أحلام الملكة النائمة - 3

‫أبوه ضحك‪ ،‬ظاهر ضحك خوف! ّ‬
‫بنرجعها‪،‬‬
‫بحنان شديد‪ ،‬حنان بتاع زول مف ّلس‪ ،‬ويقول ليه‪( :‬أ ّمك ّ‬
‫لكن واهلل بت شيخ النذير دي طيبة ومسكينة‪ ،‬إنت بس ما تعرفها‪،‬‬
‫بعدين بت يتيمة‪ ،‬حرام أنا لو ط ّلقتها أخو يراعيها ما عندها‪َ .‬و ِكت‬
‫طر َدتك من البيت‪ ،‬أبوها رسلها‪ ،‬أبوها فعال كان راجل َف ُقر‪ ،‬واهلل‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫أنا فرحت َوكت مات!)‪.‬‬
‫وحسني يقول ليه‪( :‬دي مرة قاهرة‪ ،‬بتقدر تد ّبر حياهتا‪ ،‬ندّ هيا‬
‫الورقة ومعاها عس لبن‪ .‬وكيف ما عندها أخو؟ النسوان زمان‬
‫‪59‬‬

‫كان بيقولوا نميش للنذير يدّ ينا اجلنا‪ ،‬طيب ليه ما جاب الولد!؟‬
‫النجار خم ّلع!)‪.‬‬
‫وال باب ّ‬

‫شيخ النذير دا استغفر اهلل من ذنبه قالوا بتاع ُسفيل‪ .‬عز الدين‬
‫ود حسن نوري قبل يميش اخلرطوم زمان مشى ليه وقال ليه‪:‬‬
‫(عندي عوارض‪ ،‬حمل ما اشتغل حتصل مصيبة)‪ ،‬قال ليه‪ :‬اجلامعة‬
‫ممكن يفكّوا العارض ويشوفوا ليك شغل!)‪.‬‬
‫ضحك سليامن األعرج وقال‪ :‬شغل شنو دة ج ّن سفيل وال‬
‫مكتب عمل!‬

‫بعدين بعد يشتغل قالوا ليه اجلن بيجوك يف اليوم تالتة مرات!‪.‬‬
‫قال سليامن مدّ عيا عدم الفهم‪ :‬جيوه ليه؟‬

‫قال سليامن التاجر‪ :‬حيجوه يعني لقولة خري؟ حيجوه ينوموا‬
‫معاه عشان خيلصوا حقهم!‪.‬‬
‫أها وعز الدين قال شنو؟‬

‫قال ليهم تالتة مرات يف اليوم كتري! حنشتغل متني يعني لو‬
‫اجلن حينط علينا كل شوية!‪.‬‬
‫ضحك األعرج وقال‪:‬‬

‫يا سليامن السنة الفاتت حسني قالوا طلب بتّك الصغرية أبيت‬
‫تدّ يه‪ ،‬هسع كيف؟‬

‫ضحك التاجر وقال‪ :‬واهلل أنا ما أبيته‪ ،‬البت قالت دايرة تقرأ‪،‬‬
‫هسع لو وافقت كان مرقنا لينا‬
‫أصلها بت َف ُقر‪ ،‬ال َق ُروا عملو شنو؟ ّ‬
‫‪60‬‬

‫يب كيلو دهب زي الربنامج بتاع التلفزيون!‪.‬‬

‫قال الطاهر‪ :‬قبل سنتني جاين قال يل داير أزرع معاك يف‬
‫احلواشة‪ .‬أنا يف احلقيقة كنت حمتاج يل زول معاي‪ ،‬كنت داير‬
‫ّ‬
‫أزرع مساحة أكرب شامر‪ ،‬أنا كنت سامع انه بيشتغل كويس لكن ما‬
‫بيسمع الكالم ومرات يسافر أثناء املوسم بدون يك ّلمك‪ ،‬قلت ليه‬
‫يا حسني إنت مزارع كويس لكن أنا كامن بحب االنضباط‪.‬‬

‫قال يل‪( :‬انضباط شنو! دي زراعة وال دفاع شعبي!)‪ ،‬قلت‬
‫ليه‪( :‬دفاع شعبي ما بعرفه‪ ،‬لكن أنا عندي كل يش يف مواعيده‪،‬‬
‫ننضف الزراعة ونروهيا باملواعيد)‪ ،‬قال يل‪:‬‬
‫نسدّ البوغة باملواعيد‪ّ ،‬‬
‫(خالص أ ّديني يومني أفكر يف املوضوع ألن قصة انضباط دي‬
‫بتذكّرين اجليش)‪ .‬قبل سنتني ناس اجليش كان قبضوه يف سوق‬
‫السبت‪ ،‬و ّدوه معسكر‪ ،‬الظاهر تعب فيه تالتة شهور لغاية ما‬
‫رشد)‪ .‬قلت ليه خري‪ ،‬لكن تاين ما رجع‪ .‬يعني رشد قبل ما نبدأ‬
‫ِ‬
‫هسع؟!‪.‬‬
‫معسكر الزراعة! يا ريب يكون ماخدْ يف خاطرو مني لغاية ّ‬
‫ضحك حاج سعيد وقال‪ :‬أنا احلمدهلل ال جاين يل عرس وال‬
‫يل زراعة‪ .‬لو جاين للزراعة كنت بش ّغله‪ ،‬األوالد كلهم مشوا‬
‫الدهب‪ ،‬ما تصدّ ق َو ِكت تلقى ليك زول جيي داير يزرع! حتى لو‬
‫زرع القمح يف الصيف! والعيش يف الشتاء!‬
‫قال الطاهر‪ :‬لكن أنا نفعته‪ ،‬لو قلت ليه تعال أزرع ما كان مشى‬
‫مرق ليه بشوال شامر‬
‫الدهب ولقى نصيبه! لو زرع معاي كان َ‬
‫وشوال قمح وقرياطني ويكة!‪.‬‬
‫‪61‬‬

‫قال صالح اجلاز‪ :‬الطاهر إنت الظاهر عاوز ليك سلفية وال‬
‫حاجة!‪.‬‬

‫يمول يل املوسم كان‬
‫ضحك الطاهر وقال‪ :‬واهلل لو لقيت زول ّ‬
‫وسعت الزراعة شوية السنة دي‪ ،‬أوالد حسن أخوي قالوا ماشني‬
‫ّ‬
‫الدهب وقالوا يل ممكن تزرع أرضنا معاك السنة دي!‪.‬‬
‫بمنسق‬
‫رحب به حاج سعيد‪ :‬مرحبا‬
‫جاء فارس بعد قليل‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الرشطة الشعبية السابق!‪.‬‬
‫منسق‬
‫قال سليامن األعرج‪ :‬بدل السابق أحسن تقول ليه ّ‬
‫الرشطة الشعبية املخلوع! ألن الكيزان وكت استغنوا منه وال حتى‬
‫قالوا ليه رفدناك‪ .‬جا تاين يوم لقى زول قاعد يف حمله! الرشطة‬
‫الشعبية بقت زي بلدنا اهلاملة دي‪ ،‬اليصحى بدري يقلبها!‪.‬‬

‫قال فارس‪ :‬احلمدهلل لقينا شغل! الدهب بتاع حسني جا يف‬
‫وقته!‪.‬‬
‫مالك ومال حسني كامن؟‬

‫مايل كيف؟ الزول صاحبي من زمان‪ ،‬يف املدرسة كان وراي‬
‫والزمن داك كان ضعيف وقصري عشان كدة األوالد الكبار بيقلعوا‬
‫منه الفطور ويد ّقوه بال سبب‪ ،‬أنا كنت ش ّغال ليه حارس شخيص‬
‫حق الفطور ما عنده‪ ،‬أوىل‬
‫من الزمن داك‪ ،‬لو كنت بحرسه أيام ّ‬
‫أبقى حارسه الشخيص بعد بقى غني!‪.‬‬
‫وحتحرسه من منو؟‪.‬‬

‫الكيزان احلرامية أول ما سمعوا بقصة الدهب‪ ،‬جاه ضابط‬

‫‪62‬‬

‫أمن قال ليه ناس اجليش بيفتّشوا عليك عشان إنت رشدت من‬
‫اجليش‪ ،‬أنا ممكن أعمل ليك محاية‪ ،‬لكن تدّ يني كيلو دهب! باهلل‬
‫شوف الناس املا بتختيش دي! حسني أ ّداه مليون جنيه وقال ليه‬
‫تعال يل بعد فرتة!‪.‬‬
‫ضحك حاج سعيد وقال‪ :‬حراستك ليهو دي زي حراسة‬
‫الديب للغنم! زي حراسة الكيزان لبلدنا!‪.‬‬

‫واصل فارس‪ :‬أنا قلت ليه‪( :‬جرام ما تدّ يه! الناس ديل أنا‬
‫بعرفهم كويس‪ ،‬لو جاك تاين قول ليه قابل فارس‪ ،‬السكرتري‬
‫بتاعي)!‪.‬‬
‫إنت سكرتري وال غفري؟‬

‫غفري شنو يا حاج! أصلها وكالة؟ أنا مدير أعامل حسني عبد‬
‫الرسول!‪.‬‬
‫يا زول إنت مالك تر ّقي نفسك برسعة كدة من غفري يل سكرتري‬
‫يل مدير أعامل‪ ،‬بعد شوية حتقول الدهب حقي!‪.‬‬

‫قال فارس‪ :‬شيخ عيل بتاع اللجنة الشعبية جاهو قال ليه أدفع‬
‫ربع للجنة الشعبية وأنا بعفيك من الرضائب والزكاة وبو ّقف‬
‫لينا ت ّ‬
‫ناس اجليش لو جو يفتشو عليك!‪.‬‬

‫ربع حيميش عىل جيب شيخ‬
‫قال سليامن األعرج‪ :‬وطبعا الت ّ‬
‫عيل!‪.‬‬

‫قال فارس‪ :‬جيب غريق تقول فيه (كوروكي) أصال ما بيتميل!‪.‬‬
‫‪63‬‬

‫هسع‪ ،‬ألن‬
‫أنا قلت ليه‪( :‬قول ليه خري‪ ،‬لكن ما تدّ يه حاجة ّ‬
‫ممكن ينفعك يل قدّ ام لو عاوز تصديق ألرض وال حاجة!)‪ ،‬حسني‬
‫قال عاوز يعمل مصنع تعليب‪ ،‬أنا قلت ليه أحسن تقلب بالقروش‬
‫دي يف السوق!‪.‬‬
‫قال حاج سعيد‪ :‬يقلب وين‪ ،‬دا لو طلع شرب من البلد دي‪،‬‬
‫يأكلوه متاسيح الكيزان حي!‪.‬‬
‫قال الطاهر‪ :‬أنا رأيي يعمل مرشوع قمح كبري‪ ،‬جييب‬
‫ّ‬
‫الرشاشات!‪.‬‬

‫قاطعه فارس‪ّ :‬‬
‫رشاشات شنو؟ دا مرشوع وال جنجويد! ما‬
‫قادر تقول الرش املحوري؟‪.‬‬
‫اخلوي واسعة وخصبة‪ ،‬بس‬
‫واصل الطاهر‪ :‬األرض فوق يف َ‬
‫مشكلتها املوية‪ .‬لو جاب الرشكات الكبرية البيحفروا األرض‬
‫باملكنات‪ ،‬ممكن يطلعوا موية كترية!‪.‬‬

‫قال فارس‪ :‬مكنات شنو اليحفروا بيها‪ ،‬مرشوع دة وال النهر‬
‫الصناعي العظيم!‪.‬‬

‫قال حاج سعيد‪ :‬املوية مشكلة‪ ،‬والكهرباء بقت تقطع كتري‪،‬‬
‫نص املوسم تقطع‪ .‬عشان كدا أحسن‬
‫ما ممكن يزرعوا بيها ويف ّ‬
‫يشوف ليه حاجة تاين‪.‬‬
‫قال األعرج‪ :‬خليه يعمل مرشوع تسمني‪ ،‬يشرتي هبايم‪،‬‬
‫وعجول وممكن يل قدّ ام يعمل مصنع لألجبان!‪.‬‬
‫طيب ما نفس املشكلة‪ ،‬مع زراعة األعالف حتكون التكلفة‬

‫‪64‬‬

‫عالية‪ .‬لو بلدنا دي فيها مطر ومراعي كبرية ممكن‪.‬‬

‫قال فارس‪ :‬أنا رأيي‪ ،‬قلت ليه‪ ،‬ختيل الدهب قاعد أو تشرتي‬
‫دوالر أو بيوت‪ .‬ألن بعد شوية اجلنيه حقنا دا إال تشيل منه‬
‫تالتة شواالت عشان تشرتي ربطة جرجري‪ .‬بعدين اجلامعة ديل‬
‫ما حيخ ّلوه إال يقلعوا القروش دي‪ .‬نعمل بالغ نقول اترسق‬
‫غرة صالة ويقول ليهم أنا بقيت‬
‫أو يعمل ليه دقينة وننجر ليه ّ‬
‫معاكم‪ ،‬يدّ هيم شوية قروش يقول ليهم دا دعم للجهاد‪ .‬دا أحسن‬
‫مرشوع اآلن‪ .‬ويرتشح جملس الشعب‪ .‬حيجوا ناس املؤمتر الوطني‬
‫ّ‬
‫يرتشحوا معاه عشان يلقوا ليهم قرشني وخيلعوا‪ .‬والدقينة ساهلة‪،‬‬
‫أنا قلت ليه حتى الكيزان األصليني ناس شيخ عيل‪ ،‬شايلني املوس‬
‫يف جيبهم‪ .‬شيخ النور مرة حكى يل قال يل‪( :‬مشيت يل شيخ عيل‬
‫يف البيت داير يل شهادة سكن للولد‪ .‬أنا شعرت يف حاجة ألن يف‬
‫األول ما كان داير يقابلني‪ ،‬سام ُعه يقول يل الولد‪ :‬قول ليه مايف‪.‬‬
‫كوركْت قلت ليه‪ :‬أمرق يا عيل وإال بجي داخل!)‪ .‬أها جا مارق!‬
‫َ‬
‫لقيت دقنه حملوقة نضيف‪ ،‬قال يل‪ :‬ما بقدر أط ّلع ليك الشهادة إال‬
‫الدقن مترق شوية عشان أقدر امرق من البيت)‪ ،‬قلت ليه‪( :‬وط ّيب‬
‫(املرة الصغرية مسكينة‬
‫حلقت الدقن ليه؟)‪ ،‬ضحك وقال يل‪َ :‬‬
‫غشيمة شوية‪ .‬سم َعت أخبار انقالب عسكري يف بوركينافاسو يف‬
‫التلفزيون‪ ،‬بدون تسمع اخلرب كويس جات جارية وأنا يف احلامم‬
‫خبطت يل الباب‪ ،‬قلت ليها يف شنو‪ :‬قالت يل أحلق يف انقالب!‬
‫رضبتني خلمة بدون ما أشعر حلقت الدقن‪ ،‬وجيت جاري‪ ،‬كنت‬
‫جمهز يل حفرة يف احلوش عشان الظروف ما معروفة لو حصل يش‬
‫ّ‬
‫ندس فيها شوية دهب النسوان لغاية نعرف احلاصل! أها ش ّغال‬
‫‪65‬‬

‫املرة التانية قالت يل‪:‬‬
‫أجهز يف احلفرة وأمللم يف احلاجات جاتني َ‬
‫االنقالب يف بوركينافاسو!)‪.‬‬

‫‪66‬‬

‫العقرب‬

‫كنا نجلس ثالثتنا عىل األرض يف ركن الزنزانة البعيد‪ ،‬نشعر‬
‫باإلرهاق بسبب عدم النوم ليال طوال عدة أيام‪ ،‬كنا نشعر يف تلك‬
‫اللحظة هبدوء غريب‪ ،‬ربام من فرط اإلرهاق الذي خيمد فيك حتى‬
‫الرغبة يف التفكري‪ .‬قمنا بعمل اقرتاع رسي عىل حبة سجائر إضافية‬
‫خيمن نوع التعذيب الذي سنتعرض له هذه الليلة‪.‬‬
‫ملن يستطيع أن ّ‬
‫طوال ٍ‬
‫ليال كانوا ُيبقوننا مستيقظني حتى الصباح بحيل خمتلفة‪:‬‬
‫التعليق يف مروحة السقف‪ ،‬أو الرش باملاء البارد أو الصدمات‬
‫الكهربائية‪.‬‬
‫بعد قليل اقتحم ضابط األمن الزنزانة‪ ،‬ومعه جندي‪ ،‬يبدو أن‬
‫لديه اليوم فكرة جديدة‪ ،‬فقد أمر اجلندي قائال‪ :‬امجع أحذيتهم!‪.‬‬

‫مل تكن هناك أحذية باملعنى املعروف‪ ،‬كانت كومة من القامش‬
‫والبالستيك املهرتئ‪ ،‬مجعها اجلندي ووضعها يف كيس بالستيك‬
‫أسود‪ .‬تو ّقعت أهنم ربام سيرضبوننا عىل أقدامنا‪ .‬للوهلة األوىل مل‬
‫أشعر باخلوف‪ ،‬كنت أشعر أن أطرايف قد فقدت اإلحساس من‬
‫تعرضت إليه من رضب‪ ،‬بام يكفي لعدم اإلحساس بأي‬
‫فرط ما ّ‬
‫‪67‬‬

‫تعذيب جديد‪.‬‬

‫عرض الضابط آخر حيل التعذيب‪ ،‬قال خياطبنا‪:‬‬
‫عندها َ‬
‫أنتم األرشار يف هذا الوطن تريدون إغراق وطننا يف الفوىض‪،‬‬
‫تتظاهرون ضد السلطة الرشعية ومتزقون صور رأس النظام‪ ،‬يا‬
‫لكم من تعساء!‪ .‬مل يكن هناك جديد حتى اآلن‪ ،‬نفس اخلطبة‬
‫اليومية تقريبا‪.‬‬
‫رفع علبة زجاجية أمام املصباح الكهربائي الذي حيمله يف يده‪،‬‬
‫فرأينا شيئا صغريا يتحرك داخل الزجاجة‪.‬‬

‫أعلن بنربة انتصار‪ :‬ستقيض هذه العقرب الليلة معكم يف‬
‫الزنزانة! إهنا من النوع الذي يعيش يف اجلبال‪ ،‬تتغذى عىل‬
‫األعشاب السامة والصخور! لدغتها تساوي لدغة مائة عقرب‬
‫عادية!‪.‬‬
‫ووجه ضوء‬
‫فتح الضابط غطاء العلبة ثم نثر حمتوياهتا أرضا‪َّ ،‬‬
‫مصباحه الكهربائي عليها‪ .‬رأينا العقرب يف ضوء املصباح ترسع‬
‫هاربة باجتاه اجلدار‪ ،‬عرفنا أننا خرسنا مجيعا رهان حبة السجائر‪.‬‬
‫يف كل األحوال من سيأبه للفوز بسيجارة‪ ،‬إن كان ال أحد منا‬
‫سيضمن منذ اللحظة أنه سيعيش حتى الصباح!‪.‬‬
‫مل يكن هناك ضوء كهربائي يف الغرفة‪ ،‬حني أطفأ الضابط‬
‫مصباحه ساد يف املكان ظالم رهيب‪ ،‬كان هناك ضوء خفيف‬
‫يتسلل عرب الباب من املمر‪ .‬أغلق الضابط باب الزنزانة‪ ،‬فغرقنا‬
‫يف الظالم‪ .‬بعد قليل بدأنا نتبني خيوط الضوء القليلة التي كانت‬
‫‪68‬‬

‫تترسب عرب النافذة الصغرية يف أعىل اجلدار من مصباح كهربائي‬
‫بعيد ربام كان أحد املصابيح املستخدمة يف حراسة أسوار السجن‪.‬‬
‫كانت تلك املرة األوىل التي ننتبه فيها خليوط الضوء تلك‪ ،‬والتي‬
‫كانت تسقط عىل اجلدار املواجه للنافذة الصغرية دون أن تيضء‬
‫شيئا حوهلا‪ ،‬بل ترتك فقط خيطا مائيا رقيقا عىل اجلدار‪.‬‬
‫يف البداية مل جيرؤ أي منا عىل احلركة من فرط اخلوف والذهول‪،‬‬
‫قال أكثرنا خربة‪ :‬يف املرة التالية جيب أن نرتاهن عىل يشء أكثر قيمة‬
‫حتى نفكر بعمق‪ ،‬وال نكتفي باألشياء التقليدية‪.‬‬

‫من حتدث كان أكثرنا متاسكا‪ ،‬يبدو أنه اعتاد بسبب تعدد مرات‬
‫اعتقاله عىل هذه املفاجآت‪ ،‬يف السنوات األخرية كان قد قىض يف‬
‫املعتقل وقتا أطول مما قضاه يف بيته أو يف أي مكان آخر‪ ،‬كان دائام‬
‫حيكي أنه يف إحدى الفرتات القليلة التي قضاها خارج السجن‪،‬‬
‫كان ينهي معاملة يف إحدى املؤسسات وحني ُطلب منه كتابة‬
‫عنوانه‪ ،‬كتب دون تردد ودون أن يشعر بوجود خطأ ما‪ ،‬عنوان‬
‫املعتقل!‬
‫قال‪ :‬لدينا دقائق قليلة نفكر فيها كيف جيب أن نحمي أنفسنا‬
‫قبل وصول العقرب إىل مكاننا‪ .‬مل تكن معنا أعواد ثقاب‪ ،‬كنا‬
‫نخفيها يف الفناء لنستخدمها يف التدخني أثناء االسرتاحات التي‬
‫ُيسمح لنا فيها باخلروج إىل الفناء‪ ،‬كنا نتص ّبب عرقا‪ .‬مل أفهم ما‬
‫قدمي احلافيتني من‬
‫الذي قاله زميلنا‪ ،‬بدأت ال إراديا أحاول رفع‬
‫ّ‬
‫األرض‪ ،‬يقولون إن لدغة العقرب يف األطراف هي األسوأ! كنت‬
‫مشتّتا بني رضبة املوت القادمة وبني صور أرسيت التي بدأت تقف‬
‫‪69‬‬

‫أمامي‪ ،‬كأهنم جاءوا إللقاء نظرة وداع أخرية‪ .‬ابنتي الكربى كانت‬
‫تقف يف املقدمة واحلزن خييم عليها‪ ،‬ستكون قد استعدت للذهاب‬
‫للمرة األوىل إىل املدرسة‪ .‬مل أكن متأكّدا من اليوم الذي سيبدأ فيه‬
‫عامها الدرايس األول‪ ،‬لكنني حاولت حساب ذلك فوصلت إىل‬
‫أن يوم ٍ‬
‫غد ربام سيكون يومها األول يف املدرسة‪ ،‬اآلن مل أعد متأكّدا‬
‫إن كنت سأكون ح ّيا حني تذهب ابنتي للمرة األوىل إىل املدرسة‪.‬‬
‫قال زميلنا الذي حافظ عىل بعض متاسكه‪ :‬هناك حبل تعذيب‬
‫ّ‬
‫سنعذب أنفسنا بأنفسنا هذه الليلة‪،‬‬
‫مربوط إىل مروحة السقف‪،‬‬
‫سنحاول تقدير الوقت‪ ،‬يمسك كل منا باحلبل ملدة دقائق ثم خييل‬
‫الفرصة لآلخر‪ ،‬وهكذا حتى الصباح‪ ،‬بدال من أن نقيض الليلة‬
‫كلها يف رعب وخوف ستخفف الدقائق التي يتعلق فيها أحدنا‬
‫إىل مروحة السقف من رعبه وخوفه‪ ،‬ستكون هذه االسرتاحة من‬
‫انتظار املوت مفيدة‪ ،‬وتعطي كل واحد فينا بعض القوة لنصمد‬
‫حتى الصباح! ثم تنهد وقال‪ :‬من املؤسف أنه ال توجد سوى‬
‫مروحة سقف واحدة‪ ،‬وإال لكان هناك أكثر من حبل للتعلق فيه!‬
‫شعرنا باألسف لعدم وجود معدات تعذيب كافية‪ .‬قال زميلنا‬
‫املتامسك مازحا‪ :‬حني يزورنا مقرر حقوق اإلنسان إن عرف‬
‫مكاننا‪ ،‬سنطالب بالعدل‪ ،‬بتوفري أدوات كافية للتعذيب‪ ،‬حبل‬
‫ومروحة لكل مسجون!‬
‫قال زميلنا‪ :‬يمسك أحدنا باحلبل ويبدأ البقية يف العد حتى‬
‫الوصول إىل الرقم مخسامئة‪ ،‬وعندها يتسلق من عليه الدور احلبل‬
‫وهكذا‪ .‬عملية العد نفسها ستساعد يف شغلنا قليال عن التفكري يف‬
‫‪70‬‬

‫العقرب‪ .‬صمت قليال ثم قال كمن يفكر يف الظالم بصوت ٍ‬
‫عال‪:‬‬
‫ربام وجدت العقرب طريقها إىل اخلارج‪ ،‬لكن ذلك سيعني أن‬
‫نظل طوال فرتة إقامتنا هنا يف ترقب ظهورها يف أية حلظة!‪.‬‬
‫مل يكن هناك وقت لنضيعه يف التفكري بصوت ٍ‬
‫عال‪ ،‬حتركنا فورا‬
‫نتحسس طريقنا يف الظالم حتى عثرنا عىل احلبل‪.‬‬
‫ّ‬

‫عيل‪،‬‬
‫من حسن احلظ‪ ،‬وقعت القرعة التي أجريناها برسعة ّ‬
‫جيرب التعذيب اإلنقاذي من العقرب‪ .‬يف املرة‬
‫ألكون أول من ّ‬
‫األوىل حني قاموا يف حفل استقبالنا بتعليقي إىل مروحة السقف‪،‬‬
‫كنت متأكدا يف الدقائق األوىل أنني سأموت قبل أن تالمس‬
‫قدماي األرض مرة أخرى‪ ،‬وبدت يل مروحة السقف مثل مشنقة‪.‬‬
‫أما اآلن فقد شعرت ّ‬
‫أن هذه املشنقة هي واحة األمان الوحيدة يف‬
‫العامل‪ ،‬هي التي ستوفر يل دقائق ثمينة للحياة‪ .‬مل أشعر بآالم اليدين‬
‫وأجزاء اجلسم األخرى بسبب تعلقي يف السقف‪ ،‬كان كل مهي‬
‫ّ‬
‫أستغل دقائق احلياة الثمينة يف استعادة حيايت بوضوح أكثر ربام‬
‫أن‬
‫للمرة األخرية‪.‬‬
‫ما إن شعرت ببعض األمان حتى قفزت صورة سالفة إىل‬
‫واجهة ذاكريت‪ .‬صبيحة يوم اعتقايل‪ ،‬ذهبت معها إىل السوق‪،‬‬
‫واشرتينا بعض األشياء التي ستحتاج إليها يف املدرسة‪ ،‬كانت قد‬
‫تبقت بضعة أشهر عىل بداية العام الدرايس‪ ،‬لكنها كانت متعجلة‬
‫للذهاب إىل املدرسة‪ .‬اشرتينا حقيبة بالستيكية محراء صغرية‬
‫ُرسمت عليها بعض الشخصيات الكارتونية‪ ،‬لتضع فيها بعض‬
‫األشياء التي ستحملها معها إىل املدرسة‪ ،‬قارورة من البالستيك‬
‫‪71‬‬

‫امللون للامء وعلبة بالستيك صغرية لتضع فيها وجبة إفطارها‪.‬‬
‫كانت سالفة تبكي حني أخذين اجلنود من البيت‪ ،‬مل تفهم ِل َ جيب‬
‫عيل أن أذهب معهم‪ ،‬وكانت تبكي ألهنا كانت ترغب يف اخلروج‬
‫ّ‬
‫معي وأمسكت أمها هبا لتمنعها من ذلك‪ .‬أبلغني الضابط أنني‬
‫سأغيب فقط لنصف ساعة أجيب فيها عن بعض األسئلة التي‬
‫تتعلق ببعض نشاطايت‪.‬‬

‫مضت ثالثة أشهر وما زلت يف املعتقل‪ ،‬مل يتم حتى اللحظة‬
‫أتعرض فقط يوميا مع زمالئي للتعذيب‪ .‬بعد‬
‫استجوايب‪ ،‬كنت ّ‬
‫مرور أكثر من شهرين‪ُ ،‬ح ّولنا من املعتقل الرسي الذي بقينا فيه إىل‬
‫هذا السجن‪ ،‬شعرنا ببعض األمل بأن خروجنا من ذلك املعتقل‬
‫الرسي قد يكون إشارة لقرب اإلفراج عنا‪ ،‬لك َّن شيئا مل يتغري‪ .‬كنا‬
‫نتعرض لنفس التعذيب يوم ّيا‪ ،‬ولنفس حماوالت جعلنا نعرتف‬
‫ّ‬
‫بجرائم مل نرتكبها لالستيالء عىل السلطة‪.‬‬
‫مرت الدقائق الثمينة مثل ملحة برص‪ ،‬حني أعلن زميالي‬
‫ّ‬
‫وصوهلام إىل الرقم مخسامئة‪ .‬نزلت من احلبل وشاركت مع زمييل‬
‫اآلخر يف رفع زميلنا وربطه إىل مروحة السقف‪.‬‬

‫كان العرق يتصبب غزيرا من جسمي‪ ،‬حتى شعرت أن‬
‫قدمي‪ ،‬كنت أرفع قدمي احلافية وأرضب هبا‬
‫األرض تغرق أسفل‬
‫ّ‬
‫األرض أمال يف قتل العقرب إن اقرتبت مني‪ ،‬لكن زمييل نبهني‬
‫ّ‬
‫أن هذه الطريقة قد جتذب العقرب إىل مكاين‪ ،‬ألن العقرب ربام‬
‫ستفضل أن تتحرك قريبا من اجلدار‪ ،‬توقفت عىل الفور‪ ،‬لكنني‬
‫ّ‬
‫واصلت رفع قدمي الواحدة تلو األخرى يف اهلواء‪ ،‬نظرت باجتاه‬
‫‪72‬‬

‫النافذة التي يترسب منها ضوء ضئيل فوجدهتا عالية جدا‪ ،‬كام أهنا‬
‫مغلقة بقضبان حديدية بحيث يستحيل التعلق فيها كام خطر يل‬
‫يف البداية‪ .‬مرت دقائق رهيبة وحان دور زميلنا الثالث‪ ،‬رفعناه‪،‬‬
‫كان يشكو من آالم يف قدميه بسبب التعذيب‪ ،‬فلم يستطع التع ّلق‬
‫ج ّيدا يف احلبل وسقط عىل األرض‪ ،‬رفعناه مرة أخرى‪ ،‬رغم أنه‬
‫كان حياول إقناعنا بأن نتعلق نحن إىل احلبل ونرتكه‪ ،‬لكننا أقنعناه‬
‫أن يبقى ممسكا باحلبل‪ ،‬وسنساعده نحن برفع جسده بأيدينا حتى‬
‫نخفف الضغط عىل يديه‪ ،‬مل يكن يرغب يف إرهاقنا‪ ،‬لكننا أرصرنا‬
‫عليه ليبقى يف مكانه‪ .‬كان العرق يتصبب مني بشدة‪ ،‬وارتفع‬
‫صوت دقات قلبي‪ ،‬خاصة أننا مع بقائنا ونحن نرفع جسد زميلنا‬
‫الثالث مل يكن متاحا يل رفع أقدامي من األرض‪ .‬كنت أحدّ ق يف‬
‫تبي وجود يشء يتحرك‪ .‬أحيانا‪ ،‬كان خي ّيل يل‬
‫الظالم حويل حماوال ّ‬
‫أنني أرى شيئا يشبه ذيل العقرب املرفوع يتحرك باجتاهي‪ ،‬كنت‬
‫أحبس أنفايس منتظرا الرضبة القاتلة يف كل حلظة‪.‬‬
‫جاء دوري مرة أخرى للصعود إىل احلبل‪ .‬ما إن ارتفعت قدماي‬
‫يف اهلواء‪ ،‬حتى عدت أفكر يف ابنتي وزوجتي‪ .‬تركت لزوجتي يف‬
‫البيت ماال قليال‪ ،‬وال أعرف كيف ستستطيع تدبري أحواهلا إن طال‬
‫غيايب‪ ،‬ربام جيب أن تذهب للعيش مع والدها‪ .‬بيت والدها بعيد‪،‬‬
‫وستكون هناك مشكلة يف وصول ابنتي إىل مدرستها‪ ،‬فكرت‪ :‬ربام‬
‫يمكنهم نقلها إىل مدرسة أخرى مؤ ّقتا‪ .‬مدرسة تكون قريبة من‬
‫بيت جدها‪ .‬بسبب عميل يف مؤسسة حكومية‪ ،‬ربام يطردونني من‬
‫العمل بسب الغياب‪ .‬ستكون زوجتي أبلغتهم أنني معتقل يف قضايا‬
‫ربرا إضاف ّيا لطردي من العمل‪ .‬وبالطبع‬
‫سياسية‪ .‬وسيكون ذلك م ّ‬
‫‪73‬‬

‫عيل‬
‫حني ال ندفع إجيار البيت ألشهر سيطردنا املالك‪ .‬وسيكون ّ‬
‫حني أخرج من هنا‪ ،‬أن أبدأ استعادة حيايت من الصفر‪ ،‬لن يكون‬
‫سهال العثور عىل عمل‪ ،‬ال توجد فرص كثرية‪ .‬ومعظم الرشكات‬
‫يرسهم استخدام‬
‫اخلاصة يملكها أشخاص يتبعون للحكومة‪ ،‬لن ّ‬
‫شخص تتهمه حكومتهم بالتواطؤ ضدها‪.‬‬
‫مل أجد حال ألي من مشكاليت‪ .‬حني انتهت فرتيت وحان دور‬
‫زمييل اآلخر‪ ،‬كنت أتوقع وأنا أهبط إىل األسفل أنني ما إن تالمس‬
‫قدماي األرض‪ ،‬حتى أجد العقرب بذيلها املرشع يف اهلواء يف‬
‫انتظاري‪ .‬لكن حلسن احلظ وصلت قدماي إىل األرض بسالم‪.‬‬
‫بدأت فورا يف حتريكهام برسعة إىل األعىل أمال أن متر العقرب من‬
‫أسفل جسدي دون أن متسني‪ .‬كنت أبطئ أحيانا حني أرفع إحدى‬
‫متعجلة ال شك أنني حني أرفع‬
‫قدمي يف اهلواء‪ ،‬لو مل تكن العقرب‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫قدمي وأنزهلا‪ ،‬سوف أنزهلا فوق ذنبها‪ ،‬لكن العقرب ستكون‬
‫قدمي‪ ،‬هي نفسها‬
‫متعجلة بحيث أهنا ستعرب كالسهم من بني‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫متعجلة وهي تبحث عن‬
‫ستشتم رائحة خطر يف املكان‪ ،‬وستكون‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫مكان آمن هلا! هل تعرف العقرب أهنا أيضا يف السجن؟! لو كانت‬
‫تعلم أنني أضعف منها كثريا‪ ،‬ربام لبقيت بعيدا عنا‪ ،‬هي تستطيع‬
‫أن حتفر أسفل اجلدار‪ ،‬وجتد طريقا إىل احلرية‪ ،‬بينام أظل أنا يف رمحة‬
‫من ال يعرف الرمحة‪ ،‬فكرت قليال‪ :‬هل حني حتفر العقرب أسفل‬
‫اجلدار وجتد نفسها يف اخلارج‪ ،‬هل ستشعر بالفرق؟ أخشى أهنا‬
‫بعد ضياع جهد عدة ٍ‬
‫ليال يف احلفر ستجد نفسها يف فناء السجن!‬
‫أو ستكتشف أن خارج السجن نفسه ليس سوى سجن كبري! لكن‬
‫العقرب لن هتتم‪ ،‬ستبحث عن أمجة حشائش أو فرع شجرة جاف‬
‫‪74‬‬

‫أو شقوق جدار وختتبئ فيها وخترج ليال لتدبري عيشها! انتبهت‬
‫لفكريت األخرية! أن العقرب خترج ليال لتدبري عيشها‪ ،‬وبدأت‬
‫أرفع قدمي بطريقة هستريية ودون قصد خت ّطيت الرقم الذي‬
‫توقفت عنده أثناء حسايب لفرتة زمييل يف احلبل بأكثر من مائة! لكن‬
‫زمييل اآلخر كان ال يزال حيتفظ بالرقم الصحيح‪.‬‬

‫حني جاء دوري للمرة السابعة أو العارشة كنت منهكا متاما‪،‬‬
‫ربام بسبب اخلوف وقلق انتظار العقرب‪ ،‬أكثر من أي جمهود بذلته‬
‫زمييل إىل احلبل أو التعلق باحلبل‪ ،‬لكنني رغم التعب‬
‫يف رفع‬
‫ّ‬
‫الشديد استطعت الصعود والبقاء يف األعىل دون مساعدة‪ .‬كنت‬
‫أشعر أنني أنزف داخل جسدي بنفس نزف العرق الذي غطى‬
‫جسمي‪ ،‬وأن مقدريت حتى عىل التفكري قد تعطلت‪ .‬لبثت يف مكاين‬
‫زمييل‪ .‬يف‬
‫مثل حجر‪ ،‬ال أرى وال أسمع شيئا وال حتى صوت‬
‫ّ‬
‫النهاية حني شعرت أن الوقت طال وأنني أخذت أكثر من حصتي‬
‫كثريا‪ ،‬ناديت عىل زمالئي فلم أسمع شيئا‪ ،‬تركت جسدي ينزلق‬
‫إىل األرض‪ ،‬فوجدت نفيس فوق جسدي زمييل‪ ،‬كانا مستغرقني‬
‫وسمها‪ ،‬وأسلام‬
‫متاما يف النوم‪ ،‬نسيا من فرط التعب العقرب‬
‫ّ‬
‫جسدهيام املكدودين إىل النوم‪ ،‬كانت خيوط قليلة من ضوء الفجر‬
‫قد ترسبت إىل الغرفة‪ ،‬لكن الرؤية كانت ال تزال غري واضحة‪.‬‬
‫زمييل وأسلمت جسدي إىل النوم‪.‬‬
‫تكومت بجانب‬
‫ّ‬

‫‪75‬‬

‫جدي والشاي ورئيس اللجنة الشعبية‬
‫ّ‬

‫قلت جلدي املشغول برشاب الشاي‪ :‬سيحرض رئيس اللجنة‬
‫الشعبية اليوم!‪.‬‬
‫جفل جدي ووضع كوب الشاي أرضا‪ ،‬وقال‪ :‬ماذا يريد هذا‬
‫التافه؟‪.‬‬
‫قلت‪ :‬يقول إنه يريد احصاء األرسة بنفسه‪ .‬يقول إننا نحصل‬
‫عىل حصة ُسكّر أكرب من عددنا احلقيقي!‪.‬‬

‫واحلقيقة ّ‬
‫سجل كل أفراد األرسة‪ ،‬حتى‬
‫أن جدي هو الذي ّ‬
‫املوجودين خارج الوطن‪ ،‬أضاف حتى بعض املوتى‪ ،‬مفرسا ذلك‬
‫بقوله‪َ :‬من العبقري الذي يستطيع أن جيد فرقا واحدا بيننا وبني‬
‫املوتى!؟‪.‬‬
‫وكل ذلك بسبب عشقه للشاي‪ ،‬حيث تظل ناره مشتعلة طوال‬
‫اليوم‪ ،‬وكانت حصة السكر التي ختص املوتى واألحياء تذهب‬
‫معظمها إىل جوفه‪ ،‬دون أن تريض شيئا من هنمه املستمر إىل الشاي‪.‬‬
‫قال جدي‪ :‬هل فرغ هؤالء األوغاد من ّ‬
‫حل كل مشاكل الدنيا‬

‫‪76‬‬

‫ومل يتبق سوى مشكلة رطل السكر الذي نكرم به ضيوفنا؟ قاموا‬
‫برسقة الديزل املخصص للموسم الزراعي وباعوه يف السوق‬
‫األسود‪ ،‬ال يوجد دواء يف املستشفى‪ ،‬والطبيب الوحيد هاجر من‬
‫الوطن‪ ،‬املدرسة االبتدائية آيلة إىل السقوط فوق رؤوس التالميذ‬
‫وال توجد مقاعد ليجلسوا عليها أو كتب أو أقالم‪ .‬وال عمل‬
‫لرئيس اللجنة سوى إحصاء الناس لتوزيع السكر بالعدل وهو ال‬
‫يرمي سوى لرسقة السكّر املتبقي لبيعه يف السوق السوداء!‪.‬‬
‫رشب جدي بقية كوب الشاي وقال يل‪ :‬متى سيحرض هذا‬
‫الغبي؟‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قال إنه سيحرض بعد صالة الظهر‪.‬‬

‫وضع جدي خطته‪ ،‬سنختبئ نحن‪ ،‬وسوف تبقى النساء فقط‬
‫يف البيت وسنرتك باب البيت مفتوحا‪.‬‬

‫جاء رئيس اللجنة الشعبية‪ ،‬وجد باب البيت مفتوحا‪ ،‬طرق‬
‫الباب ومل يرد عليه أحد‪ ،‬تردد قليال ونحن نراقبه من فوق السقف‬
‫نحبس أنفاسنا حتى ال ننفجر يف الضحك‪ ،‬وألنه مسئول كبري‪،‬‬
‫بحكم الدستور‪ ،‬فقد تقدّ م إىل داخل البيت مثل عادة أهل الريف‪،‬‬
‫وهو يص ّفق بيديه‪ .‬أذكر قصة رجل يف القرية كان حيب مصافحة‬
‫النساء‪ ،‬وكلام دخل إىل ٍ‬
‫بيت ما كان يتجاهل مكان الرجال وينطلق‬
‫إىل داخل البيت رافعا صوته مثل مذيع نرشة األخبار‪ :‬كيف حالكم‬
‫يا أهل الدار!‪.‬‬
‫تقدم رئيس اللجنة الشعبية إىل داخل البيت‪ ،‬حتى وصل إىل‬
‫‪77‬‬

‫صالة البيت الرئيسية وقام بتحية النسوة املشغوالت بتنظيف‬
‫القمح إلرساله إىل املطحن‪.‬‬
‫يف تلك اللحظة بالتحديد ظهر جدي فجأة وكأنه قادم من‬
‫اخلارج‪.‬‬

‫رصخ بصوت عال يف الرجل الذي كان حياول حتيته‪ :‬ماذا تفعل‬
‫هنا يا رجل وسط النساء؟‪.‬‬
‫تل ّفت الرجل حواليه حمرجا‪ ،‬وقبل أن حياول استدراك املوقف‬
‫قال جدي‪ :‬كيف تدخل إىل البيوت بدون إذن أهلها؟‪.‬‬

‫ظهرنا نحن يف تلك اللحظة حسب اخلطة ورصخ جدي فينا‪:‬‬
‫أين كنتم يا أوالد ليدخل هذا الرجل إىل البيت وجيلس وسط‬
‫النساء‪.‬‬
‫ناداين جدي‪ :‬اذهب يا ولد واستدعي أحد رجال الرشطة!‪.‬‬

‫ظهر أشقائي الكبار وهم حيملون العيص‪ ،‬وقال جدي بعد‬
‫أن شعر بمأزق رئيس اللجنة الشعبية الذي أجلمته املفاجأة فلم‬
‫يستطع النطق‪ :‬أال يوجد قانون يف هذه البلد؟ كيف تدخل البيوت‬
‫بدون إذن اهلها؟‪.‬‬
‫كنت أنا قد خرجت الستدعاء البوليس وتسكّعت يف الفناء‬
‫حسب اخلطة‪ ،‬بدأ الرجل يعتذر‪ :‬واهلل مل أكن أعلم أنه ال يوجد‬
‫رجال يف البيت!‪.‬‬
‫ارتاح جدي قليال لالنكسار الواضح يف صوت الرجل وقال‪:‬‬

‫‪78‬‬

‫بالنسبة يل ال مشكلة لقد قبلت االعتذار‪ ،‬لكن األوالد لن‬
‫يقبلوا ذلك‪.‬‬

‫تطاير الرشر من عيون إخويت الكبار لدي سامعهم عبارة‬
‫جدي‪ ،‬وقال أحدمها وهو يتقدّ م رافعا اجلزء احلديدي من العصا‪:‬‬
‫جيب أن نقتله!‪.‬‬
‫امسك به جدي ورصخ فيه‪ :‬انتظر‪ ،‬ذهب الولد إلحضار‬
‫البوليس!‪.‬‬
‫يف تلك اللحظة التي وصل فيها الرعب إىل مداه‪ ،‬وصل عمي‬
‫حسب اخلطة وقال بصوت عال‪ :‬أهدأوا يا إخويت ما الذي حيدث‬
‫هنا؟‪.‬‬
‫قال جدي‪ :‬هذا الرجل دخل البيت بدون إذن ووجدناه جالسا‬
‫وسط النساء!‪.‬‬

‫ترصفه‪ ،‬وانتهر األوالد‬
‫زجر عمي رئيس اللجنة الشعبية عىل ّ‬
‫يف الوقت نفسه ليضعوا العيص جانبا ويرتكوه حلل املشكلة‪.‬‬
‫قال جدي‪ :‬أرسلنا الولد ليحرض البوليس‪ ،‬بيوت الناس ليست‬
‫فوىض يدخلها كل من هب ودب!‪.‬‬

‫أمر عمي أحد إخويت ليجري إلعاديت قبل أن أصل إىل‬
‫البوليس‪ ،‬وصاح يف النساء طالبا إعداد الشاي‪ ،‬معلنا‪ :‬يا إخويت‬
‫هذا الرجل جارنا وإن أخطأ فاملسامح كريم!‪.‬‬

‫شعر الرجل ببعض الراحة وترقرقت دمعة يف عينيه‪ ،‬طلب منه‬
‫عمي اجللوس وذهب ليحرض الشاي‪ ،‬رشب الرجل الشاي وهو‬
‫‪79‬‬

‫يكرر االعتذار بأنه مل يكن يعلم بأن البيت ليس به رجال‪.‬‬
‫سأله عمي بلطف عن الغرض من الزيارة‪.‬‬

‫قال بعد تردد إنه يف احلقيقة جاء إلحصاء سكان البيت بعد‬
‫أن وصلت شكاوي إىل اللجنة بأن األرسة حتصل عىل كمية من‬
‫السكر أكرب من احلصة القانونية‪.‬‬
‫وقال عمي‪ :‬أنت بنفسك تعرف استهالك السكر مع عدد‬
‫األطفال الكبري والضيوف‪ ،‬إهنا وقية واحدة لكل فرد هي كل‬
‫ما نحصل عليه من طاقة نستهلكها يف عراك ركوب املواصالت‬
‫العامة والشجار‪ ،‬الناس بسبب الفقر يشعرون بالتوتر لذلك‬
‫يتشاجر اجلميع مع اجلميع طوال اليوم!‪.‬‬
‫قال رئيس اللجنة الشعبية‪ :‬واهلل معكم حق‪.‬‬

‫وقال اجلد‪ :‬بالعكس نحن عددنا زاد‪ ،‬عدد من أقربائنا جاءوا‬
‫من القرية للدراسة أو العالج ويعيشون معنا‪ .‬ال توجد فرص‬
‫عالج أو تعليم يف الريف!‪.‬‬
‫قال رئيس اللجنة الشعبية‪ :‬كالمك صحيح يا حاج‪.‬‬

‫أخرج رئيس اللجنة الشعبية بطاقة متوين جديدة من جيبه‬
‫وقال‪ :‬العدد املسجل هنا عرشين شخص ًا كم العدد اآلن؟ قال‬
‫جدي عىل الفور‪ :‬أربعني‪.‬‬

‫رشف رئيس اللجنة الشعبية رشفة طويلة مصحوبة بخط‬
‫موسيقي قبل أن يكتب‪ :‬مخسة وأربعني!‪.‬‬
‫‪80‬‬

‫الرحلة الطويلة نحو الشمس‬
‫أو أحالم امللكة النائمة‬

‫كانت الفتاة اجلميلة تتن ّقل داخل البص بجسد خفيف مثل‬
‫فراشة‪ ،‬مل تكن متيش عىل قدمني مثل البرش‪ ،‬بل تتخ ّلل األشياء‬
‫أثناء عبورها مثل سحابة‪ ،‬مثل غاممة عطر‪ ،‬وكانت رائحة جسدها‬
‫خليط ًا من عبق الزهور ورائحة األرض‪ :‬رائحة احلياة‪ .‬كنا نجلس‬
‫داخل البص كأننا يف رحلة إىل عوامل أخرى‪ ،‬إىل الفضاء‪ .‬وكأننا‬
‫منومون مغناطيسيا‪ ،‬ال نعرف مل جيب أن نستيقظ أو نخلد للنوم‪.‬‬
‫ّ‬
‫أي من الركاب أين نحن ومتى نصل‬
‫مل تشغلنا الساعة‪ ،‬ومل يسأل ّ‬
‫وجهتنا‪ .‬كأننا وصلنا وجهتنا منذ زمان بعيد فلم يعد ذلك يشغلنا‪،‬‬
‫مل نكن نملك زمننا أو قرارنا أو حتى وجوهنا التي كانت تتحرك‬
‫آليا يف الفراغ‪ ،‬تصطدم ببعضها‪ ،‬مثل طائرات ورقية‪ ،‬كأن قوة‬
‫جمهولة كانت تتحكم يف حركتها وسكوهنا‪.‬‬
‫حني توقف البص يف سوق ليبيا حمطته األخرية قبل أن ينطلق‬
‫إىل الصحراء‪ .‬أبدى أحدهم الرغبة يف الذهاب إىل السوق لرشاء‬
‫علبة سجائر‪ ،‬أعطاه الشاب الذي جيلس بجانبي ثالثة جنيهات‬
‫‪81‬‬

‫طالبا منه إحضار (صباع أمري) معه‪ .‬قبل نزوله من البص‪ ،‬تلكّأ‬
‫الرجل ونظر باستعطاف باجتاه الفتاة اجلميلة أمال أن تطلب منه‬
‫شيئا ما‪ ،‬ترسله إىل أي مكان‪ ،‬كان مستعدا للذهاب إىل اجلحيم‬
‫إن كان املقابل بسمة ساحرة أو كلمة شكر‪ .‬مل خت ّيب اجلميلة ظنه‪،‬‬
‫طلبت منه بصوت مالئكي أن ُيرض هلا نصف رطل من حلوى‬
‫الطحنية! قبل أن متدّ يدها إىل جيبها لتسحب حمفظتها الصغرية‬
‫لتدفع قيمة الطحنية‪ .‬ودون تر ّدد‪ ،‬خرجت يف نفس اللحظة‬
‫وبنفس الرسعة مخسون حمفظة بعدد ركاب البص عارضني دفع‬
‫قيمة الطحنية! حتى الطفل اجلالس أمامي أخرج كيسا من قامش‬
‫الد ّمور به عمالت معدنية أصبحت خارج االستخدام بفضل‬
‫التضخم‪ ،‬والتغيري املتكرر للعملة الوطنية‪ ،‬وال تكفي لرشاء أية‬
‫يش‪ ،‬عارضا الدفع! سحبت أنا أيضا حمفظتي وإن كنت بقيت‬
‫لربهة مندهشا لفكرة أن حيتاج كل هذا اجلامل ألكل الطحنية!‬
‫لكن الرجل الذاهب إىل السوق مل جيد مكافأة له أفضل من الطلب‬
‫نفسه‪ ،‬رفض أخذ نقود من اجلميلة مؤكدا إنه يملك ماال كثريا‪ .‬يف‬
‫ما بعد اكتشفت أنه مل يكن يملك ماال كثريا أو قليال‪ ،‬وأنه اشرتى‬
‫حلوى الطحنية بثمن (صباع أمري) الذي حصل عليه من الرجل‬
‫اآلخر! ال بد أنه فكر قائال لنفسه‪ :‬يستطيع الرجال االنتظار! لكن‬
‫لتبق‬
‫كيف نجعل املالك ينتظر؟! وما جدوى (صباع أمري) أصال؟ َ‬
‫األكواب املكسورة واألطباق كام هي يف مكاهنا‪ ،‬يف كل األحوال‬
‫ّ‬
‫التقشف الذي أعلنته احلكومة ال يوجد كثري من الطعام‬
‫بسبب‬
‫حيتاج إىل استخدام حتى األطباق املكسورة‪ .‬واختفت حلسن احلظ‬
‫مادة السكّر من البيوت واألسواق بسبب الغالء‪ .‬عرفت بذلك‬
‫‪82‬‬

‫حني وجدت الشاب اجلالس بجانبي يتشاجر مع الرجل الذي‬
‫أحرض الطحنية‪ ،‬هامسا له بأنه سيخرب اجلميلة ّ‬
‫بأن الطحنية تم‬
‫رشاؤها بنقوده إن مل ُي ِعد إليه النقود فورا! بالفعل سمعت الرجل‬
‫يقول وكأنه قرأ أفكاري‪ :‬يمكنك االنتظار‪ ،‬أنت معتاد عليه منذ أن‬
‫َولدت‪ ،‬كأنك خرجت إىل الدنيا فقط لتتنقل من (صف) إىل آخر!‬
‫تقف أحيانا ىف صف لتشرتي خبزا ويميض الزمن وأنت واقف‬
‫ّ‬
‫وتدق مارشات انقالبات عسكرية‬
‫(يتغري حتى العامل من حولك)‬
‫وانقالبات مضادة‪ ،‬وأنت واقف كأن مصري العامل كله متوقف‬
‫عىل انتظارك لقطعة خبز ال جتيء وإن جاءت ال تسد رمقا‪ .‬أنت‬
‫متمرس عىل االنتظار دون هدف‪ ،‬لكن كيف نجعل املالك ينتظر؟‬
‫هل رأيت من قبل مالكا يقف يف صفوف اخلبز أو الدواء؟!‪.‬‬
‫كف عن‬
‫كان ر ّده مقنعا حتى إن‬
‫الشاب اجلالس إىل جواري ّ‬
‫ّ‬
‫التذمر وتذكريه كل بضع دقائق بأنه مدين له بثمن الطحنية‪ ،‬وأنه‬
‫هو من جيب أن تشكره اجلميلة ألنه دفع ثمن الطحنية‪ .‬مل نشعر‬
‫بحرارة اجلو‪ ،‬رغم أن الصحراء خارج البص كانت عىل وشك‬
‫االشتعال‪ ،‬مىض النهار الطويل برسعة كأنه يسابق البص نفسه‪،‬‬
‫حتى انتبهنا إىل الشمس التي كانت تغرق يف الصحراء‪ .‬بدت لنا‬
‫كأهنا ترفع يدها مستنجدة بنا أن ننقذها قبل أن تغرق يف جحيم‬
‫الظالم‪ .‬كان صعبا علينا فهم مرور الزمن‪ ،‬فقد بدت لنا الشمس‬
‫الغاربة جزءا من اجلامل األبدي الذي ُيغرق الكون كله‪ .‬تعاىل‬
‫نتبي‬
‫صوت عزف عىل آلة الطنبور‪ ،‬مىض بعض الوقت قبل أن ّ‬
‫خيوطه من بني هدير اجلامل من حولنا‪ .‬كان الرجل الذي أحرض‬
‫الطحنية هو ّأول من تن ّبه إىل الفتى اجلالس يف مقدمة البص يعزف‬
‫‪83‬‬

‫حلنا حزينا مثل تلك الشمس الغاربة‪ ،‬بدا لنا اللحن نفسه وكأنه‬
‫يستنجد بيشء جمهول حتى ال يضيع وسط أمواج السحر الذي‬
‫يغرق املكان‪.‬‬

‫ثم بدأ الفتى يغني‪ ،‬كان يغني مقطعا وتغني الفتاة اجلميلة‬
‫مقطعا آخر‪ ،‬غرقنا متاما يف سحر الغناء الذي شعرنا كأننا نطفو‬
‫فوق أمواجه‪ .‬رأيت القمر يقرتب من النافذة‪ ،‬جذبه صوت الغناء‬