أحبك ولكن - 5
كتري ،وكل ما كنت بحاول أهرب منه كان هيددين بالعقد ،ويرجعني بالقوة ،حلد ما
قدرت أوصل ليل أكرب وأقوى منه ،وخلصني منه ،وولع له يف الصالة ،ولفق له هتمة
كبرية دخل فيها السجن 15سنة ،واديتله املقابل اليل كان عاوزه ،وفضلت معاه حلد
ما وصلت ليل أكرب منه ،واليل أكرب وأكرب ،يعني أنا أعدائي كتري ،والزم حد كبري
حيميني ويقف يف ضهري.
أنا جنبك ومش هسيبك يا ست فدوى ،ابعدي أنت عن الناس دي وأناهفضل جنبك وهحميكي.
فضحكت فدوى من كالمه ومل جتب ،وعادا للقرص بنفس طريقة هروهبم،
وصعدت حلجرهتا ،وأخذت محامها ،وحاولت النوم ،ولكنها مل تستطع ،وأخذت
تفكر يف كل ما حدث هلا ،وتعيد رشيط حياهتا غري السعيد ،وهامجتها الذكريات
برشاسة ال ترحم ،ونغزها بقايا ضمريها الذي أيقظه حديث نادية الكومبارس معها،
فلم تدر إال وقدماها تأخذاهنا حلجرة مصطفى ،ودقت عليه الباب ،فلم جيب ،فقد
- 113 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
كان نائام يف فراشه ،وبدا بمالحمه الطيبة الطفولية كمالك هبط يف جهنم قرصها من
دون ميعاد.
فاقرتبت منه النجمة ،وقبلته من رأسه ،وداعبت خصالت شعره بيدهيا ،وكأهنا
قررت فجأة أن تكافئه عىل شهامته وطيبته بأن تعطيه نفسها ،فهو ليس بأقل من غريه
الذين نالوها من قبل ،فاستيقظ مصطفى مفزوعا ال يدري ماذا يفعل ،وماذا يقول،
ولكنه متاسك واعتذر للنجمة ،وقال:
أنا آسف يا ست فدوى ،أنا كنت نايم ما حستش بسعادتك ،حرضتكتؤمريني بحاجة؟ أنا حتت أمرك.
فضحكت فدوى هبسترييا وقالت:
أنا اليل حتت أمرك يا مصطفى.وقفزت بجانبه عىل الفراش بدالل ،وضحكت ضحكة رنانة هلا مغزى ومعنى
وهدف ،فقام مصطفى من فراشه ،ومىض بعيدا يف آخر احلجرة يتطلع إليها ،مرتجيا
إياها أن ترتكه وشأنه ،وال تفتنه يف شجاعته التي بدأت ختونه ،وأعصابه التي بدأت
تنهار ،فقالت له:
إيه؟ قمت وبعدت ليه كده؟ هو أنا مش عاجباك؟فقال هلا وعينه يف األرض:
- 114 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
بالعكس يا ست فدوى هانم ،أنت حلم ألي واحد عىل وش األرض ،بسساحميني ،أنا ما بقربش من احلرام ،وما بحبش أعمل حاجة حرام.
فغضبت فدوى ،واستعادت شخصية النجمة املغرورة املتغطرسة وقالت:
أنت برتفضني يا متخلف أنت؟ وال تكونش عاوز تتجوزين يا مصطفى بيه؟فقال هلا:
العفو يا هانم ،أنا بس بخاف ربنا ،وما بحبش أغضبه.فقامت فدوى غاضبة ونادت عىل اخلدم يف القرص وأيقظتهم من نومهم وقالت:
حد جييبيل ورقة وقلم برسعة.فأتاها اخلدم بدفرت أوارق ،وعلبة مليئة باألقالم ،كانت توقع هبم عقود أفالمها
وزواجها أيضا ،وبكل بساطة كتبت بنفسها ورقتي زواج عريف ،واحدة هلا وواحدة
له ،ومضت بإسمها احلقيقى وأمرته أن يوقع باسمه ،فأمسك القلم الذي من شدة
اضطرابه وقع منه ،فانحنت فدوى بدالل وتناولت القلم وأعطته ملصطفى ،وهي
تداعب يده وتبتسم له ،فارتبك وكاد يوقع القلم من جديد ،ولكنه مد يده ووقع
الورقة بيد مرتعشة ال تعرف ماذا تصنع ،ثم أمسكت تليفوهنا واعتذرت للمنتج عن
التصوير؛ ألهنا مسافرة لوالدهتا املريضة ،وأمرت اخلادمة أن جتهز هلا مالبسها
ومالبس مصطفى ،وامتثلت اخلادمة ألمرها وكأهنا معتادة عىل مثل تلك املفاجآت
التي بدت عادية جدا يف القرص ،وجهزوا هلا السيارة اجليب ،وانطلقت بمصطفى
- 115 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
بعيدا رغم حتذيرات األمن هلا بعدم املغادرة ،لكنها مل متتثل ،ومصطفى صامت
غامض ال يتكلم وال يعرف بامذا ينطق إذا تكلم ،وأخذته لفيلتها التي بدت كالقلعة
احلصينة عىل صخرة عالية يف الساحل الشاميل ،واحتفلت بزواجها ،وغاصت يف بحر
عسل أعطت مصطفى فيه بعضا منها ،وامتصته هي كله برجولته وبراءته وقلة
جتاربه ،وشبابه وعفويته ،وزادت فدوى مجاال عىل مجاهلا بعد أن تفتحت وردة
مشاعرها عىل يد بستاين شاب من عمرها ،بعد كل ما مر عليها من شيوخ وكهول
متصابني ،وأحبته وذاق قلبها احلب ألول مرة ،حبا حقيقيا عفويا ،بال مصلحة وال
هدف ،غري احلب واالرتواء من احلياة والسعادة ،ورحيق الشباب النابض يف عروق
مصطفى الفتى القوي.
أما مصطفى فكانت فدوى أكرب من كل أحالمه وآماله ،وكانت أقىص طموحات
حياته أن يقف أمامها يف دور أو حيظى باجللوس بالقرب منها يف بالتوه ،واستيقظت
فدوى وزوجها يف الصباح عىل خرب يزف هلا نبأ أهنم استطاعوا القبض عىل الرجل
الذي حاول قتلها ،واعرتف بكل حماوالته ،وأهنا من اآلن تستطيع أن تعيش حياهتا
بال هتديد ،ومتارس حريتها بال خوف ،وفرحت فدوى ومصطفى وعادا للقرص
فرحني ،واكمال تصوير فيلمهام ،ولكن ال أحد يعرف بزواجهام بناء عىل طلب
النجمة ،إال نادية ،فقد حدثتها نفسها املحبة ملصطفى بأن شيئا قد حدث بني فدوى
ومصطفى أكرب وأقوى من جمرد حماولة أو حماولتي قتل أفشلهام مصطفى بشجاعته،
- 116 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
كانت تعلم أن مصطفى أصبح نزوة يف حياة النجمة ،لكنها كانت خائفة عىل قلب
مصطفى ومشاعره ،وانطفاء فرحة تطل من عينيه كلام رأته بجانب فدوى.
كانت فدوى كثرية العالقات املثرية للجدل ،بمن هم أعظم وأشهر وأغنى
وأقوى من مصطفى ،لذلك مل يكرتث أحد ممن حوهلا لوجود مصطفى يف حياهتا،
ووافقوا عىل تصديق كذبة أنه يالزمها؛ ألنه حارسها الشخيص ،وبعد ميض يومني
عىل القبض عىل سيد البنش الذي حاول قتل فدوى أكثر من مرة ،وأثناء قيلولة
فدوى ومصطفى فاجأمها تليفون من الشخصية املهمة يريد أن حيرض ملقابلتها يف
القرص ،فوافقت فدوى ،وأمرت اخلدم باالنرصاف ،فتعجب مصطفى وقال:
إيه اليل أنا بسمعه ده؟ أنت هتقابيل الراجل ده تاين يا فدوى؟ أنا مش مصدقوداين ،أنت أكيد جرى لعقلك حاجة.
هيجرى لعقيل حاجة فعال لو رفضت إين أقابله ،أنت ما تعرفش الراجل دهممكن يعمل فينا إيه؟
فغضب مصطفى وقال:
وأنا بصفتي جوزك مش موافق ،ومهنعك إنك تقابليه. مصطفى يا حبيبي ،ما ختافش عليا ،أنا هعرف أترصف معاه ،اميش أنتدلوقتي وملا ترجع هتالقي األمور كلها بقت متام.
فنظر هلا بتعجب غري مصدق ،وقال:
- 117 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
أنت عاوزاين أنا كامن أميش وأسيب مرايت مع راجل غريب؟ أنت أكيد جمنونة،ده مستحيل حيصل أبدا.
مفيش وقت للكالم الكتري ،الراجل زمانه جاي ،وما ينفعش يشوفك هنا،اتفضل بقى لو سمحت.
فخبط مصطفى كفا بكف وقال:
ما ينفعش يشوف جوزك معاكي ،لكن ينفع إن جوزك يسيبك معاه عاديكده ،أنت بتقويل إيه؟ أنت فامهة أنت بتقويل إيه؟
قبل أن تكمل كان الرجل قد جاء ،فرتجت مصطفى أن يصعد حلجرته وال يظهر
حتى ينرصف الضيف ،وجيب أن يثق فيها ويسمع ما تقول ،وصعد مصطفى
للحجرة مرغام والدماء تغيل يف عروقه.
فدخل عليها الرجل املهم مهنئا هلا؛ ألهنا أخريا استطاعت أن تتخلص من القاتل
الذي حاول قتلها ،وأخربها كذبا بالطبع أنه قد كان له دور كبري يف القبض عليه،
فضال عن أنه عندما تركها وانرصف مل يرتكها خوفا أو جبنا ،وإنام لكي يستدعي هلا
املساعدة ،حتى أن هذا الرجل الذي يدعى مصطفى البودي جارد الذي يالزمها هو
من رجاله ،ويقبض منه لكي حيميها ،لكنه يبقي األمر رسا بينه وبني مصطفى هذا،
فهزت فدوى رأسها وقالت:
طبعا طبعا ،كلنا عايشني يف محايتك وحتت رعايتك يا قاسم بيه.- 118 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
فقال هلا:
ال ،قاسم بيه إيه قولييل يا كوكو زي زمان.واقرتب منها حياول احتضاهنا ،وانتظر مصطفى أن ترفض فدوى أو أن تدفع
الرجل عنها ،ولكنها مل تفعل ،فخرج مصطفى غاضبا ،وقال:
هي دي الثقة يا فدوى هانم؟ وهو ده الترصف اليل أنت هتترصفيه معاه؟فتطلع فيه الرجل وقال:
أنت مني؟ وازاي تدخل علينا كده؟ أنت اجتننت؟ مني ده يا فدوى؟فرد مصطفى:
أنا يا كوكو بيه البودي جارد بتاع ست فدوى اليل أنت بتدفعله علشان حيميها،إيه؟ نسيتني برسعة كده يا كوكو بيه؟
فقال الرجل:
وازاي تدخل علينا كده؟ وازاي ما مشيتش مع اخلدامني؟ ازاي يا فدوى؟ أناقولتلك ألف مرة إن القرص الزم يفىض متاما قبل وصويل.
فقال مصطفى:
- 119 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
من آخر مرة كنت فيها هنا وهربت وسيبتها لوحدها مع القاتل وأنا عرفتإنك راجل جبان ،وأنا هنا بقوم بشغيل علشان أمحيها؛ ألن اليل زيك بفلوسه وجاهه
ما يعرفش حيمي ست مسكينة ملا تستجري بيه يف وقت شدة.
فصاح الرجل بعصبية وبغرور:
أنا هوديك يف ستني داهية ،أنت مش عارف أنت بتكلم مني؟فقال مصطفى:
أنا فعال ما كنتش عارف ،بس دلوقتي عرفت ،أنت كوكو بيه ،راجل جبانوعجوز متصايب ،بتستغل اسمك وسلطتك وفلوسك يف الفساد واإلفساد ،وبتحب
احلرام ،مع إنك راجل كبري ورجلك والقرب.
فخرج الرجل غاضبا ،يصيح ويلعن ويتوعد ملصطفى الذي التفت له فدوى
وقالت:
إيه اليل أنت عملته ده؟! اليل يعمله أي راجل حر ،وال أنت عاوزاين أسيب مرايت يف حضن راجل غريب؟ الراجل ده ممكن يدمرك ويقيض عليك ،أنت ما تعرفوش. أنت اليل ما تعرفينيش يا فدوى ،أنا صحيح واحد غلبان عىل قده كومبارسفاكر نفسه بطل ،بس أنا من جوايا فعال بطل ،اليل يدمرين ويقيض عليا إين أفرط يف
كرامتي وأخرس احرتامي لنفيس ،أنت بتحبيني يا فدوى؟
- 120 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
فقالت فدوى وهي ترمتي يف أحضانه كقطة حتتمي بصاحبها:
أكرت من أي حاجة يف حيايت يا مصطفى.قال هلا:
خالص ،يبقى تيجي معايا وتسيبك من حياة العهر والقرف دي ،وترجعيمعايا بلدنا ،هناك ال حد يعرفنا وال نعرف حد ،عندي قرياطني نزرعهم ونعيش من
خريهم ،وتنيس كل اليل فات من حياتك ،ونبدأ من جديد.
فرتكته فدوى وأعطته ظهرها وقالت:
موافقة ،بس سيبني كامن كام يوم أظبط أموري ،وأجهز نفيس.فقال هلا:
بجد يا فدوى؟فقالت له:
صدقني يا مصطفى املرة دي بجد.فحملها وطار هبا وهو يعدها بالسعادة ،ثم تناوال عشاءمها معا ،وقىض الليل
يرسم هلا أحالمه البسيطة جدا ،ويصف هلا حدود دنياه اجلديدة السعيدة معها،
واستيقظ يف الصباح فلم جيدها بجواره ،ومل يعرف أحد طريقا للنجمة ،فلم تكن يف
بالتوه التصوير ،وال يف القرص ،وحتى البودي جارد الثريان البرشية التي يف القرص مل
- 121 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
يعرفوا هلا مكانا ،وموبايلها مغلق وال جييب ،وجن جنون مصطفى ،ومىض يفتش
عنها ،وعادت آخر الليل متعبة ،فسأهلا مصطفى:
ممكن أعرف كنتي فني يا فدوى طول النهار؟فقالت فدوى:
أنا مش قولتلك يا مصطفى سيبني كام يوم أظبط حايل؟ أنا كنت بظبط حايل،وهقولك عىل كل حاجة بس الصبح؛ ألين مهوت وأنام ،وعىل فكرة ،جهز نفسك
علشان هتوقع بكرة بطولة فيلم وبمبلغ كبري كامن.
فقال هلا:
والسفر؟ أنت مش وعدتيني إنك هتيجي معايا البلد؟قالت له:
واالعتزال ده مش حمتاج فلوس؟ الزم نشتغل فيلمني تالتة وبعدين نعتزل معبعض ،وسيبني أنام بقى دلوقتي وبكرة نبقى نتفاهم.
وتركته ودخلت وغابت يف نوم عميق ،واستيقظ يف الصباح فلم جيدها ،فتعجب
لغياهبا ،وتعجب أكثر حني سمع عن سقوط رجل مهم يف الدولة يف قضية فساد
كربى هو قاسم شكري «كوكو بيه» ،فلم يرتح للخرب ،وقرر أن يعرف أين تذهب
فدوى ،وملاذا ختتفي ،وما عالقة اختفائها باخلرب الذي تذيعه كل القنوات ،وتتحدث
عنه كل األلسنة ،وهنش الشيطان عقله ،وتصور مائة سيناريو ،ومائة فيلم ،وقطع
- 122 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
خياله اخلصب تليفون من فدوى ختربه فيه أهنا يف البالتوه تنتظره هي واملنتج
واملخرج؛ لتوقيع عقد الفيلم ،فالم مصطفى نفسه كثريا ،وطار إليها يف االستوديو؛
ليزف إليها خرب وقوع كوكو بيه الذي هيدد حياهتم بخطورته ،وجربوته ،وقابلها
وزف إليها اخلرب ،فاصطنعت فرحة باهتة ال تليق بحجم اخلرب السعيد ،واحلدث
اجللل ،وقالت:
تعاىل وقع عقد الفيلم وبعدين نبقى نتكلم يف اخلرب.فوقع مصطفى عىل العقد ،وقبض أكرب مبلغ يف حياته ،غري مصدق ما هو فيه،
حتى أنه نيس أمر سفره للبلد ،وأحالمه للعودة بفدوى بعيدا ،فالفرحة حني تأيت عىل
غري ميعاد تلغي وعودا وهتدم مشاريع ،وتبني أخرى يف ملح البرص ،وكانت قصة
الفيلم اجلديدة الذي سيلعب بطولتها مستوحاة من قصته مع فدوى يف حماوالت
االغتيال التي نجاها منها ،أو بمعنى أوضح استثامر لألحداث واألخبار ،ولفضول
اجلمهور ملعرفة ما حدث للنجمة الالمعة ،والفرجة عىل الكومبارس الذي حتول إىل
نجم بفضل شهامته ،رغم افتقاره للموهبة التي تؤهله للنجومية.
وهنأه اجلميع ،وأقبلوا عليه يقبلونه ،فلمح نادية من بعيد تنظر نحوه بأسف،
وتتطلع فيه بحزن ،ثم مضت وتركته ،فلم ينادها رغم تعلق عينيه هبا وهي تغادر،
وعاد للقرص سعيدا بالعقد ،وبالشيك ،وبالدنيا اجلديدة التي فتحت أبواهبا عىل
مرصاعيها له.
- 123 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
وجلس مع فدوى يبدي بلسانه فقط اعرتاضه عىل تأجيل قرارمها بالسفر ،أما
قلبه فكان يزغرد بني ضلوعه ،وكانت فدوى تشعر بذلك ،وتتفهمه ،ولكنها مل ترد
إحراجه فقالت له:
أنا كنت عاوزاك بس تثبت للناس كلها قدراتك كنجم كبري ،وترجع بلدكمنجم ،وال أنت عاوز خترج منها كومبارس؟ وترجع ليها كومبارس؟ وبعدين ما دام
قاسم وقع وغار بعيد عننا يبقى إيه اليل خيلينا نستعجل وناخد قرارنا من غري ما
نستعد له؟
فنظر مصطفى هلا وقال:
ما تعرفيش قاسم إيه اليل وقعه الوقعة السودا دي؟فارتبكت فدوى وقالت:
هو ما عملش شوية ،وأعداؤه كتري ،وكان الزم دي تبقى هنايته ،بقولك إيه؟ أنا
عاوزة أحتفل باملناسبة دي ،عاوزاك تعزمني عند عم كوارع الفحل عىل جوزين محام
وكيلو كباب وكفتة ،ونقول لنادية كامن تيجي تتعشى معانا ،أنا كلمتلها املخرج
يشوف هلا دور معاك يف الفيلم.
فشكرها مصطفى ،وتنكرت فدوى وخرجت معه ،ومرا عىل نادية ،ونزلت معهام
للعشاء وقضاء سهرهتم عند عم كوارع الفحل ،وجلس الثالثة بعد أن عرفها
- 124 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
مصطفى بشخص فدوى ،وبقيت نادية طيلة العشاء صامتة سارحة ال تتكلم
كعادهتا ،فقال هلا مصطفى:
أنت ليه الصبح ما جيتيش هتنيني يا حقودة يا أم قلب أسود زي بقية الزمال؟ أعمل إيه يف نفيس؟ ما هو أنا زي ما أنت قولت كده بالظبط حقودة وقلبي أسود. أمجل حاجة فيكي يا نادية إنك رصحية ،ورغم رصاحتك دي وطولة لسانكاليل ما أعرفش ماله النهارده ،فدوى هانم عماللك مفاجأة كبرية هتطلعي منها
بقرشني كويسني ،وهتديكي دور يف فيلمها اجلديد ،وبكرة ممكن تيجي تقابيل املنتج
وتتفقي وتقبيض كامن.
شكرا ليك يا مصطفى بيه أنت وست فدوى هانم. هو أنت إيه اليل حصلك؟ مالك بقيتي فجأة كده مؤدبة زيادة عن اللزوم؟وكامن دمك تقيل وكالمك قليل.
أبدا ،أصل عملت بنصيحتك بتاعة املرة اليل فاتت ورشبت كلور وإزازةبطاس علشان أنضف زفرة لساين ،وتقريبا مهة اليل خلوين كده ،ممكن أستأذنكم
أروح أنا وألف الكباب وآخده معايا؟
طول عمرك بخيلة جلدة يا نادية يا ختى ده اليل هو أنا ،مش أنت خالص ،مع إنك بقيت بطل وقبضت فلوسعىل قلبك قد كده ،ولسه بردو بتعزمنا عند عم كوراع الفحل ،ومحلت الطعام
- 125 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
ومضت بعيد ا ،وتركتهم يضحكوا وهي ترسم الضحكة عىل وجهها لتخفي
سيل دموع قلبها.
ويف الصباح حرضت نادية وجلست بحضور فدوى ومصطفى يف حرضة
املخرج؛ لتتفق عىل دورها يف الفيلم اجلديد ،ومتيل رشوطها وكأهنا نجمة معتزة
بتارخيها ،وتقول هلم:
أي دور يف الفيلم أنا ممكن ألعبه عادي ،بس أنا ال بلبس عريان ،وال برقص،وال ينفع أظهر خلفية يف بيت مشبوه ،لو موافقني عىل كالمي أنا موافقة عىل أي دور
مهام كان إنشاهلل أظهر بصوابع رجيل ،أو طرطوفة مناخريي.
فضحك املخرج وقال هلا:
ده أنت طلعتي نمرة يا نادية وعاوزالك فيلم كوميدي يظهر خفة دمك دي.وانشغل مصطفى بالدور اجلديد ،وشارك نادية أكثر من مشهد ساعدته فيه
بموهبتها وخفة ظلها ،حتى لفتت نظر العديد من املخرجني يف البالتوه ،وجاءهتا
عروض كثرية ليست أدوارا كبرية ،لكنها بالنسبة لكومبارس مثلها تعد نجاحا باهرا،
وأكثر ما أسعد مصطفى أن فدوى يف هذا الفيلم التزمت احلشمة بعض اليشء،
واختارت مالبسها بصورة جديدة ليس فيها ابتذال أو إسفاف ،ولكنها كانت تتغيب
كثريا بحجة التصوير اخلارجي ملسلسل جديد آخر حيتاج منها التواجد املستمر،
وألن مصطفى كان مشغوال بفيلمه وتصوير مشاهده ،مل يعرها اهتامما حتى آخر
- 126 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
مشهد يف الفيلم ،والذي كان جيمعه بفدوى ،وجاءها فيه تليفون جعلها ترتبك يف
أداء اخر مشاهدها ،حتى أهنا مل تستطع أن تكمله رغم أن كل من يف البالتوه ترجوها
أن تنجزه؛ ألنه آخر مشهد يف الفيلم ،ولكنها رفضت ،وادعت أن لدهيا موعدا ال
تستطيع التأخر عنه ،حتى أهنا مل تغري مالبس التصوير ،وانطلقت بعيدا بعد أن
استدعت عم أنور السواق ليحملها ملكان مشوارها اهلام هذا.
أما مصطفى فقرر أن يذهب لنادية يف حجرة الكومبارس ليستعني هبا عىل شيطان
شكه وينساه بأحاديث نادية املرحة خفيفة الظل ،وما أن دخل خطوتني نحو غرفة
نادية حتى سمعها تتشاجر مع أحد العاملني يف البالتوه وتقول:
بطلوا بقى كالم عىل الناس ،جتكم داهية يف كالمكم ويف حقدكم،مصطفى أنضف منك ومن عيلتك يا عم مريس يا كيالكيت ،هو نجم ،أما أنت
هتعيش كالكيت ومتوت كالكيت ،وعشان كده هتموت منه ..موت يا عم
مريس يا كالكيت.
فدوى هي اليل خلته نجم ،وبكرة تعمل غريه وغريه ،الناس عارفة إهنامتجوزاه يف الرس ،وهي لو كانت بتحبه ومايل عينها كانت خلت جوازها منه يف الرس
ليه؟ تسمحي تقولييل؟
تسمح أنت ما تقوليش حاجة وتغور من ويش علشان ما أهتورش عليكوأفتح نافوخك بخشب الكالكيت اليل أنت فرحان بيه ده؟ مصطفى أرشف وأرجل
- 127 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
راجل يف الدنيا ،ده حتى النجمة بتاعتك دي أول فيلم ليها تلبس فيه حمرتم وحترتم
فنها ونفسها علشان مصطفى معاها وشاكمها.
هأ أوأوأو ،ال ياختي علشان فوزي بيه مدكور اليل هي معاه دلوقتي بيغريعليها ،وهو اليل طلب منها كده ،امال انتو فاكرين مني اليل أنتج لكم الفيلم العائيل
ده؟ ما هو فوزي بيه وفلوس فوزي بيه ،ويف أي وقت يطلبها جتري وتسيب الفيلم
يولع؛ ألنه هو املنتج يا نونة.
وأنت بقى خمابرات وعامل يف الكالكيت بتاعك ده سامعات جتسس وبتسمعوبتشوف كل حاجة؟
ال ياختي ،ابن عم أمي شغال بواب عىل قرص فوزي بيه مدكور وهو اليلحكايل ،وأنا مصدقه ،واليل يشتغل مع فدوى السنني اليل فاتت دي يعرف
فدوى كويس ،امال انتو فاكرين إيه؟ شوية كومبارس زيكم هيغريوا الكون
ويصل حوا البرشية؟
ربنا يبرشنا بخرب وفاتك عن قريب يا عم مريس ونطلع عليك القرافةمانستدللك عىل مقربة ،تكون احلرامية قشطتها وباعتك لكل طلبة الطب اليل يف
مرص ،حتة منك تسافر املنصورة ،وحتة تروح الصعيد ،وحتتني يف حاليب
وشالتني ،وتبقى أوزوريس القرن الواحد وعرشين يا عم مريس اللهم آمني.
- 128 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
فدخل عليهم مصطفى كاملجنون ،وأمسك عامل الكالكيت من رقبته ،وطلب
منه عنوان قريبه يف فيال فوزي مدكور ،فدله عىل العنوان ،فطار إليه ووراءه نادية
تناديه وحتاول هتدئته ،دون جدوى ،ووصل مصطفى متأخرا ،فقد كانت فدوى قد
غادرت القرص وعادت لفيلتها ،فصعد هلا والدماء جتري يف عروقه ،ودخل عليها
فلم تنظر نحوه وقالت:
من فضلك يا مصطفى ،أنا تعبانة ،سيبني دلوقتي أنام وبكرة نتكلم. أصل الكالم كله خلص مع فوزي مدكور ،مش كده؟فنظرت نحوه بخوف وقالت:
أنت بتقول.. بقول إنك إنسانة وضيعة ،عايمة يف مستنقع رذيلة ،وعمرك ما هتنضفي وتبقيبني أدمة حمرتمة.
وأخذ يصفعها ويركلها مرات وراء مرات كاملجنون ،فرفعت وجهها والدماء
تقطر من أنفها وفمها وقالت:
امال كنت عاوزين أعمل إيه؟ أسيب قاسم يدمرنا؟ مكنش هيسيبك والهيسبني ،الناس دول أنا عارفاهم كويس ،أنت ما تعرفش حاجة ،كان الزم حد
حيمينا منهم يف دنيتنا دي ،الزم يكونلك محاية علشان تقدر تعيش.
- 129 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
نظر هلا بغضب وحقد وقد جتمعت شياطني األرض يف عينيه ،وكره البرشية كلها
ىف قلبه ،ويف صدره املتهدج مرارة واشمئزاز قرون من العار وقال بائسا يائسا" :
ال ،هي دنيتك أنت لوحدك 100 ،ألف واحدة يف الدنيا دي معاكي ممثالتوخمرجات عايشني حياهتم مجهورهم هو محايتهم وحياهتم ،اشمعنى أنت اليل عىل
طول حمتاجة محاية ،والنهارده بتستعيني بفوزي مدكور عىل قاسم شكري زي ما
استعنتي بقاسم شكري عىل اليل قبله ،واليل بعدهم مني يا فدوى؟ كام واحد لسه
ناقص يف لستة احلامية بتاعتك؟ عارفة أنت حمتاجة محاية عىل طول ليه يا نجمة؟
ألنك أنت واليل زيك خليتوا الدنيا غابة ،ال فيها دين وال أخالق ،وبتدفعوا بسخاء
من كرامتكم ومن رشفكم علشان تفسدوا الدنيا باسم الشخصية والواقعية ،والواقع
انتو اليل خليتوه كده بعهركم ورخصكم ،والزم ترشبوا من نفس الكاس اليل
بتسقوه للناس.
ومىض مصطفى وهو ينتفض بعيد ا ،ثم التفت هلا وهو يبصق يف وجهها
آ خر كلامته :
أنا راجع بلدي دلوقتي أزرع أريض وأدعي ربنا يساحمني وهيديني ،وأنتورقتك تبليها وترشيب مايتها؛ ألين ما أقبلش تبقي عىل ذمتي وتشيل اسمي واحدة
زيك ،حتى ولو كانت نجمة.
فجذبته فدوى من مالبسه ترجوه أال يرتكها ،وأن يظل بجانبها ،وقالت:
- 130 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
ما تضيعش نفسك يا مصطفى ،لسة لك آخر مشهد يف أول بطولة أفالمك ،ماتتهورش وتسيبه ،دي بطولة يا مصطفى ،عارف يعني إيه بطولة؟
أي بطولة اليل يدفع متنها منتج مرايت نايمة يف حضنه؟ هي دي البطولة يفنظرك؟ لو هي دي أنا مش عايزها ،وهسيبك أنت وفوزي بتاعك تعملوا للفيلم
مشهد هناية يليق بيه وبيكي يا نجمة.
ودفعها ومىض حلجرته ،ومجع ثيابه القديمة؛ بنطلونه املسطر وقميصه
الكاروهات ومىض خارج القرص ،فوجد نادية تنتظره عىل باب القرص بعد أن
منعوها من الدخول والقلق ينهشها عليه وقالت:
رايح فني يا مصطفى؟ راجع بلدنا يا نادية ،أنت كان عندك حق ،هرجع أرعى أريض ،وأعيش يف جنةأهيل ،بعيد عن جهنم احلمرا دي.
وأنا يا مصطفى؟ هتميش وتسيبني؟ أنت عندك شغلك وموهبتك ،والزم تكميل ،بس اوعي تتخيل عن مبادئك يانادية علشان تبقي نجمة ،اوعي تبقي فدوى تانية.
يا ريتني كنت زهيا علشان كنت شوفتني وحسيت بيا ،أنا بحبك يا مصطفىوعمري ما حلمت بأكرت من إين أرجع معاك بلدك ،نخلف عيلني نربيهم ونراعيهم،
خدين معاك يا مصطفى.
- 131 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
والبطولة والنجومية؟ كفاية إنى أبقى بطلة يف قصة حياتك ،ونجمة يف فيلم نكتبه وننتجهونمثله مع بعض.
فوضع يده عىل كتفها ومضيا معا ،بعيدا عن بوابة قرص النجمة ؛ بوابه جهنم
احلمراء تلك ؛ ليبحثا معا عن جنة مكان هلام عىل األرض ،يسعهام بأحالمهام
برباءهتام ،بعيدا عن جحيم النجوم.
** متت **
- 132 -
القصة الثالثة
حب ..ووعد ..وثأر
أحبك ولكن ..غادة العليمي
مقدمة
من غري املعقول أن نتكلم عن احلب دون أن نذكر حب الوطن ،ذلك احلب
املقدس الذي نضحي يف سبيله بالنفيس والغايل ،والروح والدم ،وكثريا ما قال
القائلون يف حب الوطن:
نموت نموت وحييا الوطن ،ولست أعرف كيف لوطن أن حييا بعد موتشعبه ،حقا ال أعرف.
وقد دارت أحداث هذه القصة بعد زلزال عنيف زلزل األرض من حتت أقدامنا
يف تاريخ غري بعيد ،فقد خرجنا من بيوتنا أمام إعصار ربيعه العاصف ،صفا واحدا
كصخرة صلدة ،ولسبب جمهول ما زال البحث جاريا عنه حتى اآلن ،عدنا بعد
اصطفافنا أمام عاصفته اهلوجاء ،وقد تفرقنا أطيافا وشيعا وأحزابا وفرقا ،ومل تكن
أحداث أي قصة حقيقية بقدر أحداث تلك القصة مع أن أشخاصها ومهيون ال
وجود هلم يف احلياة ،ولكنهم موجودون فينا ،يعيشون معنا ،ويتكلمون بلساننا،
ويغذون أفعالنا ،ويكتبون أقدارنا ،ويؤثرون يف أحكامنا عىل كل األمور ،فتجد أن
لكل حدث حولنا سببني ،ووراء كل رأي رأيني ،ومهام بلغت من العقل ومن املنطق
ومن احلكمة ال بد وأن تنتمي ألحدمها بشكل أو بآخر ،وقد حاولت أن أنقل كلاميت
دونام انحياز ألي جبهة ،وقد حاولت أن أنقل األحداث دون أن أصبغها برأي
- 134 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
شخيص خيصني ،فضال عن أين مل أقطع وعدا ،ومل حيركني ثأر ،وال يدق قلبي إال
فقط حب لوطني ولكل أهل وشعب وطني ،حتى أين كتبت وشطبت مرات ومرات
كلامت وكلامت ،حماولة أن أكون حيادية عىل قدر املستطاع ،وال أحسب أين نجحت،
لكني حاولت ،واهلل عىل ما أقول شهيد.
- 135 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
حب ووعد وثأر
دخل مكتبه غاضبا من الفوىض التي تعم املكان ،متفحصا آثار املولوتوف عىل
اجلدران واملكاتب ،وبقايا امللفات ،وأخذ يدور يف الغرفة متوعدا بعهد جديد سيولد
عىل يديه ،وكان قد تسلم مكانه لتوه بعد إجازة قصرية ؛ ليسيطر عىل زمام األمور يف
القسم الذي تم اقتحامه يف نوبة فوىض من تلك التي يسموهنا ثورة .
وكان آرس ضابطا جمتهدا يف عمله ،وحمط ثقة لكل رؤسائه ،عنيدا ،ثابت الرأي،
واضح الرؤية ،قوي الشكيمة ،بنيانه اجلسدي القوي يستوقف العيون يف بدلته
املريي بنجومه املتأللئة عىل جانبي كتفه ،اسمه آرس ،وهو فعال كان آرسا للقلوب،
وخاصة قلوب الفتيات ،ولكنه أبدا مل يصادف من تستوقفه وترسق قلبه رغم
مجيالت عائلته الالئي يتسابقن عىل النيل منه ،والفوز بقلبه ،حتى أن أمه طلبت منه
أن يأيت بأخته سمر من النادي بعد عودته من عمله ؛ ألن سيارهتا معطلة ،ففهم آرس
أن هذا كمني آخر من الكامئن الذي تنصبهم له والدته وأخته كي تقبض عليه بنت
احلالل ،وتكلبش أصابعه بالدبلة الفضية ،وتسجنه سجنا مؤبدا بأشغاله الشاقة يف
قفص الزوجية الذهبي ،فلم يعارض ،ومل يبد فهمه أو استياءه ،وإنام ذهب فعال
للنادي ليعيد أخته للبيت ،خمبئا تذمره داخل نفسه ،وما أن دخل حتى وجد أخته
متحلقة حول عدد ممن يقال عنهن مجيالت النادي ،فاجته نحوها ،وما أن أقبل عليهن
- 136 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
ببدلته املريي حتى تسابقن مجيعهن عىل لفت انتباهه ،وطالبته أخته باجللوس دقائق
حتى تستعد ،فهي تنتظر شيئا ستجلبه هلا صديقة وهي يف انتظارها ،فجلس بينهن
صامتا مستاء ،متظاهرا باهلدوء ،وهو يريد أن يقلب عليهن الطاولة من تفاهتهن
وفراغهن ،فلم يكن جيذبه يف املرآة أبدا مجاهلا اخلارجي ،وال يمكن أن يستوقفه فيها
ترسحية شعرها ،أو أزياء ترتدهيا ،ما مل يصاحب كل هذا فكر وشخصية تفرض
وجودها عليه.
واصطنع آرس مكاملة ومهية عىل تليفونه املحمول ،وأمسكه وتظاهر بأنه يتحدث
ألحدهم ،واستأذهنن وابتعد عنهن ينفخ ويزفر أنفاس السأم والضيق ،وما أن مىض
بضع خطوات بعيدا عن طاولة أخته حتى ترامت إىل سمعه كلامت غاضبة من
إحداهن ،وكانت تتحدث بنربة غاضبة ،وترد عىل كالمها أخرى.
وطي صوتك شوية يا منة ،مش معقول كده هتودينا يف داهية ،وراكي ضابطوأنت عاملة تشتمي يف الداخلية ،ومش عاجبك حد.
فالتفت آرس إىل مصدر الصوت ،فوقعت عينه يف عينها ،فتاة جريئة ،متنمرة
متمردة ،غاضبة متحفزة ،وهي تنظر نحوه قائلة:
وأنا مش خايفة منه وال من جهاز الرشطة كله ،وهفضل أقول داخلية بلطجيةحلد ما أموت .
فاجته نحوها آرس بغضب وقال:
- 137 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
مش معنى إنك بتعيل صوتك وأنت بتشتمي إنك شجاعة ما بتخافيش ،الخالص ،معناها إنك وقحة وما اتربتيش .
أنت مني اداك احلق إنك هتيني وتتكلم معايا باألسلوب ده؟ نفس احلق اليل أنت اديتيه لنفسك بإنك تشتمي جهاز الرشطة كله ،اليل أنتبفضله قاعدة بتتشميس يف النادي علشان موفرلك محاية ما تستهليهاش ،ال أنت وال
اليل شبهك ،وعىل فكرة ،أنا مش بس ليا احلق إين أرد عليكي وبس ،أنا ليا احلق إين
أربيكي كامن لو كان والدك ووالدتك قرصوا يف مهمتهم دي ،وال ما كانوش
فاضيني يقوموا معاكي بدورهم .
فانتفضت غاضبة ،وقامت لرتد عليه ،فسبقتها صديقتها وقالت:
احنا آسفني يا باشا ،منة صاحبتي ما تقصدش ،ده احنا بنتناقش يف حاجاتوبنتكلم عن ناس هي اليل بتقول الكالم ده ،وأنت فهمت غلط.
وأخذت صديقتها من يدها وجذبتها بعيدا عنه ،حماولة فض شجار بينهام غري
حمسوب العواقب ،فمضت منة معها بعيدا وهي تقول هلا:
ومش مكسوفة يا داليا وأنت بتقوليلو يا باشا ؟ هو أنت إيه؟ شايفة نفسكفالحة يف وسية أبوه؟ ال وهو مصدق إنه باشا ،طب يروح يشرتي طربوش يلبسه
وهو بيسوق األتوموبيل بتاعه يف العزبة اليل جاهباله أبوه ،ما هي مرص دلوقتي بقت
عزبتهم ،واحنا الفالحني العبيد اليل الزم نطيع ،وإال يرضبونا بالكرباج.
- 138 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
وكان صوت منة واضحا رغم أهنا ابتعدت بعيدا جدا ،مما جعله يسمع كل
كالمها بوضوح وقوة ،األمر الذي أغضبه وأزعجه ،حتى أنه مىض خلفها يتبعها
ليعاقبها عىل كالمها ،لوال أن أخته وصديقتها قطعوا عليه الطريق ،وأوقفوه ،وقالت
له أخته:
أنا جاهزة يا حرضة الظابط ،يال بينا بس هنوصل مي معانا يف سكتنا ،أصلالسواق بتاعها اتأخر عليها.
فمىض معهام غاضبا صامتا ،وما أن وصلوا للعربة حتى قالت أخته:
اقعدي أنت قدام يا مي علشان أنا رجيل جمزوعة وواجعاين ،وعاوزة أفردهاعىل كنبة العربية ورا.
فنظر آرس يف مرآة العربية ألخته وحليلها اهلبلة املفقوسة ،وقاد السيارة صامتا،
فعرفته أخته بصديقتها مي ،وعائلتها الكبرية ،وشهادهتا العالية ،ومواهبها يف الطهي،
ومل يكن آرس يستمع هلا ،ومل يعطها أي اهتامم أو يعلق عىل كالمها.
ورأى آرس عىل جانب الطريق الفتاة التي تطاولت عليه بالكالم ،وصديقتها،
فتوقف فجأة وسأل أخته:
تعريف البت دي يا أماين؟ ال طبعا ،وأنا هعرف األشكال دي منني.فلحقتها مي صديقتها يف الكالم وقالت:
- 139 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
أنا أعرفها ،دي منة شكري ،وصاحبتها داليا مهدي طلبة ،داليا طالبة يف كليةاحلقوق ،ومنة يف إعالم ،بس إيه ،عاملني فيها صفية زغلول وهدى شعراوي.
ومهة دول أعضاء يف النادي؟ ال طبعا ،دي أشكال تدخل النوادي !! دول يا سيدي تبع مجعية حقوقيةبتجتمع بيهم يف النادي بتاعنا ،وتالقيهم راشقني يف أي مظاهرة أو أي وقفة حقوق
الكالب ،حق احلامر يف النهيق ،الدفاع عن حرية الكلب اجلربان يف ممارسة جربه ،أي
حاجة تالقيهم مشرتكني وبيهتفوا بحامس كامن ،أي هري والسالم يعني .
كانت تتحدث وهي تشري بيدهيا تعبريا عن وجهة نظرها ،حتى الحظت انقساما
يف ظافر سبابتها ،فأصاهبا حزن ،وتوقفت عن الكالم ،وتفرغت لظافرها املقصوف
تنظر نحوه بأسى بالغ ،وضحك آرس عىل تعليقات مي وعىل مأساهتا املروعة يف فقد
جزء من ظافرها املعتنى به عناية ال يناهلا أكثر من نصف أطفال الشوارع ،وقبل أن
يقود سيارته مبتعدا ،ملح ثالثة من الشباب يتجهون نحو الفتاتني ،ففهم بحسه
األمني أن شيئا غري مقبول سوف حيدث ،فانتظر دقائق حتى وقع ما توقعه بالفعل؛
حيث إن الشارع الفارغ من املارة كان مكانا مناسبا لتجمع بعض الشباب الفاسد
ملضايقة الفتيات اخلارجات من النادي العريق ،وقطع الطريق عليهن فيام يعرف
باملصطلح البغيض املسمى حترش ،فأمسك آرس بتليفونه وطلب دورية الرشطة
القريبة من مكانه وأمرهم باحلضور حاال.
- 140 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
ويف اللحظة املناسبة ترجل من سيارته واجته نحوهم ،وما أن رآه الشباب حتى
مهوا باهلروب ،لوال أنه جذهبم من مالبسهم ورضهبم رضبا مربحا أوقعهم أرضا،
حتى جاءت عربة الدورية فحملتهم فيها ،فأمر ضابط الدورية الفتاتني املذعورتني
منة وداليا أن تركبا معهم العربة لعمل املحرض ،فرفضتا بشدة ركوب البوكس مع
املجرمني ،فتدخل آرس وقال لصديقه :
هجيبهم بعربيتي وأحصلك عىل القسم نكمل املحرض ،ما تقلقش.وأخذهم لعربته ،وأجلسهام بجانب أخته التي استاءت جدا مما حدث ،ومن
ركوب الفتاتني ذوات املستوى االجتامعى االقل منها ،وإفساد خطتها يف تعريف
أخيها بمي صديقتها ،وأخذت تنظر للفتاتني من أعىل ألسفل ،ومن أسفل ألعىل
بتعال ،حتى وصلوا لبيت مي ،فأنزهلا ،ثم اعاد أخته إىل البيت ،ثم عاد أدراجه
للقسم ؛ ليكمل املحرض ومعه الفتاتان ،فباغتته داليا معتذرة عام حدث ،وشاكرة ملا
فعله معهام ،فرد عليها آرس قائال:
مفيش حاجة تستدعي االعتذار والشكر ،أنا شغلتي أمحيكم وأحافظ عليكم.ثم نظر ملنة قاصدا بكالمه مضايقتها ،وقال:
وأريب اليل أهله ما عرفوش يربوه.فنظرت منة من شباك السيارة متجاهلة كالمه ،حتى ال جتيبه بام ال حيب أن
يسمعه ،ووصال إىل قسم الرشطة ،ودخلت الفتاتان خلفه ،وكان القسم تعمه
- 141 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
الفوىض بحوائطه املحروقة ،وأثاثه املكسور ،فأدخلهم آرس وتبادل الكالم مع
صديقه عن رضورة إنجاز املحرض برسعة حتى ال يؤخر الفتاتني أكثر من ذلك،
قدرت أوصل ليل أكرب وأقوى منه ،وخلصني منه ،وولع له يف الصالة ،ولفق له هتمة
كبرية دخل فيها السجن 15سنة ،واديتله املقابل اليل كان عاوزه ،وفضلت معاه حلد
ما وصلت ليل أكرب منه ،واليل أكرب وأكرب ،يعني أنا أعدائي كتري ،والزم حد كبري
حيميني ويقف يف ضهري.
أنا جنبك ومش هسيبك يا ست فدوى ،ابعدي أنت عن الناس دي وأناهفضل جنبك وهحميكي.
فضحكت فدوى من كالمه ومل جتب ،وعادا للقرص بنفس طريقة هروهبم،
وصعدت حلجرهتا ،وأخذت محامها ،وحاولت النوم ،ولكنها مل تستطع ،وأخذت
تفكر يف كل ما حدث هلا ،وتعيد رشيط حياهتا غري السعيد ،وهامجتها الذكريات
برشاسة ال ترحم ،ونغزها بقايا ضمريها الذي أيقظه حديث نادية الكومبارس معها،
فلم تدر إال وقدماها تأخذاهنا حلجرة مصطفى ،ودقت عليه الباب ،فلم جيب ،فقد
- 113 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
كان نائام يف فراشه ،وبدا بمالحمه الطيبة الطفولية كمالك هبط يف جهنم قرصها من
دون ميعاد.
فاقرتبت منه النجمة ،وقبلته من رأسه ،وداعبت خصالت شعره بيدهيا ،وكأهنا
قررت فجأة أن تكافئه عىل شهامته وطيبته بأن تعطيه نفسها ،فهو ليس بأقل من غريه
الذين نالوها من قبل ،فاستيقظ مصطفى مفزوعا ال يدري ماذا يفعل ،وماذا يقول،
ولكنه متاسك واعتذر للنجمة ،وقال:
أنا آسف يا ست فدوى ،أنا كنت نايم ما حستش بسعادتك ،حرضتكتؤمريني بحاجة؟ أنا حتت أمرك.
فضحكت فدوى هبسترييا وقالت:
أنا اليل حتت أمرك يا مصطفى.وقفزت بجانبه عىل الفراش بدالل ،وضحكت ضحكة رنانة هلا مغزى ومعنى
وهدف ،فقام مصطفى من فراشه ،ومىض بعيدا يف آخر احلجرة يتطلع إليها ،مرتجيا
إياها أن ترتكه وشأنه ،وال تفتنه يف شجاعته التي بدأت ختونه ،وأعصابه التي بدأت
تنهار ،فقالت له:
إيه؟ قمت وبعدت ليه كده؟ هو أنا مش عاجباك؟فقال هلا وعينه يف األرض:
- 114 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
بالعكس يا ست فدوى هانم ،أنت حلم ألي واحد عىل وش األرض ،بسساحميني ،أنا ما بقربش من احلرام ،وما بحبش أعمل حاجة حرام.
فغضبت فدوى ،واستعادت شخصية النجمة املغرورة املتغطرسة وقالت:
أنت برتفضني يا متخلف أنت؟ وال تكونش عاوز تتجوزين يا مصطفى بيه؟فقال هلا:
العفو يا هانم ،أنا بس بخاف ربنا ،وما بحبش أغضبه.فقامت فدوى غاضبة ونادت عىل اخلدم يف القرص وأيقظتهم من نومهم وقالت:
حد جييبيل ورقة وقلم برسعة.فأتاها اخلدم بدفرت أوارق ،وعلبة مليئة باألقالم ،كانت توقع هبم عقود أفالمها
وزواجها أيضا ،وبكل بساطة كتبت بنفسها ورقتي زواج عريف ،واحدة هلا وواحدة
له ،ومضت بإسمها احلقيقى وأمرته أن يوقع باسمه ،فأمسك القلم الذي من شدة
اضطرابه وقع منه ،فانحنت فدوى بدالل وتناولت القلم وأعطته ملصطفى ،وهي
تداعب يده وتبتسم له ،فارتبك وكاد يوقع القلم من جديد ،ولكنه مد يده ووقع
الورقة بيد مرتعشة ال تعرف ماذا تصنع ،ثم أمسكت تليفوهنا واعتذرت للمنتج عن
التصوير؛ ألهنا مسافرة لوالدهتا املريضة ،وأمرت اخلادمة أن جتهز هلا مالبسها
ومالبس مصطفى ،وامتثلت اخلادمة ألمرها وكأهنا معتادة عىل مثل تلك املفاجآت
التي بدت عادية جدا يف القرص ،وجهزوا هلا السيارة اجليب ،وانطلقت بمصطفى
- 115 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
بعيدا رغم حتذيرات األمن هلا بعدم املغادرة ،لكنها مل متتثل ،ومصطفى صامت
غامض ال يتكلم وال يعرف بامذا ينطق إذا تكلم ،وأخذته لفيلتها التي بدت كالقلعة
احلصينة عىل صخرة عالية يف الساحل الشاميل ،واحتفلت بزواجها ،وغاصت يف بحر
عسل أعطت مصطفى فيه بعضا منها ،وامتصته هي كله برجولته وبراءته وقلة
جتاربه ،وشبابه وعفويته ،وزادت فدوى مجاال عىل مجاهلا بعد أن تفتحت وردة
مشاعرها عىل يد بستاين شاب من عمرها ،بعد كل ما مر عليها من شيوخ وكهول
متصابني ،وأحبته وذاق قلبها احلب ألول مرة ،حبا حقيقيا عفويا ،بال مصلحة وال
هدف ،غري احلب واالرتواء من احلياة والسعادة ،ورحيق الشباب النابض يف عروق
مصطفى الفتى القوي.
أما مصطفى فكانت فدوى أكرب من كل أحالمه وآماله ،وكانت أقىص طموحات
حياته أن يقف أمامها يف دور أو حيظى باجللوس بالقرب منها يف بالتوه ،واستيقظت
فدوى وزوجها يف الصباح عىل خرب يزف هلا نبأ أهنم استطاعوا القبض عىل الرجل
الذي حاول قتلها ،واعرتف بكل حماوالته ،وأهنا من اآلن تستطيع أن تعيش حياهتا
بال هتديد ،ومتارس حريتها بال خوف ،وفرحت فدوى ومصطفى وعادا للقرص
فرحني ،واكمال تصوير فيلمهام ،ولكن ال أحد يعرف بزواجهام بناء عىل طلب
النجمة ،إال نادية ،فقد حدثتها نفسها املحبة ملصطفى بأن شيئا قد حدث بني فدوى
ومصطفى أكرب وأقوى من جمرد حماولة أو حماولتي قتل أفشلهام مصطفى بشجاعته،
- 116 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
كانت تعلم أن مصطفى أصبح نزوة يف حياة النجمة ،لكنها كانت خائفة عىل قلب
مصطفى ومشاعره ،وانطفاء فرحة تطل من عينيه كلام رأته بجانب فدوى.
كانت فدوى كثرية العالقات املثرية للجدل ،بمن هم أعظم وأشهر وأغنى
وأقوى من مصطفى ،لذلك مل يكرتث أحد ممن حوهلا لوجود مصطفى يف حياهتا،
ووافقوا عىل تصديق كذبة أنه يالزمها؛ ألنه حارسها الشخيص ،وبعد ميض يومني
عىل القبض عىل سيد البنش الذي حاول قتل فدوى أكثر من مرة ،وأثناء قيلولة
فدوى ومصطفى فاجأمها تليفون من الشخصية املهمة يريد أن حيرض ملقابلتها يف
القرص ،فوافقت فدوى ،وأمرت اخلدم باالنرصاف ،فتعجب مصطفى وقال:
إيه اليل أنا بسمعه ده؟ أنت هتقابيل الراجل ده تاين يا فدوى؟ أنا مش مصدقوداين ،أنت أكيد جرى لعقلك حاجة.
هيجرى لعقيل حاجة فعال لو رفضت إين أقابله ،أنت ما تعرفش الراجل دهممكن يعمل فينا إيه؟
فغضب مصطفى وقال:
وأنا بصفتي جوزك مش موافق ،ومهنعك إنك تقابليه. مصطفى يا حبيبي ،ما ختافش عليا ،أنا هعرف أترصف معاه ،اميش أنتدلوقتي وملا ترجع هتالقي األمور كلها بقت متام.
فنظر هلا بتعجب غري مصدق ،وقال:
- 117 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
أنت عاوزاين أنا كامن أميش وأسيب مرايت مع راجل غريب؟ أنت أكيد جمنونة،ده مستحيل حيصل أبدا.
مفيش وقت للكالم الكتري ،الراجل زمانه جاي ،وما ينفعش يشوفك هنا،اتفضل بقى لو سمحت.
فخبط مصطفى كفا بكف وقال:
ما ينفعش يشوف جوزك معاكي ،لكن ينفع إن جوزك يسيبك معاه عاديكده ،أنت بتقويل إيه؟ أنت فامهة أنت بتقويل إيه؟
قبل أن تكمل كان الرجل قد جاء ،فرتجت مصطفى أن يصعد حلجرته وال يظهر
حتى ينرصف الضيف ،وجيب أن يثق فيها ويسمع ما تقول ،وصعد مصطفى
للحجرة مرغام والدماء تغيل يف عروقه.
فدخل عليها الرجل املهم مهنئا هلا؛ ألهنا أخريا استطاعت أن تتخلص من القاتل
الذي حاول قتلها ،وأخربها كذبا بالطبع أنه قد كان له دور كبري يف القبض عليه،
فضال عن أنه عندما تركها وانرصف مل يرتكها خوفا أو جبنا ،وإنام لكي يستدعي هلا
املساعدة ،حتى أن هذا الرجل الذي يدعى مصطفى البودي جارد الذي يالزمها هو
من رجاله ،ويقبض منه لكي حيميها ،لكنه يبقي األمر رسا بينه وبني مصطفى هذا،
فهزت فدوى رأسها وقالت:
طبعا طبعا ،كلنا عايشني يف محايتك وحتت رعايتك يا قاسم بيه.- 118 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
فقال هلا:
ال ،قاسم بيه إيه قولييل يا كوكو زي زمان.واقرتب منها حياول احتضاهنا ،وانتظر مصطفى أن ترفض فدوى أو أن تدفع
الرجل عنها ،ولكنها مل تفعل ،فخرج مصطفى غاضبا ،وقال:
هي دي الثقة يا فدوى هانم؟ وهو ده الترصف اليل أنت هتترصفيه معاه؟فتطلع فيه الرجل وقال:
أنت مني؟ وازاي تدخل علينا كده؟ أنت اجتننت؟ مني ده يا فدوى؟فرد مصطفى:
أنا يا كوكو بيه البودي جارد بتاع ست فدوى اليل أنت بتدفعله علشان حيميها،إيه؟ نسيتني برسعة كده يا كوكو بيه؟
فقال الرجل:
وازاي تدخل علينا كده؟ وازاي ما مشيتش مع اخلدامني؟ ازاي يا فدوى؟ أناقولتلك ألف مرة إن القرص الزم يفىض متاما قبل وصويل.
فقال مصطفى:
- 119 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
من آخر مرة كنت فيها هنا وهربت وسيبتها لوحدها مع القاتل وأنا عرفتإنك راجل جبان ،وأنا هنا بقوم بشغيل علشان أمحيها؛ ألن اليل زيك بفلوسه وجاهه
ما يعرفش حيمي ست مسكينة ملا تستجري بيه يف وقت شدة.
فصاح الرجل بعصبية وبغرور:
أنا هوديك يف ستني داهية ،أنت مش عارف أنت بتكلم مني؟فقال مصطفى:
أنا فعال ما كنتش عارف ،بس دلوقتي عرفت ،أنت كوكو بيه ،راجل جبانوعجوز متصايب ،بتستغل اسمك وسلطتك وفلوسك يف الفساد واإلفساد ،وبتحب
احلرام ،مع إنك راجل كبري ورجلك والقرب.
فخرج الرجل غاضبا ،يصيح ويلعن ويتوعد ملصطفى الذي التفت له فدوى
وقالت:
إيه اليل أنت عملته ده؟! اليل يعمله أي راجل حر ،وال أنت عاوزاين أسيب مرايت يف حضن راجل غريب؟ الراجل ده ممكن يدمرك ويقيض عليك ،أنت ما تعرفوش. أنت اليل ما تعرفينيش يا فدوى ،أنا صحيح واحد غلبان عىل قده كومبارسفاكر نفسه بطل ،بس أنا من جوايا فعال بطل ،اليل يدمرين ويقيض عليا إين أفرط يف
كرامتي وأخرس احرتامي لنفيس ،أنت بتحبيني يا فدوى؟
- 120 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
فقالت فدوى وهي ترمتي يف أحضانه كقطة حتتمي بصاحبها:
أكرت من أي حاجة يف حيايت يا مصطفى.قال هلا:
خالص ،يبقى تيجي معايا وتسيبك من حياة العهر والقرف دي ،وترجعيمعايا بلدنا ،هناك ال حد يعرفنا وال نعرف حد ،عندي قرياطني نزرعهم ونعيش من
خريهم ،وتنيس كل اليل فات من حياتك ،ونبدأ من جديد.
فرتكته فدوى وأعطته ظهرها وقالت:
موافقة ،بس سيبني كامن كام يوم أظبط أموري ،وأجهز نفيس.فقال هلا:
بجد يا فدوى؟فقالت له:
صدقني يا مصطفى املرة دي بجد.فحملها وطار هبا وهو يعدها بالسعادة ،ثم تناوال عشاءمها معا ،وقىض الليل
يرسم هلا أحالمه البسيطة جدا ،ويصف هلا حدود دنياه اجلديدة السعيدة معها،
واستيقظ يف الصباح فلم جيدها بجواره ،ومل يعرف أحد طريقا للنجمة ،فلم تكن يف
بالتوه التصوير ،وال يف القرص ،وحتى البودي جارد الثريان البرشية التي يف القرص مل
- 121 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
يعرفوا هلا مكانا ،وموبايلها مغلق وال جييب ،وجن جنون مصطفى ،ومىض يفتش
عنها ،وعادت آخر الليل متعبة ،فسأهلا مصطفى:
ممكن أعرف كنتي فني يا فدوى طول النهار؟فقالت فدوى:
أنا مش قولتلك يا مصطفى سيبني كام يوم أظبط حايل؟ أنا كنت بظبط حايل،وهقولك عىل كل حاجة بس الصبح؛ ألين مهوت وأنام ،وعىل فكرة ،جهز نفسك
علشان هتوقع بكرة بطولة فيلم وبمبلغ كبري كامن.
فقال هلا:
والسفر؟ أنت مش وعدتيني إنك هتيجي معايا البلد؟قالت له:
واالعتزال ده مش حمتاج فلوس؟ الزم نشتغل فيلمني تالتة وبعدين نعتزل معبعض ،وسيبني أنام بقى دلوقتي وبكرة نبقى نتفاهم.
وتركته ودخلت وغابت يف نوم عميق ،واستيقظ يف الصباح فلم جيدها ،فتعجب
لغياهبا ،وتعجب أكثر حني سمع عن سقوط رجل مهم يف الدولة يف قضية فساد
كربى هو قاسم شكري «كوكو بيه» ،فلم يرتح للخرب ،وقرر أن يعرف أين تذهب
فدوى ،وملاذا ختتفي ،وما عالقة اختفائها باخلرب الذي تذيعه كل القنوات ،وتتحدث
عنه كل األلسنة ،وهنش الشيطان عقله ،وتصور مائة سيناريو ،ومائة فيلم ،وقطع
- 122 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
خياله اخلصب تليفون من فدوى ختربه فيه أهنا يف البالتوه تنتظره هي واملنتج
واملخرج؛ لتوقيع عقد الفيلم ،فالم مصطفى نفسه كثريا ،وطار إليها يف االستوديو؛
ليزف إليها خرب وقوع كوكو بيه الذي هيدد حياهتم بخطورته ،وجربوته ،وقابلها
وزف إليها اخلرب ،فاصطنعت فرحة باهتة ال تليق بحجم اخلرب السعيد ،واحلدث
اجللل ،وقالت:
تعاىل وقع عقد الفيلم وبعدين نبقى نتكلم يف اخلرب.فوقع مصطفى عىل العقد ،وقبض أكرب مبلغ يف حياته ،غري مصدق ما هو فيه،
حتى أنه نيس أمر سفره للبلد ،وأحالمه للعودة بفدوى بعيدا ،فالفرحة حني تأيت عىل
غري ميعاد تلغي وعودا وهتدم مشاريع ،وتبني أخرى يف ملح البرص ،وكانت قصة
الفيلم اجلديدة الذي سيلعب بطولتها مستوحاة من قصته مع فدوى يف حماوالت
االغتيال التي نجاها منها ،أو بمعنى أوضح استثامر لألحداث واألخبار ،ولفضول
اجلمهور ملعرفة ما حدث للنجمة الالمعة ،والفرجة عىل الكومبارس الذي حتول إىل
نجم بفضل شهامته ،رغم افتقاره للموهبة التي تؤهله للنجومية.
وهنأه اجلميع ،وأقبلوا عليه يقبلونه ،فلمح نادية من بعيد تنظر نحوه بأسف،
وتتطلع فيه بحزن ،ثم مضت وتركته ،فلم ينادها رغم تعلق عينيه هبا وهي تغادر،
وعاد للقرص سعيدا بالعقد ،وبالشيك ،وبالدنيا اجلديدة التي فتحت أبواهبا عىل
مرصاعيها له.
- 123 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
وجلس مع فدوى يبدي بلسانه فقط اعرتاضه عىل تأجيل قرارمها بالسفر ،أما
قلبه فكان يزغرد بني ضلوعه ،وكانت فدوى تشعر بذلك ،وتتفهمه ،ولكنها مل ترد
إحراجه فقالت له:
أنا كنت عاوزاك بس تثبت للناس كلها قدراتك كنجم كبري ،وترجع بلدكمنجم ،وال أنت عاوز خترج منها كومبارس؟ وترجع ليها كومبارس؟ وبعدين ما دام
قاسم وقع وغار بعيد عننا يبقى إيه اليل خيلينا نستعجل وناخد قرارنا من غري ما
نستعد له؟
فنظر مصطفى هلا وقال:
ما تعرفيش قاسم إيه اليل وقعه الوقعة السودا دي؟فارتبكت فدوى وقالت:
هو ما عملش شوية ،وأعداؤه كتري ،وكان الزم دي تبقى هنايته ،بقولك إيه؟ أنا
عاوزة أحتفل باملناسبة دي ،عاوزاك تعزمني عند عم كوارع الفحل عىل جوزين محام
وكيلو كباب وكفتة ،ونقول لنادية كامن تيجي تتعشى معانا ،أنا كلمتلها املخرج
يشوف هلا دور معاك يف الفيلم.
فشكرها مصطفى ،وتنكرت فدوى وخرجت معه ،ومرا عىل نادية ،ونزلت معهام
للعشاء وقضاء سهرهتم عند عم كوارع الفحل ،وجلس الثالثة بعد أن عرفها
- 124 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
مصطفى بشخص فدوى ،وبقيت نادية طيلة العشاء صامتة سارحة ال تتكلم
كعادهتا ،فقال هلا مصطفى:
أنت ليه الصبح ما جيتيش هتنيني يا حقودة يا أم قلب أسود زي بقية الزمال؟ أعمل إيه يف نفيس؟ ما هو أنا زي ما أنت قولت كده بالظبط حقودة وقلبي أسود. أمجل حاجة فيكي يا نادية إنك رصحية ،ورغم رصاحتك دي وطولة لسانكاليل ما أعرفش ماله النهارده ،فدوى هانم عماللك مفاجأة كبرية هتطلعي منها
بقرشني كويسني ،وهتديكي دور يف فيلمها اجلديد ،وبكرة ممكن تيجي تقابيل املنتج
وتتفقي وتقبيض كامن.
شكرا ليك يا مصطفى بيه أنت وست فدوى هانم. هو أنت إيه اليل حصلك؟ مالك بقيتي فجأة كده مؤدبة زيادة عن اللزوم؟وكامن دمك تقيل وكالمك قليل.
أبدا ،أصل عملت بنصيحتك بتاعة املرة اليل فاتت ورشبت كلور وإزازةبطاس علشان أنضف زفرة لساين ،وتقريبا مهة اليل خلوين كده ،ممكن أستأذنكم
أروح أنا وألف الكباب وآخده معايا؟
طول عمرك بخيلة جلدة يا نادية يا ختى ده اليل هو أنا ،مش أنت خالص ،مع إنك بقيت بطل وقبضت فلوسعىل قلبك قد كده ،ولسه بردو بتعزمنا عند عم كوراع الفحل ،ومحلت الطعام
- 125 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
ومضت بعيد ا ،وتركتهم يضحكوا وهي ترسم الضحكة عىل وجهها لتخفي
سيل دموع قلبها.
ويف الصباح حرضت نادية وجلست بحضور فدوى ومصطفى يف حرضة
املخرج؛ لتتفق عىل دورها يف الفيلم اجلديد ،ومتيل رشوطها وكأهنا نجمة معتزة
بتارخيها ،وتقول هلم:
أي دور يف الفيلم أنا ممكن ألعبه عادي ،بس أنا ال بلبس عريان ،وال برقص،وال ينفع أظهر خلفية يف بيت مشبوه ،لو موافقني عىل كالمي أنا موافقة عىل أي دور
مهام كان إنشاهلل أظهر بصوابع رجيل ،أو طرطوفة مناخريي.
فضحك املخرج وقال هلا:
ده أنت طلعتي نمرة يا نادية وعاوزالك فيلم كوميدي يظهر خفة دمك دي.وانشغل مصطفى بالدور اجلديد ،وشارك نادية أكثر من مشهد ساعدته فيه
بموهبتها وخفة ظلها ،حتى لفتت نظر العديد من املخرجني يف البالتوه ،وجاءهتا
عروض كثرية ليست أدوارا كبرية ،لكنها بالنسبة لكومبارس مثلها تعد نجاحا باهرا،
وأكثر ما أسعد مصطفى أن فدوى يف هذا الفيلم التزمت احلشمة بعض اليشء،
واختارت مالبسها بصورة جديدة ليس فيها ابتذال أو إسفاف ،ولكنها كانت تتغيب
كثريا بحجة التصوير اخلارجي ملسلسل جديد آخر حيتاج منها التواجد املستمر،
وألن مصطفى كان مشغوال بفيلمه وتصوير مشاهده ،مل يعرها اهتامما حتى آخر
- 126 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
مشهد يف الفيلم ،والذي كان جيمعه بفدوى ،وجاءها فيه تليفون جعلها ترتبك يف
أداء اخر مشاهدها ،حتى أهنا مل تستطع أن تكمله رغم أن كل من يف البالتوه ترجوها
أن تنجزه؛ ألنه آخر مشهد يف الفيلم ،ولكنها رفضت ،وادعت أن لدهيا موعدا ال
تستطيع التأخر عنه ،حتى أهنا مل تغري مالبس التصوير ،وانطلقت بعيدا بعد أن
استدعت عم أنور السواق ليحملها ملكان مشوارها اهلام هذا.
أما مصطفى فقرر أن يذهب لنادية يف حجرة الكومبارس ليستعني هبا عىل شيطان
شكه وينساه بأحاديث نادية املرحة خفيفة الظل ،وما أن دخل خطوتني نحو غرفة
نادية حتى سمعها تتشاجر مع أحد العاملني يف البالتوه وتقول:
بطلوا بقى كالم عىل الناس ،جتكم داهية يف كالمكم ويف حقدكم،مصطفى أنضف منك ومن عيلتك يا عم مريس يا كيالكيت ،هو نجم ،أما أنت
هتعيش كالكيت ومتوت كالكيت ،وعشان كده هتموت منه ..موت يا عم
مريس يا كالكيت.
فدوى هي اليل خلته نجم ،وبكرة تعمل غريه وغريه ،الناس عارفة إهنامتجوزاه يف الرس ،وهي لو كانت بتحبه ومايل عينها كانت خلت جوازها منه يف الرس
ليه؟ تسمحي تقولييل؟
تسمح أنت ما تقوليش حاجة وتغور من ويش علشان ما أهتورش عليكوأفتح نافوخك بخشب الكالكيت اليل أنت فرحان بيه ده؟ مصطفى أرشف وأرجل
- 127 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
راجل يف الدنيا ،ده حتى النجمة بتاعتك دي أول فيلم ليها تلبس فيه حمرتم وحترتم
فنها ونفسها علشان مصطفى معاها وشاكمها.
هأ أوأوأو ،ال ياختي علشان فوزي بيه مدكور اليل هي معاه دلوقتي بيغريعليها ،وهو اليل طلب منها كده ،امال انتو فاكرين مني اليل أنتج لكم الفيلم العائيل
ده؟ ما هو فوزي بيه وفلوس فوزي بيه ،ويف أي وقت يطلبها جتري وتسيب الفيلم
يولع؛ ألنه هو املنتج يا نونة.
وأنت بقى خمابرات وعامل يف الكالكيت بتاعك ده سامعات جتسس وبتسمعوبتشوف كل حاجة؟
ال ياختي ،ابن عم أمي شغال بواب عىل قرص فوزي بيه مدكور وهو اليلحكايل ،وأنا مصدقه ،واليل يشتغل مع فدوى السنني اليل فاتت دي يعرف
فدوى كويس ،امال انتو فاكرين إيه؟ شوية كومبارس زيكم هيغريوا الكون
ويصل حوا البرشية؟
ربنا يبرشنا بخرب وفاتك عن قريب يا عم مريس ونطلع عليك القرافةمانستدللك عىل مقربة ،تكون احلرامية قشطتها وباعتك لكل طلبة الطب اليل يف
مرص ،حتة منك تسافر املنصورة ،وحتة تروح الصعيد ،وحتتني يف حاليب
وشالتني ،وتبقى أوزوريس القرن الواحد وعرشين يا عم مريس اللهم آمني.
- 128 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
فدخل عليهم مصطفى كاملجنون ،وأمسك عامل الكالكيت من رقبته ،وطلب
منه عنوان قريبه يف فيال فوزي مدكور ،فدله عىل العنوان ،فطار إليه ووراءه نادية
تناديه وحتاول هتدئته ،دون جدوى ،ووصل مصطفى متأخرا ،فقد كانت فدوى قد
غادرت القرص وعادت لفيلتها ،فصعد هلا والدماء جتري يف عروقه ،ودخل عليها
فلم تنظر نحوه وقالت:
من فضلك يا مصطفى ،أنا تعبانة ،سيبني دلوقتي أنام وبكرة نتكلم. أصل الكالم كله خلص مع فوزي مدكور ،مش كده؟فنظرت نحوه بخوف وقالت:
أنت بتقول.. بقول إنك إنسانة وضيعة ،عايمة يف مستنقع رذيلة ،وعمرك ما هتنضفي وتبقيبني أدمة حمرتمة.
وأخذ يصفعها ويركلها مرات وراء مرات كاملجنون ،فرفعت وجهها والدماء
تقطر من أنفها وفمها وقالت:
امال كنت عاوزين أعمل إيه؟ أسيب قاسم يدمرنا؟ مكنش هيسيبك والهيسبني ،الناس دول أنا عارفاهم كويس ،أنت ما تعرفش حاجة ،كان الزم حد
حيمينا منهم يف دنيتنا دي ،الزم يكونلك محاية علشان تقدر تعيش.
- 129 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
نظر هلا بغضب وحقد وقد جتمعت شياطني األرض يف عينيه ،وكره البرشية كلها
ىف قلبه ،ويف صدره املتهدج مرارة واشمئزاز قرون من العار وقال بائسا يائسا" :
ال ،هي دنيتك أنت لوحدك 100 ،ألف واحدة يف الدنيا دي معاكي ممثالتوخمرجات عايشني حياهتم مجهورهم هو محايتهم وحياهتم ،اشمعنى أنت اليل عىل
طول حمتاجة محاية ،والنهارده بتستعيني بفوزي مدكور عىل قاسم شكري زي ما
استعنتي بقاسم شكري عىل اليل قبله ،واليل بعدهم مني يا فدوى؟ كام واحد لسه
ناقص يف لستة احلامية بتاعتك؟ عارفة أنت حمتاجة محاية عىل طول ليه يا نجمة؟
ألنك أنت واليل زيك خليتوا الدنيا غابة ،ال فيها دين وال أخالق ،وبتدفعوا بسخاء
من كرامتكم ومن رشفكم علشان تفسدوا الدنيا باسم الشخصية والواقعية ،والواقع
انتو اليل خليتوه كده بعهركم ورخصكم ،والزم ترشبوا من نفس الكاس اليل
بتسقوه للناس.
ومىض مصطفى وهو ينتفض بعيد ا ،ثم التفت هلا وهو يبصق يف وجهها
آ خر كلامته :
أنا راجع بلدي دلوقتي أزرع أريض وأدعي ربنا يساحمني وهيديني ،وأنتورقتك تبليها وترشيب مايتها؛ ألين ما أقبلش تبقي عىل ذمتي وتشيل اسمي واحدة
زيك ،حتى ولو كانت نجمة.
فجذبته فدوى من مالبسه ترجوه أال يرتكها ،وأن يظل بجانبها ،وقالت:
- 130 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
ما تضيعش نفسك يا مصطفى ،لسة لك آخر مشهد يف أول بطولة أفالمك ،ماتتهورش وتسيبه ،دي بطولة يا مصطفى ،عارف يعني إيه بطولة؟
أي بطولة اليل يدفع متنها منتج مرايت نايمة يف حضنه؟ هي دي البطولة يفنظرك؟ لو هي دي أنا مش عايزها ،وهسيبك أنت وفوزي بتاعك تعملوا للفيلم
مشهد هناية يليق بيه وبيكي يا نجمة.
ودفعها ومىض حلجرته ،ومجع ثيابه القديمة؛ بنطلونه املسطر وقميصه
الكاروهات ومىض خارج القرص ،فوجد نادية تنتظره عىل باب القرص بعد أن
منعوها من الدخول والقلق ينهشها عليه وقالت:
رايح فني يا مصطفى؟ راجع بلدنا يا نادية ،أنت كان عندك حق ،هرجع أرعى أريض ،وأعيش يف جنةأهيل ،بعيد عن جهنم احلمرا دي.
وأنا يا مصطفى؟ هتميش وتسيبني؟ أنت عندك شغلك وموهبتك ،والزم تكميل ،بس اوعي تتخيل عن مبادئك يانادية علشان تبقي نجمة ،اوعي تبقي فدوى تانية.
يا ريتني كنت زهيا علشان كنت شوفتني وحسيت بيا ،أنا بحبك يا مصطفىوعمري ما حلمت بأكرت من إين أرجع معاك بلدك ،نخلف عيلني نربيهم ونراعيهم،
خدين معاك يا مصطفى.
- 131 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
والبطولة والنجومية؟ كفاية إنى أبقى بطلة يف قصة حياتك ،ونجمة يف فيلم نكتبه وننتجهونمثله مع بعض.
فوضع يده عىل كتفها ومضيا معا ،بعيدا عن بوابة قرص النجمة ؛ بوابه جهنم
احلمراء تلك ؛ ليبحثا معا عن جنة مكان هلام عىل األرض ،يسعهام بأحالمهام
برباءهتام ،بعيدا عن جحيم النجوم.
** متت **
- 132 -
القصة الثالثة
حب ..ووعد ..وثأر
أحبك ولكن ..غادة العليمي
مقدمة
من غري املعقول أن نتكلم عن احلب دون أن نذكر حب الوطن ،ذلك احلب
املقدس الذي نضحي يف سبيله بالنفيس والغايل ،والروح والدم ،وكثريا ما قال
القائلون يف حب الوطن:
نموت نموت وحييا الوطن ،ولست أعرف كيف لوطن أن حييا بعد موتشعبه ،حقا ال أعرف.
وقد دارت أحداث هذه القصة بعد زلزال عنيف زلزل األرض من حتت أقدامنا
يف تاريخ غري بعيد ،فقد خرجنا من بيوتنا أمام إعصار ربيعه العاصف ،صفا واحدا
كصخرة صلدة ،ولسبب جمهول ما زال البحث جاريا عنه حتى اآلن ،عدنا بعد
اصطفافنا أمام عاصفته اهلوجاء ،وقد تفرقنا أطيافا وشيعا وأحزابا وفرقا ،ومل تكن
أحداث أي قصة حقيقية بقدر أحداث تلك القصة مع أن أشخاصها ومهيون ال
وجود هلم يف احلياة ،ولكنهم موجودون فينا ،يعيشون معنا ،ويتكلمون بلساننا،
ويغذون أفعالنا ،ويكتبون أقدارنا ،ويؤثرون يف أحكامنا عىل كل األمور ،فتجد أن
لكل حدث حولنا سببني ،ووراء كل رأي رأيني ،ومهام بلغت من العقل ومن املنطق
ومن احلكمة ال بد وأن تنتمي ألحدمها بشكل أو بآخر ،وقد حاولت أن أنقل كلاميت
دونام انحياز ألي جبهة ،وقد حاولت أن أنقل األحداث دون أن أصبغها برأي
- 134 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
شخيص خيصني ،فضال عن أين مل أقطع وعدا ،ومل حيركني ثأر ،وال يدق قلبي إال
فقط حب لوطني ولكل أهل وشعب وطني ،حتى أين كتبت وشطبت مرات ومرات
كلامت وكلامت ،حماولة أن أكون حيادية عىل قدر املستطاع ،وال أحسب أين نجحت،
لكني حاولت ،واهلل عىل ما أقول شهيد.
- 135 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
حب ووعد وثأر
دخل مكتبه غاضبا من الفوىض التي تعم املكان ،متفحصا آثار املولوتوف عىل
اجلدران واملكاتب ،وبقايا امللفات ،وأخذ يدور يف الغرفة متوعدا بعهد جديد سيولد
عىل يديه ،وكان قد تسلم مكانه لتوه بعد إجازة قصرية ؛ ليسيطر عىل زمام األمور يف
القسم الذي تم اقتحامه يف نوبة فوىض من تلك التي يسموهنا ثورة .
وكان آرس ضابطا جمتهدا يف عمله ،وحمط ثقة لكل رؤسائه ،عنيدا ،ثابت الرأي،
واضح الرؤية ،قوي الشكيمة ،بنيانه اجلسدي القوي يستوقف العيون يف بدلته
املريي بنجومه املتأللئة عىل جانبي كتفه ،اسمه آرس ،وهو فعال كان آرسا للقلوب،
وخاصة قلوب الفتيات ،ولكنه أبدا مل يصادف من تستوقفه وترسق قلبه رغم
مجيالت عائلته الالئي يتسابقن عىل النيل منه ،والفوز بقلبه ،حتى أن أمه طلبت منه
أن يأيت بأخته سمر من النادي بعد عودته من عمله ؛ ألن سيارهتا معطلة ،ففهم آرس
أن هذا كمني آخر من الكامئن الذي تنصبهم له والدته وأخته كي تقبض عليه بنت
احلالل ،وتكلبش أصابعه بالدبلة الفضية ،وتسجنه سجنا مؤبدا بأشغاله الشاقة يف
قفص الزوجية الذهبي ،فلم يعارض ،ومل يبد فهمه أو استياءه ،وإنام ذهب فعال
للنادي ليعيد أخته للبيت ،خمبئا تذمره داخل نفسه ،وما أن دخل حتى وجد أخته
متحلقة حول عدد ممن يقال عنهن مجيالت النادي ،فاجته نحوها ،وما أن أقبل عليهن
- 136 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
ببدلته املريي حتى تسابقن مجيعهن عىل لفت انتباهه ،وطالبته أخته باجللوس دقائق
حتى تستعد ،فهي تنتظر شيئا ستجلبه هلا صديقة وهي يف انتظارها ،فجلس بينهن
صامتا مستاء ،متظاهرا باهلدوء ،وهو يريد أن يقلب عليهن الطاولة من تفاهتهن
وفراغهن ،فلم يكن جيذبه يف املرآة أبدا مجاهلا اخلارجي ،وال يمكن أن يستوقفه فيها
ترسحية شعرها ،أو أزياء ترتدهيا ،ما مل يصاحب كل هذا فكر وشخصية تفرض
وجودها عليه.
واصطنع آرس مكاملة ومهية عىل تليفونه املحمول ،وأمسكه وتظاهر بأنه يتحدث
ألحدهم ،واستأذهنن وابتعد عنهن ينفخ ويزفر أنفاس السأم والضيق ،وما أن مىض
بضع خطوات بعيدا عن طاولة أخته حتى ترامت إىل سمعه كلامت غاضبة من
إحداهن ،وكانت تتحدث بنربة غاضبة ،وترد عىل كالمها أخرى.
وطي صوتك شوية يا منة ،مش معقول كده هتودينا يف داهية ،وراكي ضابطوأنت عاملة تشتمي يف الداخلية ،ومش عاجبك حد.
فالتفت آرس إىل مصدر الصوت ،فوقعت عينه يف عينها ،فتاة جريئة ،متنمرة
متمردة ،غاضبة متحفزة ،وهي تنظر نحوه قائلة:
وأنا مش خايفة منه وال من جهاز الرشطة كله ،وهفضل أقول داخلية بلطجيةحلد ما أموت .
فاجته نحوها آرس بغضب وقال:
- 137 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
مش معنى إنك بتعيل صوتك وأنت بتشتمي إنك شجاعة ما بتخافيش ،الخالص ،معناها إنك وقحة وما اتربتيش .
أنت مني اداك احلق إنك هتيني وتتكلم معايا باألسلوب ده؟ نفس احلق اليل أنت اديتيه لنفسك بإنك تشتمي جهاز الرشطة كله ،اليل أنتبفضله قاعدة بتتشميس يف النادي علشان موفرلك محاية ما تستهليهاش ،ال أنت وال
اليل شبهك ،وعىل فكرة ،أنا مش بس ليا احلق إين أرد عليكي وبس ،أنا ليا احلق إين
أربيكي كامن لو كان والدك ووالدتك قرصوا يف مهمتهم دي ،وال ما كانوش
فاضيني يقوموا معاكي بدورهم .
فانتفضت غاضبة ،وقامت لرتد عليه ،فسبقتها صديقتها وقالت:
احنا آسفني يا باشا ،منة صاحبتي ما تقصدش ،ده احنا بنتناقش يف حاجاتوبنتكلم عن ناس هي اليل بتقول الكالم ده ،وأنت فهمت غلط.
وأخذت صديقتها من يدها وجذبتها بعيدا عنه ،حماولة فض شجار بينهام غري
حمسوب العواقب ،فمضت منة معها بعيدا وهي تقول هلا:
ومش مكسوفة يا داليا وأنت بتقوليلو يا باشا ؟ هو أنت إيه؟ شايفة نفسكفالحة يف وسية أبوه؟ ال وهو مصدق إنه باشا ،طب يروح يشرتي طربوش يلبسه
وهو بيسوق األتوموبيل بتاعه يف العزبة اليل جاهباله أبوه ،ما هي مرص دلوقتي بقت
عزبتهم ،واحنا الفالحني العبيد اليل الزم نطيع ،وإال يرضبونا بالكرباج.
- 138 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
وكان صوت منة واضحا رغم أهنا ابتعدت بعيدا جدا ،مما جعله يسمع كل
كالمها بوضوح وقوة ،األمر الذي أغضبه وأزعجه ،حتى أنه مىض خلفها يتبعها
ليعاقبها عىل كالمها ،لوال أن أخته وصديقتها قطعوا عليه الطريق ،وأوقفوه ،وقالت
له أخته:
أنا جاهزة يا حرضة الظابط ،يال بينا بس هنوصل مي معانا يف سكتنا ،أصلالسواق بتاعها اتأخر عليها.
فمىض معهام غاضبا صامتا ،وما أن وصلوا للعربة حتى قالت أخته:
اقعدي أنت قدام يا مي علشان أنا رجيل جمزوعة وواجعاين ،وعاوزة أفردهاعىل كنبة العربية ورا.
فنظر آرس يف مرآة العربية ألخته وحليلها اهلبلة املفقوسة ،وقاد السيارة صامتا،
فعرفته أخته بصديقتها مي ،وعائلتها الكبرية ،وشهادهتا العالية ،ومواهبها يف الطهي،
ومل يكن آرس يستمع هلا ،ومل يعطها أي اهتامم أو يعلق عىل كالمها.
ورأى آرس عىل جانب الطريق الفتاة التي تطاولت عليه بالكالم ،وصديقتها،
فتوقف فجأة وسأل أخته:
تعريف البت دي يا أماين؟ ال طبعا ،وأنا هعرف األشكال دي منني.فلحقتها مي صديقتها يف الكالم وقالت:
- 139 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
أنا أعرفها ،دي منة شكري ،وصاحبتها داليا مهدي طلبة ،داليا طالبة يف كليةاحلقوق ،ومنة يف إعالم ،بس إيه ،عاملني فيها صفية زغلول وهدى شعراوي.
ومهة دول أعضاء يف النادي؟ ال طبعا ،دي أشكال تدخل النوادي !! دول يا سيدي تبع مجعية حقوقيةبتجتمع بيهم يف النادي بتاعنا ،وتالقيهم راشقني يف أي مظاهرة أو أي وقفة حقوق
الكالب ،حق احلامر يف النهيق ،الدفاع عن حرية الكلب اجلربان يف ممارسة جربه ،أي
حاجة تالقيهم مشرتكني وبيهتفوا بحامس كامن ،أي هري والسالم يعني .
كانت تتحدث وهي تشري بيدهيا تعبريا عن وجهة نظرها ،حتى الحظت انقساما
يف ظافر سبابتها ،فأصاهبا حزن ،وتوقفت عن الكالم ،وتفرغت لظافرها املقصوف
تنظر نحوه بأسى بالغ ،وضحك آرس عىل تعليقات مي وعىل مأساهتا املروعة يف فقد
جزء من ظافرها املعتنى به عناية ال يناهلا أكثر من نصف أطفال الشوارع ،وقبل أن
يقود سيارته مبتعدا ،ملح ثالثة من الشباب يتجهون نحو الفتاتني ،ففهم بحسه
األمني أن شيئا غري مقبول سوف حيدث ،فانتظر دقائق حتى وقع ما توقعه بالفعل؛
حيث إن الشارع الفارغ من املارة كان مكانا مناسبا لتجمع بعض الشباب الفاسد
ملضايقة الفتيات اخلارجات من النادي العريق ،وقطع الطريق عليهن فيام يعرف
باملصطلح البغيض املسمى حترش ،فأمسك آرس بتليفونه وطلب دورية الرشطة
القريبة من مكانه وأمرهم باحلضور حاال.
- 140 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
ويف اللحظة املناسبة ترجل من سيارته واجته نحوهم ،وما أن رآه الشباب حتى
مهوا باهلروب ،لوال أنه جذهبم من مالبسهم ورضهبم رضبا مربحا أوقعهم أرضا،
حتى جاءت عربة الدورية فحملتهم فيها ،فأمر ضابط الدورية الفتاتني املذعورتني
منة وداليا أن تركبا معهم العربة لعمل املحرض ،فرفضتا بشدة ركوب البوكس مع
املجرمني ،فتدخل آرس وقال لصديقه :
هجيبهم بعربيتي وأحصلك عىل القسم نكمل املحرض ،ما تقلقش.وأخذهم لعربته ،وأجلسهام بجانب أخته التي استاءت جدا مما حدث ،ومن
ركوب الفتاتني ذوات املستوى االجتامعى االقل منها ،وإفساد خطتها يف تعريف
أخيها بمي صديقتها ،وأخذت تنظر للفتاتني من أعىل ألسفل ،ومن أسفل ألعىل
بتعال ،حتى وصلوا لبيت مي ،فأنزهلا ،ثم اعاد أخته إىل البيت ،ثم عاد أدراجه
للقسم ؛ ليكمل املحرض ومعه الفتاتان ،فباغتته داليا معتذرة عام حدث ،وشاكرة ملا
فعله معهام ،فرد عليها آرس قائال:
مفيش حاجة تستدعي االعتذار والشكر ،أنا شغلتي أمحيكم وأحافظ عليكم.ثم نظر ملنة قاصدا بكالمه مضايقتها ،وقال:
وأريب اليل أهله ما عرفوش يربوه.فنظرت منة من شباك السيارة متجاهلة كالمه ،حتى ال جتيبه بام ال حيب أن
يسمعه ،ووصال إىل قسم الرشطة ،ودخلت الفتاتان خلفه ،وكان القسم تعمه
- 141 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
الفوىض بحوائطه املحروقة ،وأثاثه املكسور ،فأدخلهم آرس وتبادل الكالم مع
صديقه عن رضورة إنجاز املحرض برسعة حتى ال يؤخر الفتاتني أكثر من ذلك،