ً
عربا .نتكلم األملانية والفرنسية والهولندية وال نمت لهم بصلة،
نعيش طليقين كحصاني سباق ،نعيش حرية الضياع قيد الالمكان
هوية دون منشأ ،ومنشأ ضاعت هويته ،نعيش كل الحب الذي
126
نبحث عنه ،نبحث عن أنفسنا بين كل نجاحاتنا ثم نثبت ونمض ي...
نمض ي دون ثبات ثم ننام منهكين ونستيقظ بطاقات جديدة بدون
مصدر ،ونعيد الكرة بطريقة جديدة .
ً
بعد أن انتهى هذان اليومان كنت جالسا مساء على طاولة
املشروب في منزلي أمامي كأس الويسكي وسيجارتي.
عادة ما تأخذني جلساتي مع نفس ي والكأس ملساحة أخرى
لتعطيني بعض السكينة كي أستجمع أفكاري ،بل إنها وبصورة ما
ً
طقس البد منه عدة مرات في األسبوع إن لم يكن يوميا ،وعادة ما
أشعر بترابط ما بين الكوهيبا والبالك ليبل لكنني اليوم بالذات
ً
أشعر أنهما ضيفين ثقيلين على مسائي وكأن شيئا ما يدفعني ألترك
هذه الغرفة وأمض ي ،أستغرب كيف أفقد الشعور بهذين الرابطين،
هناك عالقة وثيقة طويلة األمد فيما بيننا أحسست أنني أرفضهم
بشدة ،ش يء ما من ضياعي يقول لي أن أنهض .
إلى أين؟
ً
ً
ارتديت حذاء رياضيا وخرجت إلى الحديقة الواسعة متأمال
شجيرات الزينة كيف صففت بدقة شديدة وأن البستاني البد أنه
ً
ً
وضع كل طاقته وكل ما أوتي من ذوق وأضاع نهارا كامال بتشذيبها
ً
وسقايتها حتى تبدو طازجة ومرتبة بهذا الشكل ،لكني الحظت غصنا
127
وقد فلت منه .مشيت إليه على البالط شبه الجاف ،قصمته،
ووضعته بين أصابعي وذهبت إلى الباب الحديدي املطل على الشارع
ً
تحت عمود اإلنارة األسود تماما ،فتحت البوابة شعرت بالحديد
البارد ينعشني ،كيف لي أن أعيش هنا لسنوات ولم أفتح بابه مرة!
مشيت إلى الطريق الجبلي املعبد بدقة ،أخذت نظرة بعيدة على
الشارع املنار بأعمدة طويلة ،كان اإلسفلت يلمع وكأنه قد غسل اآلن
ً
والهواء منعش جدا بدأت أمش ي بخطوات بطيئة وبتسارع ضئيل ثم
مشيت ومشيت....
حتى لم أعد أرى املنزل خلفي ،جلست بجانب الطريق .أخرجت
هاتفي وبحثت عن اسم ليزا وكتبت رسالة لها:
_أيتها املشاكسة البعيدة القريبة أخذتني من نفس ي.
وكتبت رسالة أخرى:
_أنا جالس على طريق جبلية على صخرة بيضاء أتأمل املدينة،
أرى آالف األضواء وتحت كل ضوء هنالك قصة وحلم ،متيقن أنك
هناك في مكان ما ،تجلسين ربما مع أحد ما ال أخطر لك على بال،
ً
ترتدين بيجامة رياضية ضيقة وحذاء رياضيا أو تتنقلين بسرعة بين
محال تجارية عاملية إلضاعة الوقت ولتغذية أنوثتك بكل حال أنت
أكثر من أنثى .
ثم رسالة أخرى:
128
ً
_إن رأس ي فارغ تماما.
وصلتني رسالة منها :
ً
_غدا سيكون املشروع قد أتم %25من العمل لذا هنالك اجتماع
مجلس إدارة أرجو أن تحضر ،عمت مساء.
_ أخبرني وكيل أعمالي وسيتولى األمر.
ً
_ سأكون هناك غدا في الثانية عشرة.
ً
حضرت االجتماع متأخرا كالعادة ،كان وكيل أعمالي قد تولى
ً
مسبقا كل األمور القانونية.
قبل انتهاء االجتماع بربع ساعة بحلتها السوداء وكعبها العالي
ً
اقتربت مني وقالت بصوت خافت وبدت أنها جادة جدا أو تناقش
قضية مهمة مرتبطة بالعمل :
ً
هناك محل كرواسان جديد قد افتتح أنا أتضور جوعا.
لم آت بأي ردة فعل .
وعند انتهاء االجتماع خرجنا من القاعة الواسعة وكنت آخر من
ً
خرج تقريبا وكانت ليزا ما تزال في الداخل انتظرتها عند الباب
وأشعلت سيجارة وحادثت وكيل أعمالي ،طلبت منه أن يرسل
ً
ملخصا لالجتماع على البريد اإللكتروني الشخص ي .عندما انتهيت من
129
املكاملة مشت ليزا ببطء إلى الخارج كأنها مترددة أن تقف إلى جانبي
وعندما اقتربت كفاية قلت لها :
_تفضلي سيدتي أنا ال أعرف املحل.
ً
مشينا معا إلي سيارة الرنج روفر رباعية الدفع توجهنا بشكل ال
إرادي إلى مطعم آخر توقفت في املوقف الخاص باملطعم قلت لها :
_لقد تأخر الوقت على الكروسان لنتناول وجبة دسمة.
دخلت وكانت أمامي ،راقبت مشيتها الواثقة ،وأعجبت بكعبها،
ظهرها ،وكتفيها الصغيرين وأغازل شعرها بعيني ...أجلستها إلى
ً
الطاولة ثم جلست ،نظرت بعينيها مباشرة ،لم أتكلم أبدا لكن طاقة
ما كان تدفعني ألنهض وأقبلها .
ً
ً
َ
أخذت نفسا عميقا وبادلتني النظرة املباشرة بطريقة أحسست
أنها على وشك مهاجمتي .
ً
ً
أطلقت نفسا عميقا ثم قالت :
ً
_اسمع لطاملا كنت وقحا ،ولكنك بطريقة ما تصر على التواصل
ً
ً
معي وأنا ال أخفيك سرا أن هناك شيئا ما يشدني إليك بوسط هذه
األفكار املتراكمة وأنا غير قادرة على اتخاذ موقف واضح مع نفس ي
130
تجاه كل ما حدث فقررت أن آتي بفرصة ثانية لكلينا وعلها فرصة
أولى ال أعرف .
ً
_حسنا ماذا تأكلين؟ أنا سوف أطلب شريحة لحم مع نبيذ أحمر
ربما تطلبين أنت كوردون بلو ألنها تليق بشخصيتك أو كروسان
كونك تتناولين اإلفطار عند الثانية.
_سأكتفي بشوربة الفطر .
قالت ذلك بعد أن توترت مالمحها .
ً
عندما أتى الغداء بدأت باألكل وبعد قليل أوقعت قليال من
الحساء على الصحن كانت تحاول أن تمسح ما وقع وتزيل توترها
معه ،قلت لها ألخفف من حدة التوتر.
ً
_تملكين سحرا ال أستطيع مقاومته وال وصفه ،هل أستطيع أن
أشرب معك فنجان قهوة في الشاليه عندي؟
ً
ً
نظرت نحوي كان بريق عينيها جميال وأحمر شفاهها يلمع أيضا
وكانت تجلس بطريقة أنثوية جميلة.
أخذت ملعقة أخرى من الشوربة ثم وضعت امللعقة وأرجعت
ظهرها على الكرس ي بارتياح.
_فقط قهوة ...ال تعبث .
131
_ نعم وقليل من البسكويت ...ليست جيدة وحدها.
ً
في الطريق بدت مرتاحة جدا ،كنت مشدود األعصاب كاملقدم
ّ
ً
على خطيئة ما ،أو علها مقاضاة الذات ،كيف أنني كنت مرتبطا
بفتاة قبلها واآلن أقفز إلى أخرى ،ال أعلم إلى أين نحن ماضون ،وإن
ً
لم نمض فهو مطب آخر ،على أي حال لم أكن يوما من عشاق
التنقل ما بين أنثى وأخرى ألنه بنظري أن األنثى بحد ذاتها أو األنوثة
ً
بشكل خاص هي مفهوم آخر ،بل ربما ترتقي لتكون بعدا آخر في
ً
جنسنا البشريُ ،يمكن المرأة واحدة ُت ّ
قدر أنوثتها جيدا أن تأخذك
ً
ً
لعالم آخر حتى لتشعر أنك في مكان جديد تماما ال تعرفه مسبقا،
ُ
وإن استحق األمر ،قد تذهب معها إلى ُبعدك غير املكتشف وتعيد
ً
النظر في غالبية مفاهيمك عن أي ش يء وبأبعاد جديدة تماما.
فكرة االرتباط بحد ذاتها وإن كانت صحيحة وعلى املعايير
ً
املناسبة تماما وهي وجود الذات الناقصة مكتملة بذات أخرى وهذا
ينطبق على الجنسين إن صح هو كرجل...
كانت جالسة بجانبي متكئة على أريكه السيارة ،وضعت حزام
األمان ،شعرت بجمالها األخاذ حتى أنني لوهلة خطر لي أن مصمم
هذه السيارة صممها لتجلس واحدة تشبهها أو باألحرى هي ذاتها...
132
ً ً
ً
انطلقنا نحو البيت الجبلي كنت أيضا مرتاحا جدا ثم فجأة
توترت
كانت تتمتم مع أغنيه ”amy macdounald “this is the life
ً
بدأت أدندن معها ثم عال صوتانا لنغني األغنية معا...
ً
ً ً
وصلنا للشاليه وكنت متفائال جدا( ...حقا إن كل تفصيل صغير
ً
ً
يترافق مع نشاط ما يضفي عليه روحا وطابعا) دخلنا من الباب
األمامي ثم إلى بهو املنزل ثم إلى الطابق العلوي فالتراس املطل على
سفح الجبل...
إنها الخامسة مساء والشمس تغرب مع نسمة جبلية باردة وهدوء
ً
كبير ...جلسنا حول الطاولة الخشبية املصنوعة يدويا على كرسيين
ً
مريحين جدا وخالل دقائق أتت جوليت بالقهوة مع قطع شوكوالتة
سويسرية من النخب األول ،ولكسر الهدوء وضعت موسيقا
كالسيكية.
تحدثنا عن بعض العادات التي يمارسها النمساويون
والهولنديون والفروقات فيما بينهما ثم جرنا الحديث إلى االقتصاد
األوروبي وحسنات وسيئات اتحاد العملة وتاريخ أملانيا وتأثيرها على
املجتمع األملاني الحالي.
133
ً
حدثتها قليال عن بلدي األم وكيف وصلت إلى أوروبا وإنني بطريقة
ً
ما أصبحت أحد رواد األعمال على مستوى ليس بسيئ بل جيد جدا..
حدثتني عن والدتها املكسيكية وأنها اآلن في املنزل وأنه يجب علي
أن أستمع لها عندما تتكلم عن لحظة لقائها األول بوالدها في
الواليات املتحدة عندما كان في ميامي ألول إجازة له مع عائلته حيث
صادفها في مطعم مكسيكي تعمل به.
حين وقعت عيناه عليها أحبها وهام بها ،وعلم أنه وجد شريكة
حياته .
وكيف أنه بعد فترة ال تتجاوز أسبوع تركت عملها وأمضت الوقت
معه في إجازته ،وعاد بعد ثالثة أشهر ،عاشوا قصة حب جميلة .
ً
ثم قررا أن يأتيا معا إلى النمسا.
قالت لي:
ً
هي دائما تأتي على هذا الحديث وكأنها ترويه للمرة األولى ،أو كأنهاالتقت بأبي البارحة هذا وإن دل على ش يء يدل على أن العالقة منذ
اللقاء األول كانت في أفضل مستوياتها.
بعد أن أنهينا القهوة أطلعتها على املنزل بشكل عام ثم وصلنا إلى
غرفة التسلية التي تحوي هواية مشتركة لكلينا وهي التنس ،حين رأت
134
ً
ً
املضارب معلقة جانبا ،اتفقنا أن نذهب لنلعب سويا ولكن بما أن
كالنا مبتدئ تبرعت ليزا بأن تأتي بمدرب .
انتهت األمسية بكوب من الشاي في الصالون السفلي وكنت في
هذه األثناء أتناقش معها رواية 1984لجورج أوريل والخلود مليالن
Вы прочитали 1 текст из Арабский литературы.
Следующий - 48ثانية - 5
- Части
- 48ثانية - 1Каждый столб представляет процент слов на 1000 наиболее распространенных словОбщее количество слов 4586Общее количество уникальных слов составляет 222421.9 слов входит в 2000 наиболее распространенных слов34.2 слов входит в 5000 наиболее распространенных слов41.7 слов входит в 8000 наиболее распространенных слов
- 48ثانية - 2Каждый столб представляет процент слов на 1000 наиболее распространенных словОбщее количество слов 4660Общее количество уникальных слов составляет 222822.6 слов входит в 2000 наиболее распространенных слов35.9 слов входит в 5000 наиболее распространенных слов42.3 слов входит в 8000 наиболее распространенных слов
- 48ثانية - 3Каждый столб представляет процент слов на 1000 наиболее распространенных словОбщее количество слов 4644Общее количество уникальных слов составляет 215922.7 слов входит в 2000 наиболее распространенных слов35.4 слов входит в 5000 наиболее распространенных слов42.6 слов входит в 8000 наиболее распространенных слов
- 48ثانية - 4Каждый столб представляет процент слов на 1000 наиболее распространенных словОбщее количество слов 4571Общее количество уникальных слов составляет 230220.9 слов входит в 2000 наиболее распространенных слов33.9 слов входит в 5000 наиболее распространенных слов40.7 слов входит в 8000 наиболее распространенных слов
- 48ثانية - 5Каждый столб представляет процент слов на 1000 наиболее распространенных словОбщее количество слов 3865Общее количество уникальных слов составляет 193523.2 слов входит в 2000 наиболее распространенных слов35.8 слов входит в 5000 наиболее распространенных слов42.7 слов входит в 8000 наиболее распространенных слов