‫ ممكن تسيبني أنا أكمل التحقيق لو سمحت؟ دي مش طريقة شغل‪.‬‬‫ وأنت بقى اليل هتعلمني شغيل يا آرس باشا؟‬‫واشتبكا معا يف مشادة كالمية تدخل فيها صديقهم الثالث أمحد؛ ليفضها وجيذهبم‬
‫بعيدا عن التخشيبة ومن فيها‪ ،‬فخرج آرس غاضبا‪ ،‬وهدد طارق أن يصعد األمر لو مل‬
‫يتوقف طارق عن طريقته تلك‪ ،‬فقال له طارق‪:‬‬
‫ حتى ولو طريقتي دي خلتهم يتكلموا ويقولوا مني اليل حرضهم عىل كده‬‫واليل وراهم؟ وراهم مجعية حقوقية مشبوهة اسمها «حقي»‪.‬‬
‫انتبه آرس لالسم وقال‪:‬‬
‫ وأنت ناوي تعمل معاهم إيه يا طارق دلوقتي؟‬‫ هكتب حمرض بأقواهلم وأحوهلم للنيابة حتقق يف مجعية «حقي» دي ملا نشوف‬‫حكاياهتا هي األخرى‪ ،‬جتهم كرس حقهم كلهم‪ ،‬قرفونا يف عيشتنا‪ ،‬ال عارفني‬
‫ناخد أجازة وال قادرين نعيش زي الناس‪ ،‬حاجة تقرف‪.‬‬
‫فقال أمحد‪:‬‬

‫‪- 167 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ أسيبكم بقى تقرفوا براحتكم‪ ،‬وتكتبوا حمرضكم‪ ،‬وتنفخوا مساجينكم‪،‬‬‫وأروح أنا البني حبيبي آرس‪ ،‬حبيب قلبي أقعد جنبه شوية أحسن واحشني‬
‫موت‪ ،‬وزماين وحشته أنا كامن‪.‬‬
‫ يا ابني أنت من ساعة ما خلفت بقيت تزوغ كتري‪ ،‬وما عدناش بنشوف وشك‬‫إال شبح يف القسم‪ ،‬هو أنت شغال معانا وال شغال دادة للواد وأمه؟ وال‬
‫ظروفك إيه بالظبط؟‬
‫ اعذرين يا آرس‪ ،‬الواد ابني جه بعد سنني عذاب‪ ،‬ومش مصدق إنه بقى حقيقة‬‫قدامي‪ ،‬والزم كل شوية أطل يف وشه علشان أتاكد‪.‬‬
‫فضحك آرس وقال‪ :‬خالص روح اتاكد‪ ،‬بس انجز‪ ،‬مش هنقيض احلياة كلها‬
‫تأكيد يا أبو آرس‪.‬‬
‫فقال هلم طارق‪:‬‬
‫ وطبعا أنت متكيف وسعيد إنه سمى الواد عىل اسمك‪ ،‬علشان كده بتغطي‬‫عليه‪ ،‬لكن أنا نايبني من وراكم أنتم االتنني إيه غري واحد عاميل فيها مالك‬
‫الرمحة‪ ،‬األم تريز‪ ،‬ومش سايبني أشوف شغيل من غري خناق وزعيق كل شوية‪،‬‬
‫والتاين بعد ما خلف بقى الدادة أمحد دودي‪ ،‬وسايب شغل القسم كله عىل‬
‫دماغي وقاعديل جنب الواد وأمه‪.‬‬

‫‪- 168 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫وضحك الثالثة معا‪ ،‬وأهنى آرس نوبته يف عمله‪ ،‬وعاد لبيته‪ ،‬فوجد ألف رسالة‬
‫من منة تعتذر فيها‪ ،‬وتؤكد له صدق معلوماته التي قاهلا عن مجعيتها املزعومة‪ ،‬وتعده‬
‫بالتوقف عن نشاط اجلمعية وتركها يف أقرب وقت‪ ،‬فدخل معها يف الشات‪ ،‬وهنأها‬
‫عىل قرارها‪ ،‬وأخذ رقم تليفوهنا‪ ،‬وقىض الليل حيادثها‪ ،‬وكالمها سعيد حملق فوق‬
‫سامء الدنيا‪ ،‬وأول ما فعله يف الغد أن مر عليها‪ ،‬وركبت معه يف سيارته‪ ،‬وانطلقا معا‬
‫بعيدا عن زحام القاهرة إىل إحدى قرى العني السخنة الساحرة بعد أن استأذن‬
‫صديقه أبو آرس كام يلقبه أن يغطي مكانه لليوم فقط‪.‬‬
‫وأخذها من يدها حيث اجلبل حيتضن البحر يف أمجل بقعة ساحرة عىل خريطة‬
‫مرص املحروسة يف مدينة السويس اجلميلة الباسلة‪ ،‬وقىض يوما مجيال معها أمام‬
‫البحر‪ ،‬وتناوال السمك السوييس واجلمربي اجلامبو‪ ،‬وأطال عىل املكان الرائع‪ ،‬وظال‬
‫يتجاذبان أطراف حديث عام حتى أوشكت الشمس عىل الغروب‪ ،‬فأخذها من‬
‫يدها وخلعا حذاءهيام؛ لتقبل قدمامها رمال الشاطئ‪ ،‬ومياه أمواج البحر يف ليلة شتاء‬
‫دافئة ساحرة‪ ،‬ومد آرس يده‪ ،‬ووضعها عىل كتف منة حبيبته‪ ،‬واحتضنها بقلبه ويديه‬
‫وعينيه‪ ،‬وقال هلا كلمته التي مل خترج ألنثى قبلها‪ ،‬وهو ينظر يف عينيها اجلريئة التي‬
‫أرسته من أول نظرة‪ ،‬وهو اآلرس لقلوب الفتيات‪ ،‬قاهلا هبمس أذاب يف صوته كل‬
‫شوق سنينه الضائعة قبلها يف البحث عنها‪ ،‬ضمها من كتفيها‪ ،‬وقال هلا‪:‬‬
‫‪ -‬بحبك يا منة‪.‬‬

‫‪- 169 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫فلم ترتدد منة‪ ،‬وبادلته الكلمة الساحرة التي خترتق القلوب‪ ،‬واآلذان‪ ،‬واألرواح‬
‫أيضا‪ ،‬وتشجع آرس‪ ،‬وأخذ قراره املؤجل ألعوام طويلة مرت من عمره الشاب‬
‫الفتي‪ ،‬وطالبها بالزواج‪ ،‬فأنزلت منة يده من عىل كتفها‪ ،‬واجتهت بعينيها بعيدا عن‬
‫البحر‪ ،‬حتى استقرت يف قلب اليابسة‪ ،‬ومضت وجلست عىل صخرة من صخور‬
‫الشاطئ‪ ،‬فمىض نحوها آرس متعجبا‪ ،‬من تغري حاهلا املفاجئ‪ ،‬وما أن تقدم منها‬
‫وأمسك يدها من جديد حتى سحبت يدها من بني يديه وقالت‪:‬‬
‫ اعذرين يا آرس؛ ألين ال أستطيع قبول طلبك‪ ،‬فبيني وبينك عهد ودم ‪.‬‬‫فصمت آرس‪ ،‬وأخذ ينظر يف عينها متعجبا مستفرسا‪ ،‬باحثا عن إجابة لسؤال سأله‬
‫بعينيه‪ ،‬فأجابت سؤاله الذي مل يسأله‪:‬‬
‫ ألين بيني وبينك دم فادي زمييل وحبيبي‪ ،‬سقط قدامي اليوم املشهود له‬‫بالغضب‪ ،‬كان يوم مجعة‪ ،‬وخرجنا مع بعض نطالب بعيش وكرامة ألهلنا‪ ،‬وحرية‬
‫لبلدنا‪ ،‬مكناش نقصد شغب أو تدمري‪ ،‬كل قصدنا كان إننا نعرب عن غضبنا من سوء‬
‫األوضاع‪ ،‬ونمثل أهلنا اليل ضهرهم انحنى من الفساد وسوء احلال‪.‬‬
‫واسرتسلت منة يف الكالم وقالت‪:‬‬
‫ كان فادي شاب بسيط مكافح‪ ،‬لكنه كان متفائل متحمس‪ ،‬شايف دايام بكرة‬‫أحىل‪ ،‬حبيبت فيه شجاعته وابتسامته‪ ،‬كان بيشع هبجة وطاقة ونور يف قلوب كل اليل‬
‫يعرفوه‪ ،‬وىف كل مكان يروحوا‪ ،‬اتعلمت منه كل حاجة حلوة؛ ألن كنت وحيدة يف‬
‫‪- 170 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫وسط أهل مشغولني دايام عني‪ ،‬أب حياته شغله وسفره وعالقاته النسائية‪ ،‬رغم‬
‫بساطة حاله‪ ،‬وأم سابتني وأنا صغرية يف حضن جدة سجنها املرض يف رسيرها من‬
‫زمان‪ ،‬واجتوزت وشافت حياهتا بعيد عني ونسيتني‪ ،‬لكني كنت طموحة‪ ،‬وعمري‬
‫ما استسلمت لوحديت ولظرويف‪ ،‬وبقيت أشتغل يف أجازة الصيف ويف الشتا كامن‬
‫بعد الدراسة‪ ،‬علشان أصنع لنفيس حيايت وأستقل ماديا بنفيس‪ ،‬وما أحتاجش حلد‪،‬‬
‫واتعرفت عليه‪ ،‬كنا بنشتغل جرسونات يف كافترييا كبرية‪ ،‬وكنا بنقسم البقشيش بيننا‪،‬‬
‫حبيته وحبني‪ ،‬كان بيهاديني كل مناسبة صورة لعقد أملاظ كان هيجبهويل لو كان‬
‫معاه متنه‪ ،‬أو صورة عربية فخمة ويقول يل أصلها حمجوزة يف امليناء ملا أدبر متن‬
‫مجركها هتكون عندك عىل طول‪ ،‬أو فيال فخمة كبرية بس األرض عليها مشاكل ملا‬
‫تتحل هيبنيها ليا‪.‬‬
‫ومسحت دموعها الغزيرة وهي تكمل قصة وعدها لفادي بكاء‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫ كان حبيبي‪ ،‬وصاحبي‪ ،‬وأهيل‪ ،‬عمري ما اتصورت إن قلبي يدق حلد بعده‬‫أبدا‪ ،‬علمني ازاي أصرب وأجاهد يف سبيل حتقيق حلمي‪ ،‬وكان شايف إننا يف يوم‬
‫هنحقق كل أحالمنا بإيدينا‪ ،‬حلد يوم اجلمعة الغاضب اليل أنت وأنا عارفينه كويس‪،‬‬
‫فات عليا فادي‪ ،‬وأرص إين أكون معاه‪ ،‬وإن صوتنا حيضن بعضه يف وسط مجوع‬
‫الشباب الغاضب اليل مننا وزينا‪ ،‬ونعلن للدنيا كلها إننا خرجنا ندور عىل حلمنا‪،‬‬
‫وعمرنا ما هنرجع من غريه‪ ،‬وخرجت معاه وإيدي يف إيده‪ ،‬وكان خايف عليا‪،‬‬
‫كانت إيده حاضنة إيدي‪ ،‬وصوابعه شابكة صوابعي‪ ،‬وفضلنا ماشيني هنتف وهنتف‬
‫‪- 171 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ونرج األرض من حتتنا‪ ،‬حلد ما جاتله رصاصة الغدر يف صدره‪ ،‬وقع قدامي‪ ،‬لكنه ما‬
‫سبش إيده من إيديا‪ ،‬وفضلت صوابعه شابكة يف صوابعي حلد ما دمه سال بني‬
‫إيديا‪ ،‬ووطيت عليه أهزه علشان يقوم يقف عىل رجله من جديد‪ ،‬ابتسم يف ويش‬
‫وقايل اوعي تستسلمي‪ ،‬احللم قريب‪ ،‬أنا شايفه قدامي‪ ،‬وعاهدين أكمل مشوار‬
‫حلمه‪ ،‬وعاهدته إين آخد بتاره‪.‬‬
‫فرد آرس متأثرا من حديثها‪ ،‬ومتسائال‪:‬‬
‫ تاخدي بتاره من مني يا منة؟ مني وال من بدلتي املريي؟‬‫ منكم كلكم‪ ،‬كنتم ماليني امليدان بسالحكم املريي‪ ،‬هبمجيتكم وغطرستكم‪،‬‬‫واحد منكم أو أكرت كان السبب يف ضياع فادي‪ ،‬وميت فادي زيه راحوا علشان‬
‫تفضلوا انتو يف مكانكم‪ ،‬تسمح تقول يل أحط إيدي يف إيدك ازاي بعد ما إيدي‬
‫سال عليها دم فادي منك ومن اليل زيك؟‬
‫وفقدت أعصاهبا‪ ،‬وأخذت هتتف هبسترييا وبعصبية‪ ،‬وهي تبكي وتتذكر أحداث‬
‫روايتها احلزينة‪:‬‬
‫ داخلية بلطجية‪ ..‬داخلية بلطجية‪ ..‬داخلية بلطجية‪.‬‬‫وترددها كثريا‪ ،‬حتى ضاع صوهتا وسط عاصفة دموعها‪ ،‬وسقطت عىل ركبتيها‬
‫فوق رمال الشاطئ‪ ،‬تبكي وهتتز تشنجا وأملا‪ ،‬وهي حتاول رصف ذكرياهتا املروعة يف‬
‫ذلك اليوم الغاضب العاصف‪ ،‬فاحتضنها آرس‪ ،‬وثبت رأسها صوب قلبه؛ لتهدأ من‬
‫‪- 172 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ثورهتا‪ ،‬فبكت وبكت كام مل تبك من قبل‪ ،‬وأفاقت من غيبوبتها‪ ،‬حينها وجدا الظالم‬
‫قد حل‪ ،‬والشاطئ خاليا متاما سوى منهام ومن عتمة الليل حني هبط وغطامها بغطاء‬
‫خميف‪ ،‬وكان اجلزء السعيد من لقائهام قد انقىض عىل غري رجعة‪ ،‬وعاد هبا آرس وكل‬
‫منهام سارح يف ملكوت حياته‪ ،‬وعاد كل منهام إىل عامله‪ ،‬وذهب آرس يف الصباح إىل‬
‫عمله‪ ،‬ورسح دقائق ثم نظر نحو طارق وقال له‪:‬‬
‫ هو أنت كنت يف امليادين يف أيام ثورة الشباب إياها واملليونيات اليل قلبت‬‫الدنيا دي يا طارق؟‬
‫رد طارق بثقة وقال‪:‬‬
‫ طبعا‪ ،‬امال مني اليل رجع األمن والنظام؟ ما هو علشان كده حرقولنا‬‫السجون وطاردونا باملولوتوف‪.‬‬
‫فقال له آرس‪:‬‬
‫ عىل كده استعملت سالحك‪.‬‬‫ طبعا‪ ،‬الظروف دي ما ينفعش فيها غري السالح «توقع الزعام يفر األتباع»‪،‬‬‫نظرية معروفة يف علم النفس اسمها فرق تسود‪.‬‬
‫انفجر آرس فيه غاضبا‪ ،‬وهتجم عليه رضبا وسبا ولعنا‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ أنت السبب‪ ،‬أنت واليل زيك مكاهنم مش هنا‪.‬‬‫فتدخل أمحد‪:‬‬
‫‪- 173 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ إيه يف إيه يا آرس؟ مش كده عيب اليل أنت بتعمله ده‪ ،‬معلش يا طارق‪ ،‬حقك عليا‪،‬‬‫آرس أعصابه تعبانة اليومني دول والزم ياخد أجازة‪ ،‬وأنا مهسك خدمة مكانه‪.‬‬
‫فقال طارق غاضبا‪:‬‬
‫ أعصابه تعبانة عىل نفسه‪ ،‬خالص أنا ما عدتش طايقه‪ ،‬واملرة دي مش هتعدي‬‫عىل خري‪ ،‬وهرفع األمر ألعىل القيادات‪ ،‬وترك القسم وخرج غاضبا‪.‬‬
‫واهنار آرس عىل كرسيه‪ ،‬ووضع رأسه بني كفيه‪ ،‬فهدأه أمحد وقال‪:‬‬
‫ ليه بس كده يا آرس؟ أنا هروح أحلقه قبل ما املوضوع يكرب‪.‬‬‫وتركه وأرسع خلف طارق ليهدأه‪ ،‬وترجاه وتوسل إليه أن يعدل عن قراره‪،‬‬
‫وأن يسامح آرس فيام فعل‪ ،‬وأخذ يلح عليه حتى عدل عن موقفه إكرام ا ألمحد‪،‬‬
‫عىل أن يتعهد له أمحد بأال يتعرض له آرس ثانية أو يعرتض طريقه وإال نفخه‪.‬‬
‫فضحك أمحد وقال‪:‬‬
‫ ال طبعا يا طارق‪ ،‬هو أنا أرىض أشوف آرس بلونة بردو؟ ما هتدى علينا شوية يا‬‫عم املنفاخ‪.‬‬
‫فضحك طارق من كالمه‪ ،‬فاحتضنه أمحد وقال‪:‬‬
‫ احنا زمال واخوات‪ ،‬ومصارين البطن بتتعارك يا أخي‪.‬‬‫وعاد أمحد وطارق للقسم‪ ،‬فوجد آرس قد غادره عائدا لبيته بعد أن طاف بالعربة‬
‫كل شوارع مرص‪ ،‬يتفحص وجوه الناس‪ ،‬ويتساءل بينه وبني نفسه‪:‬‬
‫‪- 174 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ ترى يف أي صورة يراه الناس؟ وما الذى خيبئون له يف قلوهبم؟ وكام فادي راح‬‫ضحية طارق وأمثاله؟‬
‫وعاد لبيته‪ ،‬وأخذ حيادث منة‪ ،‬وهي تبكي وراء شاشتها‪ ،‬وال ترد عىل أي من‬
‫كالمه‪ ،‬وقىض الليل يقنعها أن معها نصف احلقيقة‪ ،‬والنصف اآلخر خيال‪ ،‬وأن‬
‫وعدها لفادي ال يمنعها من أن ترتبط به‪ ،‬وأنه ومثله كثريون بريئون متاما من دم‬
‫فادي‪ ،‬وأنه ليس عدوا هلا‪ ،‬وال لغريها‪ ،‬وال بد من وجود األمن لتستتب احلياة‪،‬‬
‫وتستطيع هي أن تكمل دراستها ومتارس حياهتا‪ ،‬ولواله ولوال غريه النقلبت احلياة‬
‫جحيام‪ ،‬والدولة لغابة‪ ،‬وذكرها بحادثة التحرش التي نجاها منها‪ ،‬وبالرسقات التي‬
‫تلت مجع املليونيات الشهرية‪ ،‬وأن للبلد عدوا أكرب هو من جعل منهم أعداء يقفون‬
‫يف مواجهة بعضهم‪ ،‬وذكرها بجمعيتها التي يتم متويلها من اخلارج‪ ،‬وتساءل‪:‬‬
‫ ملاذا يتم متويل مجعية وطنية من اخلارج؟‬‫وفتحت أخريا الشات‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫ آرس‪ ،‬أرجوك ما تضغطش عىل أعصايب أكرت من كده‪ ،‬أنا خالص مش قادرة‬‫أقاومك‪ ،‬مش قادرة أرفضك‪ ،‬مش قادرة أحرر تفكريى من احتاللك له‪ ،‬مش‬
‫قادرة‪ ،‬مش قادرة‪.‬‬
‫وبكت كثريا‪ ،‬فانتهز آرس الفرصة وقال‪:‬‬

‫‪- 175 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ علشان عارفة إن معايا حق‪ ،‬وإن أنا كل كالمي صح‪ ،‬وإين بحبك وأنت‬‫بتحبيني‪ ،‬وأوعدك عمري ما هسيبك تاين‪ ،‬وهحميكي يا منة من كل يشء‪،‬‬
‫وهقاوم معاكي كل فساد وجهل وختلف‪ ،‬أنت برباجمك اليل هتعمليها ملا‬
‫تتخرجي‪ ،‬وأنا بسلطتي اليل هستعملها خلدمة الناس‪ ،‬والزم قويت وقوتك‬
‫وعقيل وعقلك وحبي وحبك نواجه بيه عدونا احلقيقي‪ ،‬وإيدينا يف ايدين بعض‪،‬‬
‫موافقة يا منتي؟‬
‫فردت برسعة وبدون تردد‪:‬‬
‫ موافقة يا آرس قلبي وعقيل‪.‬‬‫وخرج آرس من غرفته مهلال ينادي أمه وأخته‪ ،‬ويزف هلم خرب استسالمه وقبوله‬
‫أن يدخل قفص الزوجية‪ ،‬وأنه وجد من حترك قلبه وعقله‪ ،‬ومحل أمه ومحل أخته‬
‫ودار هبام يضحك‪ ،‬ويشاركهم فرحته‪ ،‬فقالت له أخته‪:‬‬
‫ املهم هي مني؟ ويا ترى تستاهل أخويا وال أل؟‬‫فردت أمه‪:‬‬
‫ مش مهم يا أماين‪ ،‬املهم هو رايض ومبسوط‪ ،‬وده عندي بالدنيا‪.‬‬‫ودعت له بالفرح والسعادة والذرية الصاحلة‪ ،‬وأمن آرس عىل كالم أمه قائال‪:‬‬
‫‪ -‬نص دستة يا أمي‪ ،‬أنا عاوز نص دستة عيال‪.‬‬

‫‪- 176 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ومل يستطع آرس أن خيفي األمر عىل صديقه وزميله أمحد‪ ،‬فقاد عربته واجته نحو‬
‫القسم ليبرش أمحد بقراره‪ ،‬بعد عزوفه عن الزواج أعواما وأعواما‪ ،‬ويشاركه فرحته‪،‬‬
‫ويصالح طارق عام بدر منه‪ ،‬كان يف حالة تصالح وتسامح مع الدنيا كلها‪ ،‬وذهب‬
‫للقسم‪ ،‬فقابل طارق واعتذر له‪ ،‬وسأله عن أمحد صديقهم‪ ،‬فوجده قد خرج يف‬
‫كمني من الكامئن التي تعودوا أن يقيموها عىل طول الطرق للسيطرة عىل الوضع‬
‫والتأكد من استتباب األمن‪ ،‬ونظر آرس لطارق وقال‪:‬‬
‫ شكلك لسه زعالن مني‪.‬‬‫فأشاح طارق بوجهه بعيدا عنه‪ ،‬فضحك آرس مداعبا طارق وقال ‪:‬‬
‫ عارف لو ما ضحكتش دلوقتي هعمل فيك إيه؟ هنفخك‪.‬‬‫فضحكا معا‪ ،‬وجاءهتم إشارة رسيعة أن الكمني الذي كان يقف فيه أمحد قد‬
‫تعرض هلجوم إرهايب‪ ،‬وأطلق عليه وابل من الرصاص‪ ،‬فأرسع آرس وطارق واجتها‬
‫نحو الكمني‪ ،‬فوجودا أمحد يف حالة بني املوت واحلياة‪ ،‬وما أن رآمها حتى أمسك‬
‫بيدي آرس‪ ،‬فسالت دماؤه عىل يد آرس وقال وهو حيترض‪:‬‬
‫ آرس الصغري أمانة بني إيديك يا صاحبي‪ ،‬خد بالك منه‪ ،‬وقول له أبوك مات‬‫بطل‪ ،‬وبوسهويل يا آرس‪ ،‬وخد بتار أبوه‪ ،‬عاوزه يعيش يف بلده مطمن وآمن‪.‬‬
‫ولفظ أمحد أنفاسه األخرية بني يدي آرس‪ ،‬ورصخ آرس من قلبه حزنا عىل صديقه‬
‫الطيب‪ ،‬وانكرس قلبه‪ ،‬وذبلت بذره فرحته يف صدره‪ ،‬وتصدى للموقف بشجاعة‪،‬‬
‫‪- 177 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫وتقدم جنازة صديقه‪ ،‬وأخذ عزاءه‪ ،‬وقلب الدنيا رأسا عىل عقب بحثا عن اجلناة‪،‬‬
‫وأمسكوا بعض املشتبه هبم‪ ،‬والذي كان عىل رأس القائمة فيهم بعض من نشطاء‬
‫مجعية «حقي» ومجعيات أخرى مثلها‪ ،‬فشعر آرس بشعور منة وبغضها وحقدها‪،‬‬
‫والتمس هلا العذر فيام كانت تفعله معه من صد ورفض‪ ،‬صعب أن تقطع وعدا وال‬
‫تفكر ليل هنار يف تنفيذه‪ ،‬واألخذ بثأر عزيز لك سقط أمامك وطوقك بعهد كتبت‬
‫حروفه بدمائه‪ ،‬ومتنى أمحد لو أمسك رشاشا آليا وثقب به كل صدور أعضاء اجلمعية‬
‫اجلاين منهم والذي مل يقرتف إثام يف حياته منهم أيضا‪.‬‬
‫وتذكر حبيبته منة‪ ،‬وعاد لينبهها ويطمئن أهنا استقالت من مجعية اخلراب‬
‫واإلرهاب‪ ،‬فاتصل هبا فلم جتب‪ ،‬ففتح الالب توب وجلس ليبثها حزنه‪ ،‬ويشكو هلا‬
‫لوعته‪ ،‬وحرقة قلبه عىل أعز أصدقائه‪ ،‬ولكن شيئا انتفض داخله‪ ،‬وجعله يفتح‬
‫صفحتها التي هكرها ويقرأ حمادثتها التي أجرهتا‪ ،‬فوجد حمادثة مجاعية كانت أحيانا‬
‫قبل معرفتها بآرس تشرتك فيها مع أعضاء مجعيتها املزعومة‪ ،‬وكانوا يزفون خرب‬
‫اغتيال صديقه أمحد هو وجمموعة من اجلنود‪ ،‬مع تعليق أهنم أخريا وبعد كل‬
‫حماوالت املالحقة الفاشلة انتقموا لفادي صديقهم‪ ،‬وأن البقية قادمة‪ ،‬ورغم أن منة‬
‫مل تكن تشرتك يف ذلك الشات‪ ،‬فقد كانت مشغولة بمرض جدهتا املفاجئ‪ ،‬وكانت‬
‫يف تلك اللحظة بالذات تبكي يف حضن جدهتا التي حتترض‪.‬‬
‫ومل تكن منة تدري بالدنيا وما عليها‪ ،‬إال أن آرس اعتربها مذنبة مثلهم‪ ،‬وأن بقاءها‬
‫عىل صلتها باجلامعة وعدم استقالتها من أمانتها دليل إدانة واضح عىل تورطها معهم‬
‫‪- 178 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫يف نظره‪ ،‬وعاد بالذاكرة للخلف‪ ،‬وتذكر أحاديثها التي تقطر غال‪ ،‬وبوستاهتا التي‬
‫متتلئ كراهية‪ ،‬رغم أن منة كانت قد تركت اجلمعية بالفعل‪ ،‬ولكن مرض جدهتا‬
‫منعها من إكامل إجراءات استقالتها من أمانة اجلمعية‪ ،‬وما جعلها تبقى عىل الشات‬
‫اجلامعي حتى تستطيع التواصل مع أصدقائها وإقناعهم برضورة تغيري مسارهم كام‬
‫فعلت هي بعد أن تصاحلت مع الدنيا عىل يد آرس‪.‬‬
‫فأسند آرس رأسه للحائط بعد أن دارت به األرض‪ ،‬وحاول أن جيمع قواه‪ ،‬وتذكر‬
‫آخر كلامت صديقه له‪ ،‬ووعده معه‪ ،‬ومل يدر بنفسه إال وهو يدق الباب عىل منة التي‬
‫فتحت له متهللة الوجه لرتمتي يف حضنه‪ ،‬ويواسيها يف موت جدهتا التي كانت كل‬
‫عائلتها‪ ،‬وهي ال تدري بربكان غضبه‪ ،‬فتقدم آرس منها بنظرات شيطانية تتطاير من‬
‫عينيه‪ ،‬فيها كل ألسنة اجلحيم‪ ،‬وفحيح األبالسة التي سكنت عقله وقلبه يف تلك‬
‫اللحظة‪ ،‬وصفعها عىل وجهها عدة صفعات أدمت أنفها وفمها الصغري‪ ،‬وأغلقت‬
‫عينيها اجلميلة من التورم واالنتفاخ الذي تال صفعاته الوحشية‪ ،‬وجذهبا من شعرها‬
‫بقوة لينظر يف وجهها الربئ اجلميل الذي ضاعت معامله من أثر لطمه هلا بكل قوته‪.‬‬
‫فرفعت عينيها يف عينيه وهي تتساءل يف براءة وجراءة‪:‬‬
‫ ليه يا آرس؟ ليه؟ ده أنت غريتيل نظريت‪ ،‬وعرفتني طريقي‪ ،‬ورجعتيل ثقتي يف‬‫الدنيا من حواليا‪ ،‬ده أنت خرجتني من قبو االنتقام وظالم الكره بشمس احلب‪،‬‬
‫ورحابة األمل واحلياة‪ ،‬ليه يا آرس؟‬
‫فجذهبا من شعرها ماسحا هبا بالط درجات السلم وهو يصيح‪:‬‬
‫‪- 179 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ عايزة تعريف ليه؟ علشان أنت اتسببتي يف يتم طفل بريء‪ ،‬أبوه داخ سبع سنني‬‫علشان جييبه للدنيا‪ ،‬ويسيبه فيها لوحده يتيم‪ ،‬علشان «أنا دلوقتي اليل بيني‬
‫وبينك عهد ودم وتار»؛ ألن اليل زيكم ما يعرفوش حيبوا‪ ،‬وما ينفعش يتعاملوا‬
‫غري بمعاملة طارق‪ ،‬علشان أنا كنت غلطان‪ ،‬وأنت عرفتيني الصح اليل هعمله‬
‫معاكي دلوقتي‪.‬‬
‫ومل يبال آرس بكل موبايالت الشارع واجلريان التي تصوره وهو يعتدي عىل منة‬
‫بالرضب‪ ،‬وأنه سيبقى أياما وليايل سرية ومواال عىل صفحات الفيسبوك‪ ،‬ومثاال‬
‫لبلطجة الداخلية عىل املواطنني يف مقاهي التوك شوز‪ ،‬بعد أن حتول آرس لنسخة‬
‫أسوأ من طارق‪ ،‬وبعد أن كفرت منة بكل ما آمنت به عىل يد آرس‪ ،‬وتأكدت متاما أنه‬
‫كغريه‪ ،‬وحيش بربري‪ ،‬مهام ارتدى من ثوب براءة مصطنعة‪ ،‬ففي حلظة واحدة يظهر‬
‫الوحش القابع بداخله كغريه‪ ،‬وأحيل آرس‪ ،‬الضابط الكفء إىل التحقيق‪ ،‬بعد‬
‫فضيحته عىل الفضائيات‪ ،‬واحتلت صفعاته ساعات وساعات من برامج‬
‫الفضائيات‪ ،‬واهتمت منة بالتورط يف أمر االغتيال‪ ،‬بعد تتبع رسائلها وأحاديثها التي‬
‫غريهتا متاما بعد معرفتها بآرس‪ ،‬وقبل تركها للجمعية عىل يد آرس‪ ،‬وتغري نظرهتا من‬
‫حبه هلا وخوفه عليها‪ ،‬ومن كالمه املقنع وقوة حجته الدامغة التي أقنعتها‪ ،‬وحتولت‬
‫لبطلة‪ ،‬ليس بفضل أعامهلا‪ ،‬فلم يكن يدري عنها أحد شيئا‪ ،‬ولكن بفضل يوتيوبات‬
‫رضب آرس هلا التي استخدمتها مجاعة ثانية وثالثة وخامسة للتنديد بالنظام‪ ،‬وسوء‬
‫املعاملة‪ ،‬وأصبحوا يقفون رافعني يافطات تطالب باحلرية ملنة‪ ،‬بطلة الشباب‪ ،‬بعد أن‬
‫‪- 180 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫تغريت منة‪ ،‬وتغري آرس‪ ،‬وحتول بينهام احلب الكبري لكره كبري؛ لتستمر مغالطات‬
‫املفاهيم‪ ،‬وتعقيدات قضية حب الوطن الربيء متاما مما ينسب له‪ ،‬فلو نطق الوطن‬
‫لثار عىل اجلميع وحاسبهم عىل كل اجلرائم التي ترتكب باسم حب الوطن‪ ،‬والوطن‬
‫شعب حيب وطنه‪ ،‬والشعب لكي حيب وطنه ال بد وأن حيب بعضه‪.‬‬

‫** متت **‬

‫‪- 181 -‬‬

‫القصة الرابعة‬

‫أربعة أيام يف اجلنة‬

‫مقدمة‬
‫كان الرائع إحسان عبد القدوس يف إحدى رواياته يقول‪ :‬إن يف حياة كل منا وهم‬
‫كبري اسمه احلب األول ‪ .‬غري أن هذا الوهم كان هو احلقيقة الكامنة يف قلوب‬
‫البعض منا‪ ،‬وكان بالنسبة هلم هو احلب األول واألخري أيضا‪ ،‬فبعض القلوب ال‬
‫تنبض إال مرة واحدة‪ ،‬وال تدق دقاهتا املرتعشة الراقصة إال مرة واحدة‪ ،‬وبطال تلك‬
‫القصة أحبا بعضهام حبا من هذا النوع الذي ال يعد ومها‪ ،‬ولكنه يقني‪ ،‬جيعلك تسبح‬
‫بني أمواج السحاب‪ ،‬وتقبل خد القمر‪ ،‬وتطوف باجلنة‪ ،‬بل وتعيش فيها ولو ألربعة‬
‫أيام فقط‪.‬‬

‫‪- 185 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬

‫أربعة أيام يف اجلنة‬
‫عادت لغرفتها متعبة من جراء يوم شاق عسري‪ ،‬وما أن أضاءت نور حجرهتا حتى‬
‫الحظت فوىض أثارت تعجبها‪ ،‬لكنها مل تتوقف عندها كثريا‪ ،‬فقد بقي يومان عىل‬
‫انقضاء إجازة نصف العام‪ ،‬وبدء الصف الثاين للدراسة يف اجلامعات‪ ،‬ومن بينهم‬
‫كليتها كلية الطب‪.‬‬
‫مل تكن أمرية الشبكي تعيش بمفردها يف املدينة اجلامعية‪ ،‬كانت تقاسمها الغرفة‬
‫زميلتها التي ختتلف عنها يف الشكل واملضمون مروة‪ ،‬وملا كانت ظروفها ال تسمح هلا‬
‫بأن ترتك املدينة اجلامعية وتسافر ألهله ا؛ ألن والدها وباقي أرسهتا يعيشون يف دولة‬
‫بعيدة‪ ،‬فكانت تقيض العام الدرايس كله يف سكن مدينتها اجلامعية‪ ،‬ويف اإلجازة‬
‫تلحق بأرسهتا‪ ،‬ويف بادئ األمر ظنت أمرية أن مروة صديقتها ربام عادت‪ ،‬وأثارت‬
‫تلك الفوىض يف الغرفة‪ ،‬لذلك مل هتتم‪ ،‬ونامت عىل فراشها بمالبسها وزينتها‪ ،‬حتى‬
‫أهنا مل تكلف نفسها غلق األنوار من فرط التعب‪ ،‬وسقطت يف بئر نوم سحيق ال‬
‫تدري بالدنيا من حوهلا‪.‬‬

‫‪- 186 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫مل تكن أمرية تؤمن باحلب‪ ،‬ومل تقرأ يف حياهتا عدا كتبها العلمية‪ ،‬أي رواية‬
‫غرامية‪ ،‬وكانت أمرية واسعة الطموح‪ ،‬تنظر للحياة نظرة عملية أحادية‪ ،‬وعاملها‬
‫حدود مكتبها‪ ،‬وفلسفتها قدرهتا عىل النجاح‪ ،‬وكانت تقفز عاما وراء عام صوب‬
‫قمة هرم طموحها‪ ،‬وتفوق كل سنة كان بالنسبة هلا حافزا لتفوق أكرب وأكرب يف السنة‬
‫التي تليها‪ ،‬ثم التي تليها ‪.‬‬
‫وكثري ا ما ضحكت من صديقتها التي كانت حتب كل عام‪ ،‬وترتبط يف كل‬
‫مصيف‪ ،‬وتقابل كل عريس يقدمه هلا األهل واألقارب‪ ،‬وكانت أمرية عكس‬
‫زميلتها متام ا‪ ،‬فقد كانت كافرة باحلب‪ ،‬ساخرة من قصصه‪ ،‬متحفزة لكل كلمة‬
‫رقيقة من رجل ‪.‬‬
‫ونامت أمرية بعد يوم شاق وطويل‪ ،‬فقد قضت كل إجازهتا ال خترج من غرفتها‬
‫أسبوعا كامال‪ ،‬وفوقهم يومان وهي ال تغادر الغرفة‪ ،‬حتى أصاهبا امللل‪ ،‬وقتلها‬
‫الضجر‪ ،‬فقررت أن تقيض يومها كله خارج املدينة اجلامعية‪ ،‬وصنعت لنفسها‬
‫«بروجرام» ال بأس به‪ ،‬ذهبت للسينام‪ ،‬وشاهدت فيلام للخيال العلمي‪ ،‬ثم جتولت يف‬
‫أرجاء مول جتاري تعبث باملالبس‪ ،‬وتتسكع أمام الفتارين‪ ،‬ثم تناولت طعاما من‬
‫الوجبات الرسيعة‪ ،‬حتى ملت وتعبت‪ ،‬وما أن فكرت يف العودة حتى هطل املطر‬
‫وبغزارة‪ ،‬فأوقف قطار احلياة النابضة باحلركة والضجر من حوهلا‪.‬‬
‫‪- 187 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ومل جتد أمرية ما تستقله لتعود أدراجها‪ ،‬فبقيت ترتعش وختتبئ خلف واجهات‬
‫املحالت‪ ،‬حتى استطاعت أخريا أن تقنع تاكيس أن يقلها للمدينة مقابل كل ما يف‬
‫جيبها‪ ،‬وعادت منهكة‪ ،‬وتكورت يف فراشها‪ ،‬وأسدلت غطاءها عليها‪ ،‬وغابت يف‬
‫نوم عميق مل تفق منه إال عىل حلمها الذي يتكرر كل ليلة‪ ،‬والتي فشلت مروة زميلتها‬
‫وكل زمالئها يف تفسريه‪ ،‬ونالت منهم بسببه دعابات سمجة‪ ،‬وتعليقات ال حتبها‪.‬‬
‫رأت أمرية يف حلمها أهنا متد يدها لرجل أوشك أن يسقط يف بئر خميف‪ ،‬وما أن‬
‫ملست يده حتى جذهبا لتسقط معه يف بئر بال قعر‪ ،‬وترصخ ويضيع رصاخها يف‬
‫سقوط طويل بال ارتطام‪ ،‬فصحت من نومها تلتقط أنفاسها وتستغفر وتتعوذ من‬
‫الشيطان‪ ،‬واكتشفت أمرية اهنا مل تغري ثياهبا‪ ،‬أو تغلق أبواب رشفتها‪ ،‬فقامت تفرك‬
‫عينيها‪ ،‬ورشبت لرتطب حلقها اجلاف من حلمها الغريب‪ ،‬ثم اجتهت صوب رشفتها‬
‫لتغلقها‪ ،‬وما أن مدت يدها لتغلق باب رشفتها حتى سمعت أنات مكتومة‪ ،‬فاجتهت‬
‫صوب الصوت‪ ،‬وما أن دققت النظر حتى محلقت بعينني خائفتني‪ ،‬وتسمرت‬
‫قدماها يف األرض‪.‬‬
‫كان أحدهم قابعا يف الظالم‪ ،‬وقد تكور عىل نفسه‪ ،‬يكتم أمله‪ ،‬فتقدمت منه‪،‬‬
‫وأطالت النظر نحوه غري مصدقة ما تراه‪ ،‬وقبل أن ترصخ قام من مكانه وأشهر يف‬
‫وجهها سالحا أبيض‪ ،‬وقال هلا‪:‬‬
‫‪- 188 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ اسكتي خالص وإال قتلتك‪.‬‬‫ثم دفعها لداخل الغرفة ودخل وراءها‪ ،‬وأغلق خلفه الرشفة‪ ،‬وأغلق األنوار‬
‫كلها‪ ،‬وصاح فيها وقال‪:‬‬
‫ مفيش داعي للرصاخ‪ ،‬كلها ساعة وال اتنني وتقل احلركة يف الشارع وأرجع‬‫زي ما جيت‪ ،‬ومالوش الزمة الرصاخ‪ ،‬وأظنك عاقلة‪.‬‬
‫فهزت رأسها باملوافقة‪ ،‬وجلست عىل فراشها صامتة‪ ،‬وجلس الرجل عىل‬
‫الفراش املواجه هلا صامتا أيضا‪ ،‬فأخذت تتفحصه بعينيها رغم أن الظالم كان حالكا‬
‫يف الغرفة‪ ،‬لكنها الحظت أنه يربط ذراعه برباط شعرها‪ ،‬ربام هو من أحدث الفوىض‬
‫يف غرفتها‪ ،‬وهو يبحث عن يشء جيرب به جراح كتفه‪ ،‬فنظر هلا بغضب وقال‪:‬‬
‫ أنت بتبيص عىل إيه؟‬‫فلم ترد‪ ،‬وظلت صامتة‪ ،‬فأعاد سؤاله بنربة أشد‪ ،‬وقال هلا‪:‬‬
‫ أنا ما بفكرش أأذيكي‪ ،‬فام ختلينيش أغري رأيي‪ ،‬وخليكى عاقلة‪ ،‬علشان ما‬‫تعمليش حاجة تندمي عليها بقية عمرك‪ ،‬وخليكي مطيعة؛ ألين ما بحبش اليل‬
‫ما بيسمعش كالمي‪ ،‬وبالش تعريف أنا بعمل فيهم إيه‪.‬‬
‫وأشهر سالحه يف وجهها من جديد‪ ،‬فقالت له‪:‬‬
‫‪- 189 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ أنا طالبة طب‪ ،‬ويف الصف اخلامس‪ ،‬وممكن أساعدك‪.‬‬‫ قلت لك اسكتي‪ ،‬وسيبيني يف حايل‪ ،‬علشان أنا كامن أسيبك يف حالك‪.‬‬‫وقبل أن جتيب‪ ،‬سمعت دقات عىل باب غرفتها‪ ،‬فقام الشاب وقرب السالح من‬
‫رقبتها‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫ هقتلك لو نطقتي‪.‬‬‫فقال الصوت من خارج الغرفة‪ ،‬وكان ملرشفة الدور يف دار رعاية الفتيات التي‬
‫تسكنها أمرية‪:‬‬
‫ أمرية حبيبتي‪ ،‬ما تفتحيش الشباك واقفيل بابك كويس عليكي‪ ،‬يف جمرم هربان‬‫والرشطة حذرتنا منه‪ ،‬فخذي حذرك يا حبيبتي‪.‬‬
‫فأجابت أمرية‪:‬‬
‫ ما ختافيش عليا‪ ،‬أنا بخري‪ ،‬وهنام حاال‪ ،‬تصبحي عىل خري‪.‬‬‫ثم التفتت أمرية صوب اللص‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫ يكون يف علمك إين ما بخافش‪ ،‬وهتديداتك دي وال هتز شعرة يف رايس‪ ،‬مع‬‫العلم بإين من النوع التاين اليل أنت ما بتحبوش‪ ،‬ال أنا مطيعة وال بعرف آخد‬
‫أوامر من حد‪.‬‬
‫‪- 190 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ونزعت يده من عىل رقبتها وهي تقول‪:‬‬
‫ أظن بقى كفاية كده هتديد واستفزاز‪ ،‬أنا معترباك ضيف هيقيض يف غرفتي‬‫ساعة وال اتنني‪ ،‬وأنا جمربة عىل استضافته‪ ،‬فحاول حتسن اجللوس علشان أحسن‬
‫أنا كامن الضيافة‪.‬‬
‫وظلت أمرية وضيف الليل الذي هبط عليها فجأة صامتني ساعة من الوقت أو‬
‫أكثر من ساعة‪ ،‬وكان كل منهام متحفزا لآلخر‪ ،‬ناظرا نحوه بخوف وحتد يف نفس‬
‫الوقت‪ ،‬وكان اللص يضع يدا عىل جرحه‪ ،‬ويكتم أمله‪ ،‬واليد األخرى شاهر هبا‬
‫السالح يف وجه أمرية‪ ،‬ثم بدأ ينتفض من األمل‪ ،‬ورويدا رويدا بدأ يسقط أمامها عىل‬
‫الفراش مغشيا عليه‪ ،‬ولكنه كان يقاوم يف إرصار ومكابرة‪ ،‬وقبل أن يغيب عن وعيه‬
‫متاما صاح فيها بصوت أرص أن يكون فيه يشء من القوة‪:‬‬
‫ لو فكريت يف عمل أي يشء صدقيني هتندمي طول حياتك‪.‬‬‫ أنت يف حالة خطرة جدا‪ ،‬ما تسمحلكش بالتهديد‪ ،‬وممكن متوت وأنت بتهدد‬‫بالقتل‪ ،‬فخليني أساعدك‪.‬‬
‫فرد عليها وهو حياول مجع احلروف بصعوبة بالغة وبصوت ختونه فيه أحباله‬
‫الصوتية‪:‬‬
‫‪- 191 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ اخريس بقولك وإال قتلتك‪.‬‬‫وقبل أن يكمل حروف كلمته األخرية سقط مغشيا عليه‪ ،‬وسقط السالح من‬
‫يده‪ ،‬فقامت أمرية عىل الفور تتفقد جرحه‪ ،‬فوجدت جرحه غائرا‪ ،‬وحالته يف منتهى‬
‫السوء‪ ،‬فلم تفكر كثريا؛ حيث قامت وجذبت قميصه من عىل كتفه برسعة‪ ،‬وأخذت‬
‫تطهر له اجلرح‪ ،‬وتضمده بعد أن أنارت أباجورهتا وصوبتها نحو جرحه‪ ،‬حتى‬
‫تستطيع رؤية اجلرح بوضوح‪ ،‬وحتى ال تشعل األنوار‪ ،‬فتشعر هبا مرشفة الدار وتدق‬
‫باهبا لتسأهلا عن رس سهرها غري املعتاد‪ ،‬أو لتطلب أن تتسامر معها‪ ،‬فلم يكن يف الدار‬
‫غري عدد قليل من الطالبات البعيدون أهلهن‪.‬‬
‫وأخذت أمرية تتسحب عىل قدميها‪ ،‬وتدور حول نفسها يف رسعة ودقة؛ لتسعف‬
‫هذا اللص العنيد‪ ،‬ثم نزلت جتري عىل صيدلية من النوع الذي يفتح أبوابه ليال‪،‬‬
‫كخدمة ليلية لتشرتي احتياجات احلالة الطارئة تلك من مضادات حيوية‪،‬‬
‫ومضادات التهاب‪ ،‬وكريامت طبية‪ ،‬وشاش وقطن‪ ،‬وقضت الليل تعمل حتى غلبها‬
‫النوم‪ ،‬فنامت جالسة يف مكاهنا‪ ،‬وحني طلع الصبح‪ ،‬وربت شعاع الفجر عىل كتفها‪،‬‬
‫وعاكستها أضواء شمس الصباح الصاعدة عىل عرش السامء‪ ،‬حتى انتبهت لنفسها‪،‬‬
‫فقامت ونزلت ملطعم الدار‪ ،‬وعادت بصينية حمملة بالفطور واللبن والعسل واخلبز‪،‬‬

‫‪- 192 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫وما أن فتحت الباب حتى أفاق اللص من جديد‪ ،‬وقام مرتنحا بضعف يبحث عن‬
‫سالحه من جديد؛ ليعيد كرة التهديد والوعيد‪ ،‬فنظرت نحوه أمرية وقالت‪:‬‬
‫ احلركة ممنوعة‪ ،‬جرحك خطر‪.‬‬‫فصاح فيها بغضب‪:‬‬
‫ اخريس‪ ،‬مالكيش دعوة بيا وبجرحي‪.‬‬‫فأشاحت أمرية بيدهيا نحوه وقالت‪:‬‬
‫ أنت فعال جمرم عدواين مثري للشفقة‪.‬‬‫تلفت اللص حوله وأخذ يبحث عن سالحه ويصيح بوهن وضعف‪:‬‬
‫ هاقتلك‪.‬‬‫فمدت يدها نحوه بكوب من اللبن وقالت‪:‬‬
‫ دلوقتي الزم ترشب ده؛ ألنك نزفت كتري من دمك‪ ،‬الزم تعوض اليل فقدته‪.‬‬‫فتذمر‪ ،‬وحاول أن يقوم‪ ،‬فرفعت أمرية السالح صوب رقبته وقالت‪:‬‬

‫‪- 193 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ أنت من غري سالحك ما تساويش حاجة‪ ،‬وكفاياك محاقة ومكابرة وعدوانية‪،‬‬‫هتعمل اليل أقولك عليه وإال هضطر لطلب النجدة‪ ،‬اصل أنا مش عاوزة قتيل‬
‫يف أوضتي‪.‬‬
‫وصاحت فيه بقوة وحزم‪:‬‬
‫ ارشب اللبن يال وبرسعة‪.‬‬‫فمد يديه ورشب احلليب‪ ،‬فصنعت له ساندوتش من اخلبز املحشو بالعسل‬
‫والزبدة وقالت‪:‬‬
‫ وده كامن‪.‬‬‫فأخذه منها دون أن يبدي اعرتاضا‪ ،‬وأكله صامتا‪ ،‬وقامت أمرية‪ ،‬ومجعت‬
‫أغراضها وقالت‪:‬‬
‫ ودلوقتي أستأذن جنابك لو معندكش مانع سيادتك‪ ،‬علشان عندي ندوة‬‫علمية مهمة ما أقدرش أفوهتا‪ ،‬ساعة وال ساعتني وهرجع‪ ،‬تكون نمت فيهم‪،‬‬
‫علشان تفوق وحترمني من رشف زيارتك برسعة؛ ألين اختنقت‪.‬‬
‫فلم جيبها‪ ،‬وظل صامتا متكورا يف مكانه‪ ،‬فاقرتبت منه وقالت‪:‬‬

‫‪- 194 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ عىل فكرة لو عاوزة أبلغ عنك كنت عملتها وأنت غايب عن الوعي‪ ،‬ودلوقتي‬‫اسمح يل سموك علشان اتأخرت‪.‬‬
‫وجذبت من حتته الغطاء وأسدلته عليه‪ ،‬وأغلقت ستائر الغرفة ومضت‪ ،‬بعد أن‬
‫تركته غارقا يف حريته وشكوكه منها وفيها‪ ،‬وعادت أمرية فوجدته ما زال نائام ال‬
‫يدري بالدنيا من حوله‪ ،‬وما أن أضاءت الغرفة حتى رفع يده السليمة أمام عينيه‬
‫حتى ال يزعجه الضوء‪ ،‬وتذمر وبدأ يصيح فيها من جديد‪ ،‬فمدت له يدها‬
‫بصينية الطعام‪ ،‬وعليها طعام صحي ساخن وقالت‪:‬‬
‫ دلوقتي جه معاد الغدا‪ ،‬الزم تاكل علشان تاخد الدوا بتاعك يف معاده‪،‬‬‫خادمتك املطيعة جيبالك األكل‪ ،‬يا ريت تتكرم وتقوم تاكل وختلصني‪.‬‬
‫ وأنا مش عاوز أكل‪.‬‬‫ ما هو أنت الزم تعرف إين أنا دلوقتي اليل بأمر‪ ،‬وأنت اليل الزم تطيع‪،‬‬‫وغصب عنك‪ ،‬وأنا كامن ما بحبش الناس اليل مش مطيعة‪ ،‬وسبق وفهمت‬
‫سيادتك إنك من غري سالحك ماتساويش‪ ،‬والزم تعرف إين مش بعمل معاك‬
‫كده تعاطفا وال شفقة‪ ،‬أنا بعمل كده علشان أنا دكتورة‪ ،‬ما بستحملش أشوف‬

‫‪- 195 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫كلب وال قطة وال حتى فار جتارب بيتأمل‪ ،‬وثانيا ألين سبق وفهمتك بردو إين‬
‫مش عاوزة قتيل يف أوضتي‪.‬‬
‫فأنزل يده من عىل عينيه ونظر يف عينيها نظرة تشع غضبا واعرتاضا‪ ،‬فردت أمرية‬
‫نظراته الغاضبة املعرتضة بمثلها‪ ،‬وهي ما زالت ممسكة بصينية الطعام‪ ،‬ولكن ما أن‬
‫أنزل يديه وظهرت مالحمه بوضوح أمامها وزادت عيناه العسليتان العميقتان توهجا‬
‫حتت الضوء حتى سقطت أمرية يف عمق عينيه دون أن تدري ماذا دهاها‪ ،‬وما الذي‬
‫أمل هبا يف دقائق معدودات‪.‬‬
‫كانت نظراته الغاضبة سهام سحر وقوة اخرتقتها منذ أن وعت ملالحمه‪ ،‬حتى أهنا‬
‫كادت أن تسقط الصينية من يدها‪ ،‬وتزامحت الكلامت واألفكار واملشاعر داخل‬
‫قلبها املغلق عىل طموحها ودراستها‪ ،‬وصمتت وامجة ال تنطق فمد يديه وسحب‬
‫الصينية من بني يدهيا وقال هلا‪:‬‬
‫ ما اتعودتش أعمل حاجة أنا مش عاوزها‪ ،‬ثم وضع الصينية برسعة وخفة‬‫وجذب أمرية من شعرها ولفها أمامه حتى كان ظهرها مالصق لصدره‪ ،‬وأحكم‬
‫وضع ذراعه عىل رقبتها خينقها‪ ،‬وسمعت صوته الصادر من خلفها بفمه‬
‫املالصق ألذهنا يقول هلا‪:‬‬

‫‪- 196 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ مجيلك ده ما يدكيش احلق يف إهانتي‪ ،‬واليل ما تعرفيهوش إين ما بيأثرش معايا‬‫سالح‪ ،‬وأنا بسالح وبدون سالح بعمل اليل أنا عاوزه‪ ،‬يف أي وقت عاوزه‪،‬‬
‫فهمتي وال الزم جتريب؟‬
‫ودفعها بعيدا‪ ،‬فوقعت عىل وجهها‪ ،‬قامت وأصلحت ثياهبا وشعرها وقالت‪:‬‬
‫ فعال أفعال لصوص وجمرمني‪ ،‬جمرم زيك الزم أعرف إنه ما يأثرش فيه‬‫معروف‪ ،‬هستنى إيه من واحد زيك غري عدوانية وعنف ومهجية؟‬
‫أخرج اللص من جيبه سجائره ووالعته‪ ،‬وأشعل سيجارته‪ ،‬واعتدل يف جلسته وقال‪:‬‬
‫ اسمك إيه يا آنسة؟‬‫ أنت مالك؟‬‫ أنا آسف‪ ،‬ما تزعليش مني‪ ،‬أنت اليل استفزتيني يا آنسة‪.‬‬‫ أنا كامن اليل أنقذت حياتك‪ ،‬وقضيت الليل أمرضك‪ ،‬ونزلت يف نص الليل‬‫أجيبلك الدوا‪.‬‬
‫ آسف يا آنستي‪ ،‬وصدقيني مش هنسى معروفك ده‪ ،‬ويف يوم من األيام‬‫هردهولك‪.‬‬

‫‪- 197 -‬‬

‫أحبك ولكن‪ ..‬غادة العليمي‬
‫ أشكرك‪ ،‬رد مجييل اليل أنا عاوزاه إنك تتكرم وتنهي حصارك بقى‪ ،‬ومتيش‬‫وتسيبني يف حايل‪.‬‬
‫ مهيش‪ ،‬ولكن اوعديني إنك تنيس مالحمي وشكيل‪ ،‬وكأنك ما شوفتينيش‪.‬‬‫فرسحت أمرية قليال يف مالحمه اجلريئة احلادة الوسامة‪ ،‬وقالت وهي كاذبة طبعا‪:‬‬
‫ أنا ما بحتفظش باملالمح يف خميلتي أكثر من ثالث دقائق‪ ،‬ثم إين ما دققتش‬‫النظر يف وشك‪ ،‬أنا كنت مشغولة بجرحك وختفيف أملك‪.‬‬
‫اعتذر هلا للمرة الثالثة‪ ،‬ثم قال‪:‬‬