أحبك ولكن - 9
فهد ،أنا بحبك ،وما أقدرش أعيش من غريك. الزم تعييش من غريي ،أنت تستحقي أحسن واحد يف الدنيا. أنت أحسن واحد يف الدنيا يا فهد ،أنا حاسة إين معاك ببقى يف أمان ،وجودكجنبي بيديني إحساس عمري ما حسيته قبل كده.
أرجوك يا ملكي ،ما تصعبيش األمر عليا وعليكي ،أنت مش ممكن تكونييل،وال أنا أنفع أكون ليكي ،أنا قابلتك النهارده بس علشان أودعك؛ ألين هسافر
كامن كام يوم لبلد بعيد ،أبدأ فيه حياة جديدة ،وعلشان أعلن توبتي قدامك،
وأعرفك إنك سبب يف توبتي ،وإن أجرها عند ربنا من نصيبك أنت وحدك.
- 231 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
بكت أمرية ،وتوسلت إليه أال يرتكها ويسافر ،أو حتى أن خيربها بمكان وميعاد
سفره ،ولكنه مل يقل ،وتركها ترضبه وتدفعه وتبكي وهو ينظر هلا نفس نظرتة الثابتة
الصامتة ،وبعد أن فرغت من صياحها ،وبعد أن آملتها يدها من رضبه ومن دفعها له،
صمتت ،ورفعت عينيها يف عينيه ،فواجهت دموعه املحبوسة يف عمق صفاء عينيه
العسليتني.
ومل تدر أمرية العاقلة بنفسها إال وهي ترمتي يف أحضانه ،فضمها له ،وظال
صامتني ال يدريان كم مر من الوقت عليهام ،مر عليهام دقيقة ،أم ساعة ،أم دهر ،مر
عليهام عمر من احلب ،واحلب ال يمكن أن يقاس بمقياس الزمن ،عمر ال تدري إن
كنت حتيا فيه أم هو الذي حييا فيك ،ومل تفق هي أو هو إال عىل صوت جتمع
الفالحني حوهلام ،وهم يرصخون فيهام ،ويتهموهنام بالفسق والفجور ،فرتكها فهد
وأدار العربة؛ ليبدأ مناورة جديدة بالسيارة املتهالكة مبتعدا عنهم ،وهم يقذفوهنم
بثامر شجرة املانجو التي كانا يتظلالن بظلها ،فالتقط فهد بعض ثمرات املانجو
ووضعها يف حجر أمرية ،وقال:
خدي دول خليهم معاكي دلوقتي نغسلهم وناكلهم.فقالت أمرية ضاحكة والدموع يف عينيها:
- 232 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
واضح فعال إنك توبت عىل إيدي يا فهد.فضحكا معا ،وابتعد بالعربة بعيدا عائدا إىل املدينة الكبرية ،وأرجعها فهد إىل
دارها السكني ،ونزل وفتح هلا باب السيارة ،وقال:
وصلنا يا ملك ،والزم ترجعي للعامل بتاعك.ترددت يف النزول ،ثم نظرت يف عينيه بحزن ،ولكنه هذه املرة مل يطل يف عينيها،
وظل ينظر بعيدا ،متظاهرا بالثبات واإلرصار ،إىل أن تركته ومشت أمامه بخطوات
واهية مرتددة ،وملحها بجنب عينيه تستدير وتنظر نحوه ،فام كان منه إال أن ركب
عربته وانطلق بعيدا عائدا لعامله ،وتاركا هلا عاملها الذي ليس له مكان فيه.
دخلت أمرية غرفتها وهي يف حالة شديدة السوء ،وارمتت عىل فراشها وأخذت
تبكي وتبكي وتبكي ،ثم اعتدلت يف جلستها وكأهنا تذكرت شيئا ،وقلبت يف أرقام
موبايلها ،ثم اسرتاحت لقرار قد اختذته بينها وبني نفسها ،وقامت وأبدلت ثياهبا
وغسلت وجهها ،ودخلت مروة متهللة وقالت ألمرية:
شوفتي يا أمرية؟ الست فاقت وأدلت بأوصاف املجرم وهيمسكوه خالص.فاهتزت أمرية وقالت:
ست مني؟ وجمرم إيه؟- 233 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
الست اليل ورانا ،اليل احلرامية كانوا عاوزين يرسقوا بيتها وخينقوا ابنها ،فاقتودلتهم عىل املجرمني ،الشارع كله مالوش سرية غري املوضوع ده ،والبوليس
كامن قالب الدنيا عليهم وهيجيبهم خالص.
طب والست قالت إيه بالظبط؟ دول كانوا تالتة ،اتنني دخلوا عليها األوضة وواحد كان يف الصالة ،وتصدقيإن إيه ،التالت هو اليل أنقذ حياهتا هي وابنها ،ورضبوه قدامها وهرب ،تصدقي
يا أمرية ممكن يكون التالت ده اليل دخل األوضة عندك هنا؟ ألنه كان متصاب
بردو ،بس حتى الست بتقول إن أوصافه ما شافتهاش كويس ،هو إيه يا خويا
الراجل ده ،سبايدر مان بينط وبيطري وحمدش بيشوفه؟
تنفست أمرية الصعداء ،واكتشفت أن فهد كان معه حق يف نص كالمه ،وأنه ال
بد وأن يسافر بعيدا ،ويبتعد عن هنا ،أما بخصوص نص الكالم اآلخر فقد ظلت
تفكر وتتقلب يف فراشها طول الليل ،ويف الصباح وبعد أن انرصف اجلميع لكلياهتم
جلست أمرية عىل فراشها ،وأمسكت هاتفها ،وطلبت الرقم الذي طلبه فهد من
تليفوهنا باألمس ،وما أن رد عليها الطرف اآلخر حتى اعتدلت يف جلستها وحدثته.
ألو ،أستاذ فتحي؟- 234 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
ألو ،نعم ،األسطى فتحي معاكي يا هانم ،مني معايا؟ أنا ملك ،وعاوزة أشوفك بخصوص صاحبك فهد. أنا ما أعرفش حد باالسم ده. أل حرضتك تعرف ،بأمارة العربية احلمرا املرسوقة اليل دبرهتاله ،والسفريةاليل هو هيسافرها قريب ،ورجب الوحش وصاحبه اليل كانوا هيموتوه ،واليل
أنت نصحته يبعد عنهم ،وهو رفض نصيحتك.
أنت مني بالظبط؟ أنا ملك ،وعاوزة أقابلك النهارده رضوري علشان حاجة مهمة جدا ختصفهد صاحبك ،ويا ريت ما تقولوش ويفضل املوضوع بيننا رس ،وملا هقابلك
هبقى أقولك ليه.
طب وأنا إيه يعرفني إنك مش متسلطة عليا؟ معايا سلسلته الفضة الغالية عليه ،مهسكها يف إيدي وأستناك عند حمطة القطربعد ساعة ،أرجوك ما تتأخرش.
- 235 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
وذهبت أمرية ملقابلة فتحي ،وقضت من الوقت ساعة بصحبته ،ثم عادت،
وقلبت غرفتها رأسا عىل عقب ،وبدأت يف جتهيز شنطة صغرية ،فدخلت عليها
مروة ،وتلفتت يف الغرفة يمينا ويسارا ،وقالت:
ممكن أعرف إيه اليل بيحصل بالظبط؟ هو يف إيه يا أمرية؟ مسافرة بكرة الصبح رضوري.فقالت هلا:
فني؟ هو بعيد الرش ،بابا أو ماما حصل عندهم حاجة؟ ال ،دي سفرية علمية جاين دعوة ليها ،ولقيتها مهمة جد ا لدراستي،فقررت أسافر.
بس أنت عمرك ما عملتيها قبل كده. وأديني عملتها ،وبعدين قولتلك دي سفرية مهمة يل ولدراستي يا مروة،ودلوقتي تصبحي عىل خري.
ومل تنتظر أمرية ردا من مروة ،وأعطتها ظهرها ونامت ،وتركت مروة غارقة يف
حريهتا ،موقنة أن شيئا قد حدث ألمرية غريها متاما ،ورغم تعجبها ،إال أهنا كانت
- 236 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
متعبة ،فبدلت ثياهبا ،وأطفأت نور احلجرة ،ونامت هي األخرى؛ لتستيقظ يف
الصباح ،فال جتد أثرا ألمرية.
خرجت أمرية مع أول خيوط للفجر ،واجتهت إىل رصيف امليناء للحاق بالباخرة
املغادرة إىل شواطئ بالد األناقة والبيتزا واجللد الطبيعي واملكرونة ،مجيلة اجلميالت
إيطاليا ،وكان ألمرية باسبور فيه معظم تأشريات بلدان العامل؛ ألهنا كانت جتوب مع
والدهيا أنحاء العامل حلضور املؤمترات الطبية ،فلم جتد صعوبة مطلقا يف السفر ،فقط
قلة النقود والوقت جعالها حتجز غرفة صغرية يف قاع الباخرة ،ولكنها مل تكن تبايل،
فهي مل تكن تفكر سوى باللحاق بفهد قبل أن تفقده لألبد ،ومنذ أن وطأت قدماها
أرض الباخرة وعيناها الزائغتان تنقبان بتفحص كل ركن وزاوية يف السفينة بحثا
عنه ،ولكنها مل تعثر له عىل أثر ،فدخلت غرفتها متعبة يائسة ،وحصلت عىل ساعتني
من النوم السيئ جدا ،بسبب موقع غرفتها السيئ ،وفراشها األكثر سوءا ،وما أن
حتركت املركب وبدأت رحلتها يف البحر حتى استيقظت جائعة ،وكانت قد مجعت
برسعة وبدون ترتيب مالبسها ،واشرتت بعض احللوى التي ال تثمن وال تغني من
جوع ،فتناولت واحدة ،وبدلت ثياهبا ،وخرجت يف رحلة بحث جديدة ،وطافت
كل الباخرة بحثا ،حتى قتلها اليأس ،وأخذت حتدث نفسها ،أمعقول أن يكون
فتحي كذب عليها؟ غري معقول ،فقد كان صادقا جدا يف كالمه ،حتى أنه قد أقسم
- 237 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
هلا أن هلم صديقا سيهربه مع البضاعة املخزنة يف الباخرة ،فلمعت فكرة يف ذهنها،
ونادت أمرية عىل عامل من عامل النظافة عىل سطح املركب وسألته:
أين ختزن البضاعة واألشياء التي تشحن؟فأشار هلا عىل قاع املركب:
طب واحلاجات دي بينزلوهلا منني؟ ال ،ده ممنوع ،ما بيسمحوش حلد بالنزول أبدا. طب ممكن تساعدين؟ ما أقدرش يا هانم ،صدقيني.فرتجته حتى كادت تبكي أمامه ،فقال:
صدقيني ما ينفعش ،ثم إن املخزن حتت ما فيهوش مكان حتطي رجلك فيه،ولو دخلتي هتتخنقي ،حرضتك عاوزة إيه بالظبط وأنا أعملهولك من غري ما
تتعبي نفسك؟
فشكرته ومضت يائسة ،ودخلت غرفتها تتأمل من اجلوع ومن خيبة األمل ،ورغم
تعبها ،إال أهنا فكرت أنه لو كان عىل املركب فلن يفكر يف أن يتحرك قبل منتصف
الليل ،وعزمت عىل البحث عنه يف آخر الليل ،وأرخت جسدها ساعتني أخريني من
- 238 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
النوم السيئ ،ثم قامت ونظرت يف ساعتها ،وأخذت جتوب السفينة من جديد يف
جولة البحث عن حبيبها املفقود ،ومل جتد شيئا أبدا ،فعادت جتر رجليها حزينة،
وأخذت حتدث رهبا وتدعوه أن جيمعها بفهد ،وبكت وبكت إىل أن سقطت جالسة
متكأة بظهرها عىل القائم الذي تعلق فيه قوارب النجاة ،وما أن أغمضت عينيها
يائسة تدعو اهلل وتتمنى لو أهنا تفتح عينيها فتجده أمامها ،حتى هبط عليها فهد من
السامء ،ووقع أمامها مبارشة ،فلم تصدق نفسها ،وأخذت ترصخ من الفرحة،
وتعانقه وهي تقفز ،وهو هيدئها وينبهها بأال جتمع حوله املارة ،وال تلفت االنتباه،
ولكن دون جدوى ،حتى اضطر أن يكتم أنفاسها حتى هتدأ ،فانتبهت أخريا لنفسها،
وبدأت متأل عينيها منه ،غري مصدقة أنه أمامها بعد أن فقدت األمل متاما يف العثور
عليه ،وقالت:
وحشتني اوى يا فهد ،وكنت خايفة ما أشوفكش تاين ،ده أنا دعيت ربنا وربناسمع مني ،أال هو أنت نزلت منني؟
شوفتي قوارب النجاة دي؟ كنت مستخبي يف واحد منهم ،ومستني حلد ماالرجل ختف وأنزل أفرد طويل ،جسمي اتدغدغ من النومة الزفت دي ،كنت
حاسس إن أنا سلموناية يف علبة رسدين.
- 239 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
فضحكت أمرية من كالمه وقالت:
مش فارق كتري عن رسيري ،املهم إن احنا مع بعض دلوقتي ،يال تعاىل معايا. آجي فني؟ أنت اليل هتيجي معايا ،وهسكنك يف أحسن حتة عىل املركب. ازاي يعني؟ طول النهار ناس راحية وجاية حتكي يف كالم ،وأنا عرفت إن أفخم أوضة عىلالباخرة فاضية.
ازاي يعني؟فسحبها من يدها وقال:
ازاي دي نبقى نقوهلا بعدين ،دلوقتي ورانا شغل ،يال تعايل ورايا من سكات.ومىض هبا عىل أطراف أصابعهام حتى وصال آخر الرواق ،فقال فهد ألمرية:
دلوقتي بقى تقفي تستنيني هنا ،ولو حد قرب تبقي تكحي بصوت عايل. هتعمل إيه يا فهد؟ -هسكنك يف أحسن غرفة يف الباخرة ،بس أنت استني هنا.
- 240 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
وتسحب عىل أطراف أصابعه ،وغاب ،فأخذت أمرية تتلفت حوهلا خائفة ،حتى
عاد فهد وجذهبا من يدها من جديد ،وصعدا حتى آخر طابق عىل سطع الباخرة،
فمىض هبا إىل قمرة يف منتصف الباخرة ،واخرج من جيبة اآلي دي املمغنط ،مفتاح
املاسرت كي ،الذي يفتح كل األبواب الذي رسقه لتوه من غرفة النظافة ،وفتح
الغرفة ،وانحنى يستقبل أمرية ويقول:
اتفضيل ،جناحك يا سمو األمرية.دخلت أمرية اجلناح تضحك:
فهد ،أنت رجعت للرسقة تاين؟ دي اسمها استعارة ،هنستعري األوضة أربعة أيام ،وبعدين هنسيبهاألصحاهبا؛ ألين مش ناوي آخدها يف جيبي وأنا نازل ،وال هو أنت عاوزاين
أرجع أنام يف علبة الرسدين تان والرباح واالنرشاح ده كله موجود؟
ولو جم أصحاب األوضة هنعمل إيه؟ ال اطمني ،أصحاب األوضة الشيخة فاطمة والشيخ نواف اختانقوا عىلرصيف املينا ورجعوا بلدهم دلوقتي ،بعد ما طلعوا شنطهم ولوازمهم اهلل
يسرتهم يعني سكن ولبس.
- 241 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
طب وأنت عرفت منني؟فحكى فهد ألمرية القصة كام سمعها وقال هلا:
سمعت وأنا نايم مزنوق يف القارب اتنني بيتكلموا عن اخلناقة الكبرية اليلحصلت بني سمو األمري الشيخ نواف ومراته الشيخة فاطمة ،أول ما دخلوا
املركب ،وازاي زعلوا مع بعض ،وطلبت منه الطالق ،وسابته وسابت املركب
ورجعت ،وراح وراها علشان يصاحلها بعد ما كانوا طلعوا شنطهم وحاجاهتم،
واتفضىل بقى ادخيل وما تفضيحناش.
فدخلت احلجرة ،منبهرة من فخامتها ومجاهلا ،أما فهد فأخذ يفك أزرار قميصه،
فعضت أمرية عىل شفتيها وقالت:
إيه ده؟ هو أنت هتعمل إيه يا فهد؟ وال حاجة ،هدخل آخد دوش قبل ما أنتحر من احلر والعرق ده ،أنا كنتقربت أصدق إين رسديناية خمللة من النومة املهببة اليل كنت نايمها يف املركب.
ومد يديه وفتح حقيبة الشيخ نواف ،وأخرج منها مالبس ومىض هبا إىل احلامم،
أما أمرية فمضت وفتحت رشفة الغرفة التي تطل عىل البحر ،وكان القمر مرتبعا
عىل عرشه الفيض األسطوري يف السامء ،ونسائم البحر تداعب شعرها،
- 242 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
فاستنشقت أمرية هواء البحر ،وأخذت نفسا عميقا طويال ،ورسحت بعيدا
بعيدا بخياهلا ،ال تدري كم من الوقت مر عليها حتى جاء فهد من خلفها،
وأيقظ تأمالهتا ،وقال:
نواف يف خدمتك يا سمو األمرية.فالتفتت نحوه وانفجرت من الضحك ،فقد كان جلباب الشيخ نواف كبريا جدا
عليه ،كان أكرب من مقاسه بمقاسني آخرين ،وظهر وكأنه يعوم يف اجللباب،
ورابطة شامخه موضوعة عىل رأسه بطريقة مضحكة .وقالت أمرية:
أكيد ده مش شكل أمري خالص ،ولو شافك نواف كان قتلك ،مش علشانرسقت هدومه ال ،علشان هتبوظ سمعته وسمعة كل األمرا اليل يف الدنيا يا
شيخ نواف.
وضحكت ،لكنه مل يضحك ،واقرتب منها وقال:
أما أنت فأمجل أمرية ملكتي أنا ،وأمرية أحالمي ،وملكة قلبي ،وداعبخصالت شعرها وهو ينظر لعينيها ،فارتبكت وارجتفت بني يديه ،لكنها مل تدفعه
حني تقدم ،وعانقها حتت ضوء القمر معانقة طويلة ،متنيا معا لو طالت املعانقة آلخر
- 243 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
عمرمها ،ونامت أمرية يف صدره صامتة مغمضة العينني وكأهنا تستمع ألرسار قلبه،
وداعب هو خصالت شعرها وهو يكرر كلمة واحدة وحيدة:
أحبك ،وأحب الدنيا ألنك فيها ،أحبك يا أمرية عمري وأحالمي.وفجأة ابتعدت أمرية عنه ،وفاجأته وأربكته وقالت بمنتهى البساطة:
يال نتجوز يا فهد. إيه اليل أنت بتقوليه ده؟ ال طبعا ،أنت عاوزة تتجوزي حرامي يا دكتورة؟! أنا عاوزة أجتوز الراجل اليل حبيته وهفضل أحبه. األمور ما بتتحسبش كده يا حبيبتي ،بنت الدكتور والدكتورة واحلسبوالنسب والشهادة العالية الزم تاخد واحد من مستواها ،مش واحد حرامي.
أنا موافقة عىل احلرامي ،وبحب احلرامي ،أنا بحبك يا فهد ،صدقني بحبك.فضحك فهد وقال هلا:
ده أنت حتى ما تعرفيش اسمي ،أنا اسمي...وقبل أن ينطق حرفا دق الباب أحدهم وقال:
سمو األمري ،املطعم بيسأل حتبوا تتعشوا إيه؟- 244 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
فرد فهد متقمصا الشخصية العربية وقال:
إيش عندكم طعام لليوم يا ولد؟ جهزنا أكل خليجي لسموك.ثم ذكر له أسامء مأكوالت كثرية مل يفهمها فهد ،ونظر ألمرية ،فرفعت كتفيها،
ومدت شفتيها ،نفيا وعدم فهم:
أنا أبغي كل أطباق اللحمة تبعكم.فرضبته أمرية يف صدره وقالت:
أنا ما بحبش اللحمة.فقال له:
زين ،هات مع اللحم كل أطباق الدجاج انذوقها ،وسوييل وليمة عىل سطحاملركب علشان أبغي أشم اهلوا ،وما بحب كتمة املطاعم هادي.
أنت تؤمر يا أفندم.وانرصف اخلادم ،والتفت فهد ألمرية وقال:
- 245 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
دلوقتي تطلعي من الشنطة هدوم لألمرية فاطمة وتلبسيها ،علشان نطلعنتعشى.
ال طبعا ،أنا مش ممكن أعمل كده ،أرسق هدوم؟ هي حصلت؟ خالص خليكي هنا ،وأنا هطلع أتعشى وأرجعلك. ال طبعا ،أنا ميتة من اجلوع ،بس بردو مش هرسق هدوم. يا بنتي دي اسمها استعارة ،مش رسقة.ومد يديه وفتح حقيبة الشيخة فاطمة ،وأخرج هلا عباءة خليجية وفوطة،
وقال هلا:
هستناكي عرش دقايق تاخدي محام ونروح نتعشى ،وإال هروح لوحديوأسيبك هنا ،ها؟ قولتي إيه؟
أنا مش هعمل كده أبدا.فنظر فهد يف ساعته وقال:
فاتت دقيقة وباقي تسع دقايق. أنا عمري ما لبست هدوم حد.- 246 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
زمان الطاولة جاهزة واألكل سخن ،فات متن دقايق ،دلوقتي فات سبعدقايق ،بقوا ست دقايق.
خالص يا ساعة بج بن ،خالص ،بطل توترين لو سمحت.ومدت أمرية يدها برتدد ،وأخذت املالبس ،ومضت إىل محام اجلناح ،وأخذت
محاما دافئا ،وعادت أمرية ..أمرية حقيقية اسام ومعنى ،وعىل ظهر الباخرة جلس
احلبيبان يف ثوهبام اخلليجي يتناوالن العشاء عىل ضوء خيوط القمر ،وعىل أنغام
موسيقى املوج ،أكال وأكال حتى شبعا ،ثم مد إليها يديه ومىض هبا لسور الباخرة،
ووضع يده عىل كتفها وقال:
أشهد البحر والليل والقمر بأنك حبيبتي إىل آخر العمر ،وأين لن أحب أحدابعدك أبدا.
فقالت:
وأنا أشهد البحر والليل والقمر ،ومن قبلهم اهلل سبحانه وتعاىل بأين زوجتكنفيس ،وأين ملكك وحدك آلخر العمر ،وأين لن يشاركك ييف أحد أبدا.
- 247 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
فقبل يدهيا ،ونظر طويال يف عينيها ،وجابا معا كل أنحاء املركب سريا ،طلوعا
ونزوال ،إىل أن ظهرت أول بواكري الفجر ،فأخذها جلناحهام ليسرتحيا من عناء
يومهام ،فأدخلها وخلع شامخه ورماه بعيدا وقال هلا:
هنام هنا عىل الشيزلونج ده وأنت يف أوضة النوم ،تصبحي عىل خري.فنظرت له طويال وقالت:
ال أنا أشهدت اهلل عىل إنك زوجي وهنام معاك يف حضنك يا زوجي العزيز.فارتبك فهد وقال:
ال أنت شكلك بدأيت تتهوري ،وكده ما ينفعش خالص. أنا ما هبزرش عىل فكرة. وال أنا هبزر ،ويف حاجات ما ينفعش فيها هزار خالص ،اتفضيل يا أمرية عىلأوضتك علشان تنامي ،وسيبيني أنا كامن أنام.
وأنا مش هنام غري جنبك ،ومعاك ،ويف حضنك. أنت فامهة غلط؛ ألننا مش هنبقى لوحدنا ،يف شيطان صغنون بس بيقولواعليه شاطر قوي هييجي يتحرش يف وسطنا ،وأنا الرصاحة بخاف من الشياطني،
فخيش نامي وخيل الليلة دي تعدي عىل خري.
وأنا مش هنام غري معاك يافهد.- 248 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
أنا بدأت أفقد أعصايب ،اهلل ال يسيئك خيش أوضتك وتصبحي عىل خري. مش داخلة يا فهد قولتلك.فحملها فهد وأدخلها الغرفة ،ورماها عىل الفراش ،وخرج برسعة ،وأغلق وراءه
الباب باملفتاح ،وقال هلا:
تصبحي عىل خري يا أمرية ،والصباح رباح.فصاحت أمرية من خلف الباب صارخة فيه ،العنة أجداده ،فقال هلا:
خدي بالك لو حد عرف إننا مش فاطمة ونواف هييجوا يرمونا يف البحر،وننام يف بطن احلوت ،اختمدي نامي يا أمرية ،وتصبحي عىل خري.
فبكت وقالت:
فهد أنا بحبك وعاوزة..فقاطعها فهد:
أكيد عاوزة تدخيل احلامم بعد العشوة التقيلة دي ،عندك محام يف األوضة عىلفكرة ،ومناديل وصابون وسافون ومية ساقعة وسخنة.
فضحكت أمرية من كالمه وقالت:
إيه القرف ده؟ أفكارك زبالة يا فهد؟فرد فهد يف رسه:
- 249 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
أنا بردو يا أمرية؟ روحي منك هلل ،صحصحتيني وفرهدتيني ،عىل اهلل أعرفأنام بعد اليل أنت قولتيه ده ،روحي منك هلل.
فقالت:
بتقول حاجة يا فهد؟فرد عليها:
بقولك اختمدي بقى تصبحي عىل خري.وقضت أمرية وفهد أربعة أيام يف اجلنة ،يمشيان معا ،يأكالن معا ،يضحكان معا،
وينظران للقمر ،وحيدثان البحر ،ويطوفان املركب كلها يوميا سريا وجريا ،وأحيانا
أخرى كان حيملها فهد عىل يديه ،وعندما يستمع إىل املوسيقى الصادرة من كافيرتيا
الباخرة كان جيذهبا من يدها ويراقصها ويضحكان معا ،حتى أثارا إعجاب ولفتا
انتباه كل من رآمها عىل سطع الباخرة ،ويف املساء كانا يرتديان األثواب اخلليجة،
ويتناوالن عشائهام الفخم جدا عىل ضوء القمر عىل الطاولة اخلليخية الفخمة ،ثم
يرتجالن إىل أسوار الباخرة ،ويقضيان الليل حتى الفجر ضحكا ومرحا ورقصا
وغناء.
كان لفهد وجه آخر طفويل أحبته فيه أمرية ،واندفعت أمرية يف حبها ومشاعرها
تغرقه بكالمها املعسول ،وتردد عليه عبارات احلب بال توقف ،ثم عند ظهور الفجر
كانا يدخالن جناحهام يف الباخرة ،ويتحايل فهد أي حيلة ليدخل أمرية الغرفة ويغلق
- 250 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
عليها الباب حتى الصباح ،ومهام تيقظت حليله كان يغلبها يف آخر األمر ،ففي اليوم
الثاين طلب منها أن جتلب له بعض األشياء من الغرفة ،وحني دخلت أرسع وأغلق
خلفها الباب ،ويف الليلة الثالثة رفضت متاما أن تدخل الغرفة ،وبقيت يف صالة
اجلناح ،وقد قررت أن تشاركه النوم عىل الشيزلونج ،فام كان منه إال أن قال هلا:
خالص ،هدخل أنا جوه وخليكي أنت هنا.ودخل الغرفة ،فدخلت وراءه ،فدفعها وأغلق عليها الباب ،حتى جاءت الليلة
الرابعة ،فتناوال عشاءمها معا كالعادة ،ودخال اجلناح كالعادة ،لكن فهد مل يطالبها
بأن تنام وحدها يف الغرفة ،بل محلها وأدخلها الغرفة ،وهي متحفزة متحسبة ألي
مفاجأة منه حيبسها هبا يف الغرفة وخيرج هو ،لكنه مل يفعل ،بل إنه نام بجوارها،
واحتضنها بقوة مل تعهدها فيه ،وأخذ حيكي هلا تاريخ حياته كله ،وكيف وصل ألن
يصبح لصا ،وهي متعجبة من كالمه ،تنظر نحوه وتسمعه ،وبداخلها إحساس مل
تسرتح له ،لكنها يف حضنه ،وهذا ما كان يكفيها لتسرتيح العمر كله.
وفاجأها فهد وقبلها ألول مرة يف عمر عالقتهام القصرية اجلميلة ،قبلة طويلة
جعلتها تندفع نحوه ،ومتسح بيدهيا عىل ظهره وكتفه وصدره بقوة وحب ،فأمسك
يدها ،وقبل أصابعها واحدا واحدا وقال هلا:
عمري ما هنساكي يا مالك عمري. أنا مصريي ارتبط بيك يا فهد ،أنت بالنسبة يل حبيبي وزوجي كامن.- 251 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
وحركت يدهيا عىل صدره ،فأوقف يدهيا ومحل يدهيا يقبلها من جديد ،وهو
يضحك ويقول:
ال بيص ،أنا حبيبك آه ،مسألة زوجك دي يا ريت نأجلها شوية ،خليناخمطوبني بس ،ومسموح بمسك اإليد والتقبيل وبس.
فضحكا معا ،ونامت يف صدره عمرا من الزمن ال تدري ما هو ،حتى زارها نفس
احللم القديم ،وسقطت يف البئر السحيق ،فأفاقت لتجد نفسها وحدها يف الفراش،
ظنت يف أول األمر أنه يف احلامم ،لكنه مل يكن كذلك ،ذهبت وبحثت يف الرشفة ،لكنه
مل يكن فيها ،فتشت عنه كل أنحاء اجلناح ومل جتده ،فمضت لتفتح الباب وتبحث يف
أنحاء السفينة التي أرشفت عىل دخول امليناء اإليطالية الساحرة ،فوجدت ظرفا
معلقا عىل طرف مقبض باب اجلناح ،فحملته ونظرت فيه ،فوجدته مكتوبا عليه:
إىل مليكتي ،ومالكي وأمرييت ...أمرية.فأخذته وأرسعت تبحث عن فهد ،ولكن زحام الناس وزمحتهم حالت بينها
وبني أن تراه ،طافت املركب كله وسط الزحام ومل جتده ،نادت ورصخت وضاع
صوهتا هباء ،الذي حتول إىل موجة بلعها رمل الشاطئ ،نزلت أمرية من املركب
ضائعة خائفة مهزومة ،ال تدري أين تذهب ،وال من أين جاءت ،وما الذي تفعله،
ومضت خطوات بطيئة نحو اليابسة ،فسمعت من ينادهيا ،فالتفتت فوجدت أباها
وأمها ينتظراهنا ،وقال هلا أبوها:
- 252 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
أمرية حبيبتي ،أخريا اقتنعتي إنك حمتاجة أجازة؟ جاين جوابك ،وما صدقتشإنك عاوزانا نلحق بيكي إليطاليا.
وقالت أمها:
شكلك فعال تعبانة وخمنوقة زي ما كتبتييل ،ما ختافيش يا حبيبتي ،أنا وباباجنبك ،ومش هنسيبك.
واحتضنتها أمها ،فانفجرت أمرية يف البكاء ،ومضت معهام للسيارة املنتظرة عىل
آخر رصيف امليناء ،بعد أن يئست متاما من أن تعثر عىل فهد الذي ذاب يف الزحام،
وانطلقت هبم السيارة بعيدا ،وأمرية حمتضنة جلواب فهد يف يدهيا كأنه آخر فرصة هلا
للحياة ،فتلك الورقة هي اليشء الوحيد الباقي منه.
ووصلت هبم السيارة للفندق الكبري ،ودخلوا غرفهم لالسرتاحة بعد عناء
السفر ،وأرسعت أمامهام حلجرهتا وتركتهام يف حرية من أمرمها ،ثم جلست عىل
الفراش وفضت غالف اخلطاب الطويل ،وأخذت تقبله وتبكي ،ثم فتحته لتقرأ آخر
كالم فهد هلا.
حبيبتي ،ومليكة عمري ،وأمرية أحالمي ،أمريةملا تكوين أنت بتقري اجلواب ده هكون أنا عىل ضهر مركب تاين رايح عىل بلد
تانية ،بس املرة دي ما حتاوليش تعريف هي إيه ،أنا ما قولتش لفتحي عليها علشان ما
تسأليهوش وتعريف منه مكاين.
- 253 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
انسيني يا ملك ،أنت مش خملوقة علشاين ،أنت كتري عليا اوى ،وأنا ألين بحبك
حرمت نفيس من وجودك جنبي ،واخرتت أعيش العمر كله عىل ذكرى األيام
اجلميلة اليل قضيتها معاكي ،أنا عمري ما هنساكي ،وال هحب حد تاين غريك ،لكن
أنت يا عمري الزم حتبي وتعييش ،أنت مالك ،وحقك عىل األرض جنة جتمعك
باملاليكة اليل زيك ،واليل مش ممكن يكون ليا مكان بينهم.
أنا ملا عرفت من فتحي إنك سألتيه عن سفري حسيت إنك جمنونة ،وممكن
تعمليها وتيجي ورايا ،فبعت لوالدك برقية إنه يلحقك عىل ميناء إيطاليا ،وعىل فكرة
أنا كنت شايفك من بعيد جدا ،وما احتركتش وسيبتك إال ملا اتأكدت إنك اجتمعتي
مع أهلك ،واطمنت عليكي معاهم.
الوادع يا عمري ،خدي بالك من نفسك ،وانسيني يا ملكي ،أما أنا فمستحيل إين
أنساكي.
وكانت تلك الكلامت آخر كلامت فهد ألمرية ،وكانت األربعة أيام التي قضتهم
عىل ظهر املركب معه يف اجلناح امللكي هي كل عمر أمرية ،وكل عمر فهد أيضا ،ومل
ينس أحدمها اآلخر ،وأغلقت أمرية عقلها وقلبها عىل فهد ،ووضعت كل طاقتها يف
دراستها وعملها ،حتى خترجت وسافرت جتوب العامل بحثا عن فهد ،بال جدوى،
وكانت يف كل التجمعات حوهلا أو يف مؤمتراهتا الطبية الكثرية الكبرية كانت تلمح
طيفه من بعيد ،وعندما حتاول اللحاق به كان خيتفي متاما دون أن تعرف إن كان طيفه
هذا حقيقة ،وأنه يالحقها أم أنه خيال ،وهي التي تالحقه ،ومل تتزوج أمرية ،وكلام
- 254 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
واجهها أحد باحلديث عن الزواج كانت تقول بأهنا متزوجة بالفعل ،ووفية لذكرى
زوجها ،وعندما يكثر التساؤل والتعجب حول كالمها كانت تقول أنا متزوجة
بالعلم وبالطب ،فاللحاق بآخر تطورات العلم كأنك تالحق فهدا رسيع احلركة
يرسقك من عمرك ،ومن حياتك ،دون أن تدري ،فيضحك اجلميع عىل مزاحها،
وتبكي هي من داخل قلبها ؛ ألنه ليس مزاحا ،وألن فهد قد رسقها فعال من حياهتا،
ثم اختفى ،ومل تستطع اللحاق به ،أما حلمها الذي كان يزورها كل ليلة ،والتي ترى
نفسها تسقط يف البئر فلم يعد يزورها ،وهذا ألن حلمه كان قد فرس بالفعل بعد أن
سقطت األمرية يف البئر وراء فهد.
** متت **
بقلم /غادة العليمي..
- 255 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
الفهرس
املقدمة 7 ..................................... ................................
إهداء 9 ..................................... ................................
القصة األوىل :شقة يف الدور الثالث 11 ........................................
مقدمة 13 .................................... ................................
شقة يف الدور الثالث 14 ...................... ................................
القصة الثانية :ال تلمسوا النجوم 63 ...........................................
مقدمة 65 .................................... ................................
ال تلمسوا النجوم 66 ......................... ................................
القصة الثالثة :حب ..ووعد ..وثأر 133 ......................................
مقدمة 134 .................................. ................................
حب ووعد وثأر 136 ........................ ................................
القصة الرابعة :أربعة أيام يف اجلنة 183 ........................................
مقدمة 185 .................................. ................................
أربعة أيام يف اجلنة 186 ....................... ................................
الفهرس 256 ................................ ................................
- 256 -
أرجوك يا ملكي ،ما تصعبيش األمر عليا وعليكي ،أنت مش ممكن تكونييل،وال أنا أنفع أكون ليكي ،أنا قابلتك النهارده بس علشان أودعك؛ ألين هسافر
كامن كام يوم لبلد بعيد ،أبدأ فيه حياة جديدة ،وعلشان أعلن توبتي قدامك،
وأعرفك إنك سبب يف توبتي ،وإن أجرها عند ربنا من نصيبك أنت وحدك.
- 231 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
بكت أمرية ،وتوسلت إليه أال يرتكها ويسافر ،أو حتى أن خيربها بمكان وميعاد
سفره ،ولكنه مل يقل ،وتركها ترضبه وتدفعه وتبكي وهو ينظر هلا نفس نظرتة الثابتة
الصامتة ،وبعد أن فرغت من صياحها ،وبعد أن آملتها يدها من رضبه ومن دفعها له،
صمتت ،ورفعت عينيها يف عينيه ،فواجهت دموعه املحبوسة يف عمق صفاء عينيه
العسليتني.
ومل تدر أمرية العاقلة بنفسها إال وهي ترمتي يف أحضانه ،فضمها له ،وظال
صامتني ال يدريان كم مر من الوقت عليهام ،مر عليهام دقيقة ،أم ساعة ،أم دهر ،مر
عليهام عمر من احلب ،واحلب ال يمكن أن يقاس بمقياس الزمن ،عمر ال تدري إن
كنت حتيا فيه أم هو الذي حييا فيك ،ومل تفق هي أو هو إال عىل صوت جتمع
الفالحني حوهلام ،وهم يرصخون فيهام ،ويتهموهنام بالفسق والفجور ،فرتكها فهد
وأدار العربة؛ ليبدأ مناورة جديدة بالسيارة املتهالكة مبتعدا عنهم ،وهم يقذفوهنم
بثامر شجرة املانجو التي كانا يتظلالن بظلها ،فالتقط فهد بعض ثمرات املانجو
ووضعها يف حجر أمرية ،وقال:
خدي دول خليهم معاكي دلوقتي نغسلهم وناكلهم.فقالت أمرية ضاحكة والدموع يف عينيها:
- 232 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
واضح فعال إنك توبت عىل إيدي يا فهد.فضحكا معا ،وابتعد بالعربة بعيدا عائدا إىل املدينة الكبرية ،وأرجعها فهد إىل
دارها السكني ،ونزل وفتح هلا باب السيارة ،وقال:
وصلنا يا ملك ،والزم ترجعي للعامل بتاعك.ترددت يف النزول ،ثم نظرت يف عينيه بحزن ،ولكنه هذه املرة مل يطل يف عينيها،
وظل ينظر بعيدا ،متظاهرا بالثبات واإلرصار ،إىل أن تركته ومشت أمامه بخطوات
واهية مرتددة ،وملحها بجنب عينيه تستدير وتنظر نحوه ،فام كان منه إال أن ركب
عربته وانطلق بعيدا عائدا لعامله ،وتاركا هلا عاملها الذي ليس له مكان فيه.
دخلت أمرية غرفتها وهي يف حالة شديدة السوء ،وارمتت عىل فراشها وأخذت
تبكي وتبكي وتبكي ،ثم اعتدلت يف جلستها وكأهنا تذكرت شيئا ،وقلبت يف أرقام
موبايلها ،ثم اسرتاحت لقرار قد اختذته بينها وبني نفسها ،وقامت وأبدلت ثياهبا
وغسلت وجهها ،ودخلت مروة متهللة وقالت ألمرية:
شوفتي يا أمرية؟ الست فاقت وأدلت بأوصاف املجرم وهيمسكوه خالص.فاهتزت أمرية وقالت:
ست مني؟ وجمرم إيه؟- 233 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
الست اليل ورانا ،اليل احلرامية كانوا عاوزين يرسقوا بيتها وخينقوا ابنها ،فاقتودلتهم عىل املجرمني ،الشارع كله مالوش سرية غري املوضوع ده ،والبوليس
كامن قالب الدنيا عليهم وهيجيبهم خالص.
طب والست قالت إيه بالظبط؟ دول كانوا تالتة ،اتنني دخلوا عليها األوضة وواحد كان يف الصالة ،وتصدقيإن إيه ،التالت هو اليل أنقذ حياهتا هي وابنها ،ورضبوه قدامها وهرب ،تصدقي
يا أمرية ممكن يكون التالت ده اليل دخل األوضة عندك هنا؟ ألنه كان متصاب
بردو ،بس حتى الست بتقول إن أوصافه ما شافتهاش كويس ،هو إيه يا خويا
الراجل ده ،سبايدر مان بينط وبيطري وحمدش بيشوفه؟
تنفست أمرية الصعداء ،واكتشفت أن فهد كان معه حق يف نص كالمه ،وأنه ال
بد وأن يسافر بعيدا ،ويبتعد عن هنا ،أما بخصوص نص الكالم اآلخر فقد ظلت
تفكر وتتقلب يف فراشها طول الليل ،ويف الصباح وبعد أن انرصف اجلميع لكلياهتم
جلست أمرية عىل فراشها ،وأمسكت هاتفها ،وطلبت الرقم الذي طلبه فهد من
تليفوهنا باألمس ،وما أن رد عليها الطرف اآلخر حتى اعتدلت يف جلستها وحدثته.
ألو ،أستاذ فتحي؟- 234 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
ألو ،نعم ،األسطى فتحي معاكي يا هانم ،مني معايا؟ أنا ملك ،وعاوزة أشوفك بخصوص صاحبك فهد. أنا ما أعرفش حد باالسم ده. أل حرضتك تعرف ،بأمارة العربية احلمرا املرسوقة اليل دبرهتاله ،والسفريةاليل هو هيسافرها قريب ،ورجب الوحش وصاحبه اليل كانوا هيموتوه ،واليل
أنت نصحته يبعد عنهم ،وهو رفض نصيحتك.
أنت مني بالظبط؟ أنا ملك ،وعاوزة أقابلك النهارده رضوري علشان حاجة مهمة جدا ختصفهد صاحبك ،ويا ريت ما تقولوش ويفضل املوضوع بيننا رس ،وملا هقابلك
هبقى أقولك ليه.
طب وأنا إيه يعرفني إنك مش متسلطة عليا؟ معايا سلسلته الفضة الغالية عليه ،مهسكها يف إيدي وأستناك عند حمطة القطربعد ساعة ،أرجوك ما تتأخرش.
- 235 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
وذهبت أمرية ملقابلة فتحي ،وقضت من الوقت ساعة بصحبته ،ثم عادت،
وقلبت غرفتها رأسا عىل عقب ،وبدأت يف جتهيز شنطة صغرية ،فدخلت عليها
مروة ،وتلفتت يف الغرفة يمينا ويسارا ،وقالت:
ممكن أعرف إيه اليل بيحصل بالظبط؟ هو يف إيه يا أمرية؟ مسافرة بكرة الصبح رضوري.فقالت هلا:
فني؟ هو بعيد الرش ،بابا أو ماما حصل عندهم حاجة؟ ال ،دي سفرية علمية جاين دعوة ليها ،ولقيتها مهمة جد ا لدراستي،فقررت أسافر.
بس أنت عمرك ما عملتيها قبل كده. وأديني عملتها ،وبعدين قولتلك دي سفرية مهمة يل ولدراستي يا مروة،ودلوقتي تصبحي عىل خري.
ومل تنتظر أمرية ردا من مروة ،وأعطتها ظهرها ونامت ،وتركت مروة غارقة يف
حريهتا ،موقنة أن شيئا قد حدث ألمرية غريها متاما ،ورغم تعجبها ،إال أهنا كانت
- 236 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
متعبة ،فبدلت ثياهبا ،وأطفأت نور احلجرة ،ونامت هي األخرى؛ لتستيقظ يف
الصباح ،فال جتد أثرا ألمرية.
خرجت أمرية مع أول خيوط للفجر ،واجتهت إىل رصيف امليناء للحاق بالباخرة
املغادرة إىل شواطئ بالد األناقة والبيتزا واجللد الطبيعي واملكرونة ،مجيلة اجلميالت
إيطاليا ،وكان ألمرية باسبور فيه معظم تأشريات بلدان العامل؛ ألهنا كانت جتوب مع
والدهيا أنحاء العامل حلضور املؤمترات الطبية ،فلم جتد صعوبة مطلقا يف السفر ،فقط
قلة النقود والوقت جعالها حتجز غرفة صغرية يف قاع الباخرة ،ولكنها مل تكن تبايل،
فهي مل تكن تفكر سوى باللحاق بفهد قبل أن تفقده لألبد ،ومنذ أن وطأت قدماها
أرض الباخرة وعيناها الزائغتان تنقبان بتفحص كل ركن وزاوية يف السفينة بحثا
عنه ،ولكنها مل تعثر له عىل أثر ،فدخلت غرفتها متعبة يائسة ،وحصلت عىل ساعتني
من النوم السيئ جدا ،بسبب موقع غرفتها السيئ ،وفراشها األكثر سوءا ،وما أن
حتركت املركب وبدأت رحلتها يف البحر حتى استيقظت جائعة ،وكانت قد مجعت
برسعة وبدون ترتيب مالبسها ،واشرتت بعض احللوى التي ال تثمن وال تغني من
جوع ،فتناولت واحدة ،وبدلت ثياهبا ،وخرجت يف رحلة بحث جديدة ،وطافت
كل الباخرة بحثا ،حتى قتلها اليأس ،وأخذت حتدث نفسها ،أمعقول أن يكون
فتحي كذب عليها؟ غري معقول ،فقد كان صادقا جدا يف كالمه ،حتى أنه قد أقسم
- 237 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
هلا أن هلم صديقا سيهربه مع البضاعة املخزنة يف الباخرة ،فلمعت فكرة يف ذهنها،
ونادت أمرية عىل عامل من عامل النظافة عىل سطح املركب وسألته:
أين ختزن البضاعة واألشياء التي تشحن؟فأشار هلا عىل قاع املركب:
طب واحلاجات دي بينزلوهلا منني؟ ال ،ده ممنوع ،ما بيسمحوش حلد بالنزول أبدا. طب ممكن تساعدين؟ ما أقدرش يا هانم ،صدقيني.فرتجته حتى كادت تبكي أمامه ،فقال:
صدقيني ما ينفعش ،ثم إن املخزن حتت ما فيهوش مكان حتطي رجلك فيه،ولو دخلتي هتتخنقي ،حرضتك عاوزة إيه بالظبط وأنا أعملهولك من غري ما
تتعبي نفسك؟
فشكرته ومضت يائسة ،ودخلت غرفتها تتأمل من اجلوع ومن خيبة األمل ،ورغم
تعبها ،إال أهنا فكرت أنه لو كان عىل املركب فلن يفكر يف أن يتحرك قبل منتصف
الليل ،وعزمت عىل البحث عنه يف آخر الليل ،وأرخت جسدها ساعتني أخريني من
- 238 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
النوم السيئ ،ثم قامت ونظرت يف ساعتها ،وأخذت جتوب السفينة من جديد يف
جولة البحث عن حبيبها املفقود ،ومل جتد شيئا أبدا ،فعادت جتر رجليها حزينة،
وأخذت حتدث رهبا وتدعوه أن جيمعها بفهد ،وبكت وبكت إىل أن سقطت جالسة
متكأة بظهرها عىل القائم الذي تعلق فيه قوارب النجاة ،وما أن أغمضت عينيها
يائسة تدعو اهلل وتتمنى لو أهنا تفتح عينيها فتجده أمامها ،حتى هبط عليها فهد من
السامء ،ووقع أمامها مبارشة ،فلم تصدق نفسها ،وأخذت ترصخ من الفرحة،
وتعانقه وهي تقفز ،وهو هيدئها وينبهها بأال جتمع حوله املارة ،وال تلفت االنتباه،
ولكن دون جدوى ،حتى اضطر أن يكتم أنفاسها حتى هتدأ ،فانتبهت أخريا لنفسها،
وبدأت متأل عينيها منه ،غري مصدقة أنه أمامها بعد أن فقدت األمل متاما يف العثور
عليه ،وقالت:
وحشتني اوى يا فهد ،وكنت خايفة ما أشوفكش تاين ،ده أنا دعيت ربنا وربناسمع مني ،أال هو أنت نزلت منني؟
شوفتي قوارب النجاة دي؟ كنت مستخبي يف واحد منهم ،ومستني حلد ماالرجل ختف وأنزل أفرد طويل ،جسمي اتدغدغ من النومة الزفت دي ،كنت
حاسس إن أنا سلموناية يف علبة رسدين.
- 239 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
فضحكت أمرية من كالمه وقالت:
مش فارق كتري عن رسيري ،املهم إن احنا مع بعض دلوقتي ،يال تعاىل معايا. آجي فني؟ أنت اليل هتيجي معايا ،وهسكنك يف أحسن حتة عىل املركب. ازاي يعني؟ طول النهار ناس راحية وجاية حتكي يف كالم ،وأنا عرفت إن أفخم أوضة عىلالباخرة فاضية.
ازاي يعني؟فسحبها من يدها وقال:
ازاي دي نبقى نقوهلا بعدين ،دلوقتي ورانا شغل ،يال تعايل ورايا من سكات.ومىض هبا عىل أطراف أصابعهام حتى وصال آخر الرواق ،فقال فهد ألمرية:
دلوقتي بقى تقفي تستنيني هنا ،ولو حد قرب تبقي تكحي بصوت عايل. هتعمل إيه يا فهد؟ -هسكنك يف أحسن غرفة يف الباخرة ،بس أنت استني هنا.
- 240 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
وتسحب عىل أطراف أصابعه ،وغاب ،فأخذت أمرية تتلفت حوهلا خائفة ،حتى
عاد فهد وجذهبا من يدها من جديد ،وصعدا حتى آخر طابق عىل سطع الباخرة،
فمىض هبا إىل قمرة يف منتصف الباخرة ،واخرج من جيبة اآلي دي املمغنط ،مفتاح
املاسرت كي ،الذي يفتح كل األبواب الذي رسقه لتوه من غرفة النظافة ،وفتح
الغرفة ،وانحنى يستقبل أمرية ويقول:
اتفضيل ،جناحك يا سمو األمرية.دخلت أمرية اجلناح تضحك:
فهد ،أنت رجعت للرسقة تاين؟ دي اسمها استعارة ،هنستعري األوضة أربعة أيام ،وبعدين هنسيبهاألصحاهبا؛ ألين مش ناوي آخدها يف جيبي وأنا نازل ،وال هو أنت عاوزاين
أرجع أنام يف علبة الرسدين تان والرباح واالنرشاح ده كله موجود؟
ولو جم أصحاب األوضة هنعمل إيه؟ ال اطمني ،أصحاب األوضة الشيخة فاطمة والشيخ نواف اختانقوا عىلرصيف املينا ورجعوا بلدهم دلوقتي ،بعد ما طلعوا شنطهم ولوازمهم اهلل
يسرتهم يعني سكن ولبس.
- 241 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
طب وأنت عرفت منني؟فحكى فهد ألمرية القصة كام سمعها وقال هلا:
سمعت وأنا نايم مزنوق يف القارب اتنني بيتكلموا عن اخلناقة الكبرية اليلحصلت بني سمو األمري الشيخ نواف ومراته الشيخة فاطمة ،أول ما دخلوا
املركب ،وازاي زعلوا مع بعض ،وطلبت منه الطالق ،وسابته وسابت املركب
ورجعت ،وراح وراها علشان يصاحلها بعد ما كانوا طلعوا شنطهم وحاجاهتم،
واتفضىل بقى ادخيل وما تفضيحناش.
فدخلت احلجرة ،منبهرة من فخامتها ومجاهلا ،أما فهد فأخذ يفك أزرار قميصه،
فعضت أمرية عىل شفتيها وقالت:
إيه ده؟ هو أنت هتعمل إيه يا فهد؟ وال حاجة ،هدخل آخد دوش قبل ما أنتحر من احلر والعرق ده ،أنا كنتقربت أصدق إين رسديناية خمللة من النومة املهببة اليل كنت نايمها يف املركب.
ومد يديه وفتح حقيبة الشيخ نواف ،وأخرج منها مالبس ومىض هبا إىل احلامم،
أما أمرية فمضت وفتحت رشفة الغرفة التي تطل عىل البحر ،وكان القمر مرتبعا
عىل عرشه الفيض األسطوري يف السامء ،ونسائم البحر تداعب شعرها،
- 242 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
فاستنشقت أمرية هواء البحر ،وأخذت نفسا عميقا طويال ،ورسحت بعيدا
بعيدا بخياهلا ،ال تدري كم من الوقت مر عليها حتى جاء فهد من خلفها،
وأيقظ تأمالهتا ،وقال:
نواف يف خدمتك يا سمو األمرية.فالتفتت نحوه وانفجرت من الضحك ،فقد كان جلباب الشيخ نواف كبريا جدا
عليه ،كان أكرب من مقاسه بمقاسني آخرين ،وظهر وكأنه يعوم يف اجللباب،
ورابطة شامخه موضوعة عىل رأسه بطريقة مضحكة .وقالت أمرية:
أكيد ده مش شكل أمري خالص ،ولو شافك نواف كان قتلك ،مش علشانرسقت هدومه ال ،علشان هتبوظ سمعته وسمعة كل األمرا اليل يف الدنيا يا
شيخ نواف.
وضحكت ،لكنه مل يضحك ،واقرتب منها وقال:
أما أنت فأمجل أمرية ملكتي أنا ،وأمرية أحالمي ،وملكة قلبي ،وداعبخصالت شعرها وهو ينظر لعينيها ،فارتبكت وارجتفت بني يديه ،لكنها مل تدفعه
حني تقدم ،وعانقها حتت ضوء القمر معانقة طويلة ،متنيا معا لو طالت املعانقة آلخر
- 243 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
عمرمها ،ونامت أمرية يف صدره صامتة مغمضة العينني وكأهنا تستمع ألرسار قلبه،
وداعب هو خصالت شعرها وهو يكرر كلمة واحدة وحيدة:
أحبك ،وأحب الدنيا ألنك فيها ،أحبك يا أمرية عمري وأحالمي.وفجأة ابتعدت أمرية عنه ،وفاجأته وأربكته وقالت بمنتهى البساطة:
يال نتجوز يا فهد. إيه اليل أنت بتقوليه ده؟ ال طبعا ،أنت عاوزة تتجوزي حرامي يا دكتورة؟! أنا عاوزة أجتوز الراجل اليل حبيته وهفضل أحبه. األمور ما بتتحسبش كده يا حبيبتي ،بنت الدكتور والدكتورة واحلسبوالنسب والشهادة العالية الزم تاخد واحد من مستواها ،مش واحد حرامي.
أنا موافقة عىل احلرامي ،وبحب احلرامي ،أنا بحبك يا فهد ،صدقني بحبك.فضحك فهد وقال هلا:
ده أنت حتى ما تعرفيش اسمي ،أنا اسمي...وقبل أن ينطق حرفا دق الباب أحدهم وقال:
سمو األمري ،املطعم بيسأل حتبوا تتعشوا إيه؟- 244 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
فرد فهد متقمصا الشخصية العربية وقال:
إيش عندكم طعام لليوم يا ولد؟ جهزنا أكل خليجي لسموك.ثم ذكر له أسامء مأكوالت كثرية مل يفهمها فهد ،ونظر ألمرية ،فرفعت كتفيها،
ومدت شفتيها ،نفيا وعدم فهم:
أنا أبغي كل أطباق اللحمة تبعكم.فرضبته أمرية يف صدره وقالت:
أنا ما بحبش اللحمة.فقال له:
زين ،هات مع اللحم كل أطباق الدجاج انذوقها ،وسوييل وليمة عىل سطحاملركب علشان أبغي أشم اهلوا ،وما بحب كتمة املطاعم هادي.
أنت تؤمر يا أفندم.وانرصف اخلادم ،والتفت فهد ألمرية وقال:
- 245 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
دلوقتي تطلعي من الشنطة هدوم لألمرية فاطمة وتلبسيها ،علشان نطلعنتعشى.
ال طبعا ،أنا مش ممكن أعمل كده ،أرسق هدوم؟ هي حصلت؟ خالص خليكي هنا ،وأنا هطلع أتعشى وأرجعلك. ال طبعا ،أنا ميتة من اجلوع ،بس بردو مش هرسق هدوم. يا بنتي دي اسمها استعارة ،مش رسقة.ومد يديه وفتح حقيبة الشيخة فاطمة ،وأخرج هلا عباءة خليجية وفوطة،
وقال هلا:
هستناكي عرش دقايق تاخدي محام ونروح نتعشى ،وإال هروح لوحديوأسيبك هنا ،ها؟ قولتي إيه؟
أنا مش هعمل كده أبدا.فنظر فهد يف ساعته وقال:
فاتت دقيقة وباقي تسع دقايق. أنا عمري ما لبست هدوم حد.- 246 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
زمان الطاولة جاهزة واألكل سخن ،فات متن دقايق ،دلوقتي فات سبعدقايق ،بقوا ست دقايق.
خالص يا ساعة بج بن ،خالص ،بطل توترين لو سمحت.ومدت أمرية يدها برتدد ،وأخذت املالبس ،ومضت إىل محام اجلناح ،وأخذت
محاما دافئا ،وعادت أمرية ..أمرية حقيقية اسام ومعنى ،وعىل ظهر الباخرة جلس
احلبيبان يف ثوهبام اخلليجي يتناوالن العشاء عىل ضوء خيوط القمر ،وعىل أنغام
موسيقى املوج ،أكال وأكال حتى شبعا ،ثم مد إليها يديه ومىض هبا لسور الباخرة،
ووضع يده عىل كتفها وقال:
أشهد البحر والليل والقمر بأنك حبيبتي إىل آخر العمر ،وأين لن أحب أحدابعدك أبدا.
فقالت:
وأنا أشهد البحر والليل والقمر ،ومن قبلهم اهلل سبحانه وتعاىل بأين زوجتكنفيس ،وأين ملكك وحدك آلخر العمر ،وأين لن يشاركك ييف أحد أبدا.
- 247 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
فقبل يدهيا ،ونظر طويال يف عينيها ،وجابا معا كل أنحاء املركب سريا ،طلوعا
ونزوال ،إىل أن ظهرت أول بواكري الفجر ،فأخذها جلناحهام ليسرتحيا من عناء
يومهام ،فأدخلها وخلع شامخه ورماه بعيدا وقال هلا:
هنام هنا عىل الشيزلونج ده وأنت يف أوضة النوم ،تصبحي عىل خري.فنظرت له طويال وقالت:
ال أنا أشهدت اهلل عىل إنك زوجي وهنام معاك يف حضنك يا زوجي العزيز.فارتبك فهد وقال:
ال أنت شكلك بدأيت تتهوري ،وكده ما ينفعش خالص. أنا ما هبزرش عىل فكرة. وال أنا هبزر ،ويف حاجات ما ينفعش فيها هزار خالص ،اتفضيل يا أمرية عىلأوضتك علشان تنامي ،وسيبيني أنا كامن أنام.
وأنا مش هنام غري جنبك ،ومعاك ،ويف حضنك. أنت فامهة غلط؛ ألننا مش هنبقى لوحدنا ،يف شيطان صغنون بس بيقولواعليه شاطر قوي هييجي يتحرش يف وسطنا ،وأنا الرصاحة بخاف من الشياطني،
فخيش نامي وخيل الليلة دي تعدي عىل خري.
وأنا مش هنام غري معاك يافهد.- 248 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
أنا بدأت أفقد أعصايب ،اهلل ال يسيئك خيش أوضتك وتصبحي عىل خري. مش داخلة يا فهد قولتلك.فحملها فهد وأدخلها الغرفة ،ورماها عىل الفراش ،وخرج برسعة ،وأغلق وراءه
الباب باملفتاح ،وقال هلا:
تصبحي عىل خري يا أمرية ،والصباح رباح.فصاحت أمرية من خلف الباب صارخة فيه ،العنة أجداده ،فقال هلا:
خدي بالك لو حد عرف إننا مش فاطمة ونواف هييجوا يرمونا يف البحر،وننام يف بطن احلوت ،اختمدي نامي يا أمرية ،وتصبحي عىل خري.
فبكت وقالت:
فهد أنا بحبك وعاوزة..فقاطعها فهد:
أكيد عاوزة تدخيل احلامم بعد العشوة التقيلة دي ،عندك محام يف األوضة عىلفكرة ،ومناديل وصابون وسافون ومية ساقعة وسخنة.
فضحكت أمرية من كالمه وقالت:
إيه القرف ده؟ أفكارك زبالة يا فهد؟فرد فهد يف رسه:
- 249 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
أنا بردو يا أمرية؟ روحي منك هلل ،صحصحتيني وفرهدتيني ،عىل اهلل أعرفأنام بعد اليل أنت قولتيه ده ،روحي منك هلل.
فقالت:
بتقول حاجة يا فهد؟فرد عليها:
بقولك اختمدي بقى تصبحي عىل خري.وقضت أمرية وفهد أربعة أيام يف اجلنة ،يمشيان معا ،يأكالن معا ،يضحكان معا،
وينظران للقمر ،وحيدثان البحر ،ويطوفان املركب كلها يوميا سريا وجريا ،وأحيانا
أخرى كان حيملها فهد عىل يديه ،وعندما يستمع إىل املوسيقى الصادرة من كافيرتيا
الباخرة كان جيذهبا من يدها ويراقصها ويضحكان معا ،حتى أثارا إعجاب ولفتا
انتباه كل من رآمها عىل سطع الباخرة ،ويف املساء كانا يرتديان األثواب اخلليجة،
ويتناوالن عشائهام الفخم جدا عىل ضوء القمر عىل الطاولة اخلليخية الفخمة ،ثم
يرتجالن إىل أسوار الباخرة ،ويقضيان الليل حتى الفجر ضحكا ومرحا ورقصا
وغناء.
كان لفهد وجه آخر طفويل أحبته فيه أمرية ،واندفعت أمرية يف حبها ومشاعرها
تغرقه بكالمها املعسول ،وتردد عليه عبارات احلب بال توقف ،ثم عند ظهور الفجر
كانا يدخالن جناحهام يف الباخرة ،ويتحايل فهد أي حيلة ليدخل أمرية الغرفة ويغلق
- 250 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
عليها الباب حتى الصباح ،ومهام تيقظت حليله كان يغلبها يف آخر األمر ،ففي اليوم
الثاين طلب منها أن جتلب له بعض األشياء من الغرفة ،وحني دخلت أرسع وأغلق
خلفها الباب ،ويف الليلة الثالثة رفضت متاما أن تدخل الغرفة ،وبقيت يف صالة
اجلناح ،وقد قررت أن تشاركه النوم عىل الشيزلونج ،فام كان منه إال أن قال هلا:
خالص ،هدخل أنا جوه وخليكي أنت هنا.ودخل الغرفة ،فدخلت وراءه ،فدفعها وأغلق عليها الباب ،حتى جاءت الليلة
الرابعة ،فتناوال عشاءمها معا كالعادة ،ودخال اجلناح كالعادة ،لكن فهد مل يطالبها
بأن تنام وحدها يف الغرفة ،بل محلها وأدخلها الغرفة ،وهي متحفزة متحسبة ألي
مفاجأة منه حيبسها هبا يف الغرفة وخيرج هو ،لكنه مل يفعل ،بل إنه نام بجوارها،
واحتضنها بقوة مل تعهدها فيه ،وأخذ حيكي هلا تاريخ حياته كله ،وكيف وصل ألن
يصبح لصا ،وهي متعجبة من كالمه ،تنظر نحوه وتسمعه ،وبداخلها إحساس مل
تسرتح له ،لكنها يف حضنه ،وهذا ما كان يكفيها لتسرتيح العمر كله.
وفاجأها فهد وقبلها ألول مرة يف عمر عالقتهام القصرية اجلميلة ،قبلة طويلة
جعلتها تندفع نحوه ،ومتسح بيدهيا عىل ظهره وكتفه وصدره بقوة وحب ،فأمسك
يدها ،وقبل أصابعها واحدا واحدا وقال هلا:
عمري ما هنساكي يا مالك عمري. أنا مصريي ارتبط بيك يا فهد ،أنت بالنسبة يل حبيبي وزوجي كامن.- 251 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
وحركت يدهيا عىل صدره ،فأوقف يدهيا ومحل يدهيا يقبلها من جديد ،وهو
يضحك ويقول:
ال بيص ،أنا حبيبك آه ،مسألة زوجك دي يا ريت نأجلها شوية ،خليناخمطوبني بس ،ومسموح بمسك اإليد والتقبيل وبس.
فضحكا معا ،ونامت يف صدره عمرا من الزمن ال تدري ما هو ،حتى زارها نفس
احللم القديم ،وسقطت يف البئر السحيق ،فأفاقت لتجد نفسها وحدها يف الفراش،
ظنت يف أول األمر أنه يف احلامم ،لكنه مل يكن كذلك ،ذهبت وبحثت يف الرشفة ،لكنه
مل يكن فيها ،فتشت عنه كل أنحاء اجلناح ومل جتده ،فمضت لتفتح الباب وتبحث يف
أنحاء السفينة التي أرشفت عىل دخول امليناء اإليطالية الساحرة ،فوجدت ظرفا
معلقا عىل طرف مقبض باب اجلناح ،فحملته ونظرت فيه ،فوجدته مكتوبا عليه:
إىل مليكتي ،ومالكي وأمرييت ...أمرية.فأخذته وأرسعت تبحث عن فهد ،ولكن زحام الناس وزمحتهم حالت بينها
وبني أن تراه ،طافت املركب كله وسط الزحام ومل جتده ،نادت ورصخت وضاع
صوهتا هباء ،الذي حتول إىل موجة بلعها رمل الشاطئ ،نزلت أمرية من املركب
ضائعة خائفة مهزومة ،ال تدري أين تذهب ،وال من أين جاءت ،وما الذي تفعله،
ومضت خطوات بطيئة نحو اليابسة ،فسمعت من ينادهيا ،فالتفتت فوجدت أباها
وأمها ينتظراهنا ،وقال هلا أبوها:
- 252 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
أمرية حبيبتي ،أخريا اقتنعتي إنك حمتاجة أجازة؟ جاين جوابك ،وما صدقتشإنك عاوزانا نلحق بيكي إليطاليا.
وقالت أمها:
شكلك فعال تعبانة وخمنوقة زي ما كتبتييل ،ما ختافيش يا حبيبتي ،أنا وباباجنبك ،ومش هنسيبك.
واحتضنتها أمها ،فانفجرت أمرية يف البكاء ،ومضت معهام للسيارة املنتظرة عىل
آخر رصيف امليناء ،بعد أن يئست متاما من أن تعثر عىل فهد الذي ذاب يف الزحام،
وانطلقت هبم السيارة بعيدا ،وأمرية حمتضنة جلواب فهد يف يدهيا كأنه آخر فرصة هلا
للحياة ،فتلك الورقة هي اليشء الوحيد الباقي منه.
ووصلت هبم السيارة للفندق الكبري ،ودخلوا غرفهم لالسرتاحة بعد عناء
السفر ،وأرسعت أمامهام حلجرهتا وتركتهام يف حرية من أمرمها ،ثم جلست عىل
الفراش وفضت غالف اخلطاب الطويل ،وأخذت تقبله وتبكي ،ثم فتحته لتقرأ آخر
كالم فهد هلا.
حبيبتي ،ومليكة عمري ،وأمرية أحالمي ،أمريةملا تكوين أنت بتقري اجلواب ده هكون أنا عىل ضهر مركب تاين رايح عىل بلد
تانية ،بس املرة دي ما حتاوليش تعريف هي إيه ،أنا ما قولتش لفتحي عليها علشان ما
تسأليهوش وتعريف منه مكاين.
- 253 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
انسيني يا ملك ،أنت مش خملوقة علشاين ،أنت كتري عليا اوى ،وأنا ألين بحبك
حرمت نفيس من وجودك جنبي ،واخرتت أعيش العمر كله عىل ذكرى األيام
اجلميلة اليل قضيتها معاكي ،أنا عمري ما هنساكي ،وال هحب حد تاين غريك ،لكن
أنت يا عمري الزم حتبي وتعييش ،أنت مالك ،وحقك عىل األرض جنة جتمعك
باملاليكة اليل زيك ،واليل مش ممكن يكون ليا مكان بينهم.
أنا ملا عرفت من فتحي إنك سألتيه عن سفري حسيت إنك جمنونة ،وممكن
تعمليها وتيجي ورايا ،فبعت لوالدك برقية إنه يلحقك عىل ميناء إيطاليا ،وعىل فكرة
أنا كنت شايفك من بعيد جدا ،وما احتركتش وسيبتك إال ملا اتأكدت إنك اجتمعتي
مع أهلك ،واطمنت عليكي معاهم.
الوادع يا عمري ،خدي بالك من نفسك ،وانسيني يا ملكي ،أما أنا فمستحيل إين
أنساكي.
وكانت تلك الكلامت آخر كلامت فهد ألمرية ،وكانت األربعة أيام التي قضتهم
عىل ظهر املركب معه يف اجلناح امللكي هي كل عمر أمرية ،وكل عمر فهد أيضا ،ومل
ينس أحدمها اآلخر ،وأغلقت أمرية عقلها وقلبها عىل فهد ،ووضعت كل طاقتها يف
دراستها وعملها ،حتى خترجت وسافرت جتوب العامل بحثا عن فهد ،بال جدوى،
وكانت يف كل التجمعات حوهلا أو يف مؤمتراهتا الطبية الكثرية الكبرية كانت تلمح
طيفه من بعيد ،وعندما حتاول اللحاق به كان خيتفي متاما دون أن تعرف إن كان طيفه
هذا حقيقة ،وأنه يالحقها أم أنه خيال ،وهي التي تالحقه ،ومل تتزوج أمرية ،وكلام
- 254 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
واجهها أحد باحلديث عن الزواج كانت تقول بأهنا متزوجة بالفعل ،ووفية لذكرى
زوجها ،وعندما يكثر التساؤل والتعجب حول كالمها كانت تقول أنا متزوجة
بالعلم وبالطب ،فاللحاق بآخر تطورات العلم كأنك تالحق فهدا رسيع احلركة
يرسقك من عمرك ،ومن حياتك ،دون أن تدري ،فيضحك اجلميع عىل مزاحها،
وتبكي هي من داخل قلبها ؛ ألنه ليس مزاحا ،وألن فهد قد رسقها فعال من حياهتا،
ثم اختفى ،ومل تستطع اللحاق به ،أما حلمها الذي كان يزورها كل ليلة ،والتي ترى
نفسها تسقط يف البئر فلم يعد يزورها ،وهذا ألن حلمه كان قد فرس بالفعل بعد أن
سقطت األمرية يف البئر وراء فهد.
** متت **
بقلم /غادة العليمي..
- 255 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
الفهرس
املقدمة 7 ..................................... ................................
إهداء 9 ..................................... ................................
القصة األوىل :شقة يف الدور الثالث 11 ........................................
مقدمة 13 .................................... ................................
شقة يف الدور الثالث 14 ...................... ................................
القصة الثانية :ال تلمسوا النجوم 63 ...........................................
مقدمة 65 .................................... ................................
ال تلمسوا النجوم 66 ......................... ................................
القصة الثالثة :حب ..ووعد ..وثأر 133 ......................................
مقدمة 134 .................................. ................................
حب ووعد وثأر 136 ........................ ................................
القصة الرابعة :أربعة أيام يف اجلنة 183 ........................................
مقدمة 185 .................................. ................................
أربعة أيام يف اجلنة 186 ....................... ................................
الفهرس 256 ................................ ................................
- 256 -