آخر رجال آل الأسد - 5

‫رق قلبك القاسي قليالً‪.‬‬
‫بكل األحوال هذه صور ابنك‪ ..‬إذا ّ‬

‫‪109‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ آخر رجال األسد‬

‫ـــــــــــــ ــــــ ــــــ ــــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ـــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ـــ‬

‫خرجت مرمي‪ ،‬ومل أقم بوداعها حىت‪ ،‬كنت خمبئة رأسي بني ذراعي مثل النعامة‪،‬‬
‫إنين أخاف من رؤية صورته‪ ،‬كيف إذاً لو رأيته ابحلقيقة!‬
‫كلمت نفسي يكفي اي نور محقاً‪ ..‬إهنا جمرد صورة‪.‬‬
‫مددت يدي املرجتفة ببطء مع تسارع أنفاسي‪ ،‬وقلبت الصورة‪.‬‬
‫شاب طويل وسيم وببنية قوية‪ ،‬شبهه بباسل قليل ‪-‬احلمد هلل‪ ،-‬العينان بريئتان‬
‫لدرجة ال توصف ‪ ،‬واالبتسامة خجولة مع غماز طويل كبري على اليسار ‪..‬ظهر‬
‫رغماً عن وجود اللحية السوداء األنيقة‪.‬‬
‫بكيت بكاءً شديداً‪ ،‬إنه نفس غماز أمي الذي كان يتغزل به أيب كثرياً رمحهما‬
‫هللا‪.‬‬
‫قلبت بقية الصور‪ :‬صورة عائلية مبتحف مونرتايل‪..‬‬
‫‪ -‬عيد ميالده الرابع عشر‪ ،‬مع بداية ظهور شعر الشارب‪..‬‬

‫ صورة ببدلة التخرج يقبل يد أمه أبدب شديد واضح على مالحمه‪ ،‬مع‬‫دموع الفخر والتأثر من عيون احلاجة فاطمة‪.‬‬
‫يف هذه الصورة أمر مزعج جداً ال أعرفه‪ ،‬حبثت عنه يف الصورة ومل أجده‪ ،‬لكن‬
‫حقيقة كان جيب أن أحبث عنه يف أعماقي والوعيي‪ ،‬أن أحبث يف رمحي الذي‬
‫احتضنه تسعة أشهر‪.‬‬
‫إهنا مشاعر الغرية الالمفهومة والالمنطقية من ّأم احتوت طفالً‪ ،‬أقلق من رؤية‬
‫صوره حىت‪.‬‬

‫‪110‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ آخر رجال األسد‬

‫ـــــــــــــ ــــــ ــــــ ــــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ـــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ـــ‬

‫مهمة دبلوماسية‬
‫سيارة عسكرية تقلين إىل مطار دمشق ويف أذين تنبيهات سهيل‪ ..‬ال ترتبك‪..‬‬
‫كن طبيعياً ألبعد احلدود‪.‬‬
‫مشيت واثق اخلطا ببدليت األنيقة‪ ،‬حتمل مرافقيت حقائيب السامسوانيت‪.‬‬
‫رميت للموظف جوازي الدبلوماسي األمحر‪ ،‬فختمه بسرعة‪ ،‬املوظف‪ :‬تفضل‬
‫اجلواز أستاذ سليمان)امسي الومهي )‪.‬‬
‫توجهت إىل مقعدي يف الطائرة املتوجهة إىل ديب‪ ،‬مث إىل سويسرا ‪-‬درجة رجال‬
‫األعمال واملؤامرات‪.‬‬
‫وصلت إىل برين عاصمة سويسرا مع مرافقيت اليت حلقت يب بعد ساعات‪ ،‬وكان‬
‫يف انتظاري جمموعة من أمهر احملاميني املتخصصني ابلقضااي املالية الشائكة‪،‬‬
‫أرسلهم خايل حممد ‪.‬‬
‫انتظرت مدة أسبوع‪ ،‬حىت وصلت األمانة مع أحد الرجال‪ ،‬فتحت احلقيبة فوراً‬

‫(كأسا مخر ‪-‬عقبا سجائر وورقة الصلح الرمزية اليت وقعها أربعتهم)‬
‫أرسلت مع احملامني الكأسني والسجائر فوراً إىل خمترب خاص مع نقاط من‬
‫دمي‪ ،‬ووصلت النتيجة احلامسة‪ :‬تطابق بنسبة ‪ ٢٥‬ابملئة مع كل محض نووي‪،‬‬
‫القرابة‪ :‬ابن أخ‪.‬‬
‫أما ماذا يهم إحضار ورقة الصلح املوقعة؟‬

‫‪111‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ آخر رجال األسد‬

‫ـــــــــــــ ــــــ ــــــ ــــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ـــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ـــ‬

‫فالبصمات اليت على الكئوس والسجائر‪ ،‬ستتطابق مع البصمات اليت على‬
‫الورقة الرمسية اليت وقعها بشار‪ ،‬وشهد عليها مقطع الفيديو الذي صوره‬
‫سهيل‪ ...‬ممايدل داللة قاطعة أن احلمض النووي هلم ‪.‬‬
‫تكفلت جمموعة احملامني بكل شيء‪..‬‬
‫استطعت سحب مجيع األرصدة اجملمدة يف بنوك سويسرا‪ ،‬الذين أتكدوا بدورهم‬
‫بطرق أخرى ال أعرفها من صحة نسيب إىل ابسل‪.‬‬
‫ورفع حمامي قضية يف النمسا ضد البنك الذي أعطى بقية األموال المرأة أرسلها‬
‫حافظ‪..‬مدعية أهنا أرملة ابسل عن طريق عقد زواج مزور‪.‬‬
‫طار اخلرب بسرعة الربق إىل الشام‪ ،‬وهناك حتول إىل صاعقة تزلزل القصر‬
‫الرائسي‪..‬‬
‫بشار‪ :‬مصائب ابسل تبقى حىت بعد موته‪.‬‬
‫ماهر‪ :‬إنه ليس مثل أي شاب مرفه مدلل من آل األسد‪ ..‬إنه يريد ملك أبيه‬
‫لو كان الثمن روحه‪ ..‬ولسهيل حساب قاس معنا‪.‬‬

‫‪112‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ آخر رجال األسد‬

‫ـــــــــــــ ــــــ ــــــ ــــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ـــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ـــ‬

‫سوراي بدها حرية‬
‫يف الشام أصبح الدوالر يساوي ألفي لرية‪ ،‬والغالء ال يطاق وال حيتمل‪ ،‬الشام‬
‫يف جماعة كبرية تكوي املؤيد قبل املعارض‪.‬‬
‫قتل سهيل العناصر الروسية املوجودة يف الفوج اخلامس بشكل مجاعي‪ ،‬وبدأ‬
‫االشتباك مع بقية الكتائب والوحدات يف الالذقية‪ ،‬وسيطر سيطرةً كاملةً على‬
‫املدينة‪ ،‬ومتت تصفية أقارب األسد وعناصرهم بشكل كامل‪ ،‬وبدأت‬
‫االشتباكات يف دمشق واملدن السورية بني العناصر الذين مولتهم آبالف‬
‫الدوالرات وبقية عناصر األمن واجليش‪..‬‬
‫كان الفوج اخلامس جمهزاً ابألسلحة احلربية الثقيلة اليت وجهها سهيل على بقية‬
‫القطع والوحدات العسكرية‪ ،‬وعلى أوكار بشار وماهر اخلفية‪.‬‬
‫مل تستطع القيادة الروسية إال التهديد والوعيد‪ ،‬ومل تستطع إال الوقوف موقف‬
‫املتفرج على عمالئها‪ ،‬وهم يتقاتلون يف سبيل املال واملصاحل‪.‬‬
‫أما على صعيد جبهة إدلب‪ ،‬فقد بدأ اجليش احلر ابلتوحد والتعايف والتمدمد‬
‫مرة أخرى إىل محاة وحلب‪ ،‬وإنزال أشد الضرابت إيالماً ابملرتزقة الروسية الذين‬
‫يقاتلون منفردين على خط النار‪.‬‬
‫دام األمر شهوراً‪ ،‬خبأ الروس خالهلا خرب مقتل بشار وماهر ‪..‬إىل أن أعلنوا‬
‫اخلرب وطلبوا اهلدنة والتسوية‪.‬‬
‫‪113‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ آخر رجال األسد‬

‫ـــــــــــــ ــــــ ــــــ ــــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ـــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ـــ‬

‫هنا فهمنا متاماً أان وسهيل أن االحتالل الروسي يريد وضع أحدان يف القيادة‬
‫والتضحية ابآلخر؛ لتدور احلرب مرة اثنية بيين وبينه اليت كانت نتيجتها قتل‬
‫سهيل وأسر قواته‪ ،‬وإصابيت إصابة ابلغة يف رجلي‪.‬‬
‫سهلت األمور للجيش احلر للسيطرة الكاملة‪ ..‬ويف اتريخ ‪ ٢٠٢١ /٣ /١٥‬مت‬

‫دخول كتائب اجليش احلر إىل دمشق اليامسني‪.‬‬
‫استلم اجمللس االنتقايل احلكم مؤقتاً‪ ،‬وفتحت السجون؛ ليخرج منها آالف‬
‫املعتقلني واملعتقالت‪ ،‬وبدأت احملاكمات العادلة‪ ،‬عاد الالجئون من الشتات‬
‫ابملاليني؛ إلعادة اإلعمار ورؤية األهل واألحباب‪.‬‬

‫‪114‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ آخر رجال األسد‬

‫ـــــــــــــ ــــــ ــــــ ــــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ـــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ـــ‬

‫تشابه أمساء‬
‫دمشق‬
‫مشاعري عند رؤية عائليت‪ ،‬ال يستطيع الكالم وصفها‪ ،‬عانقت أمي وأيب‬
‫وهوزان عناقاً طويالً‪.‬‬
‫التعطي مالمح هوزان للسعادة واحلزن حقهما إال عن طريق عينيه اخلضراوين‬
‫اللتني تضيئان عند الفرح‪..‬‬
‫بين؟‬
‫أمي خبوف‪ :‬ماذا حدث لقدمك اي ّ‬
‫إصابة بسيطة وتزول‪ ..‬ال تقلقي اي أمي املهم رؤييت لكم خبري‪.‬‬
‫أمي‪ :‬ايليتها قدمي اي حبييب اليت أصيبت‪.‬‬
‫بعد قليل رأيت املشهد الذي كان يؤرق ليلي وهناري‪ ..‬سعيد معه مليس حتمل‬
‫ابنهما الصغري الذي ابدرين بضحكة حلوة بسنّني مل أستطع إال أن أابدهلا أبخرى‪..‬‬
‫علي أن أتناساهم لن أستطيع تغري‬
‫أدرت وجهي عنهم بعدها فوراً مع تنهيدة‪ّ ..‬‬
‫العامل كله‪ ..‬الحظت أمي كل هذا‪ ،‬وقالت يل‪ :‬فليذهبوا إىل اجلحيم‪ .‬سيوقعهم‬
‫شر أعماهلم يوماً ما‪.‬‬
‫هللا ب ّ‬
‫لقد حان وقت العتاب‪ :‬لكن اي أمي ملاذا لتشاركوهم أفراحهم اليت بنوها على‬
‫تعاسة اآلخرين‪.‬‬

‫أم قتيبة‪ :‬اي حبييب لقد ألقى لنا سعيد اخلبيث طعماً بدعوته لنا إىل حفل‬
‫اخلطوبة‪ ،‬ليتأكد من صدق غضبنا جتاهك وتربئنا منك أم ال‪ ،‬كان علينا أن‬
‫ندعس على قلوبنا ونذهب مرغمني‪.‬‬
‫‪115‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ آخر رجال األسد‬

‫ـــــــــــــ ــــــ ــــــ ــــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ـــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ـــ‬

‫ أستغفر هللا‪ ..‬كيف مل خيطر على ذهين السبب وهو أمام عيين‪.‬‬‫ ألن أابك أمرك أن ترتك مشاعرك جانباً‪ ..‬لكنك مل تطعه‪.‬‬‫أيب‪ ،‬أمي‪ ،‬كيف ستكون عالقيت بكم بعد أن يعرف اجلميع ابن من أكون‪.‬‬
‫كيف سأتعامل مع أ ّمني يف نفس الوقت‪ ...‬بعد قليل‪..‬‬

‫رأيتها تنتظر دورها‪ ،‬ما زالت مجيلة حسناء مثل صور شباهبا ‪ ..‬بتناسق رائع‬
‫بني عينيها اخلضراوين العسلية وبشرهتا الذهبية‪ ،‬حقيقة ال أعرف كيف أتصرف‪،‬‬
‫وماذا أقول‪ ..‬كان كالان وامجاً حي ّدق ابلوجوه‪ ،‬مث كسرت الصمت وركضت‪.‬‬
‫فتحت يدي على وسعهما ألعانق أمي احلقيقية ألول مرة‪ ،‬لكنها ضمت هوزان‬

‫بشدة‪ ،‬وبللت صدره بدموعها‪ ،‬مث احنىن إىل وجنتيها وقبّلهما‪.‬‬
‫أمي‪ ..‬لقد أخطأت هذا أان أمامك‪ ..‬ابنك قتيبة ‪...‬شدين أيب من ذراعي‪ ..‬اي‬
‫أيب ماذا تفعل هذه‪.‬؟؟‪ .‬وكيف تعانق وتقبل أخي الغريب عنها‪.‬؟‬
‫أمي‪ :‬وملاذا ال تعانق األم ابنها‪.‬‬
‫أان بذهول‪ :‬أمي‪ ..‬أيب عن ماذا تتكلمان ‪..‬أان قتيبة العريب ابنها‪ ،‬الذي وضعين‬
‫التنظيم أمام مسجدكم لرتعوين‪.‬‬
‫أيب‪ :‬وهل يولد الرضع اي قتيبة مع وسم على جبينهم يصنفهم إىل عرب وكرد‬
‫و ترك‪ .‬أبناء ريف أم مدينة‪ ..‬جاؤوا ابحلالل أم احلرام‪ ..‬أتتون إىل الدنيا‬
‫سواسية مث تبدأ وسومنا اليت نسقطها على أطفال أبرايء نصنفهم فيها ونغري‬
‫حياهتم بسببها‪.‬‬

‫‪116‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ آخر رجال األسد‬

‫ـــــــــــــ ــــــ ــــــ ــــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ـــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ـــ‬

‫قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ :‬أال ال فضل لعريب على عجمي‪ ..‬وال لعجمي‬
‫على عريب وال ألمحر على أسود‪ ..‬وال ألسود على أمحر إال ابلتقوى‪ ..‬إن أكرمكم‬
‫عند هللا أتقاكم‪.‬‬
‫لقد استطعنا التحايل على أنيسة إمساعيل‪ ..‬ولكن هل كنا سنعرف من أين سيأيت‬
‫جاسوس ابسل التايل‪ ،‬وخاصة عندما يشم رائحة محل ووالدة‪.‬‬
‫علي إال تبديل املواليد وتسمية العريب ابسم كردي أصيل والكردي‬
‫مل يكن يتوجب ّ‬
‫ابسم عريب أصيل‪ ،‬ووضعك أنت ابين احلقيقي أمام املسجد مع متابعتك ألخذك‬
‫فيما بعد‪ ،‬وضم هوزان إىل أمك هبدوء يف هذه األثناء‪.‬‬
‫وهكذا لن يشك ابسل أنه إذا كان له ولد فهو قتيبة صاحب االسم العريب املرمى‬
‫أمام ابب املسجد‪.‬‬

‫علي‪ ،‬كيف مسحت لكم أنفسكم التفريط يب هكذا؟‬
‫قتيبة‪ :‬أمل ختافوا ّ‬
‫‪ -‬كانت عيوننا تالحقك إىل دار اللقطاء احملصنة جيداً حلماية الرضع‬

‫من أي اعتداء‪ ،‬وكانت املمرضة سوزان ابنة خالتك هناك ال تفارقك‬
‫ليل هنار‪.‬وبعملنا هذا سيصل ابسل إىل طريق مسدود موصد إبحكام‪.‬‬
‫أوصلته استخباراته إىل قصة املسجد ودار اللقطاء لكن‪..‬‬
‫مل يستطع إال سرقة عينات حتاليل األطفال‪ ،‬كان إخراجهم من املخترب أهون‬
‫بكثري من إخراج طفل‪ ،‬وحتقيقات ال تنتهي‪ ،‬وابلتأكيد مل يتطابق دمه مع أي‬
‫طفل وعلم ابسل يقيناً أنك لست ابنه‪ ،‬وظن أن أموره قد عدت على خري‬
‫وسالمة‪.‬‬

‫‪117‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ آخر رجال األسد‬

‫ـــــــــــــ ــــــ ــــــ ــــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ـــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ـــ‬

‫قرعة املوت _ قرعة االنتقام‬
‫قتيبة‪ :‬حسنا …وملاذا مل ترسلوه إىل سوراي إذاً؟‬
‫األب‪ :‬إذا حدث لك شيء يف سوراي يبقى هوزان يف أمان لسحب املال‬
‫واألرصدة‪.‬‬
‫قتيبة‪ :‬اي هللا‪ ..‬هوزان‪ ..‬هوزان ‪..‬دائماً هوزان‪ .‬عندما كنت ابن ابسل كانت‬

‫األولوية له‪ ..‬عندما أصبحت ابنكم أيضا كل األمهية له‪.‬‬
‫األب‪ :‬ايبين‪ ..‬ال تظننا قساة القلب هلذا احلد‪ ،‬لكن أمل تسأل نفسك بيوم‬
‫من األايم ملاذا أعمار والديك تقارب السبعني‪ ،‬وأنت مازلت يف العشرينيات؟‬
‫أمي‪ :‬مل أتكلم عن مأساة أوالدي وبنايت‪ ،‬أبقيتها حسرات يف قليب ودعوات‬
‫على حافظ وأبنائه كل هذه السنني‪.‬‬
‫قتيبة‪ :‬أمي! عقلي مل يعد يستوعب‪ ،‬أعرف أنك دائما حبزن وأمل‪ ،‬لكن عن‬
‫أي أبناء وبنات تتحدثني؟‬
‫األم‪ :‬قبل انضمام والدك ألي تنظيم سياسي انتقلنا إىل محاة‪ ،‬واضطر والدك‬
‫لرتكي والسفر إىل الشام لوداع جدك الذي حيتضر يف املشفى‪ ..‬كنت يف‬
‫ذلك الوقت _يف الثمانينات من القرن املاضي _شابةً يف الثالثني من عمري‪،‬‬
‫والدنيا ال تسعين سعادةً إلجناب أربعة أطفال رائعني ميلؤون البيت مرحاً‬

‫"حممد‪ ،‬زيد‪ ،‬علياء‪ ،‬عائشة"‬
‫يف الليل استيقظ إخوتك الصغار على صوت يشبه األلعاب النارية‪ ،‬مل أهتم‬
‫‪118‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ آخر رجال األسد‬

‫ـــــــــــــ ــــــ ــــــ ــــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ـــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ـــ‬

‫وتوقعته أحد املناسبات الوطنية‪ ،‬طمأنتهم و ضممتهم إيل يف سريري‪.‬‬
‫حىت هدؤوا وانموا‪ ،‬لكن األصوات مل تكن هتدء ‪..‬حاولت االتصال بوالدك‪،‬‬
‫اليوجد حرارة يف اهلاتف‪ ..‬فتحت النافذة‪ ،‬جنود ابلعتاد الكامل منتشرون‬
‫ابآلالف يدخلون البيوت‪ ،‬ويكسرون األبواب ‪..‬ويضربون الناس ابهلراوات‬
‫ويرموهنم ابلسيارات العسكرية‪.‬‬
‫دابابت على مدخل املدينة‪ ،‬قصفها يهز األرض حتتنا‪ ،‬بدأت أبكي‪ ،‬أين‬
‫أنت اي زوجي ؟!‬
‫دخلت إىل أبنائي املكورين حتت الغطاء كتالً مرجتفة‪ ،‬أردت طمأنتهم ‪..‬لكن‬

‫كنت أرجتف أكثر منهم‪ ،‬هبط قليب مع صوت تكسري الباب‪ ..‬دخل البيت‬
‫قرابة العشر جنود أبسلحة وذخرية تكفي لتحرير اجلوالن‪ ،‬وجعلوا عايل بيتنا‬
‫سافله‪.‬‬
‫طلبت من أوالدي عض اللحاف‪ ،‬كي ال يصرخوا ويبكوا بصوت عال‪،‬‬
‫فيفرغوا حقدهم ورشاشاهتم برؤوسم الصغرية‪.‬‬
‫انتهى التفتيش وجاء الضابط‪ :‬أين خيتبئ زوجك ابن ال‪....‬‬
‫أان‪ :‬إنه يف الشام اي سيدي‪.‬‬
‫الضابط‪ :‬لقد دخلت ‪ ١٠‬بيوت‪ ..‬وكلهن أزواجهن ابلشام‪.‬‬
‫أليس أمرا ال يدخل العقل؟!‬
‫أان‪ :‬أقسم اي سيدي إنه ابلشام عند والده‪.‬‬
‫الضابط‪ :‬مارأيك اي علي‪.‬‬
‫علي‪ :‬كاذبة سيدي‪.‬‬
‫‪119‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ آخر رجال األسد‬

‫ـــــــــــــ ــــــ ــــــ ــــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ـــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ـــ‬

‫الضابط‪ :‬حسنا سنرى إن كان سيخرج زوجك اآلن أم ال‪.‬‬
‫أي ولد من أوالدك ختتارين أن يقتل‪ ،‬شرعت أان وإخوتك ابلصراخ والرتجي‪،‬‬
‫لكن هيهات لقلوب أقسى من احلجر أن ترحم‪.‬‬
‫هيا‪ ..‬إن مل ختتاري سأقتلهم كلهم ورفع الرشاش‪ ،‬ذكرت اسم أخاك األكرب‬
‫حممد دون أن أنظر إىل عينيه‪ ،‬ال أعلم كيف كانت تنظر عيناه الربيئة حلظة‬
‫املوت‪ ،‬غبت عن الوعي‪ ،‬مث صحوت على رفس البوط العسكري على‬
‫وجهي‪.‬‬
‫الضابط‪ :‬هيا لنكمل القرعة‪ ..‬أم أختار أان ابلعد إىل العشرة‪.‬‬
‫_أترجاك اي سيدي برمحة والديك‬
‫رفع الرشاش مرة أخرى‪ ،‬وضعت عيين ابألرض وقلت زيد‪ ..‬ليصوب رصاصةً‬
‫إىل رأسه الصغري‪.‬‬
‫الضابط‪ :‬واآلن أي البنتني؟‬
‫_ أقبل يديك ‪..‬أقبل رجليك‪ ..‬إهنما طفلتان يف الثانية والرابعة من عمرمها‪،‬‬
‫لن حيمال يف عمرمها سالحا ‪..‬لن يؤذوكم بشيء‪.‬‬
‫_لكن سيحملون يف أرحامهم النجسة إرهابيني خيربون البلد‪.‬‬
‫قتل الصغريتني‪ ،‬مث وجه رشاشه يل وأان منهارة يف األرض‪.‬‬
‫ابتسمت‪ ...‬سأحلق بصغاري أخرياً‪ ..‬لن يطول الفراق اي مالئكيت‪ ..‬لكن ‪..‬‬
‫رن الالسلكي بيده وذهب فوراً‪.‬‬
‫استلقيت على السرير األمحر القاين ذاهلة‪ ،‬وغطيت إخوتك خوفاً عليهم من‬
‫الربد ‪..‬ونبهتم بضرورة النوم ابكراً‪ ،‬مث ذهبت إىل غرفهم‪ ،‬وجهزت حقائبهم‬
‫‪120‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ آخر رجال األسد‬

‫ـــــــــــــ ــــــ ــــــ ــــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ـــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ـــ‬

‫املدرسية وكويت مالبسهم‪ .‬رن منبه الساعة السابعة ‪..‬حضرت اإلفطار‬
‫لصغاري ‪..‬ال بد أهنم جائعون‪ ،‬دخلت إليقاظهم‪ ،‬شعرت بغضب شديد‪:‬‬
‫أيها املشاغبون ‪..‬ملاذا لطختم وجوهكم وأجسادكم ابحملربة احلمراء‪ ..‬أمل ختربكم‬
‫املعلمة أال تستخدموها حىت الصف الثاين (نعم‪ ،‬لقد أخربهتم مدارس البعث‬
‫أهنم صغار على استخدام احلرب‪ ،‬لكن مل ختربهم أبداً أهنم صغار جداً على‬
‫املوت)‪ ،‬حاولت إيقاظهم‪ ،‬مل يستيقظوا ‪ ،‬ذهبت إىل جاريت العجوز يف البناء‬
‫املقابل ألستشريها وأان قلقة عليهم ‪...‬لكن مل يفتح يل أحد‪.‬‬
‫مث بدأت القذائف تنهال على املدينة‪ ،‬و مل أشعر بنفسي إال و أان يف قبو‬
‫رطب مع رائحة الكحول واملعقم ‪ ..‬مضاء بلمبة صغرية‪ ،‬مع نساء وأطفال‪،‬و‬
‫رأسي ملفوف ابلكامل‪.‬‬
‫بدأت ابلصراخ أين أبنائي ؟‬
‫سد الطبيب فمي بسرعة!‬
‫اسكيت ‪..‬ستقضني علينا‪.‬‬
‫بدأت أبكي وأمسك يده مرتجية‪.‬‬
‫رفع يده عن فمي‪..‬‬
‫أطفايل لوحدهم يف املنزل خائفون‪ ..‬جيب أن أحضرهم‪.‬‬
‫_انتظري للفجر حىت خيمد كالب رفعت وحافظ قليالً‪ ..‬وسوف يتسلل‬
‫أحد الشباب ويبحث لك عنهم‪.‬‬
‫ومل أستوعب ما حصل ألوالدي إال بعد عالج مرير ابلصدمات الكهرابئية‬
‫امتد لع ّدة سنوات‪ ..‬كم متنيت لو مل أستفق وأن أبقى يف ومهي املريح مع‬
‫‪121‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ آخر رجال األسد‬

‫ـــــــــــــ ــــــ ــــــ ــــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ـــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ـــ‬

‫صغاري الربيئني‪ ..‬إنين إىل اليوم ال أعرف أي أرض طيبة ضمت أجسادهم‬
‫الطاهرة‪.‬‬
‫ال أستطيع أن أريك صورهم اجلميلة ‪..‬لقد حطمت ابلقصف مع ألعاهبم‬
‫الربيئة‪.‬‬
‫إن صورهم هنا يف قلوبنا أان وأبيك‪ ..‬ويف أحالم ليالينا‪.‬‬
‫لقد نذرت إجناب طفل لرتبيته على االنتقام ولو بعد عقود‪.‬‬
‫بكيت حبرقة‪ :‬كم حتملت اي أمي من أمل ال تطيقه اجلبال ‪.‬‬
‫حتملت ضم حفيد قاتل أطفايل إىل صدري‬
‫األم ‪ :‬عليك أن تسألين ‪..‬كيف ّ‬

‫!!‬
‫كنت أبكي حبرقة أم ثكلى كلما أرضعته ‪..‬حىت ابتسم يل بعد شهرين‬
‫ابتسامته احللوة اليت تشبه ابتسامة أمه نور الرقيقة وأمها ‪ ,‬حينها فطنت أنه‬
‫ضحية بريئة مثلها ‪ .‬سيكون مصريه مصري أبنائي الشهداء لو علم أبمره‬
‫ابسل‪.‬‬
‫كنت مصدوما متاما مما مسعت ‪..‬‬
‫لكن مجال احلرية والعودة للوطن كان خيفف عنا كل هذه املفاجئات‬
‫والذكرايت املؤملة‪.‬‬

‫الداي خداعي كل‬
‫طوال طريق العودة‪ ،‬كنت أفكر شارداً‪..‬كيف استطاع و ّ‬
‫هذه الفرتة ‪ ..‬كم كان املصاب الذي دفعهم إىل ذلك جلال ‪ ,‬أم كيف متكن‬
‫‪122‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ آخر رجال األسد‬

‫ـــــــــــــ ــــــ ــــــ ــــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ـــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ـــ‬

‫الطبيب حممد واحملامني من خداعي متاماً‪ ..‬عن طريق رمي عينة دمي ‪ ,‬و‬

‫القيام مبطابقة دي ان إيه هوزان مع دي إن إيه بشار وماهر ‪.‬‬
‫إىل أي قدر من القوة واملكانة كانت ستصل هذه البالد لو وصل أمثال هذه‬
‫العقول إىل احلكم ‪.‬‬
‫لكن بكل األحوال أان أشعر ابلغبطة والسرور‪ ..‬لقد حصلت على عائليت‬
‫احلقيقية وعلى وطين ‪ ..‬وحصل هوزان على عائلته ‪..‬‬
‫أخويت هلوزان أبدية ال تنتهي ‪..‬ال يعيقها اختالف دم وال عرق‬
‫إن حمبيت و ّ‬
‫وال نسب ‪.‬‬
‫سيبقى قطعة من روحي ال تتجزأ‪.‬‬
‫أمعنت بعدها النظر يف نور ‪..‬‬

‫كم تشبه هوزان ‪ ..‬نفس العيون اخلضراء‪ ..‬اآلن عرفت سبب شعوري‬
‫الدائم أبنين أعرفها من قبل على الرغم من عدم اجتماعنا يف بلد واحد‪.‬‬

‫‪123‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ آخر رجال األسد‬

‫ـــــــــــــ ــــــ ــــــ ــــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ـــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ـــ‬

‫ملسات انزية‬

‫هوزان‪:‬‬
‫بعد قليل‪ ..‬وصل خايل حممد من السعودية‪ ،‬وتوجهنا إىل بيتنا الوحيد يف‬
‫الشام‪.‬‬
‫دخل خايل وأمي البيت صامتني‪ ،‬وكأهنما يف عزاء‪ ،‬وأعينهم جتول يف املنزل‬
‫املرفوع رأساً على عقب بعد تفتيشه قبل قرابة الثالثني عاماً‪.‬‬

‫ّأما أان فدخلت غرفةً عرفت فوراً أهنا غرفة عمار‪ ،‬عندما رأيت املشروع اهلندسي‬
‫صفراً ومرميّاً على األرض‪.‬‬
‫غري املكتمل م ّ‬
‫شعرت بقشعريرة تنتابين‪ ،‬على هذا السرير انم عمار ليلته األخرية‪ ،‬وهو ال‬
‫يدري ابألفعى املرتبصة له يف اخلزانة‪.‬‬
‫خرجت من الغرفة‪ ،‬رأيت خايل حممد جيمع مالبس جدي وجديت وأخوايل‬
‫حبقيبة سفر ويرتبها برفق‪.‬‬
‫وأمي تعانق فستان زفاف أمها املصفر وتبكي‪.‬‬
‫خايل حممد‪ :‬هيا اي نور لنخرج‪..‬‬
‫ستزداد نفسيتك سوءًا‪ ..‬سنبيع املنزل وننتهي من ذكراه‪ ..‬ونبدأ حيا ًة جديدة‪.‬‬
‫أان‪ :‬وملاذا نبيع املنزل؟‬
‫خايل‪ :‬وأنت ماذا يهمك ابملوضوع‪ ،‬ال ذكرايت لك فيه وال أحزان‪.‬‬

‫‪124‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ آخر رجال األسد‬

‫ـــــــــــــ ــــــ ــــــ ــــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ـــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ـــ‬

‫أان‪ :‬ملاذا؟ لنطوي ذكرى جدي وأخوايل ورفاقهم هبذا الشكل؟ ملاذا اهلروب؟‬
‫إ ّن هذا البيت جيب أن يكون متحفاً شاهداً على نضال عشرات األفراد لعقود‪..‬‬
‫وهكذا نبقي ذكراهم العطرة خالدة يف قلوب اجلميع‪.‬‬
‫ابتسم خايل‪ ،‬وتوقفت أمي عن البكاء‪ ،‬وقالت‪ :‬ماذا سنسمي املتحف‪.‬‬
‫أان‪ :‬جنود جمهولون‪.‬‬

‫‪125‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ آخر رجال األسد‬

‫ـــــــــــــ ــــــ ــــــ ــــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ـــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ـــ‬

‫دمشق‬
‫متوز ‪20٣0‬‬
‫تعافيت احلمد هلل من السرطان بعد سنوات من العالج واألمل ‪..‬لكنه ذهب‬
‫بقدريت على اإلجناب متاماً‪..‬‬

‫لن أكون أابً يف يوم من األايم‪..‬‬
‫أو كما قال يل الطبيب‪ :‬هذه البلد مل تعد حتتمل فرداً آخر من آل األسد‪..‬‬

‫‪126‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ آخر رجال األسد‬

‫ـــــــــــــ ــــــ ــــــ ــــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ـــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ـــ‬

‫فارس فضي‬
‫توجهت يف هذه الفرتة إىل الفروسية أتشاغل هبا عن مللي و أملي وأخوض‬
‫مسابقاهتا احلامية‬
‫وجلس على مدرجات التشجيع قتيبة ووالداه وزوجته وأبناؤه هافال وآفني‬
‫وأمي وخايل وفتاة حسناء ترغب والديت نور خبطبتها يل‪ ..‬أختارهتا بعناية‪،‬‬
‫معتقلة سابقة ‪..‬كي حيصل االنسجام بينهما‪.‬‬
‫ستبدأ مسابقة الفروسية‪ ،‬وقفز احلواجز بعد قليل حتت إشراف املدرب‬
‫والفارس الذهيب عدانن قصار (الذي سجن ‪ ٢١‬عاماً؛ لتفوقه على ابسل‬
‫ابلفروسية‬
‫تعالت صيحات أهلي وهتافهم عند خروجي على خيلي األسود األصيل‪،‬‬
‫كان محاسهم ال يصدق؛ لكن ما لبث أن تناقص تدرجيياً‪ ،‬عندما أسقطت‬
‫كل احلواجز وعدت مهزوماً‪..‬‬
‫عدانن قصار ضاحكاً‪ :‬فارس فاشل مثل أبيه‪..‬‬
‫مبناسبة احلديث عن والدك‪ :‬ماذا ستسمي خيلك؟ لقد مسّى أبوك خيله‬

‫األغر"‪.‬‬
‫" ّ‬

‫‪127‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ آخر رجال األسد‬

‫ـــــــــــــ ــــــ ــــــ ــــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ـــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ـــ‬

‫احلر األصيل‬
‫احلر‪ّ ..‬‬
‫هوزان ‪ :‬سأمسيه ّ‬

‫بعد انتهاء املسابقة‪ ،‬بدأ تكرمي األمساء الثالثة الفائزة مع تصفيقنا وتشجيعنا‪.‬‬
‫هلم على أحلان النشيد الوطين السوري‪:‬‬
‫عن هالثورة ما بتخلى ‪ ...‬لو كل العامل تتخلى‬
‫اي شعيب اهتف ابلعايل ‪ ...‬املوت وال املذلة‬
‫أقسمنا حنمي هالثورة ‪ ...‬لو مايبقى واحد منا‬
‫النصر اي أما الشهادة ‪ ...‬املوت وال املذلة‬
‫صامدين حننا هبالثورة ‪ ...‬ما نركع إال خلالقنا‬
‫فتح عينك اي قاتلنا‪ ...‬املوت وال املذلة‬
‫لو نرتاجع عن مطلبنا ‪ ...‬دم الشهداء بيلعنّا‬
‫منموت وبيحيا وطنا ‪ ...‬املوت وال املذلة‬
‫كل الشعب السوري واحد ‪ ...‬طائفية ما تعنينا‬
‫بعون املوىل حننا مشينا ‪ ...‬املوت املوت وال املذلة‬

‫‪128‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ آخر رجال األسد‬

‫ـــــــــــــ ــــــ ــــــ ــــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ـــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ـــ‬

‫‪129‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ آخر رجال األسد‬

‫ـــــــــــــ ــــــ ــــــ ــــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ـــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ـــ‬

‫اخلامتة‬
‫متل ملالً قاتالً بسبب جلوسك يف املنزل ألايم خوفاً على صحتك؟!‬
‫لقد تك ّدسوا يف زانزينهم ‪ ٩‬سنوات‪.‬‬
‫تضجر من روتني الراحة اليومي املتكرر؟!‬
‫روتينهم اليومي هو العذاب واالغتصاب‪.‬‬
‫تنزعج من شغب أطفالك وضجيجهم؟!‬
‫مل يروا أطفاهلم وال يعرفون إن كانوا أحياءً أم أموااتً‪.‬‬
‫تقلق على مستقبلك املهين ومصدر رزقك؟!‬
‫يرتكون ليموتوا جوعاً وعطشاً‪.‬‬
‫ختاف من فايروس كوروان واحتمال إصابتك به أقل من ‪ ١‬ابملئة؟!‬
‫تفتك هبم األمراض والطواعني بال عالج والدواء‪.‬‬
‫لكن!!‪ ..‬ال ختف‪!.‬‬
‫‪130‬‬

‫ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ آخر رجال األسد‬

‫ـــــــــــــ ــــــ ــــــ ــــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ـــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــ ـــــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ــــــ ـــ‬

‫فطاعوهنم لن يصل إليك‪..‬‬
‫إهنم بعيدون جداً‪ ..‬حتت األراضي الصلبة ‪ ..‬ويف الصحاري احلارقة‪..‬‬
‫اليسمع صوت عذاهبم واستغاثتهم إال هللا سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫أما ما سيصلنا‪ ..‬فهو لعنة الظلم على كل من أيد‪ ..‬سكت‪ ..‬نسيهم أو‬
‫تناساهم‪.‬‬
‫عن أيب بكر الصديق ‪-‬رضي هللا عنه‪ -‬قال‪ :‬اي أيُّها الناس‪ ،‬إنكم لتقرؤون‬
‫هذه اآلية‪( :‬اي أيُّها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ال يضُّركم م ْن ضل إذا‬
‫ْاهتديتم) [املائدة‪ ،]١٠٥ :‬وإ ّين مسعت رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬
‫يقول‪" :‬إن الناس إذا رأوا الظامل فـلم أيْخذوا على يديه أوشك أ ْن يـعمهم هللا‬
‫بعقاب مْنه‪".‬‬
‫[صحيح‪[ - ].‬رواه أبو داود والرتمذي والنسائي وابن ماجه وأمحد‪.].‬‬

‫أمية اهلامشي‬

‫‪131‬‬