‫ فهد‪ ،‬أنا بحبك‪ ،‬وما أقدرش أعيش من غريك‪.‬‬‫ الزم تعييش من غريي‪ ،‬أنت تستحقي أحسن واحد يف الدنيا‪.‬‬‫ أنت أحسن واحد يف الدنيا يا فهد‪ ،‬أنا حاسة إين معاك ببقى يف أمان‪ ،‬وجودك‬‫جنبي بيديني إحساس عمري ما حسيته قبل كده‪.‬‬
‫ أرجوك يا ملكي‪ ،‬ما تصعبيش األمر عليا وعليكي‪ ،‬أنت مش ممكن تكونييل‪،‬‬‫وال أنا أنفع أكون ليكي‪ ،‬أنا قابلتك النهارده بس علشان أودعك؛ ألين هسافر‬
‫كامن كام يوم لبلد بعيد‪ ،‬أبدأ فيه حياة جديدة‪ ،‬وعلشان أعلن توبتي قدامك‪،‬‬
‫وأعرفك إنك سبب يف توبتي‪ ،‬وإن أجرها عند ربنا من نصيبك أنت وحدك‪.‬‬
‫‪- 231 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫بكت أمرية‪ ،‬وتوسلت إليه أال يرتكها ويسافر‪ ،‬أو حتى أن خيربها بمكان وميعاد‬
‫سفره‪ ،‬ولكنه مل يقل‪ ،‬وتركها ترضبه وتدفعه وتبكي وهو ينظر هلا نفس نظرتة الثابتة‬
‫الصامتة‪ ،‬وبعد أن فرغت من صياحها‪ ،‬وبعد أن آملتها يدها من رضبه ومن دفعها له‪،‬‬
‫صمتت‪ ،‬ورفعت عينيها يف عينيه‪ ،‬فواجهت دموعه املحبوسة يف عمق صفاء عينيه‬
‫العسليتني‪.‬‬
‫ومل تدر أمرية العاقلة بنفسها إال وهي ترمتي يف أحضانه‪ ،‬فضمها له‪ ،‬وظال‬
‫صامتني ال يدريان كم مر من الوقت عليهام‪ ،‬مر عليهام دقيقة‪ ،‬أم ساعة‪ ،‬أم دهر‪ ،‬مر‬
‫عليهام عمر من احلب‪ ،‬واحلب ال يمكن أن يقاس بمقياس الزمن‪ ،‬عمر ال تدري إن‬
‫كنت حتيا فيه أم هو الذي حييا فيك‪ ،‬ومل تفق هي أو هو إال عىل صوت جتمع‬
‫الفالحني حوهلام‪ ،‬وهم يرصخون فيهام‪ ،‬ويتهموهنام بالفسق والفجور‪ ،‬فرتكها فهد‬
‫وأدار العربة؛ ليبدأ مناورة جديدة بالسيارة املتهالكة مبتعدا عنهم‪ ،‬وهم يقذفوهنم‬
‫بثامر شجرة املانجو التي كانا يتظلالن بظلها‪ ،‬فالتقط فهد بعض ثمرات املانجو‬
‫ووضعها يف حجر أمرية‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ خدي دول خليهم معاكي دلوقتي نغسلهم وناكلهم‪.‬‬‫فقالت أمرية ضاحكة والدموع يف عينيها‪:‬‬

‫‪- 232 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ واضح فعال إنك توبت عىل إيدي يا فهد‪.‬‬‫فضحكا معا‪ ،‬وابتعد بالعربة بعيدا عائدا إىل املدينة الكبرية‪ ،‬وأرجعها فهد إىل‬
‫دارها السكني‪ ،‬ونزل وفتح هلا باب السيارة‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ وصلنا يا ملك‪ ،‬والزم ترجعي للعامل بتاعك‪.‬‬‫ترددت يف النزول‪ ،‬ثم نظرت يف عينيه بحزن‪ ،‬ولكنه هذه املرة مل يطل يف عينيها‪،‬‬
‫وظل ينظر بعيدا‪ ،‬متظاهرا بالثبات واإلرصار‪ ،‬إىل أن تركته ومشت أمامه بخطوات‬
‫واهية مرتددة‪ ،‬وملحها بجنب عينيه تستدير وتنظر نحوه‪ ،‬فام كان منه إال أن ركب‬
‫عربته وانطلق بعيدا عائدا لعامله‪ ،‬وتاركا هلا عاملها الذي ليس له مكان فيه‪.‬‬
‫دخلت أمرية غرفتها وهي يف حالة شديدة السوء‪ ،‬وارمتت عىل فراشها وأخذت‬
‫تبكي وتبكي وتبكي‪ ،‬ثم اعتدلت يف جلستها وكأهنا تذكرت شيئا‪ ،‬وقلبت يف أرقام‬
‫موبايلها‪ ،‬ثم اسرتاحت لقرار قد اختذته بينها وبني نفسها‪ ،‬وقامت وأبدلت ثياهبا‬
‫وغسلت وجهها‪ ،‬ودخلت مروة متهللة وقالت ألمرية‪:‬‬
‫ شوفتي يا أمرية؟ الست فاقت وأدلت بأوصاف املجرم وهيمسكوه خالص‪.‬‬‫فاهتزت أمرية وقالت‪:‬‬
‫ ست مني؟ وجمرم إيه؟‬‫‪- 233 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ الست اليل ورانا‪ ،‬اليل احلرامية كانوا عاوزين يرسقوا بيتها وخينقوا ابنها‪ ،‬فاقت‬‫ودلتهم عىل املجرمني‪ ،‬الشارع كله مالوش سرية غري املوضوع ده‪ ،‬والبوليس‬
‫كامن قالب الدنيا عليهم وهيجيبهم خالص‪.‬‬
‫ طب والست قالت إيه بالظبط؟‬‫ دول كانوا تالتة‪ ،‬اتنني دخلوا عليها األوضة وواحد كان يف الصالة‪ ،‬وتصدقي‬‫إن إيه‪ ،‬التالت هو اليل أنقذ حياهتا هي وابنها‪ ،‬ورضبوه قدامها وهرب‪ ،‬تصدقي‬
‫يا أمرية ممكن يكون التالت ده اليل دخل األوضة عندك هنا؟ ألنه كان متصاب‬
‫بردو‪ ،‬بس حتى الست بتقول إن أوصافه ما شافتهاش كويس‪ ،‬هو إيه يا خويا‬
‫الراجل ده‪ ،‬سبايدر مان بينط وبيطري وحمدش بيشوفه؟‬
‫تنفست أمرية الصعداء‪ ،‬واكتشفت أن فهد كان معه حق يف نص كالمه‪ ،‬وأنه ال‬
‫بد وأن يسافر بعيدا‪ ،‬ويبتعد عن هنا‪ ،‬أما بخصوص نص الكالم اآلخر فقد ظلت‬
‫تفكر وتتقلب يف فراشها طول الليل‪ ،‬ويف الصباح وبعد أن انرصف اجلميع لكلياهتم‬
‫جلست أمرية عىل فراشها‪ ،‬وأمسكت هاتفها‪ ،‬وطلبت الرقم الذي طلبه فهد من‬
‫تليفوهنا باألمس‪ ،‬وما أن رد عليها الطرف اآلخر حتى اعتدلت يف جلستها وحدثته‪.‬‬
‫ ألو‪ ،‬أستاذ فتحي؟‬‫‪- 234 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ ألو‪ ،‬نعم‪ ،‬األسطى فتحي معاكي يا هانم‪ ،‬مني معايا؟‬‫ أنا ملك‪ ،‬وعاوزة أشوفك بخصوص صاحبك فهد‪.‬‬‫ أنا ما أعرفش حد باالسم ده‪.‬‬‫ أل حرضتك تعرف‪ ،‬بأمارة العربية احلمرا املرسوقة اليل دبرهتاله‪ ،‬والسفرية‬‫اليل هو هيسافرها قريب‪ ،‬ورجب الوحش وصاحبه اليل كانوا هيموتوه‪ ،‬واليل‬
‫أنت نصحته يبعد عنهم‪ ،‬وهو رفض نصيحتك‪.‬‬
‫ أنت مني بالظبط؟‬‫ أنا ملك‪ ،‬وعاوزة أقابلك النهارده رضوري علشان حاجة مهمة جدا ختص‬‫فهد صاحبك‪ ،‬ويا ريت ما تقولوش ويفضل املوضوع بيننا رس‪ ،‬وملا هقابلك‬
‫هبقى أقولك ليه‪.‬‬
‫ طب وأنا إيه يعرفني إنك مش متسلطة عليا؟‬‫ معايا سلسلته الفضة الغالية عليه‪ ،‬مهسكها يف إيدي وأستناك عند حمطة القطر‬‫بعد ساعة‪ ،‬أرجوك ما تتأخرش‪.‬‬

‫‪- 235 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫وذهبت أمرية ملقابلة فتحي‪ ،‬وقضت من الوقت ساعة بصحبته‪ ،‬ثم عادت‪،‬‬
‫وقلبت غرفتها رأسا عىل عقب‪ ،‬وبدأت يف جتهيز شنطة صغرية‪ ،‬فدخلت عليها‬
‫مروة‪ ،‬وتلفتت يف الغرفة يمينا ويسارا‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫ ممكن أعرف إيه اليل بيحصل بالظبط؟ هو يف إيه يا أمرية؟‬‫ مسافرة بكرة الصبح رضوري‪.‬‬‫فقالت هلا‪:‬‬
‫ فني؟ هو بعيد الرش‪ ،‬بابا أو ماما حصل عندهم حاجة؟‬‫ ال‪ ،‬دي سفرية علمية جاين دعوة ليها‪ ،‬ولقيتها مهمة جد ا لدراستي‪،‬‬‫فقررت أسافر‪.‬‬
‫ بس أنت عمرك ما عملتيها قبل كده‪.‬‬‫ وأديني عملتها‪ ،‬وبعدين قولتلك دي سفرية مهمة يل ولدراستي يا مروة‪،‬‬‫ودلوقتي تصبحي عىل خري‪.‬‬
‫ومل تنتظر أمرية ردا من مروة‪ ،‬وأعطتها ظهرها ونامت‪ ،‬وتركت مروة غارقة يف‬
‫حريهتا‪ ،‬موقنة أن شيئا قد حدث ألمرية غريها متاما‪ ،‬ورغم تعجبها‪ ،‬إال أهنا كانت‬

‫‪- 236 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫متعبة‪ ،‬فبدلت ثياهبا‪ ،‬وأطفأت نور احلجرة‪ ،‬ونامت هي األخرى؛ لتستيقظ يف‬
‫الصباح‪ ،‬فال جتد أثرا ألمرية‪.‬‬
‫خرجت أمرية مع أول خيوط للفجر‪ ،‬واجتهت إىل رصيف امليناء للحاق بالباخرة‬
‫املغادرة إىل شواطئ بالد األناقة والبيتزا واجللد الطبيعي واملكرونة‪ ،‬مجيلة اجلميالت‬
‫إيطاليا‪ ،‬وكان ألمرية باسبور فيه معظم تأشريات بلدان العامل؛ ألهنا كانت جتوب مع‬
‫والدهيا أنحاء العامل حلضور املؤمترات الطبية‪ ،‬فلم جتد صعوبة مطلقا يف السفر‪ ،‬فقط‬
‫قلة النقود والوقت جعالها حتجز غرفة صغرية يف قاع الباخرة‪ ،‬ولكنها مل تكن تبايل‪،‬‬
‫فهي مل تكن تفكر سوى باللحاق بفهد قبل أن تفقده لألبد‪ ،‬ومنذ أن وطأت قدماها‬
‫أرض الباخرة وعيناها الزائغتان تنقبان بتفحص كل ركن وزاوية يف السفينة بحثا‬
‫عنه‪ ،‬ولكنها مل تعثر له عىل أثر‪ ،‬فدخلت غرفتها متعبة يائسة‪ ،‬وحصلت عىل ساعتني‬
‫من النوم السيئ جدا‪ ،‬بسبب موقع غرفتها السيئ‪ ،‬وفراشها األكثر سوءا‪ ،‬وما أن‬
‫حتركت املركب وبدأت رحلتها يف البحر حتى استيقظت جائعة‪ ،‬وكانت قد مجعت‬
‫برسعة وبدون ترتيب مالبسها‪ ،‬واشرتت بعض احللوى التي ال تثمن وال تغني من‬
‫جوع‪ ،‬فتناولت واحدة‪ ،‬وبدلت ثياهبا‪ ،‬وخرجت يف رحلة بحث جديدة‪ ،‬وطافت‬
‫كل الباخرة بحثا‪ ،‬حتى قتلها اليأس‪ ،‬وأخذت حتدث نفسها‪ ،‬أمعقول أن يكون‬
‫فتحي كذب عليها؟ غري معقول‪ ،‬فقد كان صادقا جدا يف كالمه‪ ،‬حتى أنه قد أقسم‬
‫‪- 237 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫هلا أن هلم صديقا سيهربه مع البضاعة املخزنة يف الباخرة‪ ،‬فلمعت فكرة يف ذهنها‪،‬‬
‫ونادت أمرية عىل عامل من عامل النظافة عىل سطح املركب وسألته‪:‬‬
‫ أين ختزن البضاعة واألشياء التي تشحن؟‬‫فأشار هلا عىل قاع املركب‪:‬‬
‫ طب واحلاجات دي بينزلوهلا منني؟‬‫ ال‪ ،‬ده ممنوع‪ ،‬ما بيسمحوش حلد بالنزول أبدا‪.‬‬‫ طب ممكن تساعدين؟‬‫ ما أقدرش يا هانم‪ ،‬صدقيني‪.‬‬‫فرتجته حتى كادت تبكي أمامه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ صدقيني ما ينفعش‪ ،‬ثم إن املخزن حتت ما فيهوش مكان حتطي رجلك فيه‪،‬‬‫ولو دخلتي هتتخنقي‪ ،‬حرضتك عاوزة إيه بالظبط وأنا أعملهولك من غري ما‬
‫تتعبي نفسك؟‬
‫فشكرته ومضت يائسة‪ ،‬ودخلت غرفتها تتأمل من اجلوع ومن خيبة األمل‪ ،‬ورغم‬
‫تعبها‪ ،‬إال أهنا فكرت أنه لو كان عىل املركب فلن يفكر يف أن يتحرك قبل منتصف‬
‫الليل‪ ،‬وعزمت عىل البحث عنه يف آخر الليل‪ ،‬وأرخت جسدها ساعتني أخريني من‬
‫‪- 238 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫النوم السيئ‪ ،‬ثم قامت ونظرت يف ساعتها‪ ،‬وأخذت جتوب السفينة من جديد يف‬
‫جولة البحث عن حبيبها املفقود‪ ،‬ومل جتد شيئا أبدا‪ ،‬فعادت جتر رجليها حزينة‪،‬‬
‫وأخذت حتدث رهبا وتدعوه أن جيمعها بفهد‪ ،‬وبكت وبكت إىل أن سقطت جالسة‬
‫متكأة بظهرها عىل القائم الذي تعلق فيه قوارب النجاة‪ ،‬وما أن أغمضت عينيها‬
‫يائسة تدعو اهلل وتتمنى لو أهنا تفتح عينيها فتجده أمامها‪ ،‬حتى هبط عليها فهد من‬
‫السامء‪ ،‬ووقع أمامها مبارشة‪ ،‬فلم تصدق نفسها‪ ،‬وأخذت ترصخ من الفرحة‪،‬‬
‫وتعانقه وهي تقفز‪ ،‬وهو هيدئها وينبهها بأال جتمع حوله املارة‪ ،‬وال تلفت االنتباه‪،‬‬
‫ولكن دون جدوى‪ ،‬حتى اضطر أن يكتم أنفاسها حتى هتدأ‪ ،‬فانتبهت أخريا لنفسها‪،‬‬
‫وبدأت متأل عينيها منه‪ ،‬غري مصدقة أنه أمامها بعد أن فقدت األمل متاما يف العثور‬
‫عليه‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫ وحشتني اوى يا فهد‪ ،‬وكنت خايفة ما أشوفكش تاين‪ ،‬ده أنا دعيت ربنا وربنا‬‫سمع مني‪ ،‬أال هو أنت نزلت منني؟‬
‫ شوفتي قوارب النجاة دي؟ كنت مستخبي يف واحد منهم‪ ،‬ومستني حلد ما‬‫الرجل ختف وأنزل أفرد طويل‪ ،‬جسمي اتدغدغ من النومة الزفت دي‪ ،‬كنت‬
‫حاسس إن أنا سلموناية يف علبة رسدين‪.‬‬

‫‪- 239 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫فضحكت أمرية من كالمه وقالت‪:‬‬
‫ مش فارق كتري عن رسيري‪ ،‬املهم إن احنا مع بعض دلوقتي‪ ،‬يال تعاىل معايا‪.‬‬‫ آجي فني؟ أنت اليل هتيجي معايا‪ ،‬وهسكنك يف أحسن حتة عىل املركب‪.‬‬‫ ازاي يعني؟‬‫ طول النهار ناس راحية وجاية حتكي يف كالم‪ ،‬وأنا عرفت إن أفخم أوضة عىل‬‫الباخرة فاضية‪.‬‬
‫ ازاي يعني؟‬‫فسحبها من يدها وقال‪:‬‬
‫ ازاي دي نبقى نقوهلا بعدين‪ ،‬دلوقتي ورانا شغل‪ ،‬يال تعايل ورايا من سكات‪.‬‬‫ومىض هبا عىل أطراف أصابعهام حتى وصال آخر الرواق‪ ،‬فقال فهد ألمرية‪:‬‬
‫ دلوقتي بقى تقفي تستنيني هنا‪ ،‬ولو حد قرب تبقي تكحي بصوت عايل‪.‬‬‫ هتعمل إيه يا فهد؟‬‫‪ -‬هسكنك يف أحسن غرفة يف الباخرة‪ ،‬بس أنت استني هنا‪.‬‬

‫‪- 240 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫وتسحب عىل أطراف أصابعه‪ ،‬وغاب‪ ،‬فأخذت أمرية تتلفت حوهلا خائفة‪ ،‬حتى‬
‫عاد فهد وجذهبا من يدها من جديد‪ ،‬وصعدا حتى آخر طابق عىل سطع الباخرة‪،‬‬
‫فمىض هبا إىل قمرة يف منتصف الباخرة‪ ،‬واخرج من جيبة اآلي دي املمغنط‪ ،‬مفتاح‬
‫املاسرت كي‪ ،‬الذي يفتح كل األبواب الذي رسقه لتوه من غرفة النظافة‪ ،‬وفتح‬
‫الغرفة‪ ،‬وانحنى يستقبل أمرية ويقول‪:‬‬
‫ اتفضيل‪ ،‬جناحك يا سمو األمرية‪.‬‬‫دخلت أمرية اجلناح تضحك‪:‬‬
‫ فهد‪ ،‬أنت رجعت للرسقة تاين؟‬‫ دي اسمها استعارة‪ ،‬هنستعري األوضة أربعة أيام‪ ،‬وبعدين هنسيبها‬‫ألصحاهبا؛ ألين مش ناوي آخدها يف جيبي وأنا نازل‪ ،‬وال هو أنت عاوزاين‬
‫أرجع أنام يف علبة الرسدين تان والرباح واالنرشاح ده كله موجود؟‬
‫ ولو جم أصحاب األوضة هنعمل إيه؟‬‫ ال اطمني‪ ،‬أصحاب األوضة الشيخة فاطمة والشيخ نواف اختانقوا عىل‬‫رصيف املينا ورجعوا بلدهم دلوقتي‪ ،‬بعد ما طلعوا شنطهم ولوازمهم اهلل‬
‫يسرتهم يعني سكن ولبس‪.‬‬
‫‪- 241 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ طب وأنت عرفت منني؟‬‫فحكى فهد ألمرية القصة كام سمعها وقال هلا‪:‬‬
‫ سمعت وأنا نايم مزنوق يف القارب اتنني بيتكلموا عن اخلناقة الكبرية اليل‬‫حصلت بني سمو األمري الشيخ نواف ومراته الشيخة فاطمة‪ ،‬أول ما دخلوا‬
‫املركب‪ ،‬وازاي زعلوا مع بعض‪ ،‬وطلبت منه الطالق‪ ،‬وسابته وسابت املركب‬
‫ورجعت‪ ،‬وراح وراها علشان يصاحلها بعد ما كانوا طلعوا شنطهم وحاجاهتم‪،‬‬
‫واتفضىل بقى ادخيل وما تفضيحناش‪.‬‬
‫فدخلت احلجرة‪ ،‬منبهرة من فخامتها ومجاهلا‪ ،‬أما فهد فأخذ يفك أزرار قميصه‪،‬‬
‫فعضت أمرية عىل شفتيها وقالت‪:‬‬
‫ إيه ده؟ هو أنت هتعمل إيه يا فهد؟‬‫ وال حاجة‪ ،‬هدخل آخد دوش قبل ما أنتحر من احلر والعرق ده‪ ،‬أنا كنت‬‫قربت أصدق إين رسديناية خمللة من النومة املهببة اليل كنت نايمها يف املركب‪.‬‬
‫ومد يديه وفتح حقيبة الشيخ نواف‪ ،‬وأخرج منها مالبس ومىض هبا إىل احلامم‪،‬‬
‫أما أمرية فمضت وفتحت رشفة الغرفة التي تطل عىل البحر‪ ،‬وكان القمر مرتبعا‬
‫عىل عرشه الفيض األسطوري يف السامء‪ ،‬ونسائم البحر تداعب شعرها‪،‬‬
‫‪- 242 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫فاستنشقت أمرية هواء البحر‪ ،‬وأخذت نفسا عميقا طويال‪ ،‬ورسحت بعيدا‬
‫بعيدا بخياهلا‪ ،‬ال تدري كم من الوقت مر عليها حتى جاء فهد من خلفها‪،‬‬
‫وأيقظ تأمالهتا‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ نواف يف خدمتك يا سمو األمرية‪.‬‬‫فالتفتت نحوه وانفجرت من الضحك‪ ،‬فقد كان جلباب الشيخ نواف كبريا جدا‬
‫عليه‪ ،‬كان أكرب من مقاسه بمقاسني آخرين‪ ،‬وظهر وكأنه يعوم يف اجللباب‪،‬‬
‫ورابطة شامخه موضوعة عىل رأسه بطريقة مضحكة‪ .‬وقالت أمرية‪:‬‬
‫ أكيد ده مش شكل أمري خالص‪ ،‬ولو شافك نواف كان قتلك‪ ،‬مش علشان‬‫رسقت هدومه ال‪ ،‬علشان هتبوظ سمعته وسمعة كل األمرا اليل يف الدنيا يا‬
‫شيخ نواف‪.‬‬
‫وضحكت‪ ،‬لكنه مل يضحك‪ ،‬واقرتب منها وقال‪:‬‬
‫ أما أنت فأمجل أمرية ملكتي أنا‪ ،‬وأمرية أحالمي‪ ،‬وملكة قلبي‪ ،‬وداعب‬‫خصالت شعرها وهو ينظر لعينيها‪ ،‬فارتبكت وارجتفت بني يديه‪ ،‬لكنها مل تدفعه‬
‫حني تقدم‪ ،‬وعانقها حتت ضوء القمر معانقة طويلة‪ ،‬متنيا معا لو طالت املعانقة آلخر‬

‫‪- 243 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫عمرمها‪ ،‬ونامت أمرية يف صدره صامتة مغمضة العينني وكأهنا تستمع ألرسار قلبه‪،‬‬
‫وداعب هو خصالت شعرها وهو يكرر كلمة واحدة وحيدة‪:‬‬
‫ أحبك‪ ،‬وأحب الدنيا ألنك فيها‪ ،‬أحبك يا أمرية عمري وأحالمي‪.‬‬‫وفجأة ابتعدت أمرية عنه‪ ،‬وفاجأته وأربكته وقالت بمنتهى البساطة‪:‬‬
‫ يال نتجوز يا فهد‪.‬‬‫ إيه اليل أنت بتقوليه ده؟ ال طبعا‪ ،‬أنت عاوزة تتجوزي حرامي يا دكتورة؟!‬‫ أنا عاوزة أجتوز الراجل اليل حبيته وهفضل أحبه‪.‬‬‫ األمور ما بتتحسبش كده يا حبيبتي‪ ،‬بنت الدكتور والدكتورة واحلسب‬‫والنسب والشهادة العالية الزم تاخد واحد من مستواها‪ ،‬مش واحد حرامي‪.‬‬
‫ أنا موافقة عىل احلرامي‪ ،‬وبحب احلرامي‪ ،‬أنا بحبك يا فهد‪ ،‬صدقني بحبك‪.‬‬‫فضحك فهد وقال هلا‪:‬‬
‫ ده أنت حتى ما تعرفيش اسمي‪ ،‬أنا اسمي‪...‬‬‫وقبل أن ينطق حرفا دق الباب أحدهم وقال‪:‬‬
‫ سمو األمري‪ ،‬املطعم بيسأل حتبوا تتعشوا إيه؟‬‫‪- 244 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫فرد فهد متقمصا الشخصية العربية وقال‪:‬‬
‫ إيش عندكم طعام لليوم يا ولد؟‬‫ جهزنا أكل خليجي لسموك‪.‬‬‫ثم ذكر له أسامء مأكوالت كثرية مل يفهمها فهد‪ ،‬ونظر ألمرية‪ ،‬فرفعت كتفيها‪،‬‬
‫ومدت شفتيها‪ ،‬نفيا وعدم فهم‪:‬‬
‫ أنا أبغي كل أطباق اللحمة تبعكم‪.‬‬‫فرضبته أمرية يف صدره وقالت‪:‬‬
‫ أنا ما بحبش اللحمة‪.‬‬‫فقال له‪:‬‬
‫ زين‪ ،‬هات مع اللحم كل أطباق الدجاج انذوقها‪ ،‬وسوييل وليمة عىل سطح‬‫املركب علشان أبغي أشم اهلوا‪ ،‬وما بحب كتمة املطاعم هادي‪.‬‬
‫ أنت تؤمر يا أفندم‪.‬‬‫وانرصف اخلادم‪ ،‬والتفت فهد ألمرية وقال‪:‬‬

‫‪- 245 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ دلوقتي تطلعي من الشنطة هدوم لألمرية فاطمة وتلبسيها‪ ،‬علشان نطلع‬‫نتعشى‪.‬‬
‫ ال طبعا‪ ،‬أنا مش ممكن أعمل كده‪ ،‬أرسق هدوم؟ هي حصلت؟‬‫ خالص خليكي هنا‪ ،‬وأنا هطلع أتعشى وأرجعلك‪.‬‬‫ ال طبعا‪ ،‬أنا ميتة من اجلوع‪ ،‬بس بردو مش هرسق هدوم‪.‬‬‫ يا بنتي دي اسمها استعارة‪ ،‬مش رسقة‪.‬‬‫ومد يديه وفتح حقيبة الشيخة فاطمة‪ ،‬وأخرج هلا عباءة خليجية وفوطة‪،‬‬
‫وقال هلا‪:‬‬
‫ هستناكي عرش دقايق تاخدي محام ونروح نتعشى‪ ،‬وإال هروح لوحدي‬‫وأسيبك هنا‪ ،‬ها؟ قولتي إيه؟‬
‫ أنا مش هعمل كده أبدا‪.‬‬‫فنظر فهد يف ساعته وقال‪:‬‬
‫ فاتت دقيقة وباقي تسع دقايق‪.‬‬‫ أنا عمري ما لبست هدوم حد‪.‬‬‫‪- 246 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ زمان الطاولة جاهزة واألكل سخن‪ ،‬فات متن دقايق‪ ،‬دلوقتي فات سبع‬‫دقايق‪ ،‬بقوا ست دقايق‪.‬‬
‫ خالص يا ساعة بج بن‪ ،‬خالص‪ ،‬بطل توترين لو سمحت‪.‬‬‫ومدت أمرية يدها برتدد‪ ،‬وأخذت املالبس‪ ،‬ومضت إىل محام اجلناح‪ ،‬وأخذت‬
‫محاما دافئا‪ ،‬وعادت أمرية‪ ..‬أمرية حقيقية اسام ومعنى‪ ،‬وعىل ظهر الباخرة جلس‬
‫احلبيبان يف ثوهبام اخلليجي يتناوالن العشاء عىل ضوء خيوط القمر‪ ،‬وعىل أنغام‬
‫موسيقى املوج‪ ،‬أكال وأكال حتى شبعا‪ ،‬ثم مد إليها يديه ومىض هبا لسور الباخرة‪،‬‬
‫ووضع يده عىل كتفها وقال‪:‬‬
‫ أشهد البحر والليل والقمر بأنك حبيبتي إىل آخر العمر‪ ،‬وأين لن أحب أحدا‬‫بعدك أبدا‪.‬‬
‫فقالت‪:‬‬
‫ وأنا أشهد البحر والليل والقمر‪ ،‬ومن قبلهم اهلل سبحانه وتعاىل بأين زوجتك‬‫نفيس‪ ،‬وأين ملكك وحدك آلخر العمر‪ ،‬وأين لن يشاركك ييف أحد أبدا‪.‬‬

‫‪- 247 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫فقبل يدهيا‪ ،‬ونظر طويال يف عينيها‪ ،‬وجابا معا كل أنحاء املركب سريا‪ ،‬طلوعا‬
‫ونزوال‪ ،‬إىل أن ظهرت أول بواكري الفجر‪ ،‬فأخذها جلناحهام ليسرتحيا من عناء‬
‫يومهام‪ ،‬فأدخلها وخلع شامخه ورماه بعيدا وقال هلا‪:‬‬
‫ هنام هنا عىل الشيزلونج ده وأنت يف أوضة النوم‪ ،‬تصبحي عىل خري‪.‬‬‫فنظرت له طويال وقالت‪:‬‬
‫ ال أنا أشهدت اهلل عىل إنك زوجي وهنام معاك يف حضنك يا زوجي العزيز‪.‬‬‫فارتبك فهد وقال‪:‬‬
‫ ال أنت شكلك بدأيت تتهوري‪ ،‬وكده ما ينفعش خالص‪.‬‬‫ أنا ما هبزرش عىل فكرة‪.‬‬‫ وال أنا هبزر‪ ،‬ويف حاجات ما ينفعش فيها هزار خالص‪ ،‬اتفضيل يا أمرية عىل‬‫أوضتك علشان تنامي‪ ،‬وسيبيني أنا كامن أنام‪.‬‬
‫ وأنا مش هنام غري جنبك‪ ،‬ومعاك‪ ،‬ويف حضنك‪.‬‬‫ أنت فامهة غلط؛ ألننا مش هنبقى لوحدنا‪ ،‬يف شيطان صغنون بس بيقولوا‬‫عليه شاطر قوي هييجي يتحرش يف وسطنا‪ ،‬وأنا الرصاحة بخاف من الشياطني‪،‬‬
‫فخيش نامي وخيل الليلة دي تعدي عىل خري‪.‬‬
‫ وأنا مش هنام غري معاك يافهد‪.‬‬‫‪- 248 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ أنا بدأت أفقد أعصايب‪ ،‬اهلل ال يسيئك خيش أوضتك وتصبحي عىل خري‪.‬‬‫ مش داخلة يا فهد قولتلك‪.‬‬‫فحملها فهد وأدخلها الغرفة‪ ،‬ورماها عىل الفراش‪ ،‬وخرج برسعة‪ ،‬وأغلق وراءه‬
‫الباب باملفتاح‪ ،‬وقال هلا‪:‬‬
‫ تصبحي عىل خري يا أمرية‪ ،‬والصباح رباح‪.‬‬‫فصاحت أمرية من خلف الباب صارخة فيه‪ ،‬العنة أجداده‪ ،‬فقال هلا‪:‬‬
‫ خدي بالك لو حد عرف إننا مش فاطمة ونواف هييجوا يرمونا يف البحر‪،‬‬‫وننام يف بطن احلوت‪ ،‬اختمدي نامي يا أمرية‪ ،‬وتصبحي عىل خري‪.‬‬
‫فبكت وقالت‪:‬‬
‫ فهد أنا بحبك وعاوزة‪..‬‬‫فقاطعها فهد‪:‬‬
‫ أكيد عاوزة تدخيل احلامم بعد العشوة التقيلة دي‪ ،‬عندك محام يف األوضة عىل‬‫فكرة‪ ،‬ومناديل وصابون وسافون ومية ساقعة وسخنة‪.‬‬
‫فضحكت أمرية من كالمه وقالت‪:‬‬
‫ إيه القرف ده؟ أفكارك زبالة يا فهد؟‬‫فرد فهد يف رسه‪:‬‬
‫‪- 249 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ أنا بردو يا أمرية؟ روحي منك هلل‪ ،‬صحصحتيني وفرهدتيني‪ ،‬عىل اهلل أعرف‬‫أنام بعد اليل أنت قولتيه ده‪ ،‬روحي منك هلل‪.‬‬
‫فقالت‪:‬‬
‫ بتقول حاجة يا فهد؟‬‫فرد عليها‪:‬‬
‫ بقولك اختمدي بقى تصبحي عىل خري‪.‬‬‫وقضت أمرية وفهد أربعة أيام يف اجلنة‪ ،‬يمشيان معا‪ ،‬يأكالن معا‪ ،‬يضحكان معا‪،‬‬
‫وينظران للقمر‪ ،‬وحيدثان البحر‪ ،‬ويطوفان املركب كلها يوميا سريا وجريا‪ ،‬وأحيانا‬
‫أخرى كان حيملها فهد عىل يديه‪ ،‬وعندما يستمع إىل املوسيقى الصادرة من كافيرتيا‬
‫الباخرة كان جيذهبا من يدها ويراقصها ويضحكان معا‪ ،‬حتى أثارا إعجاب ولفتا‬
‫انتباه كل من رآمها عىل سطع الباخرة‪ ،‬ويف املساء كانا يرتديان األثواب اخلليجة‪،‬‬
‫ويتناوالن عشائهام الفخم جدا عىل ضوء القمر عىل الطاولة اخلليخية الفخمة‪ ،‬ثم‬
‫يرتجالن إىل أسوار الباخرة‪ ،‬ويقضيان الليل حتى الفجر ضحكا ومرحا ورقصا‬
‫وغناء‪.‬‬
‫كان لفهد وجه آخر طفويل أحبته فيه أمرية‪ ،‬واندفعت أمرية يف حبها ومشاعرها‬
‫تغرقه بكالمها املعسول‪ ،‬وتردد عليه عبارات احلب بال توقف‪ ،‬ثم عند ظهور الفجر‬
‫كانا يدخالن جناحهام يف الباخرة‪ ،‬ويتحايل فهد أي حيلة ليدخل أمرية الغرفة ويغلق‬
‫‪- 250 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫عليها الباب حتى الصباح‪ ،‬ومهام تيقظت حليله كان يغلبها يف آخر األمر‪ ،‬ففي اليوم‬
‫الثاين طلب منها أن جتلب له بعض األشياء من الغرفة‪ ،‬وحني دخلت أرسع وأغلق‬
‫خلفها الباب‪ ،‬ويف الليلة الثالثة رفضت متاما أن تدخل الغرفة‪ ،‬وبقيت يف صالة‬
‫اجلناح‪ ،‬وقد قررت أن تشاركه النوم عىل الشيزلونج‪ ،‬فام كان منه إال أن قال هلا‪:‬‬
‫ خالص‪ ،‬هدخل أنا جوه وخليكي أنت هنا‪.‬‬‫ودخل الغرفة‪ ،‬فدخلت وراءه‪ ،‬فدفعها وأغلق عليها الباب‪ ،‬حتى جاءت الليلة‬
‫الرابعة‪ ،‬فتناوال عشاءمها معا كالعادة‪ ،‬ودخال اجلناح كالعادة‪ ،‬لكن فهد مل يطالبها‬
‫بأن تنام وحدها يف الغرفة‪ ،‬بل محلها وأدخلها الغرفة‪ ،‬وهي متحفزة متحسبة ألي‬
‫مفاجأة منه حيبسها هبا يف الغرفة وخيرج هو‪ ،‬لكنه مل يفعل‪ ،‬بل إنه نام بجوارها‪،‬‬
‫واحتضنها بقوة مل تعهدها فيه‪ ،‬وأخذ حيكي هلا تاريخ حياته كله‪ ،‬وكيف وصل ألن‬
‫يصبح لصا‪ ،‬وهي متعجبة من كالمه‪ ،‬تنظر نحوه وتسمعه‪ ،‬وبداخلها إحساس مل‬
‫تسرتح له‪ ،‬لكنها يف حضنه‪ ،‬وهذا ما كان يكفيها لتسرتيح العمر كله‪.‬‬
‫وفاجأها فهد وقبلها ألول مرة يف عمر عالقتهام القصرية اجلميلة‪ ،‬قبلة طويلة‬
‫جعلتها تندفع نحوه‪ ،‬ومتسح بيدهيا عىل ظهره وكتفه وصدره بقوة وحب‪ ،‬فأمسك‬
‫يدها‪ ،‬وقبل أصابعها واحدا واحدا وقال هلا‪:‬‬
‫ عمري ما هنساكي يا مالك عمري‪.‬‬‫ أنا مصريي ارتبط بيك يا فهد‪ ،‬أنت بالنسبة يل حبيبي وزوجي كامن‪.‬‬‫‪- 251 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫وحركت يدهيا عىل صدره‪ ،‬فأوقف يدهيا ومحل يدهيا يقبلها من جديد‪ ،‬وهو‬
‫يضحك ويقول‪:‬‬
‫ ال بيص‪ ،‬أنا حبيبك آه‪ ،‬مسألة زوجك دي يا ريت نأجلها شوية‪ ،‬خلينا‬‫خمطوبني بس‪ ،‬ومسموح بمسك اإليد والتقبيل وبس‪.‬‬
‫فضحكا معا‪ ،‬ونامت يف صدره عمرا من الزمن ال تدري ما هو‪ ،‬حتى زارها نفس‬
‫احللم القديم‪ ،‬وسقطت يف البئر السحيق‪ ،‬فأفاقت لتجد نفسها وحدها يف الفراش‪،‬‬
‫ظنت يف أول األمر أنه يف احلامم‪ ،‬لكنه مل يكن كذلك‪ ،‬ذهبت وبحثت يف الرشفة‪ ،‬لكنه‬
‫مل يكن فيها‪ ،‬فتشت عنه كل أنحاء اجلناح ومل جتده‪ ،‬فمضت لتفتح الباب وتبحث يف‬
‫أنحاء السفينة التي أرشفت عىل دخول امليناء اإليطالية الساحرة‪ ،‬فوجدت ظرفا‬
‫معلقا عىل طرف مقبض باب اجلناح‪ ،‬فحملته ونظرت فيه‪ ،‬فوجدته مكتوبا عليه‪:‬‬
‫ إىل مليكتي‪ ،‬ومالكي وأمرييت‪ ...‬أمرية‪.‬‬‫فأخذته وأرسعت تبحث عن فهد‪ ،‬ولكن زحام الناس وزمحتهم حالت بينها‬
‫وبني أن تراه‪ ،‬طافت املركب كله وسط الزحام ومل جتده‪ ،‬نادت ورصخت وضاع‬
‫صوهتا هباء‪ ،‬الذي حتول إىل موجة بلعها رمل الشاطئ‪ ،‬نزلت أمرية من املركب‬
‫ضائعة خائفة مهزومة‪ ،‬ال تدري أين تذهب‪ ،‬وال من أين جاءت‪ ،‬وما الذي تفعله‪،‬‬
‫ومضت خطوات بطيئة نحو اليابسة‪ ،‬فسمعت من ينادهيا‪ ،‬فالتفتت فوجدت أباها‬
‫وأمها ينتظراهنا‪ ،‬وقال هلا أبوها‪:‬‬
‫‪- 252 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ أمرية حبيبتي‪ ،‬أخريا اقتنعتي إنك حمتاجة أجازة؟ جاين جوابك‪ ،‬وما صدقتش‬‫إنك عاوزانا نلحق بيكي إليطاليا‪.‬‬
‫وقالت أمها‪:‬‬
‫ شكلك فعال تعبانة وخمنوقة زي ما كتبتييل‪ ،‬ما ختافيش يا حبيبتي‪ ،‬أنا وبابا‬‫جنبك‪ ،‬ومش هنسيبك‪.‬‬
‫واحتضنتها أمها‪ ،‬فانفجرت أمرية يف البكاء‪ ،‬ومضت معهام للسيارة املنتظرة عىل‬
‫آخر رصيف امليناء‪ ،‬بعد أن يئست متاما من أن تعثر عىل فهد الذي ذاب يف الزحام‪،‬‬
‫وانطلقت هبم السيارة بعيدا‪ ،‬وأمرية حمتضنة جلواب فهد يف يدهيا كأنه آخر فرصة هلا‬
‫للحياة‪ ،‬فتلك الورقة هي اليشء الوحيد الباقي منه‪.‬‬
‫ووصلت هبم السيارة للفندق الكبري‪ ،‬ودخلوا غرفهم لالسرتاحة بعد عناء‬
‫السفر‪ ،‬وأرسعت أمامهام حلجرهتا وتركتهام يف حرية من أمرمها‪ ،‬ثم جلست عىل‬
‫الفراش وفضت غالف اخلطاب الطويل‪ ،‬وأخذت تقبله وتبكي‪ ،‬ثم فتحته لتقرأ آخر‬
‫كالم فهد هلا‪.‬‬
‫ حبيبتي‪ ،‬ومليكة عمري‪ ،‬وأمرية أحالمي‪ ،‬أمرية‬‫ملا تكوين أنت بتقري اجلواب ده هكون أنا عىل ضهر مركب تاين رايح عىل بلد‬
‫تانية‪ ،‬بس املرة دي ما حتاوليش تعريف هي إيه‪ ،‬أنا ما قولتش لفتحي عليها علشان ما‬
‫تسأليهوش وتعريف منه مكاين‪.‬‬
‫‪- 253 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫انسيني يا ملك‪ ،‬أنت مش خملوقة علشاين‪ ،‬أنت كتري عليا اوى‪ ،‬وأنا ألين بحبك‬
‫حرمت نفيس من وجودك جنبي‪ ،‬واخرتت أعيش العمر كله عىل ذكرى األيام‬
‫اجلميلة اليل قضيتها معاكي‪ ،‬أنا عمري ما هنساكي‪ ،‬وال هحب حد تاين غريك‪ ،‬لكن‬
‫أنت يا عمري الزم حتبي وتعييش‪ ،‬أنت مالك‪ ،‬وحقك عىل األرض جنة جتمعك‬
‫باملاليكة اليل زيك‪ ،‬واليل مش ممكن يكون ليا مكان بينهم‪.‬‬
‫أنا ملا عرفت من فتحي إنك سألتيه عن سفري حسيت إنك جمنونة‪ ،‬وممكن‬
‫تعمليها وتيجي ورايا‪ ،‬فبعت لوالدك برقية إنه يلحقك عىل ميناء إيطاليا‪ ،‬وعىل فكرة‬
‫أنا كنت شايفك من بعيد جدا‪ ،‬وما احتركتش وسيبتك إال ملا اتأكدت إنك اجتمعتي‬
‫مع أهلك‪ ،‬واطمنت عليكي معاهم‪.‬‬
‫الوادع يا عمري‪ ،‬خدي بالك من نفسك‪ ،‬وانسيني يا ملكي‪ ،‬أما أنا فمستحيل إين‬
‫أنساكي‪.‬‬
‫وكانت تلك الكلامت آخر كلامت فهد ألمرية‪ ،‬وكانت األربعة أيام التي قضتهم‬
‫عىل ظهر املركب معه يف اجلناح امللكي هي كل عمر أمرية‪ ،‬وكل عمر فهد أيضا‪ ،‬ومل‬
‫ينس أحدمها اآلخر‪ ،‬وأغلقت أمرية عقلها وقلبها عىل فهد‪ ،‬ووضعت كل طاقتها يف‬
‫دراستها وعملها‪ ،‬حتى خترجت وسافرت جتوب العامل بحثا عن فهد‪ ،‬بال جدوى‪،‬‬
‫وكانت يف كل التجمعات حوهلا أو يف مؤمتراهتا الطبية الكثرية الكبرية كانت تلمح‬
‫طيفه من بعيد‪ ،‬وعندما حتاول اللحاق به كان خيتفي متاما دون أن تعرف إن كان طيفه‬
‫هذا حقيقة‪ ،‬وأنه يالحقها أم أنه خيال‪ ،‬وهي التي تالحقه‪ ،‬ومل تتزوج أمرية‪ ،‬وكلام‬
‫‪- 254 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫واجهها أحد باحلديث عن الزواج كانت تقول بأهنا متزوجة بالفعل‪ ،‬ووفية لذكرى‬
‫زوجها‪ ،‬وعندما يكثر التساؤل والتعجب حول كالمها كانت تقول أنا متزوجة‬
‫بالعلم وبالطب‪ ،‬فاللحاق بآخر تطورات العلم كأنك تالحق فهدا رسيع احلركة‬
‫يرسقك من عمرك‪ ،‬ومن حياتك‪ ،‬دون أن تدري‪ ،‬فيضحك اجلميع عىل مزاحها‪،‬‬
‫وتبكي هي من داخل قلبها ؛ ألنه ليس مزاحا‪ ،‬وألن فهد قد رسقها فعال من حياهتا‪،‬‬
‫ثم اختفى‪ ،‬ومل تستطع اللحاق به‪ ،‬أما حلمها الذي كان يزورها كل ليلة‪ ،‬والتي ترى‬
‫نفسها تسقط يف البئر فلم يعد يزورها‪ ،‬وهذا ألن حلمه كان قد فرس بالفعل بعد أن‬
‫سقطت األمرية يف البئر وراء فهد‪.‬‬
‫** متت **‬

‫بقلم‪ /‬غادة العليمي‪..‬‬

‫‪- 255 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫الفهرس‬
‫املقدمة ‪7 ..................................... ................................‬‬
‫إهداء ‪9 ..................................... ................................‬‬
‫القصة األوىل‪ :‬شقة يف الدور الثالث ‪11 ........................................‬‬
‫مقدمة ‪13 .................................... ................................‬‬
‫شقة يف الدور الثالث ‪14 ...................... ................................‬‬
‫القصة الثانية‪ :‬ال تلمسوا النجوم ‪63 ...........................................‬‬
‫مقدمة ‪65 .................................... ................................‬‬
‫ال تلمسوا النجوم ‪66 ......................... ................................‬‬
‫القصة الثالثة‪ :‬حب‪ ..‬ووعد‪ ..‬وثأر ‪133 ......................................‬‬
‫مقدمة ‪134 .................................. ................................‬‬
‫حب ووعد وثأر ‪136 ........................ ................................‬‬
‫القصة الرابعة‪ :‬أربعة أيام يف اجلنة ‪183 ........................................‬‬
‫مقدمة ‪185 .................................. ................................‬‬
‫أربعة أيام يف اجلنة ‪186 ....................... ................................‬‬
‫الفهرس ‪256 ................................ ................................‬‬

‫‪- 256 -‬‬