أحلام الملكة النائمة - 4

‫اجلميل‪ .‬متنيت يف تلك اللحظة أن يتعطل البص أو حيدث زلزال‬
‫قوته عرش درجات عىل مقياس هذا احللم اجلميل لنبقى نطفو فيه‬
‫إىل األبد‪ .‬حني أخلدت اجلميلة إىل النوم‪ ،‬انقطعت فجأة نغامت‬
‫الطنبور‪ ،‬نام العامل كله‪ ،‬بدت حتى الصحراء نفسها كأهنا وجدت‬
‫يف تلك اللحظة كغطاء سحرى لنوم اجلميلة‪ .‬مل يكن يصدر عنها‬
‫أي صوت أثناء نومها‪ّ ،‬‬
‫كأن العامل نفسه توقف عن التنفس‪ ،‬كنت‬
‫الوحيد الذي بقي مستيقظا فيام صوت البص يزأر يف سكون‬
‫الصحراء مثل أسد هزمه اجلوع‪ .‬كان القمر احلزين ال يزال واقفا‬
‫يف النافذة‪ ،‬ومن خلفه صف طويل من الكواكب يف انتظار خبز‬
‫الوجه النائم الساحر‪.‬‬
‫وحتى ال أشعر بالسأم‪ ،‬ألنني ال أخلد أبدا للنوم أثناء السفر‬
‫حتى وإن كنت أسافر يف قارب هيدهده املوج وضوء القمر‪،‬‬
‫فكرت يف ممارسة هوايتي يف قراءة أحالم من خيلدون للنوم حويل‪.‬‬
‫مل أر شيئا يف البداية حتى حسبت أن سحر هذه اجلميلة ع ّطل كل‬
‫مواهبي يف اقتحام ذاكرة النائمني‪ ،‬فجأة رأيت اهلواء داخل البص‬
‫مليئا بأنفاس أحالمها‪ .‬ال بدّ أن للجميلة النائمة سحرا جيعلني ال‬
‫‪84‬‬

‫أقرأ أحالم النائمني يف ذاكريت مثلام كنت أفعل‪ ،‬بل أشاهد كل يشء‬
‫معروضا أمامي يف اهلواء‪.‬‬

‫رأيت وجوها معلقة يف الفضاء مثل النجوم‪ ،‬رأيتها جتلس مثل‬
‫امللكة الكنداكة فوق عرش من النور‪ ،‬ثم بدأت شالالت الضوء‬
‫تتدفق من عرشها تعرب مثل سيل من النور فتهرب أمامها جيوش‬
‫الظالم‪ ،‬فيصبح العامل كله كتلة من الضوء‪ .‬ال بد أن اجلميلة‬
‫انتقلت فجأة إىل نوم عميق فقد اختفت أحالمها من اهلواء‪،‬‬
‫رغم أن بقية خيوط شالالت ضوء عرشها كانت ال تزال تيضء‬
‫العامل‪ .‬رأيت أحالم الرجل الذي أحرض حلوى الطحنية للجميلة‪،‬‬
‫دهشت ألن أحالمه يغلب عليها اجلشع‪ ،‬كان جالسا بلحية طويلة‬
‫تالمس األرض‪ ،‬يف متجر ضخم مكدس بالبضائع من كل نوع‪،‬‬
‫كل ما حيلم به كان معروضا للبيع‪ ،‬حسبته من حادثة الطحنية‬
‫يملك قلبا كبريا حتى أنه اختلس نقود صديقه بدافع احلب‪ ،‬لكن‬
‫أحالمه أوضحت أنه يمكن أن خيتلس نقودا لدوافع أخرى‪ .‬رأيت‬
‫أحالم الفتى الصغري الذي كان يعزف عىل الطنبور‪ ،‬وجدت فيها‬
‫بقية الصور التي ضاعت من أحالم اجلميلة حني غرقت يف جلة‬
‫النوم العميق‪ .‬الوجوه املتناثرة مثل نجوم تائهة يف الفضاء ومواكب‬
‫النور‪ ،‬التي تصعد يف رحلتها إىل أبد السامء‪ .‬رأيت أحالم رجل‬
‫جيلس يف مؤخرة البص‪ ،‬عرفت من أحالمه أنه لص فقري ال جيد‬
‫حتى ما يسدّ رمقه‪ .‬كان يرسق يف حلمه قرصا منيفا لرجل يملك‬
‫ُسلطة وماال‪ .‬كان اللص جالسا أرضا حييص أكداسا من العمالت‬
‫الصعبة التي عثر عليها يف القرص‪ .‬متنّيت أال ترشق الشمس أبدا‪،‬‬
‫سيتعي عليها إيقاظه بأشعتها‬
‫أن تضيع يف الفضاء وتنسى أي عامل‬
‫ّ‬
‫‪85‬‬

‫احلارقة‪ .‬وأن أظل إىل األبد جالسا يف أطياف أحالم هذه امللكة‪.‬‬

‫هبرين بركان ضوء الفجر املتدفق يف املكان‪ .‬حسبت أن‬
‫فجأة َ‬
‫الضوء قادم من اخلارج‪ ،‬حيث العامل بدأ يصبح أشبه بالفضة‬
‫وصف‬
‫الذائبة‪ ،‬وتراجع إىل الفضاء القمر الواقف يف النافذة‬
‫ّ‬
‫الكواكب من خلفه‪ ،‬قبل أن أكتشف الفجر الصاعد من أحالم‬
‫امللكة النائمة‪ ،‬مواكب من النور وسيوال من البرش التي هتدر يف‬
‫الشوارع‪ ،‬يف الرحلة الطويلة نحو الشمس‪.‬‬

‫‪86‬‬

‫أبـــي‬

‫أصبحت كبريا ومن ح ّقك اآلن أن تزوره‪.‬‬
‫قالت أ ّمي‪ :‬لقد‬
‫َ‬

‫قالت ذلك وكأهنا تتحدّ ث عن شخص ال تستطيع وصف‬
‫صورته‪ ،‬مل أفهم مل جعلتني نربات صوهتا أشعر بأهنا كانت تتحدث‬
‫عن شخص مل يسبق هلا أن رأته مطلقا‪.‬‬
‫حني تراه‪ ،‬قالت‪ :‬صافِ ْحه بأدب‪.‬‬
‫ع ّل َمتني كيف جيب أن أصافحه بأدب‪ ،‬جيب أن ينحني جسمي‬
‫إىل األمام قليال وتقرتب شفتي من يده‪ :‬إن سألك عني‪ ،‬قالت‪ ،‬قل‬
‫له نحن بخري وأننا ال نحتاج إىل أي يشء‪.‬‬
‫ارتديت يف الصباح جلبابا أصفر اللون خاطته أمي بنفسها‪،‬‬
‫وض َعت يل حول عنقي شاال من قامش قطني بارد امللمس‪.‬‬
‫كان الوقت شتاء‪ ،‬والرياح الباردة تص ّفر يف أزقة القرية‪.‬‬

‫سوف مترض‪ ،‬قالت يل وهي تصلح من وضع الشال حول‬
‫رقبتي‪ :‬جيب أن حتافظ عليه دائام حول عنقك حتى ال مترض‪.‬‬
‫ثم وض َعت عىل رأيس طاقية بيضاء من الصوف وأعطتني‬
‫‪87‬‬

‫نقودا تكفيني إلجيار احلافلة التي سأستق ّلها‪.‬‬

‫حني أصبحت جاهزا للخروج‪ ،‬أوقفتني وأحرضت مبخرا‬
‫والكمون األسود‬
‫به قطع مجر محراء ألقت فيها حبات من البخور‬
‫ّ‬
‫ثم جعلتني أستنشق الدخان‪ ،‬فيام تضع هي يدها عىل رأيس وتقرأ‬
‫بعض آيات القرآن ثم دارت باملبخر ثالث دورات حول رأيس‪.‬‬
‫الكمون األسود وهي تتقافز‬
‫كنت أحب رائحة احرتاق حبات‬
‫ّ‬
‫فوق النار املشتعلة وكأهنا حتاول اهلروب من مصري حمتوم‪.‬‬
‫كررت يل قوهلا‪:‬‬
‫حني و ّدعتني أمام باب البيت ّ‬

‫قل له نحن بخري وال ينقصنا يشء‪ ،‬ثم ترددت قليال وقالت‪ :‬إن‬
‫سألك كيف نعيش ال تقل له شيئا عن حياكة الطواقي واملالبس أو‬
‫عن عملك يف الصيف يف املزارع‪ ،‬قل له إن خالك يرسل لنا ماال‬
‫نعيش منه‪.‬‬
‫وقفت قليال يف انتظار احلافلة‪ ،‬كان العامل قد بدأ‬
‫يف الشارع‬
‫ُ‬
‫يسرتد حياته وروائح احلياة تعبق من داخل البيوت‪ ،‬رائحة دخان‬
‫نار جريد النخيل التي تعد النسوة طعام اإلفطار عليها ورائحة‬
‫اخلبز الساخن‪.‬‬

‫مدرستي التي ستفتح أبواهبا بعد أيام‪ ،‬واملشوار‬
‫تذكّرت َ‬
‫الطويل الذي أقطعه إليها ذهابا وإيابا كل يوم‪ ،‬وفكرت‪:‬‬
‫هل سيهديني أيب محارا؟‬

‫تو ّقف السائق مرت ّددا حني رفعت يدي وسألني قبل أن يتو ّقف‬
‫‪88‬‬

‫متاما‪:‬‬

‫هل معك نقود يا فتى؟‬

‫رفعت يدي بالورقة النقدية التي كنت ال أزال أقبض عليها‬
‫بأصابعي‪ ،‬فتبسم السائق وأوقف السيارة وسط عاصفة صغرية‬
‫من الصفري والغبار‪.‬‬
‫جلست يف اخللف‪ .‬كان للحافلة مقعدان طويالن متقابالن‬
‫جيلس عىل كل مقعد مخسة ركّاب‪ ،‬مل أتبني مالمح الركّاب اآلخرين‬
‫جيدا بسبب الربد‪ ،‬كان اجلميع ُي َغطون وجوههم‪.‬‬
‫سمعت فقط أحدهم يتحدث مع جاره‪ ،‬كان يبدو وكأنه‬
‫يتحدث إىل نفسه بصوت عال‪:‬‬

‫لقد ّقررت أال أغامر بالزراعة هذا العام‪ ،‬يف العام املايض‬
‫بعت قطعة أرض ورثتها عن والدي‬
‫خرست كل يشء‪ ،‬ولوال أين ُ‬
‫ألسدّ د ديون البنك لقضيت بقية عمري يف السجن‪.‬‬
‫ر ّد عليه صوت مبحوح‪:‬‬

‫أفضل السجن عىل أن أجلس‬
‫وماذا نفعل؟ نجلس يف البيوت؟ ّ‬
‫يف انتظار مساعدة من شخص ما‪.‬‬
‫ع ّلق الرجل األول‪:‬‬

‫يف هذا الزمان ال يصلح أن تكون شجاعا‪ ،‬جيب أن تكون حذرا‬
‫وإال واجهت املتاعب!‪.‬‬
‫استغرقتني أحالمي فتباعدت أصوات الرجلني ومل أعد أسمع‬
‫‪89‬‬

‫أو أرى شيئا سوى تفاصيل صورة استقبال أيب يل واحلامر الذي‬
‫سأعود به‪.‬‬
‫البد أن والدي سيكون كريام معي‪ .‬مل َيرين منذ مخس سنوات‪.‬‬
‫لديه أطفال من زوجته األخرى‪ ،‬كام قالت يل أمي‪ .‬لكنني ابنه‬
‫األكرب‪ ،‬سمعت يف القرية كثريا أن االبن األكرب يكون له وضع‬
‫عيل اسم والده؟ ال بدّ أنه حي ّبني مثلام كان حيب‬
‫خاص‪ ،‬أمل يطلق ّ‬
‫والده وإال ملا أطلق عىل اسمه‪.‬‬

‫كنت أفكر كيف سأعود ومعي احلامر‪ .‬لن أمتكّن بالطبع من‬
‫العودة باحلافلة‪ .‬سيكون الطريق طويال باحلامر لكنه سيكون‬
‫ممتعا جدا‪ .‬احلافلة تعرب برسعة‪ .‬ال تستطيع رؤية العامل من حولك‬
‫بصورة أفضل مثلام حيدث من عىل ظهر احلامر‪ .‬السيارة تعرب برسعة‬
‫فتختلط مشاهد األشياء‪ ،‬وحتى حني تبطئ سريها تغطي كل يشء‬
‫حوهلا بالغبار‪ .‬كأن الغرض من الرسعة يف التنقل بالسيارة هو أن‬
‫تدفن كل العامل حولك وتدفن نفسك أكثر داخل نفسك وخطط‬
‫حياتك‪.‬‬

‫شعرت بفرح إضايف‪ ،‬سأمتكن من توفري مبلغ صغري‪ .‬املال الذي‬
‫جيب أن أدفعه لقاء أجر العودة باحلافلة‪ .‬سأعيده إىل أمي لكنها لن‬
‫تأخذه عىل األرجح‪ ،‬سأشرتي شيئا يوم السوق القادم حني أذهب‬
‫لرشاء مستلزمات البيت‪ .‬فكرت ماذا أشرتي‪ .‬قلم جديد‪ ،‬حذاء‬
‫خفيف أستخدمه يف الصيف حني أذهب للعمل يف املزارع‪ ،‬ألن‬
‫حذائي القديم أصبح باليا‪ .‬لكن أمي قد ال تسمح يل بارتدائه‪ .‬يف‬
‫ترص أمي أن أرتدي احلذاء املحيل‬
‫الصيف تكثر العقارب لذلك ّ‬
‫‪90‬‬

‫املصنوع من جلد األبقار‪ .‬إنه حيمي القدم من العقارب ومن‬
‫الشوك الذي ينترش يف كل مكان‪.‬‬
‫قال صاحب الصوت املبحوح‪ :‬أفكّر يف العودة للعمل يف‬
‫مصلحة الربيد‪ ،‬لقد باعتها احلكومة لبعض األشخاص ورشعوا‬
‫يف استثامرها بصورة حديثة‪.‬‬

‫قال املزارع الذي أعلن إرضابا عن العمل والذي رغم أن‬
‫وجهه كان مغطى متاما لكنني ختيلته مبتسام بخبث‪:‬‬
‫لن يعيدوك إىل العمل أبدا‪ .‬أنت ال تعرف شيئا عن املخرتعات‬
‫احلديثة‪ .‬من يعمل معهم جيب أن يعرف كيف يتعامل مع جهاز‬
‫الكمبيوتر وأنت بالكاد تستطيع فتح جهاز الراديو‪ ،‬كام أهنم ال‬
‫حيتاجون إىل عامل كثريين‪ُ .‬يقال إن هذا الكمبيوتر ينجز يف حلظة‬
‫واحدة عمل مائة رجل!‪.‬‬

‫هذه ختاريف‪ ،‬قال صاحب الصوت املبحوح‪ ،‬خت ّيلته مبتسام‬
‫بكآبة‪ .‬أنا أعرف عميل جيدا وأؤ ّديه بصورة مثالية‪ .‬أختم الرسائل‬
‫وأوزعها يف احلقائب الصحيحة‪ ،‬وحتى حني ال يكون هناك حرب‬
‫ّ‬
‫لألختام املعدنية أصنع حربا من الصمغ والكربون‪ .‬ال تستطيع آلة‬
‫صامء تفقد عقلها حني تنقطع الكهرباء أن تفعل ذلك‪.‬‬
‫أرضب عن العمل للمرة األوىل بصوت‬
‫ضحك املزارع الذي َ‬
‫عال‪ .‬أصابني ارجتاج صوت ضحكته بخيبة أمل‪ ،‬ال أدري مل‬
‫خت ّيلت لضحكه شكال خمتلفا‪ .‬قال‪:‬‬
‫انتهى عهد الرسائل التي ختتموهنا بأختامكم احلمقاء‪ .‬أمل تسمع‬
‫‪91‬‬

‫زرا عىل الكمبيوتر فيقرأ الشخص‬
‫بالربيد اإللكرتوين؟ تضغط ّ‬
‫الذي أرسلت إليه الرسالة يف اجلانب اآلخر من العامل رسالتك‬
‫يف نفس اللحظة ويصلك ر ّده قبل أن تكمل كوب الشاي الذي‬
‫ترشبه!‪.‬‬
‫املرص عىل العمل مل يستسلم بعد‪ :‬هذه أوهام‪ ،‬كيف‬
‫الرجل‬
‫ّ‬
‫يمكنني أن أثق يف أن رسالتي تنقلها آلة صامء يمتلئ جوفها‬
‫بالكهرباء دون أن حتذف منها شيئا أو تنقلها جلهة أخرى بدال من‬
‫اجلهة التي أقصدها‪ .‬وما عيب رسالة أحتفظ هبا يف جيبي وأبرزها‬
‫عند احلاجة وأحتفظ هبا يف حقيبتي تذكارا من شخص عزيز‪،‬‬
‫أشمها عبق زمن‬
‫تتغي رائحتها بفعل الزمان‪ ،‬أتذكّر حني ّ‬
‫وحني ّ‬
‫آخر تعيدين الرسالة إليه‪.‬‬
‫تذكّرت قول أمي‪ :‬ال تنزعج إن مل يستقبلك بو ّد‪ .‬إنه أب طيب‬
‫رغم حرصه أحيانا عىل إظهار عكس ذلك‪.‬‬
‫ر ّددت العبارة يف رسي حتى اقتنعت هبا‪ :‬إنه أب طيب‪ ،‬إنه أب‬
‫طيب‪.‬‬
‫فكرت يف محاري الصغري‪ .‬قد أمحل معي إىل املدرسة أحد‬
‫أصدقائي ممن يمشون إليها عىل أقدامهم مثيل‪ .‬لن أفعل طبعا‬
‫مثل ذلك الصديق الذي َي ُض إىل املدرسة عىل ظهر محار كسول‬
‫يسري خطوة إىل األمام ثم يسرتيح قليال قبل أن يستأنف خطوة‬
‫أخرى‪ .‬زمالئي يقولون إن احلامر ليس كسوال لكن صديقي هو‬
‫‪92‬‬

‫الكسول‪ .‬ال يطعم احلامر جيدا‪ .‬يسري احلامر يف البداية برسعة ثم‬
‫تنفد قواه حتت ثقل وزن صديقي البدين والذي حني جيد أنه ال بدّ‬
‫أن يتخلص من بعض األشياء التي حيملها حتى خيفف الوزن عىل‬
‫احلامر يمسك جيدا بإناء طعام اإلفطار ويلقي أرضا بحقيبة القامش‬
‫التي حيمل فيها الكتب املدرسية!‪.‬‬

‫يتعمد عدم إطعام‬
‫صديق آخر يفرس األمر بأن صديقنا الكسول ّ‬
‫محاره حتى يصل كل يوم ّ‬
‫متأخرا‪ ،‬ألنه بسبب عدم حبه للمدرسة‬
‫ال يتعجل الوصول إليها!‪.‬‬
‫لن أفعل مثله‪ ،‬سأعتني بإطعام محاري حني أخرج عرصا‬
‫لرعي املاعز سأصحب محاري معي للرعي‪ .‬سأمحل طنبوري معي‬
‫وأجلس بعيدا أراقب املاعز واحلامر وأغني حتى تغرب الشمس‪.‬‬
‫ويف الصيف حني أذهب للعمل يف تسميد أشجار الفواكه يف املزارع‬
‫سآخذه معي ليأكل من احلشائش التي نزيلها من حتت أشجار‬
‫املوالح قبل أن نضع زبل البهائم الذي ُيستخدم كسامد حميل‪.‬‬
‫كان املزارع النشيط ال يزال حياجج برغبته العودة ليعمل‬
‫يترسب إىل أذين مصحوبا بزعيق الريح الراحلة‬
‫موظفا‪ ،‬صوته ّ‬
‫فوق حقول القمح‪ .‬ختتلط مع صوت أمي‪:‬‬
‫إنه أب طيب‪ ،‬إنه أب طيب‪.‬‬

‫‪93‬‬

‫ال حاجة بنا لرجال الرشطة‬

‫املدرس املتقاعد ساقا فوق ساق وهو جيلس‬
‫يضع أبو احلسن ّ‬
‫متر من أمامه يف عجلة‪ .‬قبل‬
‫عىل صخرة أمام بيته يرقب الناس التي ّ‬
‫أيام حصل عىل معاشه‪ .‬املعاش قليل ولن يكفي لكي يبقى عىل‬
‫سيضطر للكتابة إىل ابنه األكرب الذي هاجر منذ سنوات‬
‫قيد احلياة‪،‬‬
‫ّ‬
‫ليساعده ببعض املال‪ .‬اليشء الوحيد الذي جيعله يشعر ببعض‬
‫تفرغه لنزاع عىل قطعة أرض صغرية مع جار هلم‪.‬‬
‫السعادة كان هو ّ‬
‫قبل أشهر ق َطع اجلار غابة صغرية يف األرض املتنازع عليها وباعها‬
‫ملصلحته‪.‬‬
‫يضحك األستاذ أبو احلسن قائال بصوته اجلهوري‪ :‬سأجعل‬
‫هذا التافه يكره اليوم الذي ُولد فيه!‪.‬‬

‫يضحك بدون مناسبة أثناء كالمه ويتحدّ ث مع الناس‬
‫واجلريان وكأهنم تالميذ‪ :‬هذا صحيح! أنت تتحدّ ث بلغة واضحة‬
‫وصحيحة‪ ،‬لكن ينقصك بعض الثقة بالنفس‪ ،‬يضحك بدون‬
‫لدي تلميذ يعاين من نفس مشكلتك‪ ،‬حني‬
‫سبب‪ ،‬ويواصل‪ :‬كان ّ‬
‫حياول رشح أمر ما يزيد األمر تعقيدا بسبب لغته السيئة وهتاونه‬
‫‪94‬‬

‫يف استخدام الكلامت املناسبة‪ ،‬يضحك بصوت ٍ‬
‫عال‪ ،‬يا هلا من‬
‫مهزلة! إنه كسول جدا! يستخدم أول كلمة ختطر عىل باله‪ ،‬حتى‬
‫وإن مل يكن هلا عالقة بام يريد قوله‪ ،‬يضحك مرة أخرى ويسحب‬
‫نفسا من سيجارته ويقول‪ :‬يف زماننا ما كان يمكن ألحد أن‬
‫حتولت املدارس إىل متاجر تبيع للناس‬
‫يتساهل يف أمر كهذا‪ ،‬اآلن ّ‬
‫أي يشء إال العلم الصحيح‪ ،‬يضحك‪ ،‬وحني يقول شخص ما‬
‫احلقيقة‪ ،‬يرسلون إليه خطابا من سطرين‪ ،‬كأهنم مل يتذكّروا أنه بلغ‬
‫س ّن املعاش إال حني بدأ لسانه ينطق يف االجتاه املعاكس‪ ،‬يضحك‬
‫أي تالميذ هؤالء‪ ،‬طلبت من ولدي الذي‬
‫بصوت جهوري‪ّ ،‬‬
‫يدرس يف مدرسة ثانوية أن يكتب يل عريضة قبل أيام لنقدّ مها إىل‬
‫مدير الرشطة‪ ،‬حول األشجار التي قطعها هذا البائس وباعها‪ ،‬لقد‬
‫كتب رسالة تصلح حلبيب‪ ،‬يضحك بصوته األجش‪ ،‬كيف لنا أن‬
‫نخاطب مدير الرشطة بعبارة تقول‪ :‬نحن بخري وما بنا غري الشوق‬
‫لكم‪ ،‬إهنا مهزلة! كيف يشتاق أحدهم لرجال الرشطة؟!‪ ،‬ال بدّ‬
‫أنه يشتاق أيضا الرتكاب جريمة ما! يضحك بصوته اجلهوري‪،‬‬
‫ولدي ليس سيئا‪ ،‬لكن نوع التعليم الذي يتلقاه هو املسئول عن‬
‫ذلك‪ ،‬يضحك بصوت أجش‪ ،‬وحني يقول هلم شخص ما احلقيقة‬
‫حييلونه للصالح العام‪ ،‬كأن مشاكل العامل كلها ستحل جمرد أن‬
‫أجلس أنا أمام بيتي دون عمل!‪.‬‬

‫ينتهز أحد اجلريان فرصة أن أبو احلسن انشغل بجذب نفس‬
‫طويل من سيجارته وقال‪ :‬وهل قامت الرشطة بحل املشكلة؟‪.‬‬
‫ضحك أبو احلسن وقال‪ :‬تس ّلم مدير الرشطة العريضة‬
‫‪95‬‬

‫وقال إنه سريي ما جيب عمله‪ ،‬هل جيب أيضا أن نع ّلمهم كيف‬
‫يقومون بعملهم‪ ،‬مضت عدة أيام ومل حيرك ساكنا‪ ،‬هل رسقة غابة‬
‫عمل مرشوع؟ يضحك بصوته اجلهوري‪ ،‬ال بد أن تلك املقولة‬
‫ارس ْق شيئا صغريا تقبض الرشطة عليك‪ِ ،‬‬
‫صحيحة‪ِ ،‬‬
‫ارس ْق شيئا‬
‫كبريا جدا حترسك الرشطة! لكن هذا الرشطي يغامر بمستقبله‪،‬‬
‫يضحك بصوت أجش ينفجر يف اهلواء يف دوائر زلزالية مثل الرعد‪:‬‬
‫سريى كيف أتعامل مع إمهاله ملصالح املواطن‪ ،‬سيدفع ثمنا باهظا‪،‬‬
‫سأشكوه إىل رؤسائه وسأطلب نقله إىل نقطة يف الصحراء حيث‬
‫لن جيد أحدا يك ّلمه سوى اجلن‪ ،‬أحد تالميذي األوفياء وصل‬
‫إىل رتبة اللواء‪ ،‬ال أدري كيف استطاع الوصول إىل ذلك هبذه‬
‫الرسعة‪ ،‬إنه صغري جدا‪ ،‬يضحك بصوته األجش‪ ،‬أتذكر كيف‬
‫كان مشاغبا يف الفصل وكان يرسق أحيانا‪ ،‬وضع يده عىل جبهته‬
‫كمن يتذكر شيئا وقال‪ :‬ليس أحيانا‪ ،‬لقد رسق عدة مرات‪ ،‬كان‬
‫يرسق األوراق واألقالم وثامر الدوم من زمالئه‪ ،‬ومرة جترأ ورسق‬
‫جرس املدرسة نفسه‪ ،‬يضحك‪ ،‬يا له من مشاغب عنيد‪ ،‬استدللنا‬
‫عىل اجلرس من رنينه‪ ،‬بعد أن وصل إىل البيت مل يتو ّقف عن قرع‬
‫حضنا الستعادته‪ ،‬أوقف إخوته الصغار يف صف‬
‫اجلرس حتى َ ْ‬
‫مدريس مستخدما اجلرس‪ ،‬وكان جيلدهم برفق عىل أخطائهم‬
‫الصغرية أثناء الطابور‪ ،‬غريب أن مشاغبا مثله كان حياول تطبيق‬
‫نوع من النظام يف بيته‪ ،‬يضحك‪ ،‬وفجأة يصبح لواء يف الرشطة‪،‬‬
‫يا هلا من مهزلة! ال بدّ أن أحد أقاربه ساعده للوصول إىل هذا‬
‫املكان‪ ،‬يضحك بصوت جهوري‪ ،‬لن أقبل أية مساومة يف مسألة‬
‫الغابة‪ ،‬إهنا مسألة مبدأ‪ ،‬سأطلب إحضار كل احلطب الذي قطعه‬
‫‪96‬‬

‫هذا املخادع‪ ،‬قطعة حطب واحدة ناقصة ستعني مشكلة كبرية‬
‫وسيذهب مدير الرشطة إىل الصحراء‪ ،‬سيذهب مدير الرشطة إىل‬
‫الصحراء‪ ،‬يضحك ويردد كلمة الصحراء عدة مرات كأنام ليوحي‬
‫بأن له مقدرات حتيل السهول اخلرضاء إىل صحاري جرداء‪.‬‬

‫يستغل جار آخر صمته املفاجئ ويقول‪ :‬لكن احلطب تم بيعه‬
‫كله!‪.‬‬

‫سيكون ذلك من سوء حظه‪ ،‬أعرف شخصا آخر يعمل يف‬
‫مصلحة املساحة‪ ،‬كان تلميذا نظيفا هيتم بمالبسه ونظافة جسمه‪،‬‬
‫الوحيد الذي كان يستحيل أن جتد يف شعره قمال‪ ،‬بقية التالميذ‬
‫كان يمكن مشاهدة القمل يسري يف رؤوسهم يف خطني أشبه‬
‫بشوارع األسفلت‪ ،‬يضحك بصوته األجش‪ ،‬لكنه كان سيئا يف‬
‫دروسه‪ ،،‬يضحك‪ ،‬جيهل متاما كيف يتعامل مع األرقام‪ ،‬ال حيفظ‬
‫شيئا وال حتى بالعصا‪ ،‬لقد أسديت له معروفا كبريا‪ ،‬يضحك‬
‫قائال بحيث بدت العبارة جزءا من بقايا ضحكته التي تناثرت يف‬
‫اهلواء خملفة يف املكان شعورا بالفوىض‪ :‬يا له من مغفل! كنت ال‬
‫أرضبه أبدا حني يرتكب األخطاء يوميا‪ ،‬كنت أقول له‪ :‬ال فائدة‬
‫من رضبك‪ ،‬الرضب يف امليت حرام! لو كان يو ّد إحراز تقدّ م يف‬
‫مستواه لكان جديرا به أن يطلب منا رضبه طوال اليوم! اآلن حان‬
‫الوقت لريد يل هذا اجلميل‪ ،‬لقد كان نحيال جدا وما كان بوسعه‬
‫حتمل الرضب! مرة واحدة أقدم مدرس آخر عىل رضبه‪ ،‬هل‬
‫ّ‬
‫تبول‬
‫تعرفون ما فعل؟ يا للمهزلة! يضحك بصوت أجش‪ :‬لقد ّ‬
‫يف ثيابه! كانت ستحدث كارثة‪ ،‬اآلن أحتاجه‪ ،‬ال أستطيع أن أذكّره‬
‫‪97‬‬

‫بامضيه لكنني قطعا سأضحك حني أراه وقد أصبح مسئوال كبريا‪،‬‬
‫سأتذكّر لوحدي كيف كان موقفه سيئا والسائل الساخن يتدفق‬
‫من ثيابه! ال أدري ما هي العالقة بني البول ومصلحة مهمة مثل‬
‫املساحة‪ ،‬أصبحت كل األشياء قذرة!‪.‬‬
‫يضحك‪ ،‬ال أعرف كيف استطاع النجاح وأن يصبح موظفا‬
‫مرموقا يف مصلحة املساحة! ال بدّ أنه يعرف شخصا ما ساعده يف‬
‫الوصول إىل تلك الوظيفة! سأطلب منه أن يعيد مسح هذه األرض‬
‫ويعيدها إ ّيل أنا صاحبها احلقيقي ويذهب معي إىل املحكمة حتى‬
‫يدفع يل هذا البائس تعويضا عن السنوات التي استغل فيها هذه‬
‫األرض دون وجه حق‪ .‬إن مل يتعاون معي قد اضطر لرواية قصة‬
‫البول تلك!‪.‬‬

‫أما قضية بيع حطب أرض متنازع عليها فهذه قضية جنائية‪،‬‬
‫إهنا رسقة يف وضح النهار‪ ،‬وإذا مل يستطع مدير الرشطة حل هذه‬
‫املشكلة فام فائدة وجوده هنا‪ ،‬ليس لدينا مشاكل كثرية يف هذه‬
‫القرية‪ ،‬ال يوجد لصوص سوى لص واحد تقاعد عن عمله بسبب‬
‫الشيخوخة وبسبب فقدان أسنانه يف حادث هنري‪ .‬ال تتشاجر‬
‫النسوة هنا ألن معظمهن مسنّات‪ ،‬فقدن الرغبة يف الشجار‪،‬‬
‫يقضني معظم الوقت يف النوم ويف وضع السعوط يف أفواههن‪،‬‬
‫يامرسن فقط أحيانا‪ ،‬بسبب امللل‪ ،‬نميمة طيبة يستعدن فيها ذكرى‬
‫بعض الشجارات العادية يف القرية‪ .‬من يريد أن يرشب اخلمر يغلق‬
‫يتعي علينا‬
‫باب بيته عليه‪ ،‬فلامذا جيب أن يكون هنا رجال رشطة ّ‬
‫أن ندعوهم بني احلني واآلخر لتناول الطعام ألن واجب الضيافة‬
‫‪98‬‬

‫يفرض علينا ذلك‪.‬‬

‫إن كانوا ال يستطيعون منع بيع غابة صغرية فلامذا يبقون؟ إن‬
‫رحل رجال الرشطة فإن باستطاعتي أن أجعل آخر لص يف القرية‬
‫تعهد بعدم العودة إىل الرسقة حتى وإن شعر باجلوع‪ .‬إنه‬
‫يو ّقع عىل ّ‬
‫تعهده‪ ،‬لو أنه جاء إىل املدرسة ملا تع ّلم الرسقة‬
‫رجل طيب أثق يف ّ‬
‫وربام ألصبح رجل رشطة هو نفسه‪ ،‬يستطيع اللصوص معرفة‬
‫بعضهم البعض!‪.‬‬

‫يضحك بصوته اجلهوري ويقول‪ :‬سيخطئ ذلك الشاب‬
‫الذي أصبح مديرا للرشطة‪ ،‬أعرف رجال يف رتبة اللواء‪ ،‬كان أحد‬
‫أفضل تالميذي‪ ،‬سأخربه باألمر وعندها سيجد مديرنا نفسه يف‬
‫أكرر الصحراء‪ ،‬بعض البؤساء يفيدهم البقاء هناك‪ ،‬لن‬
‫الصحراء‪ّ ،‬‬
‫جتد أحدا يكلمك‪ ،‬تضطر أن تكلم نفسك‪ ،‬تتأمل العامل‪ ،‬وحتيص‬
‫ومهريب اإلبل الذين ال تستطيع إلقاء القبض عليهم‪،‬‬
‫النجوم‪،‬‬
‫ّ‬
‫إهنم مسلحون جيدا بأسلحة حديثة وليست مثل هذه البنادق‬
‫القديمة التي ور َثتها حكومتنا عن االنجليز‪ ،‬حني تكون وحيدا‬
‫يف الصحراء‪ ،‬هناك أيضا فوائد‪ ،‬هتبط عليك حكمة لن جتدها ولو‬
‫بقيت مائة عام وسط اآلخرين‪ ،‬سيكون حمظوظا‪ ،‬لكنه سيفتقد‬
‫الغذاء اجليد وسهرات الرشاب الرسية‪ ،‬ال يوجد يف الصحراء من‬
‫يصنع اخلمور حتى يذهب رجال الرشطة ملصادرهتا واستخدامها‬
‫ألنفسهم‪ .‬بإمكانه أيضا تع ّلم صناعة اخلمور البلدية بنفسه‪ ،‬األمر‬
‫بسيط للغاية‪ ،‬كنا نفعل ذلك قبل سنوات حني كنا نعمل يف مدرسة‬
‫صممنا بأنفسنا جهاز تقطري بدائي لكنه ف ّعال‪ ،‬أذكر صديقي‬
‫نائية‪ّ ،‬‬
‫‪99‬‬

‫صمم اجلهاز‪ ،‬كان ذلك باعرتافه العمل الوحيد املفيد الذي‬
‫الذي ّ‬
‫قام به طوال حياته‪ .‬كان أحدنا يذهب إىل سوق القرية األسبوعي‬
‫مرة يف الشهر لرشاء بلح اجلاو‪ ،‬وهو رخيص السعر ألن طعمه‬
‫رديء‪ ،‬كأنك تأكل قطعة خشب معطونة يف الصمغ‪ ،‬لكنه جيد‬
‫لصناعة اخلمر‪ .‬حيرض لنا الصبية املاء بالربميل من النهر‪ .‬هناية العام‬
‫اكتشفنا‪ ،‬أننا رشبنا عرشين برميال من اخلمر الرديء!‪.‬‬

‫يقاطعه أحد اجلريان هامسا‪ :‬انظر من جاء هناك‪ ،‬إنه مدير‬
‫الرشطة!‪.‬‬
‫وهب أبو احلسن واقفا كمن لدغته عقرب‬
‫مدير الرشطة‪،‬‬
‫ّ‬
‫مناديا عىل ولده‪ِ :‬‬
‫يصح أن‬
‫أحض كرس ّيا يا ولد ملدير االرشطة‪ ،‬ال‬
‫ّ‬
‫جيلس معنا عىل األرض‪ ،‬هؤالء الرجال ْ‬
‫يشقون طوال اليوم حلفظ‬
‫األمن فكيف نجعلهم جيلسون عىل األرض‪ .‬اجلس يا سيدي‪،‬‬
‫زيارتك مثل وجودك يف هذه القرية أشياء تسعدنا‪ ،‬انظر لقد هجر‬
‫كل اللصوص القرية بفضل جهدك‪ ،‬مل يبق سوى واحد فقد حتى‬
‫أسنانه ومل يعد مصدر خوف‪ ،‬لوال وجودك يا سيدي حلرض مزيد‬
‫من اللصوص‪ ،‬هذه إحدى مشاكل طريق األسفلت هذا‪ ،‬إنه دعوة‬
‫للصوص للتجول بسهولة من مكان إىل آخر‪ِ .‬‬
‫أحض القهوة يا‬
‫جيهزوا طعام غداء يليق بمدير الرشطة‪ ،‬اجلس‬
‫ولد‪ ،‬وأخربهم أن ّ‬
‫يا سيدي‪.‬‬
‫لكن مدير الرشطة رفض أن جيلس‪ ،‬قال إنه مشغول ويريد‬
‫فقط إخطار أبو احلسن أنه اتفق مع جاره أن يتنازل له عن نصف‬
‫‪100‬‬

‫احلطب الذي ق َطعه من الغابة يف األرض املتنازع عليها‪.‬‬

‫إهنا العدالة بعينها يا سيدي‪ ،‬ويضحك بصوته األجش‪ ،‬انظر‬
‫حصلت عىل عود واحد من هذه‬
‫لوال وجودك يف هذه القرية ملا‬
‫ُ‬
‫الغابة وأنا الذي أعيش بمعاش قليل بعد أن ع ّلمت آالف التالميذ‪،‬‬
‫مدرسني وبعضهم يف مصلحة الغابات‪ .‬لنح ّيي‬
‫بعضهم يعمل اآلن ّ‬
‫هذا الرجل يا إخواين‪ ،‬لوال وجوده ألصبح عدد اللصوص يف هذه‬
‫القرية ضعف عدد اآلخرين‪ ،‬و َلتشاجر اللصوص حول من يرسق‬
‫فالن‪.‬‬
‫مىض رجل الرشطة يف طريقه بخطوات نشيطة وواثقة‪ ،‬ع ّلق‬
‫أحد اجلريان قائال‪ :‬ال يبدو كشخص يسري إىل الصحراء!‪.‬‬

‫وقال جار آخر‪ :‬تعجبني خطواته النشيطة املستقيمة كأنه عود‬
‫من اخلشب‪ ،‬أشعر باحلرسة منذ أن أصابتني آالم الظهر مل أعد‬
‫أستطيع امليش إال بعكّاز!‪.‬‬

‫قال أبو احلسن‪ :‬هل تشكو من آالم يف ظهرك؟ سأخرب أحدهم‬
‫متخصصا يف العظام‪ ،‬كان أحد تالميذي‪،‬‬
‫ليساعدك‪ ،‬أعرف طبيبا‬
‫ّ‬
‫كان مهمال يف منظره يرتدي دائام مالبس قذرة وينتعل حذاء‬
‫مثقوبا‪ ،‬لكنه كان جيدا يف احلساب‪ ،‬كان سيئا يف املواد األخرى‬
‫حتى أنني دهشت كيف متكّن أن يصبح طبيبا‪ ،‬ال بدّ أن أحد‬
‫معارفه ساعده يف ذلك‪...‬‬

‫‪101‬‬

‫الشيطان وعسكري البالستيك‬

‫عشية عيد الفطر كنا نتح ّلق حول والديت يف الفناء وهي تغسل‬
‫كومة من املالبس عىل ضوء مصباح الزيت‪ ،‬سمعنا صوت هنيق‬
‫محار يمزق صمت الليل‪ .‬قال أخي‪ :‬إنه محار جارنا سيد‪ ،‬وصمت‬
‫قليال قبل أن يتذكر شيئا‪ :‬هذا احلامر معتاد عىل قطع رباطه‬
‫واالعتداء عىل مزارع اآلخرين‪ ،‬ال بد أن شخصا ما يرضبه اآلن!‪.‬‬
‫قالت أمي‪ :‬هذا ليس محارا‪ ..‬إنه شيطان!‪.‬‬

‫قلت‪ :‬أال ُتبس كل الشياطني يف رمضان؟‬

‫قالت أمي‪ :‬نعم‪ ،‬لكن مساء اليوم األخري يف رمضان ُيعاد‬
‫إطالق كل الشياطني‪.‬‬

‫شعرت باخلوف‪ ،‬سأبدأ بالذهاب إىل املدرسة قريبا‪ ،‬ال مشكلة‬
‫صباحا‪ ،‬سأذهب مع أخي‪ ،‬لكن عند العودة جيب أن أعود وحدي‬
‫ألنني سأغادر املدرسة مبكرا وسأقطع طريقا مليئا بأشجار كثيفة‪،‬‬
‫سمعت من أخي أن الشياطني تسكن فيها‪.‬‬
‫حكاية الشياطني جعلت أمي تتذكّر شيئا فتو ّقفت عن غسيل‬

‫‪102‬‬

‫املالبس ريثام تعدّ اجلمر يف موقد صغري من الفخار لتطلب من‬
‫أخي تبخري البيت كله لطرد الشياطني‪.‬‬
‫قالت‪ :‬مفروض أن نطلق البخور جمرد غروب شمس اليوم‬
‫األخري يف رمضان!‪.‬‬

‫عدنا بعد طرد الشياطني التي الحقها أخي حتى الشارع وهو‬
‫يشتمها بألفاظ قبيحة‪ ،‬ذك ّْرته أن أمي من َعتنا من استخدام تلك‬
‫األلفاظ‪ ،‬فقال يل إنه مل يسمع أمي ّ‬
‫حتذرنا من استخدامها ضد‬
‫الشياطني‪.‬‬
‫بعد أن فرغنا عدنا لنتح ّلق حوهلا‪ ،‬أوصتنا يف حسم أن نبدو‬
‫عند زيارة قرب والدي يف مظهر حزين ونقرأ الفاحتة عىل روحه ثم‬
‫نغرس جريد النخيل فوق القرب‪.‬‬

‫سألت والديت نفس السؤال الذي سأله أخي العام املايض‪:‬‬
‫ملاذا نغرس جريد النخيل فوق قرب والدي؟‪ ،‬فقالت‪ :‬إن هذه عادة‬
‫قديمة‪ ،‬حيمل الناس يف أيام األعياد جريد النخيل ويضعونه عىل‬
‫جتف أوراق النخيل يتو ّقف عذاب املوتى يف‬
‫قبور ذوهيم وحتى ّ‬
‫الدار اآلخرة‪ .‬شعرت بحزن مل أعرف له سببا‪ ،‬وقال أخي‪ :‬ملاذا‬
‫ال نزرع شجرة نخيل فوق القرب حتى ال ّ‬
‫نظرت‬
‫يتعذب أيب أبدا!‪ْ ،‬‬
‫إىل أمي فوجدت أهنا تفكّر كيف تر ّد عىل كالم أخي ثم انشغلت‬
‫بغسل املالبس‪.‬‬
‫تذكّرت بشوق تفاصيل يوم العيد املايض‪ ،‬حني ذهبنا للمرة‬
‫مرت سوى بضعة أشهر عىل وفاة‬
‫األوىل لزيارته‪ .‬مل تكن قد ّ‬
‫‪103‬‬

‫والدي‪ .‬يف املقربة كنّا أول الواصلني‪ ،‬كان هناك عدد كبري من‬
‫الصبية يلبسون مالبس العيد البيضاء اجلديدة‪ ،‬كنا أنا وأخي‬
‫أصلحتها والديت لكنها كانت نظيفة وناصعة‬
‫نلبس مالبس قديمة‬
‫َ‬
‫البياض كأهنا جديدة‪.‬‬

‫تفرق الناس لزيارة ذوهيم املوتى‪ .‬وجدت‬
‫بعد صالة العيد ّ‬
‫أحد أقاريب‪ ،‬وكان يكربين بسنوات‪ ،‬جيلس هبدوء جوار قرب والده‬
‫كأنه حيرس شيئ ًا ما‪ ،‬ومل يكن يبذل جهدا ُيذكَر مثلنا إلظهار احلزن‪.‬‬
‫سألته ملاذا مل حيرضوا جريد النخيل لوضعه عىل قرب والده‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ستحرضه والديت يف ما بعد‪ .‬قلت له والديت حرضت مبكرا لزيارة‬
‫زوجها امليت فلامذا تتأخر والدته‪ ،‬فكّر قليال ثم قال يل‪ :‬والدتك‬
‫حترض للسنة األوىل‪ ،‬ال بدّ أن ذكرى والدك ال تزال حية يف قلبها‪،‬‬
‫أما أ ّمي فهي حترض هنا منذ حوايل عرش سنوات‪ ،‬ويف السنوات‬
‫األخرية مل تعد تذكر والدي كثريا‪ ،‬لقد تضاعفت مسئولياهتا‪ ،‬رغم‬
‫تزوجت لكن ال تزال هناك أخت أخرى‪.‬‬
‫أن أختي الكربي ّ‬
‫غرس أخي الذي يكربين بعام جريد النخيل فوق القرب‪،‬‬
‫ثم وقفنا معا نرقب والديت وهي تدعو لوالدي ومتسح الرمال‬
‫واحلىص فوق القرب‪.‬‬

‫سألت والديت هل ستذهب غدا مبكرا لزيارة والدي أم‬
‫ُ‬
‫ستذهب ّ‬
‫متأخرة مثل والدة الصبي الذي وجدناه يف املقربة يف‬
‫فسكت عن‬
‫العيد املايض؟‪ ،‬مل ترد والديت ورأيتها تبكي بصمت‬
‫ّ‬
‫الكالم‪.‬‬
‫كان الوقت قد ّ‬
‫تأخر‪ .‬طل َبت منّا والديت أن نذهب لنخلد‬

‫‪104‬‬

‫إىل النوم حتى نستيقظ مبكرا ونذهب ألداء صالة العيد وزيارة‬
‫املوتى‪ .‬لكننا مل نكن نرغب يف النوم‪ ،‬وقال أخي‪ :‬سننتظر معك‬
‫حتى تنتهني من غسيل املالبس‪.‬‬

‫لكن أمي قالت إن ذلك سيستغرق وقتا طويال وال داعي‬
‫لالنتظار‪.‬‬
‫طلب منها أخي أن تتوقف عن غسل بقية املالبس لتكملها يف‬
‫وقت آخر‪ ،‬لكن أمي قالت إنه جيب أن تصبح كل املالبس املتسخة‬
‫يف البيت صبيحة العيد نظيفة وإال فإننا سنبقى بمالبس متسخة‬
‫حتى العيد القادم‪.‬‬

‫فكر أخي بصوت عال‪ :‬ما دام بإمكاين اللعب طوال العام دون‬
‫أن تتسخ مالبيس فإن ذلك يستحق بعض التعب‪ ،‬عارضا عىل‬
‫والديت مساعدهتا يف نقل املالبس التي فرغ غسلها لتعليقها عىل‬
‫حبل الغسيل‪ ،‬لكن والديت طلبت منه أن يعيد الطواف يف البيت‬
‫بالبخور للتأكّد أن كل الشياطني قد خرجت‪.‬‬
‫كانت النار قد انطفأت يف املوقد فأعدنا إشعاهلا ثم نثرنا فوقها‬
‫البخور وأعدنا الطواف يف البيت‪ .‬تذكرنا أننا مل ِّ‬
‫نبخر املخزن الكبري‬
‫الذي يقع يف الركن البعيد من الفناء وحتتفظ فيه والديت بمحصول‬
‫التمر الذي نجنيه من النخيل الذي تركه والدي‪ .‬قلت ألخي ال‬
‫داعي ألن ّ‬
‫نبخره‪ ،‬املخزن ميلء بالعقارب والفئران وليس املكان‬
‫املناسب لتقيم فيه الشياطني‪ .‬ضحك أخي وقال‪ :‬بالعكس لو كنت‬
‫مكان الشيطان الخرتت البقاء يف املخزن‪ .‬يوجد متر كثري‪ .‬كام إنه‬
‫بعيد عن أصوات اجلريان وشجارهم‪.‬‬
‫‪105‬‬

‫حيب الشيطان اهلدوء؟‪.‬‬
‫قلت ألخي‪ :‬هل ّ‬

‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬أمل تسمع بأهنم يقطنون دائام يف البيوت املهجورة‬
‫بعيدا عن الناس؟‪.‬‬
‫حيب الشجار!‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لكن الشيطان ّ‬

‫قال أخي‪ :‬كيف عرفت؟‪.‬‬

‫قلت‪ :‬حني تشاجر جارنا وزوجته قبل أيام بسبب أنه يعود‬
‫خممورا آخر الليل ويرضب األطفال قالت أمي إن الشيطان دخل‬
‫بينهام!‪.‬‬

‫ترسب منه هدوء غريب‪ ،‬بدا لنا كأنه ال‬
‫حني فتحنا باب املخزن ّ‬
‫يمت بصلة إىل عاملنا الذي نعرف‪ .‬مل جتعلنا صدمة اهلدوء اخلارق‬
‫ّ‬
‫الذي اخرتق عظامنا نرتاجع‪ ،‬بالعكس شعرنا هبا تدفعنا إىل األمام‪.‬‬
‫كان املخزن خاليا‪ ،‬مل َ ِ‬
‫ين بعد موعد قطع التمور‪ ،‬ومتر العام املايض‬
‫سحبته والديت شيئا فشيئا وباعته لتغطي منرصفات حياتنا‪ .‬عىل‬
‫األرض يف مؤخرة املخزن كانت هناك شمعة مضيئة تثري من‬
‫حوهلا دوائر رذاذية من الضوء‪ .‬مل نندهش‪ ،‬بدا لنا وجود الشمعة‬
‫متناغام مع اهلدوء الصاعق يف املكان‪ ،‬ما لفت نظرنا أن خيطا من‬
‫الضوء كان يرتفع من الشمعة يف خط مستقيم إىل السقف‪ ،‬بدا‬
‫ضوء املصباح الذي نحمل باهتا مقارنة بضوء الشمعة‪ .‬اقرتبنا‬
‫منو َمني‪ ،‬جلسنا حول الشمعة التي بدأ حجمها يزداد‬
‫منها وكأننا ّ‬
‫أصبحت مثل شجرة بيضاء‬
‫حتى احت ّلت نصف حجم املخزن‪،‬‬
‫َ‬
‫عمالقة ذات فروع ترامت برسعة يف كل االجتاهات‪ ،‬تقدّ م أخي‬
‫‪106‬‬

‫ليتسلق الشجرة دون أن يكرتث إلحلاحي له بأن نغادر املكان‪،‬‬
‫تب ْعتُه بدافع اخلوف من الرتاجع وحدي‪ ،‬مدّ أخي الذي اختفى‬
‫جسدُ ه داخل أغصان الشجرة البيضاء يدَ ه وسحبني إىل أعىل‪،‬‬
‫يف اللحظة التي ارتفع فيها جسدي سقطنا نحن االثنان داخل‬
‫حفرة من الضوء كان خيط الضوء املنبعث من الشمعة يتد ّفق فيها‬
‫هبدير مثل السيل‪ ،‬جرينا لنبتعد عن هدير الضوء فوجدنا أنفسنا‬
‫يف مكان غريب يشبه مدينة خرجت من أحد األحالم‪ .‬حولنا‬
‫جتولنا يف الشوارع‬
‫شاهدنا صفوفا من البيوت املعدنية الصفراء‪ّ ،‬‬
‫اخلالية‪ ،‬كل يشء ثابت يف مكانه‪ ،‬حتى أشجار النخيل املزروعة‬
‫عىل جوانب شوارعها كانت كلها تبدو وكأن عصا ساحر عمالقة‬
‫أوقفت حركتها وأوقفت الزمن من حوهلا‪ .‬مل نر كائنا يميش‪َ ،‬‬
‫دخ ْلنا‬
‫إىل أحد البيوت‪ ،‬كل يشء مرتّب ونظيف‪ ،‬بيوت رحبة يترسب‬
‫إليها الضوء من خالل نوافذ النحاس‪ .‬مقاعد صغرية وأراجيح‬
‫تفحصت‬
‫منصوبة لألطفال يف األفنية وأكوام من األلعاب حوهلا‪ّ ،‬‬
‫كومة األلعاب بدافع الفضول فوجدت شيئا غريبا‪ ،‬حتى أنني‬
‫رصخت دون أن أشعر‪ :‬وجدهتا!‪.‬‬

‫أشار يل أخي بغضب أن أصمت‪ .‬عثرت عىل لعبة فقدهتا منذ‬
‫شهور وقلبت البيت كله بحثا عنها دون جدوى‪ .‬لعبة بالستيكية‬
‫خرضاء اللون أهداها يل أحد أقاربنا‪ :‬دمية يف صورة جندي يرقد‬
‫تأهب إلطالق النار وتغطي رأسه قبعة عسكرية ضخمة‬
‫يف وضع ّ‬
‫تشبه أطباق السعف التي تُستخدم حلفظ اخلبز‪ .‬حني تس ّلمت تلك‬
‫اهلدية ّقررت حني أكرب أن أعمل يف اجليش‪.‬‬
‫‪107‬‬

‫ضحك رجل مس ّن من أقارب والديت كان يزورنا يوم عيد‬
‫األضحى حني سمع بأمنية حيايت اجلديدة وقال‪:‬‬
‫هناك ال يعمل أحد!‪.‬‬

‫قلت له‪ :‬سأقرأ ليال وهنارا حتى أنجح وأحقق تلك األمنية!‪.‬‬

‫ضحك العجوز احلكيم وقال كالما مل أفهمه‪ :‬ربام لن حتتاج‬
‫لكل ذلك!‪.‬‬
‫وجدت اللعبة وسط جمموعة من الدمي النحاسية‪ ،‬ن ّظفتها من‬
‫الرتاب الضوئي العالق هبا واحتضنتها بقوة‪ .‬قبل شهور حني مل‬
‫نعثر هلا عىل أثر‪ ،‬اهتمت مجيع الناس برسقتها‪ .‬اهتمت أخي وجارنا‬
‫الصغري الذي كان حيرض أحيانا برفقة أمه‪ ،‬قالت أمي‪ :‬الحاجة‬
‫بأحدهم لرسقة جنودك البالستيكية‪.‬‬

‫وقال الرجل املس ّن حني زارنا يف املرة التالية ل ُيحرض ألمي شيئا‬
‫ما‪ :‬ما إن خترج إىل الشارع حتى جتد كثري ًا من هذه الدمى التي ال‬
‫تصنع شيئا سوى إزعاج الناس!‪.‬‬
‫بقوة حني سحبني أخي لنواصل جتوالنا‬
‫كنت أحتضن لعبتي ّ‬
‫مررنا بحوانيت مجيلة مليئة بالبضائع‬
‫يف املدينة التي مل نر فيها برشا‪َ .‬‬
‫امللونة وبمحالت الفواكه واخلرضوات‪ .‬تبدو الفواكه من عىل‬
‫البعد يانعة كأهنا ال تزال يف أشجارها‪ ،‬لكن حني اقرتبنا منها‬
‫يترسب إىل قلبينا‪،‬‬