أحفاد الخيزران - 4

‫يكونُمدفونُاُومخبئاُفيُمكانُمنُاألماكنُالمحصنةُمنُالجانُُوالخفيةُعنُ‬
‫أعينُالبشر‪ُ،‬وتحويُقرابينُللشيطانُمنُحيواناتُميتةُمكتوبُعليهاُ‬
‫أسماءُالمسحو ُرين ‪ُ .....‬‬
‫سرعانُماُهللُاألستاذُظافرُبلغتهُالعراقيةُالتيُلمُيفهمهاُعم ُر‪ُ،‬وبداُ‬
‫ُُ ُ‬‫علىُقسماتُوجههُالغضبُالشديد‪ُ،‬استوقفهُعمرُقائلُ‪ُ :‬‬
‫ـ رجاءُ‪ُ،‬تحدثُباللغةُالعربيةُالفصحىُحتىُأفهمُماُتقول‪ُ .‬‬
‫ـُأقولُلهُكيفُالُتخبرنيُمنذُعامين‪ُ،‬جانبنيُالشكُحيالُهذاُاألمرُ‬
‫واستبعدته‪ُ،‬ألنيُلمُأجدُإشارةُأوُدليل‪ُ ُُ.‬‬
‫ُُقالُالشيخُالكبيرُبنبرةُأكثرُحدة‪ُ :‬‬‫ُُلمُأخبرُأحداُباألمر؛ُألنيُُفكرتُمليا‪ُ،‬كنتُسأفتحُعليكمُبابُاُمنُالشرُ‬‫ربماُيفتكُبالكبيرُوالصغير‪ُ،‬أعلمُجيداُماُهوُالسحرُاألسودُوتحديداُسحرُ‬
‫"الكاباال"ُُالذيُيصعُبُإبطالُهُأوُفكه‪ ،‬فهوُسحرُقديمُُكلدغةُالحيةُالتيُالُ‬
‫نجاةُمنُلدغتهاُإالُبالموت! ُ‬
‫ُُقالُظافرُمغتاظُاُغاضبُا‪ُ :‬‬‫ُُالعلمُتطو ُر ياُأخي‪ُ،‬ويمكنناُتتبعُاألمرُبالبحثُوسنعلمُمنُكتبُ‬‫التاريخ‪ُ ُ..‬‬
‫منُأفسدُدماءنا! ُ‬
‫وكيفُيؤذيناُوهوُالُيعرفنا؟!ُ ُ‬

‫احفاد الخيزران ‪59‬‬

‫ردُعمرُبعدُتفكيرُعميق‪ُ :‬‬
‫ـُربماُآذاهُأحدُاألجداد‪ُ،‬فأورثناُالسحرُانتقامُا‪ُ .‬‬
‫قاطعهُالعمُظاف ُر‪ُ،‬قائلُ‪ُ :‬‬
‫ـُلوُتمُترتيبُأفكارناُجيداُسنصلُإلىُالفاعلُوسنبطلُُذاكُالسح ُرُبإذنُ‬
‫هللاُبكلُسبيل‪ُ .‬‬
‫ناُإالُماُكتبُُهللاُُلنا"‪ُ .‬‬
‫ُ‬
‫تذكرواُقولُهللاُتعالىُُ"قُلُُْلنُيُصيبُ‬
‫ه ُزُعمرُرأسه‪ُ،‬قائلُُ"ونعمُباهلل"‪ُ،‬قالُلمشرفُالرحلةُالذيُظلُصامتُاُ‬
‫يسترقُالسمعُفيُذهول‪"ُ،‬ماُرأيكُياُدكتو ُر" ُ؟ ُ‬
‫شا‪ُ :‬‬
‫أردفُمشرفُالرحلةُمدهو ُ‬
‫ـُكأنيُفيُحلم‪ُ،‬لوُحُكيُُليُهذاُاألمرُوهللاُُماُصدقتُ‪ُ،‬كانُهللاُفيُعونهمُُ‬
‫وكانُهللاُفيُعونكُياُعمر‪ُ،‬كنتُأغبطكُعلىُذاكُاألصلُوالنسبُالذيُ‬
‫تنتمي‪ُ،‬وكم شخصُُفيُالعالمُحفيدُهارونُالرشيد؟!ُ ُ‬
‫كمُأشفقُعليكمُاآلن‪ُ،‬إذاُأردتُُأنُنظلُهناُالليلةُُحتىُاليضيعُالوقتُ‬
‫فبُها‪ُ،‬أناُمعكمُولنُأخبرُإدراةُالجامعةُباألمر‪ُ،‬فماُأفعلهُمعكُواجبُ‬
‫إنساني‪ُ،‬الُتيأسُوحاول‪ُ،‬وتعلمُمنُالعظماءُعندماُكانتُتضعهمُالظروفُ‬
‫فيُمواقفُمشابهة‪ُ .‬‬
‫ـُشكراُياُسيدي‪ُ،‬نعمُأرجوُأنُأبيتُهناُالليلة‪ُ،‬وأرجوُمنُهللاُُأنُأصلُإلىُ‬
‫حلُقبلُأنُينتهيُاألسبوعُالمحدد وأسافرُبلديُصُفرُاليدين‪ ،‬وأجلسُمعُ‬
‫أبيُوعائلتيُعلىُكرسيُاليأس أنتظرُمصيرُأخيُُومصيرُهؤالءُُاألوالدُ‬
‫الصغا ُر‪ُ،‬يعلمُهللاُمنُمنهمُيُوارىُبطريقةُأوُبأخرى‪ُ،‬ومنُمنهمُسوفُ‬
‫يجلسُعلىُمقاعدُاليأسُالمحشوةُبالشوك‪ُ،‬تتبدلُطبائعهمُوتتغيرُأمزجتُهمُ‬
‫رغمُاُعنهم‪ُ،‬يفتشونُعنُالموتُُفيُكلُمكانُوالُيجدونه! ُ‬
‫احفاد الخيزران ‪60‬‬

‫استلقىُعمرُعلىُسريرُخشبيُبقوائمُمزخرفة‪ُ،‬منُأسفلُسقفُالغرفةُإلىُ‬
‫شفاف‪ ُ،‬لحمايتهُ منُ الذبابُ‬
‫أعلها‪ُُ،‬يحاوطهُ قماشُ منُ التلُ األبيضُ ال ُ‬
‫والناموس ‪ ُ،‬فيُ بادئُ األمرُ لمُ يستطعُ عمرُ النومُ يساورهُ األرق‪ ُ،‬يفكرُ‬
‫فوزاُساحقُا وغطُ ُفيُنومُ‬
‫ويحللُشخصياتُالجميع‪ُ،‬إلىُأنُفازُعليهُالنوم ُ ُ‬
‫عميق! ُ‬
‫رأىُ نفسهُ فيُ حديقةُ شديدةُ الجمالُ والعظمة‪ ُ،‬مساحاتُ خضراءُ تعدتُ‬
‫حدودُبصره‪ُ،‬خيولُبيضاءُبأجنحةُبلونُاللؤلؤُتعلوُوتطيرُفيُاألفقُ‪ُ،‬رأىُ‬
‫رجلُُي ُرتديُعمامةُسوداءُوجلبابُاُأخض ُر‪ُ،‬لفتُنظره فيُتلكُالعمامةُذاكُ‬
‫الحجرُ الكريمُ الذيُ يتوسطهُ باللونُ الفيروزيُ المموُه‪ ،‬الذيُ نزعهاُ عن ُه‬
‫وحطُُبهاُإلىُجانبُنافورةُحجريةُصغيرة‪ُ،‬وجرةُصغيرةُمنُالطين‪ُ،‬نظرُ‬
‫داخلها ليجدها ممتلئة ُعن ُآخرها ُبالذهب‪ُ ،‬رفعُسبابتهُوأشا ُرُبها ُإلىُ ُسورُ‬
‫حديقةُحديديُمُعلقُبهُسترةُسوداءُحديثة! ُ‬
‫انتفضُ عمرُ منُ مكانهُ سريعُاُ مستيقظُاُ علىُ صوتُ أذانُ الفجر‪ ُ،‬بعدماُ‬
‫هدأتُ نفسه‪ ُ،‬توضأُ للصلةُوخرجُُإلىُ المسجدُُالصغيرُ أسفلُ البنايةُ التيُ‬
‫دائمُا ُما ُتُصليُفيهُالعائلةُيومياُجميعُالفروض‪ُ،‬وبعدُانتهاءُالصلةُجلس ُ‬
‫سهُُطاقيةُ‬
‫معُالشيخُالكبيرُذيُالشعرُاألبيضُالمتأللئُالذيُيغطيُمعظمُرأ ُ‬
‫بيضاويةُباللونُاألزرق‪ُ،‬قصُعليهُالرؤيةُالتيُ ُرآهاُقبلُالفج ُر‪ُ ..‬‬
‫اُكماُأنهُليسُخبيراُفيُتفسيرُالرؤى‪ُ :‬‬
‫ُ‬
‫ُقالُلهُفيُتفسيرُمارآه‪ُ،‬مجتهد‬
‫ُ ُأبشرُالخيول الطائرة؛ُ همُاألجيالُالتيُسبقتناُلهمُأجنحةُكالملئكةُدليلُ‬‫علىُمكانتهمُالعاليةُومنزلتهم‪ُ،‬قطعُاُماُحدثُلهمُابتلءُعظيمُولكنهمُبذلكُ‬
‫ارتقواُإلىُمنزلةُعظيمةُتشبهُمنزلةُالملئكة‪ُ،‬وهذاُدليلُماُيحدثُلهم‪ُ،‬فلُ‬
‫الُيملكونُلهُضراُوالُنفعُاُإالُبإذنُ‬
‫ُ‬
‫يملكُإنسُوال ُجان ُأذيةُإنسان‪ُ،‬فهمُ‬
‫هللا‪ُ .‬‬
‫أماُ الرجلُ صاحبُ العمامة‪ُُ،‬فمحتملُجدُاُ أنُيكونُ منُ ذاكُ العصرُ الذيُ‬
‫حدثُفيهُالسحُ رُفيكونُخليفةُمنُالخلفاءُالذينُنحملُدماءهم‪ُ،‬هناكُاحتمالُ‬
‫احفاد الخيزران ‪61‬‬

‫أنُُيكونُ هارونُ الرشيد‪ ُ،‬أوُ أحدُ أوالده‪ ُ،‬فعلىُ ماُ أذكرُ أنُ تاجهُ يتوسطهُ‬
‫جوه ُرةُُفيروزيةُ هو وولده "المأمون"‪ُُ ُ،‬أماُ جرةُ الذهبُُفاهللُ أعلم‪ُُُ،‬وأماُ‬
‫السترةُ الجلديةُ السوداءُ فهيُ إشارةُ تحذيريةُُلمنُ يملكُ تلكُ السترة‪ ُ،‬وهللاُ‬
‫أعلم! ومتىُ ظهرتُ علمةُ واحدةُ منُ رؤيتكُُفتأكدُ أنهاُ ستتحققُ فيُ‬
‫واستبشرُخيرا‪ُ ُُ.‬جلسُ"عم ُر" ُبعدُالفجرُ‬
‫ُ‬
‫المستقبلُالقريبُلك‪ُ،‬ولكنُتفاءلُ‬
‫يتلوُآياتُالق ُرآن‪ُ،‬حتىُقوله‪ُ :‬‬
‫"وماُهمُبضا ُرينُبهُمنُأحدُإالُبإذنُهللا"‪ُ .‬‬
‫ظلُيرددهاُبتوسلُورجاءُللملكُالذيُيحملُمقاديرُاألمورُجميعها‪ُ ،‬يعلمُ‬
‫"عم ُر"ُُجيداُ أهميةُ الدعاء‪ ُ،‬فقدُ نصحتهُ ُُخطيبتهُُ"رهف"ُُأنُ يداومُ عليهُ‬
‫يقينُاُباإلجابةُعندماُعلمتُباألم ُر‪ُ .‬‬
‫جالسا ممدُاُُقدميهُُفيُ المسجد‪ُُ،‬بعدهاُ بدقائقُ معدوداتُُجاء ُ‬
‫ُظلُ عمرُُ ُ‬
‫األستاذ "ظاف ُر" مسرعُا‪ُُ،‬بأنهُ تواصلُ معُ الشيخُُ"مريد"ُُبعدُ صلةُالفجرُ‬
‫مباشرةُ‪ُ ،‬وهوُصديقهُمنُفلسطين‪ُ ،‬ليسألهُعن ُذاكُالشيخ ُالذيُتواصلُمعُ‬
‫أخيهُالشيخُالكبي ُر‪ُ،‬وقصُ عليهُاألمرُإلىُأنُأخبرهُسريعُاُأنهُيعرفُمكانهُ‬
‫وهوُخبيرُبفكُسحرُ"الكاباال" ُتحديداُوبلُعودة‪ُ،‬وأنه ُسيزورهُفيُمنزلهُ‬
‫ليناقشُ األمر‪ ُ،‬ويسألهُ عنُُحلول‪ ،‬سرتُ فيُ أوصالُ عمرُُراحةُ نفسيةُ‬
‫تتجلىُعلىُقسماتُوجهه‪ُ ،‬وبدأُيفكرُكيفُيصل ُإلىُالذي ُتسببُفيُُ ُذاكُ‬
‫السح ُر‪ُ .‬‬
‫اُخبرا م ُهمُا ُآخ ُر‪ُ،‬فركُعمرُعينيهُ‬
‫ُ‬
‫أغفىُقليلُُفيُغرفته‪ ،‬رنُالهاتفُمعلنُ‬
‫وأمسكُالهاتفُبعدماُتركُمنُيديهُكوبُعصيرُالبرتقالُالذيُارتشفُمنهُ‬
‫شافهُُاليومُ‬
‫أثراُُتمُ اكت ُ‬
‫رشفةُ واحدة‪ ،‬ليخبرهُ صديقهُ علىُُالهاتفُ أنُ هناكُ ُ‬
‫بجانبُ حديقةُ بابلُ المعلقة‪ ُ،‬عبارةُ عنُ جرةُ صغيرةُ منُ الذهبُ تعودُُإلىُ‬
‫المدةُالزمنيةُالتيُكانُيعيشُفيهاُ"المأمون"‪ُ،‬بجانبهاُكتابُ ُقديم‪ُ،‬يقالُإنهُ‬
‫بخطُيدُ ُالمأمون؛ ُألنه ُيحملُختمُالخلفةُالخاصُبهُوقتها‪ُ ،‬طلبُمنهُأنُ‬
‫يلحقاُ بهمُ مسرعين؛ُُفهيُ فرصةُ عظيمةُ لدراسةُ هذا األثر‪ ُ،‬بماُ أنهمُ فيُ‬
‫احفاد الخيزران ‪62‬‬

‫بغداد‪ُ،‬ارتدىُعمرُملبسهُسريعُاُوودُعُالجميع‪ُ ،‬واعداُإياهمُأنُيزورهمُ‬
‫جديد‪ُ .‬‬
‫مراتُعديدة‪ُ،‬وأنُيراسلهمُإذاُجدُُ ُ‬
‫ُ استقلُسيارةُالعمُظافرُالذيُذهبُمعُمشرفُالرحلة‪ُ،‬ليتواجهوا معُباقيُ‬
‫مترا ُمنُبغدادُ‬
‫أفرادُالرحلةُفيُبابل‪ُ،‬التيُتبعُدُمسافةُثلثة ُوثماُنينُكيل ُو ُ ُ‬
‫بالسيارة‪ ُ،‬ظلُ عمرُُطيلةُُطريقُ السفرُ يتأملُ منُ شباكُ السيارةُ المناظرُ‬
‫الطبيعيةُحوله‪ُ،‬متمتمُاُ"سبحانُهللا"‪ُ،‬ماُأجملُتلكُالمدينةُالساحرة‪ ،‬وصلُ‬
‫أخيراُ بعدُعناءُ السفرُُإلىُُحدائقُُبابلُ المعلقة‪ُُ،‬ليشاهدُ ُُجماالُُ أخُاذُاُ لتلكُ‬
‫ُ‬
‫المدينةُالتيُتسحُرُالعيونُبجمالهاُالفريد‪ُ،‬يجعلُمنُيطلُعليهاُبنظره‪ُ،‬لمُ‬
‫يلبثُإالُأنُتتسمرُقدماهُمستمتعُاُبتلكُالتفاصيلُالدقيقة‪ُ .‬‬
‫ظلُ عمرُ يسبحُ فيُ ملكوتُ الحديقةُ بأحجارهاُ وأعمدتهاُ وتلكُ الدرجات ُ‬
‫السلميةُواألحواضُتتخللها‪ُ،‬تحملُكلُدرجةُحديقةُصغيرةُبديعةُالمنظ ُر‪ُ .‬‬
‫درسُعمرُوزملؤهُأنُتلكُالحديقةُبُنيتُإبان ُعصر "نبوخذُنص ُر"‪ ،‬أحد ُ‬
‫تبجيلُ‬
‫ُ‬
‫شأهاُُلزوجتهُُ‬
‫أهمُ الملوكُ البابليينُُفيُ ذاكُ العصر‪ ُ،‬يقالُُإنهُ أن ُ‬
‫وتعبيراُعنُحبُهُلهاُوتكريمُاُلهاُولمكانتهاُفيُقلبه‪ُ،‬وإرضاءُُُلها‪ُ .‬‬
‫ُ‬
‫الحت ُإلىُعمرُمنُبعيد‪ُ،‬نافورةُمنُالمياهُمرصُعةُباألحجارُالملونة‪ُ،‬بداُ‬
‫لهُُالمشهدُ مألوفُا‪ ُ،‬وماُ فتئُ إالُُأنُ تذكرُ حلمه‪ ُ،‬ببعضُ التفاصيل‪ ُ،‬وبدتُ‬
‫كلماتُ الشيخُ الكبيرُ تتردُ علىُ مسامعه "تذكرُ سيتحققُ الحلمُ برؤيةُ أولُ‬
‫علمة"‪ ،‬مماُ يعنيُُأنُ الرؤياُ ستتحققُ تُباعُاُ معُ أولُعلمةُ يراها‪ ،‬ترجُل ُ‬
‫سريعُاُمنُمكانه‪ُ،‬إلىُأنُاستقرُبجانبُالنافورةُالصغيرةُتمامُاُكماُرُآهاُفيُ‬
‫رؤيته‪ ُ،‬ليجدُ منقبيُُاآلثارُُعلىُ مقربة‪ ُ،‬يبعدُ عنهمُ مسافةُ صغيرة‪ُُ،‬بدأتُ‬
‫تقشعرُأوصاله‪ُ،‬يقتربُفيُحذرُوهوُيسألُنفسه‪"ُ،‬هلُسيتحققُالحلم"؟! ُ‬
‫هوُُاآلنُُأمامُُزملئه الذينُ سرعانُ ماُ ألقواُُنظرةُ خاطفةُ علىُ الحديقة‪،‬‬
‫مجتمعينُ وعمرُ حولُ منقبيُُاآلثارُُالعراقيين‪ ُ،‬يظهرُ لهمُ مشرفُُالرحلةُ‬

‫احفاد الخيزران ‪63‬‬

‫تصريحُ التواجدُ كمنقبيُُآثارُُمنُ القاهرةُ فيُ منحةُ استكشافيةُ لمدةُ أسبوعُ‬
‫م ُرُمنهُثلثةُأيام‪ُ،‬يرحبونُبهمُيسألهمُعمرُبكلماتُمتلعثمةُومترددة‪ُ :‬‬
‫ُُهلُهناكُكتاب‪ُ،‬مكتوبُبخطُقديم؟! ُ‬‫ليكشفُ أحدهمُ لعمرُ الجرةُُالمملوءةُُبعملتُُذهبيةُ تعودُُإلىُُعصرُ‬
‫"الخليفةُُالمأمون"‪ ،‬وكتابُ قديمُ ُُمكتوبُبالخطُُ"الكوفي"‪ُُ،‬ملفوفُبقطعةُ‬
‫منُجلدُحيوانُالماعز‪ُ،‬ومعقودُبحبلُمصنوعُمنُليفُالنخل‪ُ،‬يرتديُعم ُرُ‬
‫القفازاتُ الخاصةُ ويمسكُ بالكتابُ فيُ محاولةُ منهُ ُُلقراءةُ ماُ خُطُُُفيه‪ُ،‬‬
‫فمعظم ُالحروف ُغيرُواضحة‪ُ،‬والحبرُالمكتوبُبهُالكتابُعفا ُعليهُالوقتُ‬
‫سوىُآخرُصفحة‪ُ،‬تعلمُجميعُالخطوطُالقديمةُ‬
‫الذيُمر‪ُ،‬لمُيفهمُمنُالكتابُ ُ‬
‫فيُ السنةُ الثالثةُ فيُُالكلية‪ ُ،‬ويستطيعُ قراءةُ جميعُ الخطوطُ بحرفيةُ‬
‫وببراعة‪ ُ،‬عرضُ عليهُ أحدُ المنقبينُ العراقيينُ أنُ يذهباُ بهُُإلىُ المعمل‪ُ،‬‬
‫اليسمحُ‬
‫ويضعان ُه ُتحتُالميكروسكوب‪ُ،‬ولكنُرفضُعمرُمعللُُأنُالوقتُ ُ‬
‫باالنتظا ُر‪ُ،‬قائلُ‪ُ :‬‬
‫ُ ُُسأحاولُُجاهداُ قراءةُ المكتوب‪ ُ،‬استعا ُرعويناتُ العمُ ظافرُ وبدأُ يقرأُ‬‫بإمعانُوهدوء‪ُ :‬‬
‫" قاتلُهللاُمنُقتلواُأخيُبسيفي‪ُ،‬وقاتلُهللاُالشيطانُالذيُسرقُجسدُأوفىُ‬
‫سلمة"!‪ُ ...‬‬
‫جنودي‪ ،‬ليقتلُأخيُ‪...‬الُسامحكُُهللاُُياُُ" ُ‬
‫سلمة" سريعُاُ فيُ محركُ البحثُ‬
‫بدأُ يقرأُ الكلماتُ بصعوبةُ ليبحثُ عنُُ" ُ‬
‫علىُ اإلنترنت‪ ُ،‬يجدهاُ جاريةُ الخليفةُُ"موسىُ الهادي"‪ُُ ُ،‬األخُ األكبرُ‬
‫لهارونُ الرشيدُُوكانُ يحبهاُُويفضُلهاُ علىُ جميعُ جوا ُريه‪ ُ،‬حتىُُرفضتهاُ‬
‫اسهاُبسجنها‪ُ ،‬إلىُحينُعرضُهاُ‬
‫أمه "الخيزران" رفضاُشديدا ُوأمرتُحُ ُر ُ‬
‫فيُ سوقُ النخاسينُ ليستبدلواُ بهاُ ُُجاريةُُجديدةُ أوُ يشتريهاُ أحدُ التجار‪ُ ،‬‬
‫وهذاُ كانُ سببُ اُ منُ أسبابُ الخلفُ بينهاُ وبينُ ابنهاُ موسىُ الهادي‪ ُ،‬الذيُ‬
‫سرعانُماُذاعُُوتطورُذاكُالخلفُبينهُوبينُوالداتهُالخيزران‪ُ .‬‬

‫احفاد الخيزران ‪64‬‬

‫بعدُأنُأكملُعمرُهذهُالسطورُعلىُمؤشرُالبحثُوهوُفيُحديقةُبابل ظلُ‬
‫يتناقشُهوُوزملؤهُعنُاألمر‪ُ،‬مستمعُاُلكل ُاآلراء‪ُ،‬صمتُهنيهة ُوحاولُ‬
‫أنُ يعتصرُ ذاكرته‪ ُ،‬ليفتشُ عنُ العلمةُ أ ُوُُاإلشارةُُالتيُ كانُ يشيرُ بهاُ‬
‫المأمونُلهُفيُرؤيته‪ُ،‬مستنتجُاُمنُالنقاش‪ُ :‬‬
‫ُ أنُالكتابُبخطُالمأمون‪ُ،‬يبرئُفيهُنفسهُمنُقتلُأخيهُاألمينُوأنُالشيطانُ‬
‫ي ُاشتراهاُمنُ‬
‫سلمة" هيُزوجةُالحكيمُالت ُ‬
‫نُملتبساُبأحدُجنوده‪ُ،‬وأن ُ" ُ‬
‫ُ‬
‫كا‬
‫السوق‪ُُ،‬بعدماُ عرضتهاُُالخيزرانُ للبيعُ دونُ إذنُ ابنهاُُ"موسىُ الهادي"‪،‬‬
‫الذيُُتُوفيُُقبلُُدلوفهاُُمنُ القصرُُإلىُُسوقُُالنخاسة‪ُُ،‬بقيُ أنُ يعلمُ عمرُ‬
‫سلمة"ُ ُفيُكتابُالمأمون‪ُ،‬ول ُم يُدفنُهناُتحديداُتحتُ‬
‫وزملؤهُسببُذك ُر " ُ‬
‫الجرةُُالمملوءةُُبالذهب‪ُُ.‬يتأملُ عمرُ كلُ األحواضُُالنباتيةُ حول ُهُُوتلكُ‬
‫النافورةُالصغيرة!‬
‫بدأُالنهارُينسحبُخُلسةُويحلُ ُالليل‪ُ،‬وعمرُيصر ُعلىُ ُوجوده ُفيُالمكانُ‬
‫إحساساُُقوياُُيسيط ُرُُعليه‪ُُ،‬أنُُهناكُ ماُ لمُ يتمُ اكتشافهُ فيُ هذاُ‬
‫ُ‬
‫وأنُ لديهُ‬
‫المكان ُبعدُوأنهُيحويُالكثيرُمنُاألسرا ُر‪ُ ،‬شعرُالعمُظافرُبالجوع‪ُ،‬فهُ ُرعُُ‬
‫أصدقاءُعمرُللبحثُعنُمطعمُقريبُلشراءُبعض ُاألطعمة ُالسريعةُالتيُ‬
‫تسدُُجوعُهم‪ُ،‬اقترحُعمرُأنُيذهبُمعهم‪ُ،‬تاركينُباقيُفريقُالعملُيفتشونُ‬
‫عبرُأجهزةُالكمبيوترُالمحمولةُفيُالمراجعُاإللكترونيةُوالكتب‪ُ .‬‬
‫يسمعون ُأزي ُز ُتهشُمُالحصىُتحتُأقدامهم‪ُ،‬يتأملونُالفراغ ُوصوتُا ُغريبُا‬
‫يأتيُمنُبعيد‪ُ،‬اشتعلتُاألجواءُبرودةُجعلتهمُيقتربونُمنُبعضهمُفيُأثناءُ‬
‫سيرهمُيلتمسونُبعضُاُمنُدفءُأنفاسهمُالتيُتلهثُبرودة؛ُ ُفيُحينُأشعلُ‬
‫فريقُ المنقبينُُالنيرانُُبالقربُ منُ الحديقة‪ُُ،‬وقبلُ أنُ يصلُ عمرُُوزملؤُهُ‬
‫إلىُ العما ُر في أثناءُ سيرهم‪ ُ،‬هجمُ عليهمُ أسرابُ منُ الغربانُ السوداءُ‬
‫بأصواتهاُالناعقة ُصاخبة ُومخيفة ُويكأنهاُتنحيهمُجانبُا‪ُ،‬أوُأنُهذاُالمكانُ‬
‫مستقرهاُوهم ُالمعتدون‪ُ،‬الحُلعمرُأنهاُتستهدفُأحدا ُآخ ُر‪ُ ،‬عندما ُأسرعت ُ‬
‫مجتمعةُ تتجهُ ُُتجاهُُفريقُ المنقبينُ القابعُ فيُ المساحةُ الصحراويةُُخارج ُ‬
‫الحديقة‪ُ،‬فتلتفتُقوائمهمُبحذ ُرُليحددواُاتجاهُالغربان‪ُ،‬اقشعرتُأبدانهمُوهمُ‬
‫احفاد الخيزران ‪65‬‬

‫يُهرولونُ ُتجاهُالمنقبينُخوفُاُعليهمُمنُالغربان‪ُ،‬بيدُأنهاُأخفتُمعالمُالنارُ‬
‫كُُ"األمينة" التيُ تشتهرُ فيُ بلدُ األرياف‪ُ،‬‬
‫منُ كثرةُُسوادهاُ الحالك‪ُُ،‬كتل ُ‬
‫التيُتتقولبُعلىُنفسها والُيُرىُمنهاُسوى ُبعض األدخنة ُوقبسُُُصغيرُ‬
‫منُالنيرانُالحمراء‪ُ .‬‬
‫سادُ الهرجُ والمرجُ وارتابُ الجميعُُيهرولونُُناحيةُ السياراتُ التيُ نقلتهمُ‬
‫منُ بغدادُ إلىُ حدائقُ بابلُ المعلقة‪ ُ،‬تاركينُ تلكُ المعداتُ قائمةُ منُ هولُ‬
‫الموقف‪ُ،‬كانُالموقفُمربكُاُوصادمُاُللجميع‪ُ،‬اختفتُالغربانُفورُنزوحهمُ‬
‫إلىُالسياراتُوكانتُالمفاجأة!! ُ‬
‫السياراتُالُتعملُكأنهاُبلُبنزين‪ُ،‬واختفتُشبكاتُالهاتفُبشكلُمفاجئ‪ُ ُ..‬‬
‫أثراُإلنسانُأوُحيوانُفيُالمكان‪ُ.‬سادُالصمت! ُ‬
‫يرُ ُ‬
‫ولمُ ُ‬
‫ظلُُُالجميعُُُمترقبُا‪ ُ،‬يدُعيُ ثباتهُ وينفيُ خوفه‪ُُ،‬فضحُهمُ اصطكاكُُُقوائمهمُ‬
‫رعبُا‪ ُ،‬وأنفاسهمُ التيُ تلهثُُمعُ سرعةُ دقاتُ قلوبهمُ المتزايدة‪ُُ،‬يجلسونُ‬
‫جميعهمُفيُتلكُالحافلةُالتيُتتحملُأربعةُعشرُراكبُا‪ُ ،‬بدأُعمرُيتلو ُآياتُ‬
‫أصلُ مكتفيُُاُ‬
‫ُ‬
‫كثيرا‪ ُ،‬ومنهمُ منُ لمُ يستطعُ الحديثُ‬
‫سمي هللاُُُ ُ‬
‫منُُالق ُرآنُ وي ُ‬
‫ت ُعميقُ‬
‫بالصمت‪ُُ.‬بدأُ الكلُ يهدأُُلتفصلُ كهرباءُ الجميعُُويدخلونُ فيُُسبا ٍُ‬
‫كأصحابُ الكهف‪ُ ُ،‬ويكأنهمُ ُأُغشيُ عليهمُ تمامُا‪ُ ُ،‬الُ يشعرون بشيء‪ُ،‬‬
‫تحاوطهمُ الصحراءُُالتيُُاختفتُ معالمهاُ بفعلُ الظلمُ الحالك‪ ُ،‬اختفتُ‬
‫السماء‪ُ،‬فلُيظهر ُأث ُرُ ُلنجومُأوُبصيصُمن ُضوء ُالقمرُالمعتاد‪ُ،‬اختفتُ‬
‫شيء ُمبهمُ الُملمحُله‪ُ،‬اختفىُصوتُحفيفُ‬
‫الحديقةُكاملةُوتحولت ُإلى ُ ُ‬
‫األشجار‪ ُ،‬وصوتُ قنواتُُالمياهُُالصغيرةُ المثبتةُ لريُ الحديقة‪ ُ،‬ذهبُ‬
‫الزائ ُرون ُوالحراسُوالجميع ُإلى ُمكان ُمجهولُولمُيبقُسوىُهذهُالسيارةُ‬
‫ومشرفهمُوستُمنُمنقبيُاآلثارُالمشهورينُفيُالعراق‪،‬‬
‫ٍُ‬
‫بالطلبُُالخمسةُ‬
‫!‬
‫"كزاهيُحواس" فيُمصر‪ ،‬ينتظرونُمصيرهمُالمحتوم ُ‬
‫معُ أصواتُ شقشقةُ العصافير‪ ُ،‬وصوتُ طائرُ اللقلق‪ ُ،‬وصوتُ طرقاتُ‬
‫أخيراُ وهيُُسيارةُ المنقبينُ‬
‫متزايدةُ علىُ زجاجُ السيارةُ التيُ عُثرُ عليهاُُ ُ‬
‫احفاد الخيزران ‪66‬‬

‫بداخلهاُ عمرُ والمشرفُ علىُ منحةُ كليةُُاآلثا ُر‪ ،‬ومعُ شعاعُ الشمسُ الذيُ‬
‫رصدُ أعينهم‪ُُ،‬يستفيقُ الجميعُ منُُذاكُ السباتُُالعميق‪ُُ،‬ازدردُ عمرُ ريقهُ‬
‫بصعوبة‪ ُ،‬معتدالُُ علىُُمقعدُ السيارةُ هوُُوالجميع‪ُُ،‬التيُ وشتُ وجوههمُ‬
‫المرتعدةُأمراُجللُُحدثُلهم‪ُ،‬فتحُعمرُسريعُاُبابُالسيارةُليجدُالعمُظافرُ‬
‫ُ‬
‫خارجُ السيارةُ هوُ وبعضُ أفرادُ الشرطة‪ ُ،‬بعدُُاختفائهمُ ليلةُ أمسُ ليعثرواُ‬
‫ب ُغيرُمعلومة‪ُ،‬سألُ‬
‫علىُالسيارة ُبجانب ُبئ ُرُ ُقديمُ ُجفُ ُمنُالمياه ُألسبا ٍُ‬
‫العمُظافرُعمرُ"ماُالذيُحدثُلكمُأينُاختفيتم"؟!‪ُ ُ....‬‬
‫بحثناُعنكمُفيُكلُمكان‪ُ.‬قالُعم ُر‪ُ :‬‬
‫ُ ُلمُأذكرُشيئُاُمنُليلةُأمس ُ سوىُمنظرُالغربانُالكثيفةُالمرعب‪ُ ،‬كرجل ُ‬‫ضخمُالجثةُشاخصُُبملبسُحالكةُالسواد! ُ‬
‫ُقالُالعمُظاف ُر‪ُ :‬‬
‫ُ ُاستأذنتهمُفيُالذهاب ُإلىُالخلء‪ُ،‬ورجعتُمنُالخلءُفلمُأجدُأحداُمنكمُ‬‫حاولتُاالتصالُبكمُمرارا وبحثتُفيُكلُاألماكنُ‬
‫ُ‬
‫سوىُالنيرانُمشتعلة‪ُ ،‬‬
‫خطيرا‪ُ.‬‬
‫ُ‬
‫حتىُهاتفتُالشرطةُعندماُسرىُإلىُداخليُأنُهناكُأمراُ‬
‫ُ‬
‫القريبة‪،‬‬
‫حمداُهللُعلىُسلمتكم‪ُ،‬كنتُأخافُأنُيسألنيُعنكُوالدكُيومُا ُ‪ُ،‬وقتهاُكنتُ‬
‫سأتمنىُأنُتنشقُاألرضُوتأخذنيُفيُكنفها‪ ،‬وأرتاحُمنُذاكُالعذابُالذيُ‬
‫احتلُأرضيُوأهليُبلُسابقُإنذا ُر! ُ‬
‫تُحازمةُقالُالمشرف‪ُ :‬‬
‫بكلما ٍُ‬
‫ُ ُسنعودُإلىُالقاهرةُُعلىُالفو ُر‪ُ،‬سأتحدثُمعُالجامعةُفيُ ُالتوُُواللحظة‪،‬‬‫الُضرورةُللبقاءُتبقىُيومانُمنُاألسبوعُالمحدد‪ُ،‬لنُأنتظ ُرُفيُبغدادُدقيقةُ‬
‫واحدةُ ُُبعدُ ماُ حدثُ إنُ كانتُ علىُ روحيُ فلُ يُهم‪ ُ،‬ولكنُ يهمنيُ أرواحُ‬
‫الجميعُ التيُ استأمتنيُ عليهاُ الجامعة‪ ُ،‬وبالطبعُ أهل ُوهم‪ُُ.‬ووجُهُ كلماتُ‬
‫مقتضبةُمشيراُلعم ُر‪ُ،‬قائلُ‪ُ :‬‬
‫ُ‬

‫احفاد الخيزران ‪67‬‬

‫ُ‬
‫ُُياُ عمرُ سنعود‪ ،‬الشيخُ الكبيرُ معهُ حق‪ُُ،‬دخولكُ هذهُُالمنطقةُُالشائكةُ‬‫سيفتكُبالجميعُالكبيرُوالصغير‪ُ،‬وأولئكُاألشخاصُالذينُليسُلهمُعلقةُ‬
‫بالقصة‪ ،‬ه ُز ُعمرُرأسهُمستسلمُاُلرأيُمشرفُالرحلة‪ُ ،‬الذيُمالبثُسوىُ‬
‫أخرجُُهاتفهُ ليجدهُُمغلقُا‪ ُ،‬فيشيرُ للجمي ُعُُويرددُُ ُ"هلُُيخبرنيُ أحدُ منُُقفلُ‬
‫هاتفي"؟ُ ُ‬
‫ليشيرُعمهُظاف ُر‪ُ،‬ويقولُلهُبصوتُهامس‪ :‬الجانُ!!ُ ُ‬
‫ُيدافعونُ عنُ السح ُرُُالذيُ ُدفعُ لهمُ مقابلهُ قربانُاُ منُ الحيواناتُ النافقة‪ُ،‬‬
‫وجلودُالثعابين‪ .‬وبصوتُيظهرُبهُاشمئزازه‪ُ :‬‬
‫ُ ُُوعروقُ ي ٍُدُُبشرية‪ ُ،‬وكأنُ المياهُ سرتُ مجدداُ فيُ أرضُ األملُُجانبُ‬‫عم ُر‪ُ،‬وعلىُرغمُماُحدث‪ُ،‬يقولُلهُبحماسُ"كيفُعرفتُكلُهذا"؟! ُ‬
‫قال‪ُ:‬كنتُأهاتفُالشيخُالفلسطيني‪ُ،‬طيلةُالليلُوهوُمنُطمأننيُعليكمُوقالُ‬
‫مراُيجعلهمُيتراجعونُعنُوجهتهم‪ُ ،‬كماُأخبرنيُأنُ‬
‫ليُسيفعلُالجانُ ُبهمُأ ُ‬
‫الجان ُوملوكهُفيُحالةُمنُالرعبُمنذُأمس‪ ،‬وخاصة ُأنُمن ُسرقُكتابُ‬
‫المأمون ُواحدُ ُمنهم‪ُ ،‬من ُقديمُالزمانُ‪ُ ،‬محاوالُ ُطمسُالكلمات ُالتيُتحويه‪ُ،‬‬
‫لكنهُلمُيستطع ُطمس ُالجملُالتيُتتضمن ُاسمُهللاُع ُز ُوجل‪ ،‬بسببُالسحرُ‬
‫التيُتسببتُفيهُ"سلمة"‪ُ .‬‬
‫برقتُُأعينُُُالجميعُُدهشةُُُمماُ حدث‪ ُ،‬بدأُ يعترضُ البعضُ نادمينُ علىُ‬
‫ُ‬
‫سفرهمُإلىُتلكُالمنحة‪ ،‬ومنهمُمنُتمردُعلىُالكلية؛ُألنهاُسببُفيُماحدث ُ‬
‫بالتجربةُ‪ُ،‬وأنهُ‬
‫ُ‬
‫لهُفيُبغداد‪ُ،‬ومنهمُماسرى ُاألد ُرينالين ُفيُجسدهُمستمتعُا ُ‬
‫كانُجزءُُمنُفيلمُحماسيُكانُيتمنىُأنُيصبحُأحدُأبطاله‪ُ .‬‬

‫احفاد الخيزران ‪68‬‬

‫أماُ عمرُ وباقيُ المنقبينُُفأص ُرواُُعلىُُالتنقيبُ فيُ المكانُ مجددا‪ ُ،‬ليفتشوُاُ‬
‫عن تلكُاألعمال‪ُ ،‬وربماُيستطيع ُإنقاذُأخيهُوإنقاذُأبيهُمنُأنُينفطرُفؤادهُ‬
‫علىُأحدُأبنائه‪ُ،‬كماُانفطرُسابقُاُعلىُأخيهُاألصغ ُر‪ُ .‬‬
‫ُقالُالعمُظافر ُإن ُالشيخُالفلسطينيُكانُيدرسُاألمرُمنذ ُمدة‪ُ،‬مؤكداُأنُ‬
‫األعمالُستكونُموجودةُفيُالمكانُالذيُتمُالعثورُعليهمُفيه‪ُ،‬وأنُالجاريةُ‬
‫كانتُ تستخدمُ السحرُُاألسودُ البابليُ القديمُ المعروفُ بسحرُُ"الكاباال"‬
‫وعلمتُُُْبذلكُ الخيزران‪ ُ،‬فخافتُ علىُ نفسهاُ وعلىُ أوالدهاُُوحاشيتهاُ‬
‫فاشتراهاُالحكيمُسراُوتزوجها‪ُ،‬وبدأتُ‬
‫ُ‬
‫فعرضتهاُفيُسوقُالنُخاسةُللبيع‪ُ ،‬‬
‫فيُُاالنتقامُ منُُسيدتهاُُ"الخيزران" بمحبوبهاُ الخليفةُ موسىُ الهادي‪ُ،‬‬
‫وأشاعتُُبينُ الجواريُ أنُ الخيزرانُُقتلتُ ولدهاُ الهاديُ والحقيقةُ أنهاُ لمُ‬
‫تقتله! وماتُميتةُطبيعيةُبسببُ(قرحةُالمعدة)ُالتيُتسببتُلهُبحمىُوماتُ‬
‫علىُُإثرها‪ ُُ،‬ورثُ المأمونُ ذاكُ المرضُ العضالُ الذيُ ماتُ هوُُاآلخرُ‬
‫وقصُ‬
‫ُ‬
‫بسببه‪ ُ،‬وعلىُ فراشُ موتُ الحكيمُُطلبُ حضورُ الخليفةُ المأمون‪ُ،‬‬
‫عليهُالحقيقةُكاملة‪ُ،‬وأنُزوجتهُ"سلمةُالجارية"ُالبابلية‪ُ،‬أخذتُبعضُا منُ‬
‫سرا‪ُُ،‬وكتبتُ بهاُُعلىُجلدُحيوانُُ(أحفادُ الخيزران)ُ‬
‫دماءُ الخليفةُ الهاديُ ُ‬
‫قاصدة ُكلُمنُيحملُدماء "هارونُالرشيد"ُ ُحقداُوكرهُاُلهُوألنهاُكانتُ‬
‫تفضله ُعلى ُأخيهُالهادي‪ُ،‬كانُحلمهاُأنُتصبحُزوجةُالخليفةُولكنُفشلتُ‬
‫خطتهاُبفعلُالخيزرانُالتيُسرعانُماُفطنتُلها‪ُ .‬‬
‫الحُإلىُعمرُالبئرُالقديمُبجانبهُنافورةُحجريةُصغيرةُأشارُلهاُالمأمونُ‬
‫فيُحلمهُعندماُنزعُعنُعمامتهُليستقرُبهاُإلىُجانبُالنافورة‪ُ،‬سرعانُماُ‬
‫قُقريب‪ُ،‬وفجأة‪ُ،‬برقُشيءُُ‬
‫يتجه المنقبونُليحف ُرواُأسفلُالنافورة‪ُ،‬علىُعم ٍُ‬
‫المعُ ُُلهُُضوءُُقويُُا ُزدادُ وضاءةُُمعُ انعكاسُُضوءُُالشمسُ عليه‪ُُ،‬فإذُُ‬
‫بالجوهرةُ الفيروزية‪ ُ،‬التيُ كانتُُتتوسطُُعمامةُ المأمونُ السوداء‪ ُ،‬وهيُ‬
‫أثرا ُقوميا‪ُ،‬ليرىُبعدها ُقطعةُمنُالجلدُوبعضُ‬
‫بالفعلُكانت ُمفقودةُوتعدُ ُ ُ‬
‫رموزا ُغيرُمفهومة وجداول ُتحويُ‬
‫ُ‬
‫العظام‪ُ ،‬ليقرأُالجميعُعلىُقطعةُالجلد ُ‬
‫أرقامُاُُباللغةُ السريانيةُ والعبرية‪ ُ،‬وحروفُاُُباللغةُ العربيةُ مكتوبةُ بالدماءُ‬

‫احفاد الخيزران ‪69‬‬

‫التي ُتحولت ُإلىُاللون ُالب ُرتقالي‪ُ ،‬متُشحةُبلطخاتُسوداءُبخطُقديم‪ُ ُ.‬تأملهاُ‬
‫عم ُر‪ُ،‬ليجدها‪ُ :‬‬
‫"أ‪ُ-‬حـ‪ُ-‬ف‪ُ-‬ا‪ُ-‬د‪ُُ-‬ال‪ُ-‬خ‪ُ-‬ي‪ُ ُ-‬ز‪ُ ُ-‬ر‪ُ-‬ا‪ُ-‬نُ"‪ُ .‬‬
‫المنقبينُخبيراُفيُقراءةُالرموزُوخاصةُرموزُالسحر‪ُ،‬فقالُلهم‪ُُ:‬‬
‫ُ‬
‫كانُأحدُ‬
‫السحرُيستهدفُ"أحفادُالخيزران"‪ُ .‬‬
‫أسرعُ العمُ ظاف ُر‪ُُ،‬قائلُ‪ُُ:‬البدُ منُحرقُ تلكُ األشياءُُعلىُ الفو ُرُ ُكماُ قالُ‬
‫الشيخُالفلسطيني‪ُ .‬قالُعمرُلهم‪ُ :‬اسمحوا ُليُبفعلُهذاُاألمرُبنفسي! ُأسرع ُ‬
‫عمرُُبإشعالُ النيرانُ فيُ تلكُ األشياءُ التيُُوجدوهاُُولملمواُُرمادهاُُليلقوُاُ‬
‫بهاُفيُالنه ُر‪ُ .‬‬
‫سروراُُفاحتُ بهُُوجوههمُُالمنهكة‪ ُ،‬استقلُ الجميعُ سياراتهمُ‬
‫ُ‬
‫ابتهجُ الجميعُُ‬
‫عائدين‪ ،‬أخذُُعمرُُقرارُ السفرُ سريعُاُ ليطمئُنُ أبيهُ وأنهُ أزالُ تلكُ الشوكةُ‬
‫التيُكادتُأنُتستقرُفيُحلقهُلألبد‪ُ،‬ويتوراثهاُأجيالُُقادمة‪ُ .‬‬
‫يصاحبُمشرفُالرحلةُالذيُأخذُقرارُبالرجوعُإلىُمصرُمنُفورُعودتهُ‬
‫سوأ ُليلةُمرُبها ُفيُحياته‪ُ ،‬كماُودعُعمرُ‬
‫منُمدينةُبابل‪ُ ،‬التيُرأىُفيها ُأ ُ‬
‫العمُظافرُمحتضنُاُإياه‪ُ،‬وعلماتُالشكرُواالمتنانُعلىُوجهيهما‪ُ،‬قالُالعمُ‬
‫أسى‪ُ :‬‬
‫ظافرُفيُ ُ‬
‫ُ ُأبلغُسلميُألبيكُوإخوتكُوفيُانتظا ُر زيارتكم إلىُبغدادُفيُبيتُجدك ُ‬‫الكبي ُرُُقريبُاُ كعائلةُ واحدة‪ُُ.‬ربتُعلىُ كتفه‪ُُ،‬قائلُ‪ُُ:‬أتمنىُ لكُ كلُ الخيرُ ياُ‬
‫بُني‪ ُ،‬انتصاركُ علىُ السحرُ ماُُكانُ إالُ بسببُ يقينكُ وإصرارك‪ ُ،‬لمُ تفقدُ‬
‫األملُ ولمُ تيأسُُعلىُُرغمُُكلُ المؤشراتُ الصادمةُ التيُ جعلتُ العقلُ الُ‬
‫يفكرُ إالُ بها؛ُُفصرناُ نتباكىُ علىُ أحزانناُ واستسلمناُ ولمُُنسعُُُسوىُُإلىُ‬
‫كُ‬
‫اليأس ُوالفشل!ُ ُأماُرئيس ُبعثة ُاآلثار ُالعراقية‪ُ ،‬فقالُلعم ُر‪ُ ُ:‬مازالت هنا ُ‬
‫بعضُ األمورُ المجهولة‪ ُ،‬ولناُ الشرفُ أنُ تكونُ ضمنُ فريقُ المنقبينُ فيُ‬
‫بغداد! ُ‬
‫احفاد الخيزران ‪70‬‬

‫قالُ عم ُر‪ُُ:‬هذاُ سيكونُ عمليُ فيُُالمرحلةُُالقادمةُ فيُُمصرُ فلُ أجدُ فرقُاُ‬
‫بينهما‪ ،‬شكرهُعمرُعلىُتعاون ُه وإنسانيته‪ُ ،‬وعلى ُالموافقةُعلىُحرق ُأث ُر‪ُُ،‬‬
‫علىُاعتبارُأنه شيءُمؤ ٍُذُمهلكُُلألنفسُولمُيترددُفيُالتخلصُمنه! ُ‬
‫دعاهمُُعمرُ لزيارتهُُفيُُمصرُ لتبادلُُالخبراتُُوللستفادةُ منُ وسائلُ‬
‫التنقيب‪ُ،‬السيماُاآلثارُاإلسلميةُتحديداُمجالُتخصصه‪ُ .‬‬
‫وأخيرا ُوصل الجميعُسالمين إلى ُأرضُمصر‪ُ،‬وفيُساحةُاالنتظارُيقفُ‬
‫ُ‬
‫جميعُ أهاليُ الطلبُ يستقبلونُ أبناءهمُ بعدُ حديثُ الصحافةُ واإلعلمُ عنُ‬
‫اختفائهمُُفيُُظروفُ غامضة!ُُيرنُ هاتفُُعمرُ ليجدُُُأنهاُ أمهُ تتحدثُ‬
‫بصوتُ غريبُ وتبكي‪ُُ،‬الُ يسمعُُعمرُ كلماتهاُ فيهرولُُإلىُُأقربُُمكانُ‬
‫يستطيعُأنُيسمعهاُفيه‪ُ ُ..‬‬
‫فتقولُلهُبصوتُباكٍُ‪ُ :‬‬
‫ُعم ُر‪ُ،‬أخوكُفيُخطُ ُر‪ُ،‬أغثُأخاكُياعم ُر!‪ُ ُ..‬‬‫والدكُسافرُإلىُالقاهرةُعندماُسمعُباألم ُر‪ُ ُ.‬‬
‫ـ اهدئي ُيا ُأمي‪" ..‬رويدا ُرويدا‪ُ ،‬البد ُأنُأفهم بهدوء ُماذاُحدثُليامنُوأينُ‬
‫هو"!ُقالتهاُبصعوبة ولكنُأدركهاُعمرُبعدُسؤالهاُمرة تلوُاألخرى‪ُ :‬‬
‫ُُقررُأخوكُاالنتحا ُرُُياُعمر!‪ُ ..‬‬‫ُاتصلتُ بيُ والدةُ صديقهُ منذُُنحوُُساعة‪ُُ،‬وقالتُ لي إنهُُتركُ رسالةُ أنهُ‬
‫سينهيُحياتهُاليوم! ُ‬
‫ُُماُهوُاسمُصديقهُياُأمي؟ُأخبرينيُرجاءُ! ُ‬‫ُالُأعلم‪ُ،‬الُأذكرُتفاصيل!ُُ ُ‬‫المهمُأخوك‪ُ،‬أريدُأنُأطمئنُسيتوقفُقلبيُخوفُا! ُ‬
‫احفاد الخيزران ‪71‬‬

‫ـُأميُماُهوُالمكان‪ُ،‬هلُأخبرتُْكُ؟ ُ‬
‫ُتقولُالبرج‪ُ،‬الأعلمُأيُبرج! ُ‬‫ اهدئيُياُأمي‪ُ،‬سأذهبُإلىُهناكُعلىُالفو ُر‪ُ ُُ..‬‬‫الُتقلقي‪ُ،‬ستكونُاألمورُبخير‪ُ،‬أحسنيُالظنُباهلل! ُ‬
‫سارعُالدقائقُوالثواني‪ُ،‬تلكُاللحظاتُ‬
‫ُحسنُاُياُبني‪ُ،‬هاتفنيُعندماُتصل‪ ،‬يُ ُ‬‫التيُينتظرُفيهاُسيارةُأجرة‪ُ ،‬تقلُه إلىُبرجُالقاهرة‪ُ،‬كأنهاُلمُتمر‪ُُ،‬يمزقهُ‬
‫القلقُُوالتوتر‪ُُ،‬كادتُُعيناهُ تخرجُ منُ مُحجريهما‪ ُ،‬وكادتُُدقاتُ قلبهُ‬
‫تتوقف‪ُ،‬حقيبةُالذكرياتُلمُيكنُفيُجعبتهاُمواقفُحماسيةُكالتيُبينهُوبينُ‬
‫أصدقائه‪ُ ،‬فهما ُدائمي ُالشجا ُر‪ُ ،‬إالُأنهُيخافُمنُفقده ُ‪ُ ،‬وذاكُاأللمُالصامتُ‬
‫علىُ وجهُ أبيه‪ُُ،‬وعيناهُ التيُ تبكيُُفراقُ أخيهُ الصغير‪ُُ،‬جعلتُ عمرُ يرىُ‬
‫قيمةُأخيه‪ ،‬تلكُالقيمةُ ُتحملُفيُطياتها ُمعاني ُال ُتُقالُولكنهاُتظهرُوقتُ‬
‫الشدائد! ُ‬
‫ُفضلُ ُعما ُحدث ُلهُفيُبغداد‪ُ ،‬وكتابُالمأمون‪ ،‬وتلكُالرسالةُالروحيةُمنُ‬
‫ذاكُالعصرُالقديم‪ُ،‬فهيُليستُمصادفة! ُ‬
‫وأخيراُاستقلُعمرُتلكُالسيارةُالتيُانتظرهاُدقائقُمعدودةُبدتُ‬
‫ُ‬
‫وموحشا‪ُ،‬علىُرغمُُأعمدةُاإلنارةُعلىُ‬
‫ُ‬
‫كالساعات‪ُ،‬بداُالطريقُمظلمُاُ‬
‫أحرُمنُالجمرُويكأنُالطريقُ‬
‫الجانبين‪ُ،‬يجتازُالسائقُالطريقُوعمرُعلىُ ُ‬
‫سلمُُكهربائيُُممتدُُإلىُالسماءُالسابعةُليسُلهُنهاية‪ُ،‬يصعدُبهُإلىُأعلىُ‬
‫والُينعمُبنعمةُالوصول! ُ‬
‫اُكبيراُتجاوزُعقدهُ‬
‫ُ‬
‫منُشدةُالقلقُالذيُيعلوُوجههُسألهُالسائق‪ُ،‬وكانُشيخُ‬
‫السادس‪ُ :‬‬

‫احفاد الخيزران ‪72‬‬

‫يابني؟!ُقلُليُماُالذيُيربككُلهذهُالدرجةُهوُنُعلىُنفسك لكلُ‬
‫ـُمابك ُ‬
‫عقدةُحلُإنُشاءُهللا!‪ُ ..‬‬
‫كلُماُعليك‪ُ،‬أنُتؤمنُمنُداخلكُأنُهللاُسينجيكُمنهاُبلُشك‪ُ،‬وسترىُمنُ‬
‫عجائبُرحمتهُوقدرتهُماالُتصدقهُوالتتوقعه‪ ...‬قاطعهُعم ُر‪ُ،‬قائلُ‪ُ :‬‬
‫ُإنُشاءُهللا‪ .‬ادعُلناُأنُينجيناُهللاُمنها!!ُ ُ‬‫ُدهشُالسائق‪ُ،‬وقالُبعفويةُدامغة‪ُ :‬‬
‫ـُينجينا!!ُ‬
‫وهلُهناكُآخرُفيُالسيارةُسوانا؟ ُ‬
‫تُقلق‪ُ،‬ينظرُإلىُعينيُالرجلُفيُالمرآةُاألماميةُللسيارة‬
‫قالُعمرُبصو ٍُ‬
‫"بلُينجيُأخيُمنُالموت"!‪ُ ..‬‬
‫وبنجيُقلبيُمنُالخوفُوالقلق! ُ‬
‫إذاُحدثُألخيُمكروهُلنُأسامحُنفسيُطيلةُحياتي! ُ‬
‫تأثرُالرجلُالكهلُبشدة‪ُ،‬وقالُله‪ُ :‬‬
‫ُهللاُكريم؛ُُارضُُُياُبنيُبقدركُأينُماُكانُفلُتعلمُأينُيكمنُالخير‪ُ،‬لمحُ‬‫منُبعيدُضوءُاُشديدا‪ ،‬شعرُعمرُباليأسُوبدأُينهارُداخليا‪ُ،‬اغرورقتُ‬
‫عيناهُمنُالدموعُعندماُرأىُوميضُسياراتُاإلسعاف‪ُ،‬وهذاُالجمعُالغفيرُ‬
‫منُالبشرُيقفونُمتأثرين! ُ‬
‫ُسألُسائقُالتاكسي‪ُ،‬رجلُُآُخرُيقفُعلىُمقربةُمنُالمكان‪ُُ.‬قالُله‪ُ :‬‬
‫ُإنُشاباُألقىُبنفسهُمنُفوقُبرجُالقاهرة‪ُ،‬خرجُعمرُمنُالسيارةُليجثوُ‬‫علىُركبتيه‪ُ،‬ويجعرُبأعلى صوتهُ"أخيُيااااامن"!!ُ ُ‬

‫احفاد الخيزران ‪73‬‬

‫ليلتفتُإلىُكلماتهُشرطي‪ُ،‬ويقولُله‪"ُ:‬هلُُتعرفه"؟! ُ‬
‫يقولُلهُعم ُرُوهوُيبكيُبشدة‪ُ :‬‬
‫ُنعم‪ُ،‬أعرفهُجيدا‪ُ،‬أخي‪...‬إنهُأخي! ُ‬‫ليعلوُصوتهُفيُالمكانُمجلجلُ‪ُ :‬‬
‫ُمقصرُفيُحقكُياُأخيُلمُأحاولُأنُأتحدثُمعك‪ُ،‬أوُأساعدكُلتتجاوزُ‬‫تلكُالحالةُالتيُكنتُعليهاُقبلُالسف ُر‪ُ،‬ل ُْمُتُسرقُكُليتكُياُأخي! ُ‬
‫ليتنيُأخبرتكُالحقيقة! ُ‬
‫سمعُصوتُاُيناديهُ"عمرُ‪...‬عم ُر"! ُ‬
‫فهوُصوتُيستطيعُُأنُيميزهُجيدا!ُ ُ‬
‫ليستديرُاستدارةُسريعة‪ُ،‬وهوُيفركُعينيهُليجدُأنهُأخيهُ"يامن"ُظنُلبرهةُ‬
‫أنهُيتوهم‪ ،‬إلىُأنُأدركُبعينيهُأباهُالذيُيضعُيدهُعلىُكتفُأخيهُيامن‪ُ،‬‬
‫الذيُبداُوجههُشاحبُاُيميلُإلىُالصفرة! ُ‬
‫احتضنهماُعم ُر بشدة‪ُ،‬تفيضُأعينهمُدموعُُمختلفةُليستُحزنُاُوالُفرحُا‪ُ،‬‬
‫مصيرُمجهول‪ُ،‬فيُموقفُلفتُانتباهُالمارةُحولهم‬
‫وإنماُدموعُالنجاةُمنُ‬
‫ٍ‬
‫‪.‬‬
‫وتناقلتهُوسائلُاإلعلم ُ‬
‫اختبرنيُهللاُبكُوكانُاختباراُصعبُاُ‬
‫ُ‬
‫ـُحمداُهللُعلىُسلمتكُياُغالي‪ُ،‬‬
‫قائل‪ُ :‬‬
‫وموجعُا‪ُ.‬أردفُيامنُحزينُاُيمهُدُألخيهُفاجعةُربماُتفقدهُاتزانه‪ُ ُ،‬‬
‫ُعم ُر‪ُ:‬منُألقىُبنفسهُمنُأعلىُالبرجُ ُ‬‫ُهوُصديقناُكريم! ُ‬

‫احفاد الخيزران ‪74‬‬

‫وأناُمنُاقترحتُعليهُالسفر‪ُ،‬بعدماُفشلتُمحاوالتيُفيُأنُأخرجهُمنُ‬
‫عزلتهُمنذُسفركُإلىُبغداد! ُ‬
‫عرضتُعليهُأنُنسافرُإلىُالقاهرةُلزيارةُالحسينُوخانُالخليليُوبعضُ‬
‫المعالمُفيُالقاهرةُكنوعُمنُالترفيه‪ُ ..‬‬
‫فوافقُدونُتفكي ُر وهوُمنُأشارُعليُُبزيارةُالبرج! ُ‬
‫كنتُسعيداُُعندماُُأخبرنيُأبيُبأنُالكليةُُالتيُاستئصلهاُالطبيبُلمُ‬
‫تُسرقُكماُتوقعت‪ُ .‬‬
‫والحقيقةُأنُالطبيبُأخذُالقرارُالصحيحُباستئصالهاُفيُهذاُالوقتُ‬
‫المناسب؛ُألن التحاليلُأثبتتُُأنُبهاُجزءُاُسرطانياُمنُالنوعُالشرسُالذيُ‬
‫ينتشرُسريعُا‪ُ،‬الحقيقةُأنُالطبيبُفطنُلذلكُوأخذُالقرارُسريعُا‪ُ .‬‬
‫بكىُيامنُبشدة‪ ،‬وقال‪ُ :‬‬
‫ُكمُكنتُمخطئُا‪ُ،‬حبسنيُالوهمُوكبلنيُوجعلنيُأسيءُالظنُبمنُحولي!‪ُ ..‬‬‫مضطهد منُالجميع‪ُ،‬حتىُمنُأبيُُالذيُرأيتُدموعهُوسمعتُدعواته!‪ُ ..‬‬
‫إلقدامُ‬
‫رحمكُهللاُياصديقي‪ُ،‬كنتُفيُنفسُحالتكُمنُأسبوعُوكنتُأنويُا ُ‬
‫علىُاالنتحا ُر!‪ُ ..‬‬
‫ولكنُمنعنيُصوتُأبيُوهوُيدعوُفيُالصلة‪ ،‬وكانُالدعاءُيشملني‪ُ،‬بداُ‬
‫ليُأبيُالذيُكنتُُأبغي! ُ‬
‫قطُدموعهُعلىُصدريُكقطعُمنُالجم ُر! ُ‬
‫تتسا‬
‫ٍ‬
‫قبلتُيديهُبعينيُ‪ُ،‬وعهُدتُُعلىُنفسيُأنُيرانيُفيُأفضلُحال! ُ‬

‫احفاد الخيزران ‪75‬‬

‫قالُعمرُبصوتُمنكسر‪ُ،‬يعتليُقلبهُحج ُرُُيؤلمهُويمنعهُمنُمواصلةُ‬
‫التنفس‪ُ :‬‬
‫تهشمُالنفوسُكماُالزجاج‪ ،‬أشدُوأقسىُمنُالسح ُر األسود! ُ‬
‫ُ ُ‬‫رحمكُهللاُياُصديقيُوغفرُلك! ُ‬
‫لوُكنتُهناُفيُمصرُلكنتُأعدتُلكُبسمتكُكماُفعلتُمنُقبل!‪ُ ..‬‬
‫ولكنُهوُقدرُهللا! ُ‬
‫تُمنُالشعرُلشاعرُعراقيُمشهو ُر‪ُ :‬‬
‫رددُعمرُكلما ٍُ‬
‫لمُيبقُعُْنديُماُيبتزه األلـ ُْم‪ُ .ُ.‬‬
‫حسبيُمنُالموحشاتُالهمُُوالهُر ُْم‪ُ ُ.‬‬
‫الحادثاتُأسى‪ُ ..‬‬
‫ُ‬
‫لمُيبقُعنديُكفاءُ‬
‫حينُتطغىُعلىُالحرانُجمرتُه‪ُ ُ.‬‬
‫فالصمتُأفضلُُماُيُطوىُعليهُف ُْمُ‪ُ .‬‬
‫ُ‬
‫ماُأحلىُصديقيُأنُيكونُأخي! ُ‬
‫وماُأحلىُأخيُأنُيكونُصديقي! ُ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫احفاد الخيزران ‪76‬‬

‫ُ‬
‫تمت ُ‬
‫مها البساطي‬

‫احفاد الخيزران ‪77‬‬