أحبك ولكن - 4
لصالح خمرج مقاوالت يعرض مجاهلام بسخاء ليجني ثمن عرضه ماال وثروة.
وكان دور مصطفى سينتهي إىل هذا احلد ،لوال تدخل القدر ليحرم مصطفى من
نصف الدقيقة التي كان سيحظى هبا أمام الكامريا ،أول درجات املجد يف أحالمه
البسيطة ،فقد عادت النجمة لليوم التايل يف البالتوه معكرة املزاج ،وقررت أن
تستبدل مشهد الساعي بإضافة مشهد جديد هلا خيدم سياق الفيلم ،وهو يف الواقع
خيدم الطريقة التي ترى أهنا األنسب لعرض النجمة اجلديدة بالطريقة التي تناسبها
هي ،فوافق املخرج واملنتج عىل الفور ،وبعثوا لعامل يف االستوديو أن يعطي
ملصطفى أجره ويأمره بمغادرة البالتوه.
فخلع مصطفى بدلة الساعي وخرج من تقمصه للشخصية ،ومىض مغادرا
للبالتوه وهو حزين عىل أمله الضائع يف النصف دقيقة أمام الكامريا ،وما أن التفت
عائدا حتى سمع أحد الفنيني العاملني يف ديكور البالتوه حيدث اآلخر ويقول له:
اسمع بقى ،ما هو أنا لو ما أخدتش حقي دلوقتي مش هيحصل كويس ،ما هوملا النجفة تقع عىل فدوى ومتوت الدنيا هتتقلب ،وابقى دور عىل اليل هيسأل فيك
وفيا وقتها ،وال ابقى قول أنا اتفقت إين أوقع النجفة عليها وأموهتا مصعوقة
بالكهربا ،وموهتا وما أخدتش حقي.
فقال اآلخر:
- 87 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
وطي صوتك ،دلوقتي يقبضونا ،مهه بس مستنيني يطمنوا عىل التنفيذ يا راجل،هو يف حد بيدفع مقدم يف الزمن ده؟ صربك شوية يا حسن هتفضحنا.
وسمع مصطفى بالصدفة كالم العاملني ،فلم يتاملك أعصابه ،وجرى ملقابلة
النجمة التي ما أن سمعت أنه يريد مقابلتها حتى هاجت وماجت وقالت:
عايز إيه الزفت ده؟ هو أنا علشان عطفت عليه واديته كلمتني يقوهلم يف فيلميهيحسب إننا أصحاب؟ أما حاجة جتنن.
وأشارت للبيسة التي تساعدها يف ارتداء مالبسها وقالت:
روحي يا روحية قويل له الست فدوى بتقولك غور يف داهية.فقالت هلا لبيستها:
ما يصحش كده يا ست فدوى ،ده الراجل أنقذ حياتك.فردت فدوى بعصبية:
واديتله قرشني وعاجلته عىل حسايب ،عاوز إيه تاين؟ روحي مشيه يا روحية بدلما أجيبهم يشيلوه ويرموه برة.
ومضت روحية اللبيسة نحو مصطفى وقالت:
-الست بتقولك مش فاضية عندها مشهد دلوقتي.
- 88 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
فنظر مصطفى لبالتوه التصوير وكان اللوكيشن يتوسط سقفه نجفة كبرية احلجم
مليئة بالالمبات الكهربية ،ووجد العاملني اللذين سمعهام يتحدثان واقفني عىل
مقربة من أسالكها ينظران نحو فدوى ،وبديا وكأهنام جيهزا موقع السقوط .
وتقدمت فدوى ووقفت حتت النجفة وعدلت مالبسها وشعرها ،وما أن نطق
املخرج «أكشن» حتى رصخ مصطفى يف النجمة يف الوقت املناسب ...
ابعدي يا نجمة عن النجفة ،احسن هيوقعوها عليكي .فجرت فدوى مبتعدة عن النجفة ،فوقعت النجفة بعيدا عنها ،وأخرجت شذرا
رهيبا ،ورصخت فدوى ووقعت مغشيا عليها من الصدمة ،وأرسع اجلميع إليها،
وجتمع العامل حول مصطفى يستجوبونه من أين له بمعلومة سقوط النجفة ،وحتلقوا
حوله مستجوبني وهو واقف وسطهم مذهوال ،فقد بدا وكأنه املذنب وليس من أنقذ
البطلة من ميتة حمققة شنيعة.
واستدعى املنتج البوليس الذي حتفظ عىل مصطفى ليستجوبه ،واحتجزه يف
القسم ،فقال هلم ما عرفه من معلومات سمعها من العاملني ،لكنه فشل أن خيرج
العاملني من بني فنيي الديكور ،وأنكر رئيس العامل وجود عامل اسمه حسن،
وأصبح حسن كفص من امللح الذائب يف املاء ،وانقلب الرأي العام بحثا وتفسريا
عن لغز حماولة اغتيال فدوى فهمي ،واحتل مصطفى صفحات اجلرائد ،ليس يف
صفحة الفن ،ولكن يف صفحة احلوادث ،وقىض مصطفى يومني من أسوأ أيام عمره
يف حبس انفرادي ،وخضع ألكثر من عرشين استجوابا عله يغري من أقواله بال
- 89 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
جدوى ،بعد يومني قضامها مصطفى يف ختشيبة القسم ينام ويقوم عىل استجوابات،
وشك وريبة يف شخصه الطيب ونفسه الربيئة .ولوال نادية التي الحقته
بساندويتشات الفول والطعمية لكان مات جوعا حتى أفاقت فدوى من فزعها،
وعرفت القصة ،وأجرت اتصاالهتا عىل أعىل مستوى ،وطلبت مقابلة مصطفى
لتتبني األمر ،فتم اإلفراج عنه بضامن حمل إقامته ،وانتظره عم أنور سواق اهلانم
ونادية زميلته الكومبارس اجلدعة خارج القسم ،فخرج هلم خائفا حزينا ،فربتت
نادية عىل كتفه وقالت:
ما ختافيش يا مصطفى ياخويا ،ربنا هيظهر احلق ،أنت راجل طيب ،وربنا مشهيسيبك صدقني.
وقال له عم أنور:
تعاىل معايا يا ابني ،فدوى هانم مستنياك.فردت نادية:
والنبي يا عم أنور كفاية حلد كده ،وسيبه يف حاله ،ما جالوش من ورا فدوىهانم دي غري وجع القلب ،مرة كان هيتكسح ،والتانية بقى فيها سوابق وصوره
طلعت يف اجلرايد وسط املجرمني ،وهو راجل كومبارس معروف ،وله سمعته يف
الوسط بردو.
فقال عم أنور لنادية مرتجيا إياها:
- 90 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
يا بنتي سيبيه ييجي معايا ،أصل الست عاوزة تكافئوا ما تقطعيش رزقه. قوهلا كرت خريها وكفاية حلد كده.فرد مصطفى وقال لنادية:
أنا هروح معاه أقابلها يا نادية ،روحي أنت دلوقتي.فدفعته نادية يف صدره بغيظ وقالت:
روح ياخويا وماله ،إياك يولعوا فيك املرة دي ،أنا مايل ،أنا احلق عليا إين خايفة عليك.وتركته ومضت بغيظ وقلق أيضا ،وركب مصطفى مع عم أنور وذهب به عم
أنور لبيت النجمة التي بدت يف منتهى القلق واخلوف ،ومل تكن فدوى بمفردها ،كان
معها اثنان من الثريان البرشية الذين يقال عنهم «بودي جارد» ،ورجالن آخران كانا
يعمالن بالبوليس قبل أن يرتكا اخلدمة ليديرا عمال خاصا هبام لتدريب فتوات هذا
الزمن يف هذا الوسط ،الذين يلقبوهنم بالبودي جارد.
وخضع مصطفى الستجواب جديد ،فحكى ما سمعه للمرة الثالثة والعرشين،
وكاد يبكي من انفالت أعصابه أمامهم ،فرق قلب فدوى فهمي حلاله وقالت:
خالص ،أنا مصدقاه ،دي مش أول مرة ينقذ حيايت ،روحوا اقلبوا الدنياواعرفويل مني االتنني دول.
وأخرجت فدوى من شنطتها مبلغا من ورق بنكنوت ،رزمة كبرية ،ومضت هبا
نحو مصطفى لتعطيهم له ،وتأمر اخلدم أن يأخذوه ملطبخ القرص ويطعموه كاملرة
- 91 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
السابقة ،وقبل أن تفعل ،دخل عليهم خمرج العمل الذي فاجئها بأن هناك كامريا يف
خلفية البالتوه استطاعت أن تصور خلفية اللقطة ،وفيها بعض من عامل الكهرباء،
وهو قد استطاع إفراغ الرشيط ومحله إليها لرتاه ،فجذبت فدوى مصطفى من يده
بشدة كاد أن يسقط فيها منكبا عىل وجهه ليشاهد معها اللقطة يف حجرة يف قرصها
جمهزة ملشاهدة األفالم قبل طرحها عىل شاشات السينام ،وما أن تم عرض الفيلم
حتى صاح مصطفى ،وأشار عىل عاملني خلف الكامريات ،وقال:
ده حسن اليل سمعته بيتكلم ،وده صاحبه ،مهه دول يا فدوى هانم اليلشوفتهم وسمعتهم.
فعمل املخرج عىل إيقاف الصورة وتكبريها مرات ومرات ،وسأل مصطفى:
أنت متأكد؟فأكد له مصطفى كالمه ،فنادت فدوى بعصبية ثرياهنا البرشية ،وطالبتهم بأن
يأتوا هبذين العاملني من حتت األرض بأي شكل ،فقام مصطفى ليغادر فاستوقفته
فدوى وقالت:
وأنت يا مصطفى هتفضل هنا معايا عاوزاك ،لسة املوضوع ما انتهاش ،وكامنأنا عاوزة أكفأك عىل إنك أنقذت حيايت لتاين مرة.
فرتدد مصطفى ونظر حوله ال يعرف ماذا يفعل ،وماذا يقول ،فسبقته النجمة
ونادت عىل اخلدم عندها يف القرص ،وأمرهتم أن جيهزوا له غرفة يف حديقة قرصها
- 92 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
ليقيم فيها ،ومل تعطه فرصة للرفض ،وأمرت الطباخني أن يأتوه بالطعام يف حجرته
اجلديدة ،وتركته حائرا ومضت بعد أن أمرته أال يغادر البيت قبل أن تعود.
وأكرم اخلدم مصطفى ،وأغدقوا عليه من خري النجمة الوفري ،فأكل وشبع،
ودخل غرفته األنيقة يف حجرة قرصها ،ونام ومل يدر بالدنيا من شدة تعبه ،وقام عىل
صوت صخب جمنون وموسيقى وضحكات وأصوات عالية ،فخرج من حجرته
ليتبني األمر ،فوجد زمرة من نجوم السينام وقد جتمعوا يف حفل حول محام السباحة
يف قرص النجمة؛ لتثبت للجميع أهنا ما زالت قوية ،وأن األمر مل يؤثر فيها ،ولكي
تستثمر املوضوع كإعالن جماين هلا عىل صفحات اجلرائد واملجالت وبوستات الفيس
بوك رغم أهنا كانت يف أضعف حاالهتا ،فقد ضاعفت عدد الثريان البرشية املسامة
بالبودي جارد الذي حيموهنا.
وارتدت فدوى فستانا أنيقا مثريا أظهرت فيه سحرها وفتنتها ،واستسلمت لكل
الكامريات واملوبايالت أيضا ،وغذت غرورها وبارانويا مرضها النفيس بكلامت
اإلعجاب ،وآهات الشوق املكبوت يف العيون النهمة.
أما مصطفى فقد أطل من بعيد من نافذة حجرته باحلديقة اخلاصة عىل العامل
الساحر املزكرش باألواين واألصباغ ،منبهرا فاحتا فمه وعينيه ال يصدق كل هذا
الكم من هوالء النجوم ،ببدهلم األنيقة ،وفساتينهم املكشوفة ،وما أن ملحته فدوى
حتى أشارت له بيدهيا لتضفي عىل احلفل إثارة وفضوال ،فأتاها مهروال ،فجذبته من
يده لرتاقصه ،حتى كاد قلبه أن يقف من هول السعادة ،فلم يكن حتى يف أحالمه
- 93 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
جيرؤ أن يتخيل فدوى هانم بني ذراعيه بأناقتها وسحرها وعطرها الذي ينترش حوهلا
أينام ذهبت ،وخصالت شعرها الذهبية وهي تتطاير فتداعب خديه يف حلم مل جيرؤ
مصطفى أن حيلم به.
وجتمع حوهلا كل الصحفيني والفنانني والفضوليني يريدون أن يسمعوا مصطفى
بعد أن قرءوا يف الصحف واملجالت ما قيل عىل لسانه ،وبعضهم اهتمها باجلنون
ألهنا تؤوي يف بيتها هذا الرجل املشكوك يف أمره ويف كالمه ،ومصطفى منبهر
غامض وصامت يعطيك إحياء بأنه حويط ،قليل الكالم ،ولكنه يف واقع األمر خائف
مرجتف مرتعش ،مبهور بالعامل امللون الذي استيقظ فوجد نفسه فيه.
ويف تلك الليلة راقص مصطفى معظم فنانات احلفل ،بعضهن راقصنه تسلية
ومزاحا ،والبعض اآلخر فضوال وحرشية؛ ليسمعن منه قصة االغتيال املزعوم
ويتأكدن من صحته وصوابه ،لكن مصطفى ظل غامضا صامتا ،مما أثار جنوهنن،
وما استفزهن منه أكثر متنعه من رشب املنكر الذي كان املرشوب الرسمي للحفل،
وانتهت احلفل بعد رشوق الشمس ،وبعد أن رقص توتو ،وغنى ميمى ،وصفق هلم
شوشو ،ومل يكن توتو وميمى وشوشو راقصات أو ممثالت ،بل كانوا منتجني
ورجال أعامل ممن هلم اسم وصيت يف عامل املال واألعامل.
وعاد مصطفى حلجرته غامضا صامتا أيضا ،وكأنه شاهد كل عالمات الساعة
جمتمعة يف حفل النجمة املزعوم ،فالنجم ال حياسب أمام الكامريات واألضواء،
ولكن خلف الكامريا وأمام الواقع يشء آخر قد يصدم من يشاهده أو يبهره ،وقد
- 94 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
انتاب مصطفى احلالة األوىل من الصدمة رغم فرحته برؤية النجوم والنجامت،
واحلديث معهن ،بل ومراقصتهن أيضا ،ومتنى لو قابل نادية ليحكي هلا ويتمنظر
عليها بام رآه وما سمعه يف احلفل ،ونام مصطفى واستيقظ يف الصباح عىل حالة
الطوارئ التي تتلو نبأ قدوم شخصية مهمة جدا للقرص ملقابلة النجمة.
وتقدم اجلنايني من غرفة مصطفى ،وطرق بابه بقوة ،وبلغه أمر النجمة باملغادرة
والعودة بعد ساعتني من الزمن بعد أن ينرصف الشخص املهم الذي تستعد النجمة
الستقباله ،وكان مصطفى يشعر بصداع وتعب يف سائر جسده من جراء تلك
السهرة التي مل تكن ختطر له عىل بال ،فام كان منه إال أن قال للجنايني:
هو إيه ياخويا أصله ده؟ تعاىل يا مصطفى اسكن يف القرص ،روح يا مصطفىمن القرص ،ده بيسموه إيه ده؟
فقال له الرجل:
امال احنا نعمل إيه؟ وأنتم إيه اليل مصربكم عىل الغلب ده؟ أكل العيش ،أصل الست مغرقانا يف خريها ،كسوة وأكل وفلوس ،واحناأصحاب عيال.
-طب وأنت بتميش برتوح فني الساعتني دول؟
- 95 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
وال حتة ،ساعات أعمل نفيس خرجت وأدخل أوضتي وأقفل الباب علياوأطفي النور وكأين مش هنا ،حد يعني هيسأل فيا وهيتم بيا موجود وال مش
موجود؟
يعني أنت هتدخل أوضتك دلوقتي؟ ال ،عندي كام مشوار كده فرصة هروح أعملهم وآجي ،وأنت كامن شوفوراك إيه روح اعمله وتعاىل.
فقال مصطفى يف رسه:
ال ،وأروح ليه وآجي ليه؟ أنا أحسن حاجة أطفي النور وأعمل إين خرجت،يعني هو مني هيسأل عني وييجي يشوفني.
وأغلق مصطفى النور والباب ،وعاد لفراشه ،وأكمل نومه اهلانئ ،وخلت الفيال
سوى من النجمة وبودي جارد واحد بقي ليستقبل الشخصية املهمة ،ويغلق خلفها
باب القرص ،ويبقى منتظرا يف اخلارج ،ودخلت فدوى لتأخذ محامها ،وتستعد
الستقبال ضيفها ،وما أن دخلت يف مغطس بانيو محامها وغمرهتا املياة الدافئة
والصابون حتى ظهر أمامها شبح ملثم ،وأشهر يف وجهها سالحا ،وأمرها أال تصدر
صوتا ،فبقيت صامتة خائفة مرتعشة ،وقبل أن يقرتب الشبح بنصل سالحه من
رقبتها سمعت الضيف املهم ينادهيا من خلف باب محامها املوجود يف غرفة نومها
لتخرج له؛ ألنه اشتاق هلا ،حتى أنه جاء قبل ميعاده بساعة كاملة؛ ألنه مل يستطع
- 96 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
االنتظار ،فحمله الشوق وطار إليها قبل موعده ،فلم جتبه فدوى التي كانت حتت
هتديد السالح ،فناداها ثانية ،وملا مل جتبه النجمة من وراء باب محامها هذه املرة أيضا
قرر أن يدخل هلا بنفسه ،وما أن أمسك بمقبض الباب ليحركه ،ويدخل حتى
رصخت فدوى بذعر ورعب ،ونادته أن ينقذها ،ففتح الباب ،وما أن ملح الشبح
امللثم حتى ارتبك وصاح وفر هاربا ،وتركها ملصريها وحدها ،وجرى وراءه البودي
جارد ملا رآه هبذه احلالة ؛ ليساعده ويتقرب منه ،فرتك مكانه عىل باب النجمة،
وركض خلف الشخصية املهمة ينادهيا ويطمئن عليها ،وظلت فدوى ترصخ
وترصخ بال جميب.
فضحك الشبح امللثم ونظر نحوها وقال:
دلوقتي مفيش غريي أنا وأنت ،وال خدمك وال فتواتك ،وال حتى الراجلاملهم اليل أنت بتتحامي فيه هينقذك مني ،خالص يا فدوى ،جه وقت الزم نتحاسب
فيه وكل واحد ياخد حقه.
خد كل فلويس وجموهرايت وسيبني أعيش.فضحك وقال:
وال أموال الدنيا هتمني ،أنا عاوز عمرك ،زي ما ضيعتي عمري الزم أضيع عمرك. -أنت مني؟ أنا ما أعرفكش.
- 97 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
فضحك وقال :هوريكي يا فوفو أنا مني؛ ألن دي آخر ساعة ليكي يف عمرك،
واليل حمكوم عليه باإلعدام الزم جييبولوا آخر طلب يطلبه ،ودلوقتى هتعريف أنا مني.
ومد يده ،وقبل أن خيلع اللثام عن وجهه كان مصطفى قد اقتحم احلامم عىل أثر
صوت رصاخ النجمة ،فقد كان نائام ال يبايل بيشء حتى سمع أول رصخاهتا،
فانتفض من فراشه ال يعرف ماذا يفعل ،وما الذي حيدث يف القرص ،وما أن نظر من
خلف نافذته حتى رأى الشخص املهم يفر هاربا ،ووراءه البودي جارد؛ ليحميه هو
وهيدئ من روعه ،حتى شعر أن شيئا غري مريح قد وقع ،وعندما توالت رصخات
النجمة تأكد أهنا يف خطر ،فدخل القرص الذي كانت أبوابه مفتوحة عىل مرصاعيها
بعد هروب الرجل املهم اجلبان.
واستعان مصطفى بخياله السينامئي ،وباملشاهد األكشن التي يراها يف البالتوه
أثناء التصوير ،واقتحم غرفة مكتب النجمة؛ ليبحث عن مسدس ،فعىل حد علمه أن
األثرياء ال بد أن يقتنوا األسلحة النارية من باب الوجاهة والثراء ،وليس دفاعا عن
النفس كام يظن البعض ،فمهمة الدفاع يتوالها فتواهتم امللقبون بالبودي جارد ،ومل
يدم تفتيشه طويال ،فقد وجد أكثر من سالح ،فحمل واحدا وصعد إليها غري عابئ
بام يمكن أن ينتظره ،واقتحم احلامم ،وأشهر السالح يف وجه الشبح الذي فر هاربا
هو اآلخر ،وقفز من نافذة احلامم عىل سور القرص ،واهنارت فدوى ،ولعنت مصطفى
عىل تأخريه بدال من أن تشكره عىل فعله ،فهدأها ومىض ليرتكها ترتدي مالبسها،
فنادته بعصبية أال يرتكها وحدها ،وقامت مذعورة تتشبث به ،وخرجت فدوى
- 98 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
النجمة املثرية اجلميلة من البانيو كام ولدهتا أمها ومضت نحو مصطفى تبكي ،فام
كان منه إال أن نظر بعيدا عنها ،ومد يديه ومحل إليها بشكريها لتسرت جسدها،
ولكنها تلكأت ومل تأخذه منه ،كانت تريد أن تغادر احلامم بأي وضع وأي صورة ،ومل
يكن يشغل باهلا وضعها هذا عىل اإلطالق ،فمد مصطفى الشهم الشجاع يديه
ووضع البشكري غطاء عىل لوحة جسدها اجلميلة دون أن يرفع نظره نحوها أو ينتهز
الفرصة ويتطلع إليها.
وخرجت فدوى تبكي وترجتف ،وارمتت عىل فراشها ترتعش ،فمىض ليحرض هلا
كوبا من الليمون؛ ليطفئ به خوفها ،فنادته:
أنت رايح فني وسايبني؟ ما تسيبنيش لوحدي ،ما تسيبنيش لوحدي يا مصطفى. أنا كنت هجيبلك عصري ليمون هتدي بيه أعصابك يا هانم. ليمون إيه وزفت إيه؟ أنت فاكرنا بنمثل يف السيام دلوقتي؟ أنا مش عاوزاكتسيبني ،أنا خايفة اوى اوعى تسيبني ،أنا الزم أبلغ البوليس ،أنا هكلم البوليس،
هاتيل التليفون يا مصطفى.
أيوة ،وتنهاري وتسافري برة تتعاجلي وأتنفخ أنا يف القسم أسئلة واهتامات،مش كده؟ ما هو أنا يا هانم كل ما أنقذك أتوحل أنا ويطلع عني أهيل وأهل اليل
جابوين وال مؤاخذة.
- 99 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
فضحكت فدوى لكالمه رغم خوفها ،وأمرته أن جيلس بجوارها ،فرفض وظل
واقفا وهو يقول هلا:
ما يصحش يا هانم ،اهدي أنت بس وكل حاجة هتبقى متام.نظرت فدوى ملصطفى وقالت:
كلهم جبناء ،كلهم اختلوا عني وسابوين حتى إسامعيل الباجوري جرىوسابني أموت ،كلهم كالب ،كلهم كالب.
إسامعيل الباجوري ده اليل بيطلع يف التليفزيون ويف اجلرايد؟ أيوة هو الزفت ده بعينه ،متجوزين عريف وخايف عىل اسمه وسمعته حلد يعرفويطلع من الوزارة واحلزب بفضيحة ،فكل ما ييجي يزورين يطلب مني إين أطرد
الناس كلها علشان حمدش يشوفه ،وآدي النتيجة ،كنت مهوت قدامه وال سأل فيا،
وال فكر حتى يطمن عليا.
فقال مصطفى بطيبة وسذاجة رجل بسيط رشيف:
وأنت إيه اليل خيليكي تعميل يف نفسك كده يا هانم؟ قبلت بيه وبالوضع الزفت ده علشان خاطر حيميني. ازاي حيميكي وهو بيزورك زي احلرامية؟ طب وليه ما تتجوزيش راجل حيبكوحيميكي ويفضل جنبك يضلل عليكي؟
- 100 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
علشان كلهم كالب ،كل اليل حواليا كالب ،مفيش راجل فيهم عرفته إال ملاطمع فيا أو استغل مجايل ،كلهم كسبوا من ورايا كتري ،وأنا خرست نفيس.
ثم تطلعت إليه وقالت:
عارف يا مصطفى؟ أنت الراجل الوحيد اليل مبصش ليا بصتهم دي مع إنكان عندك الفرصة دي أكرت من أي واحد فيهم.
قال هلا مصطفى بصدق وقوة:
أعوذ باهلل يا هانم ،أنا بخاف من ربنا ،ثم أنا بني آدم مش حيوان ،وأنت مهامكان حرمة ضعيفة ،حمتاجة اليل حيميكي ويقويكي مش اليل يطمع فيكي ،بس اهدي
أنت بس وكل حاجة هتبقى متام.
ومىض الوقت رسيعا حتى امتألت الفيال من جديد باخلدم واحلشم ،ومازالت
فدوى متشبثة بمصطفى ،وطلبت خادمتها البوليس الذي حرض ليحقق يف الواقعة،
واجتهت الشكوك من جديد نحو مصطفى ،رغم نفي فدوى أن يكون ملصطفى أي
عالقة بام حيدث هلا سوى الصدفة البحتة فقط ،وخضع مصطفى لتحقيقات مكثفة
كادت أن يعرصوه فيها ؛ ليخرجوا منه عصريا مصفى من األجوبة حتى أرهق إرهاقا
شديدا ،فعطف عليه السادة املحققون بعد ثالث ساعات من التحقيقات ،وتركوه
ليعود إىل حجرته يف احلديقة اخللفية للقرص ،ولكن فدوى منعته وأمرت أن جتهز له
- 101 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
غرفة يف حجرة مالصقة حلجرهتا حتى يكون بالقرب منها ،فقد بدأت تشعر بعدم
األمان يف غري وجوده ،فامتثل مصطفى ألوامرها التي كانت أكرب من كل أحالمه.
وقررت فدوى أن تكافئه وتعطيه دورا أكرب يف فيلمها الذي حرمته من أداء
مشهده الثاين فيه ،وحذفت مشاهد الساعي ،واخرتع هلا السيناريست بناء عىل
رغبتها مشهدا لرجل أعامل كبري يعقد مع رشكتها صفقات كبرية تستغرق أكثر من
مشهد طبعا عىل حساب القصة واملضمون للفيلم الذي ليس له مضمون أساسا.
وأصبح مصطفى مرشف مالصقا هلا يف كل أوقاهتا ،يف بيتها حجرته كانت
بجانب حجرهتا ،ال تنام قبل أن تطمئن لوجوده فيها ،وال تذهب إىل االستوديو إال
وهو معها ،واستبدلته بالثريان البرشية التي حتميها ،وكان وجوده وحده كفيال
بإشعارها بالراحة واألمان.
واستبدلت فدوى بنطلون مصطفى املسطر ،وقميصه الكاروهات ببدل جديدة
من أحدث موديل من ماركة بري كاردان وفريزاتيش ،عىل حساب املنتج بالطبع الذي
مل يكن جيرؤ عىل أن يرفض طلب لدجاجة السينام التي تبيض له ذهبا عىل شبابيك
اإليرادات من جيوب املراهقني والتافهني.
وجرب مصطفى دخول االستوديو من مدخل النجوم ألول مرة يف حياته ،ورأته
نادية من بعيد ،وفرحت به وجرت عليه هتنئه وتدعو له بالتوفيق ،فنظر هلا من طرف
عينه وقال هلا:
- 102 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
صدقت بقى موهبتي وإين الزم كنت هطلع سلم املجد يف يوم؟ ولسة يا ناديةياما هتشويف مني.
الرصاحة ياخويا أنا مكنتش مصدقة ،والرصاحة أكرت بردو أنا لسة مشمصدقة ،بس نقول إيه؟ ربنا قادر عىل كل يشء.
ضحك مصطفى من طرف أنفه كام النجوم وقال لنادية:
هكلم املنتج يبقى يديكي دور يف فيلمنا اجلديد. اهلل الغني عنك وعن املخرج بتاعك يا مصطفى ،ده كل أدواره ألي ست إنشاهلل يا رب تكون كلبة وال قطة معدية يف البالتوه عنده الزم تطلع رقاصة وال فتاة
ليل ،وال حتى واحدة مغتصبة.
كده بقى يبقى أنت مش واثقة يف إمكانياتك التمثيلية. ما هي دي اإلمكانيات التمثيلية اليل الزمة املنتج بتاعك ،وبالنسبة يل وال مؤاخذة يامطصفى ياخويا يلعن أبو الفن والشهرة اليل تبيعني نفيس واحرتامي لذايت.
وقبل أن تكمل نادية كالمها ظهرت فدوى ،ونادت عىل مصطفى بصوهتا امليلء
بالنعومة واألنوثة ،فرتك مصطفى نادية حتدث نفسها وجرى عىل فدوى ،فنظرت
عليه نادية من بعيد ،واستعوضت اهلل يف حبيبها الذي خرج من ردائه البسيط ذات
يوم ،وتيقنت متاما أنه لن يعود ،ومثل مصطفى مشاهده املبالغ فيها بتمثيله املبالغ فيه
إكراما لعيون النجمة ،وعاد معها للبيت ليسرتحيا وسط حسد وتساؤل كل العاملني
- 103 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
يف البالتوه والوسط الفني كله ،عن ماهية مصطفى ،وإمكانياته وكينونته يف حياة
النجمة ،ومن أين له هبذه الثقة وهذا احلظ.
وكانت النجمة ممنوعة من اخلروج للزحام أو تغيري خط سريها من وإىل
االستوديو ،ومن وإىل بيتها ،فكانت تعود للقرص ،فتتناول غداءها أو عشاءها
وتدخل حلجرهتا ال خترج منها إال لليوم التايل ،كانت حياة مملة ،وكان كل من يدخل
للفيال خيضع لتفتيش أكثر بكثري من ذلك الذي يفتشونه يف املطارات للعابرين من
املشتبه فيهم ،وكان مصطفى مالصقا هلا يف الغرفة املجاورة يتناول طعامه هو اآلخر
وحده ،ثم يصعد غرفته يعاين زهقا وملال من النوع الفاره األنيق ،حتى ينام عىل
فراشه الوثري ووسادة من ريش النعام ،وكان ممنوعا من املغادرة ،ممنوعا من احلركة
إال بأمر من النجمة ،وذات ليلة دق باب حجرهتا ،وحدثها من خلف الباب يطلب
منها إذنا باملغادرة لساعة من الوقت ،ففتحت له الباب وقالت:
أنت مش عارف إنك مينفعش متيش وتسيبني ؛ وراك إيه يعني؟ ورايح فنيأحسن من هنا؟
تردد مصطفى وانتقى كلامته قبل أن ينطق هبا حتى ال يغضب فدوى ،وقال:
الرصاحة يا هانم زهقان ،كل حاجة حلوة يف القرص ،بس من غري روح والحياة ،عاوز أروح أشم شوية هوا يف حارتنا وآجي عىل طول ،وأستأذنك لو سمحت
سيبيني أخرج.
- 104 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
وأخذ يتوسل هلا من خلف الباب .
ففتحت له ونظرت له النجمة بغطرسة وقالت بعصبية:
أفندم؟ يعني القرص ده كله مفيهوش هوا يعجب سعادتك وال أكسجني يكفي جنابك؟فاعتذر هلا مصطفى وقال:
حرضتك أنا عاوز أشوف الناس ،وأحترك بحريتي ،وأقعد بطريقتي ،وآكلاألكل اليل نفيس فيه ،وأتكلم مع حد يفهمني ،كل حاجة يف قرصك يا هانم رائعة
وبديعة ،بس بقواعد وأصول ،أنا اختنقت منها ،ونفيس آخد منها إجازة ساعة وال
اتنني لو سمحت.
فنظرت له فدوى ورسحت بتفكريها وقالت:
بردو أنت عارف إنك مينفعش تسيبني ،الزم تفضل معايا. خالص تعايل معايا أنت.فضحكت وظنته يمزح ،فقال هلا:
واهلل العظيم أنا بتكلم بجد ،هعزمك عىل أكلة كباب عند عم عكاوي الفحلهتحلفي بيها طول عمرك.
ازاي يعني وأنا ممنوعة من اخلروج؟ اتنكري يف لبس خدامة من خداماتك ونخرج من باب املطبخ وأنا معاكي.- 105 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
بردو ازاي وأنت كامن ممنوع من اخلروج؟ تتصيل دلوقتي بالسيكيوريت واحلرس اليل عىل الباب وتقوليلهم إنك بعتاين معواحدة من خدمك نجيبلك حاجة ،وال نقضيلك مصلحة وراجعني عىل طول.
ففرحت فدوى باملغامرة ،وأرسعت إىل تليفوهنا وحدثت احلرس ،وتركها
لرتتدي مالبس التنكر التي هي عبارة عن عباية سوداء ،ورابطة شعر سوداء من
نفس لوهنا وتطريزها ،ومضت معه وقلبه سعيد باملغامرة ،وخرجا من باب القرص،
وركبا تاكيس ومضيا حلارة من حواري مرص القديمة ،وفدوى معه تتلفت حوهلا
تنظر من شبابيك السيارة عىل احلياة التي متثلها وال تعيشها ،واستأذهنا مصطفى أن
جيلب معهام نادية ،فوافقت النجمة عىل الفور ،فطلب نادية عىل موبايلها فنزلت له
مرسعة ،وركبت معهام التاكيس ،ومضوا إىل حيث قضاء السهرة املوعودة.
وتساءلت نادية عن املرأة األخرى التي مع مصطفى ،فقال هلا:
دي حماسن ،واحدة قريبتي من البلد جايبها معانا أفسحها.فنظرت هلا نادية من أسفل ألعىل وقالت:
أهال يا حماسن ،ما هي أصل ناقصاكي أنت كامن يا ست حماسن.ونظرت نادية ملصطفى وقالت:
أظن بقى أنت اليومني دول مرتيش عىل اآلخر ،فهطلب لوحدي كيلو كبابوجوزين محام.
- 106 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
فقال هلا مصطفى:
إيه االفرتا ده كله؟ ليه؟فضحكت نادية ،وقالت:
ما أنت لسه قايل ،أهو افرتا ،وبعدين اليل مش هاكلوا هلفه وأخده معاياالبيت ،ما هو أنا الزم أستغل فرصة رضا فدوى هانم عليك قبل ما يمسكوا السفاح
اليل بيطاردها ويرموك برة القرص ،ويستغنوا عن خدماتك ،وال أنت فاكر العز ده
كله علشان سواد عينيك؟ يا ابني اليل بيدخل حياة الناس اليل زي فدوى فهمي دول
بيدفع مش بيقبض ،أي أي ،إيه يا مصطفى؟ بتخبطني يف رجيل ليه؟ إيه اهلزار البايخ
الرخم بتاعك ده؟
باغت مصطفى نادية حماوال تصحيح املوقف قائال:
أصل واحدة زيك كومبارس الزم حتقد عىل النجوم اليل زي فدوى هانموتقول الكالم البايخ ده ،امال هتقول إيه يعني يا حتت كومبارس؟
أنا كومبارس آه ،بس بحرتم نفيس ،وبقدر قيمتها ،اليل عاوز يديني دور أبنيفيه مواهبي وقدريت عىل التمثيل هيالقي قدامه ممثلة جامدة اوى ،أما اليل عايز
يستغل مواهبي يف الرقص ،ويف لبس العريان ،فأنا أرفض جمرد إين أتعامل معاه،
ولألسف كل اليل صادفوين كانوا من نوعية منتجني فدوى بتاعتك دي ،أي أي ،إيه
يا مصطفى؟ كرست يل رجيل يا أخي.
- 107 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
ثم نظرت لفدوى وقالت:
بذمتك يا حماسن يا أوختيش اليل بتقدمه فدوى ده فن وال ابتذال؟فقام مصطفى وجذب نادية من شعرها وقال:
ما حترتمي نفسك بقى وختيل عندك شوية ذوق ودم ،أنا غلطان إين جبتكأطفحك كباب ،اليل قاعدة قدامك دي وبتسأليها عن فن فدوى فهمي تبقى..
فقاطعته فدوى وقالت:
خدامة الست فدوى يا نادية وقريبتها من بعيد.فارتبكت نادية وقالت:
أنا آسفة قوي يا حماسن ،وأنا بردو بشبه عليكي ،أنت فيكي شبه كبري قوي منهافعال ،بس هي بقى لو مسحت مكياجها ولبست طرحة وعباية زيك كده هتبقى هي
اليل خدامتك ،أصل الناس دول زينة.
فقام مصطفى وجذب نادية من مالبسها وقال:
غوري يا نادية من هنا ،قومي روحي ،خسارة فيكي الكباب واخلروجة دي،أنا غلطان أصال إين جبتك معانا ،داهية تاخدك.
فقالت فدوى:
سيبها يا مصطفى ،نادية ظريفة ،وأنا حبيتها ،وهي فعال بتتكلم صح.- 108 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
فرتك مصطفى زمارة رقبة نادية بناء عىل طلب فدوى هانم ،وأكملوا سهرهتم،
وتناولوا كباب عم كوراع الفحل بنهم شديد ،ثم أكملوا السهرة عىل قهوة بلدي
بجانب مطعم الكباب ،ورشبوا الشاي ،وتكلموا يف أحالمهم .وقالت نادية:
عارفة يا ست حماسن أنا لو كنت نجمة كنت اتربعت بجزء من ثرويت لصالح الناسالغالبة ،أو كنت عىل األقل عملت أفالم بترشح معاناهتم ،واخرتت مواضيع هتمهم..
فقال مصطفى:
طبعا أنت بتقويل كده علشان عارفة إنك عمرك ما هتبقي نجمة ،وال هيكون عندكثروة ،علشان قال إيه تتربعي بجزء منها ،وأنت بتكميل عشاكي نوم من اجلوع.
فردت نادية:
معلش يا ست حماسن ،أصل مصطفى بقى روبرت دينريوا امبارح بالليلواحنا نايمني وما نعرفش ،ما ختف علينا يا عم النجم ،ده أنت أول امبارح الصبح
كنت ساعي يف نفس الفيلم اليل أنت عاميل فيه رجل أعامل وبتدخن عسلية ،وال
تكونش صدقت روحك يا مصطفى؟ ده أنت أكلت كام علقة من حتت راس فدوى
فهمي اليل أنت بتدافع عنها دي واتنفخت يف القسم واتكسحت تالت أسابيع
حمدش قالك أنت فني ،غريش بس ربك العاطي سرتها معاك علشان خيتربك ملا يبقى
معاك قرشني هتعمل بيهم إيه؟ أصل احلكاية يا ست حماسن إنه..
فوضع مصطفى يده عىل فم نادية وقال:
- 109 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
ممكن تقفيل بقك ده شوية اهلل؟ خيرب بيت اليل شار عليا أجيبك معانا يا شيخة.فضحكت فدوى وقالت:
سيبها يا مصطفى تقول اليل هي عاوزاه ،أنا مش متضايقة خالص من كالمها،هي معاها حق يف كل كلمة قالتها ،وأنا هفكر يف كالمك ده وأوصله للست فدوى.
فرد مصطفى:
أنا آسف جدا يا هانم ،آدي أخرة اليل يعرف أشكال زي دي ،ما تسرتوش وختيلرقبته قد السمسمة ،قدامي يا نادية ،قدامي أرجعك مطرح ما جبتك ،أنا أصال غلطان إين
جبتك أطفحك معانا كباب ،أنت أخرك ساندويتش بدنجان عىل عتبة بيتكم ،ده لو
حبيتي تغريي هوا البيت يعني ،وكامن ممكن تعميل فضايح عىل العتبة ،قومي يال ،قومي
علشان وراكي غسيل الصبح والزم تنرشيه بدري علشان يلحق ينشف.
فضحكت فدوى ،وقامت نادية غاضبة وقالت:
أنا ماشية يا عم النجم مروحة؛ ألين فعال اتأخرت ،وفعال عندي كومة غسيلبكرة ،بس الزم تعرف كويس قوي إن األشكال اليل مش عاجباك دي واليل أنت
واحد منهم ،أنضف وأرشف من أشكال كتري متزوقة وبتربق من برة وهي من جوة
منها خرابة كبرية.
فرد مصطفى:
- 110 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
شكرا عىل املعلومة يا ست الفيلسوفة ،ممكن بقى هتوينا دلوقتي وتتفضيل بقىبالسالمة؟ ويا ريت تبلعيلك شوية كلور وال بطاس مغيل قبل ما تنامي يمكن يغسل
لسانك الزفر ده وينضف قلبك احلقود شوية؟
ومضت نادية غاضبة ،وانحنى مصطفى عىل النجمة يعتذر هلا عن كالم نادية أم
لسان فالت ،وقلب حقودي ،فلم تتاملك فدوى نفسها ،واهنارت تبكي وتقول:
نادية معاها حق ،أنا فعال من جوايا خرابة مفيهاش وال حتة سليمة ،كلها بقاياأشياء مكسورة ،ومستحيل ترجع سليمة من تاين ،أنا اليل زيي الزم يموت ويتقتل
ألف مرة يا مصطفى.
وحكت فدوى ملصطفى عن الرجل املهم الذي يأتيها رسا وتطرد كل من يف
القرص من أجله حتى ال يتعرفوا عىل شخصه؛ ألنه شخصية سياسية كبرية ومعروفة،
وهو ممن حيركون األحداث واألشخاص يف البلد ،وما يربطها به قديم جدا ،فهو
أول من وقف يف ظهرها واشرتك يف تلميعها وجعلها حمط مقاالت الصحافة،
وبرامج التليفزيون ،وأعطاها حصانة من الرقابة حتى تبدع يف أداورها ،وتتحول من
بطلة للكبار فقط لبطلة للكبار جدا جدا فقط ،ويف املقابل استغل مجاهلا يف اإليقاع
بشخصيات ،والتقرب لشخصيات أخرى ،وعمل صفقات جتارة واسعة ملن يريد أن
يشرتي ،وملن يريد أن يبيع.
فقال مصطفى بتعجب:
- 111 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
ياااه ،وهو يف حد يعمل يف مراته كده يا هانم؟فسالت دموع صادقة من عني فدوى وهي تقول:
ومني قالك إن أنا مراته؟ أنا حتى ورقة العريف رفض إنه يديني رشف إينأتنسب له حتى بورقة ،وخاف اليل بيعمله يف الناس يتقلب عليه ،وحد يستغل
الورقة دي ضده.
وأنت ازاي تقبيل كده؟ وكنت ممكن أقبل أكرت من كده كامن ،أنا جيت غريبة من بلدي العريب ،كنتهربانة من أهيل ومن فقري ،وكنت عاوزة أملع وأطلع ،وأبقى نجمة كبرية ،وكنت
متخيلة إن الغاية تربر الوسيلة ،وإين ملا أبقى نجمة كبرية ساعتها هقدر أطهر نفيس
وأختار طريقي وأصلح مساري ،بس صعب ومستحيل كامن إن اليل انكرس فيك
وإن اليل مات جواك يقدر يرجع للحياة من تاين.
وبكت وقالت بكلامت صادقة:
أنت إنسان طاهر وبريء ،اوعى تبيع نفسك يا مصطفى حتت أي سبب،حمدش هيشرتيك يا مصطفى لو أنت بعت نفسك.
فربت مصطفى عىل كتفها وقال:
تقدري تتخليص من كل ده ،وتطردي الناس دي كلها من حياتك ،حاويل وهتقدري.فضحكت فدوى وقالت:
- 112 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
تعرف الراجل اليل كان عاوز يموتني يف احلامم ده يبقى مني؟ ده يبقى أولواحد باعني يف السوق ،وعلمني ازاي أبقى سلعة غالية ،ده اول واحد قابلني يف
الطيارة ،وأعجب بجاميل ،ووعدين بالنجومية والشهرة اليل كانت يف صالة درجة
تالتة يف ملهى لييل قديم ،وكتب معايا عقد احتكار ،ووعدين إنه يوصلني ،بس أسمع
كالمه ،وسمعت كالمه ،واشتغلت معاه ،وكسب من ورايا كتري ،وأنا خرست معاه
وكان دور مصطفى سينتهي إىل هذا احلد ،لوال تدخل القدر ليحرم مصطفى من
نصف الدقيقة التي كان سيحظى هبا أمام الكامريا ،أول درجات املجد يف أحالمه
البسيطة ،فقد عادت النجمة لليوم التايل يف البالتوه معكرة املزاج ،وقررت أن
تستبدل مشهد الساعي بإضافة مشهد جديد هلا خيدم سياق الفيلم ،وهو يف الواقع
خيدم الطريقة التي ترى أهنا األنسب لعرض النجمة اجلديدة بالطريقة التي تناسبها
هي ،فوافق املخرج واملنتج عىل الفور ،وبعثوا لعامل يف االستوديو أن يعطي
ملصطفى أجره ويأمره بمغادرة البالتوه.
فخلع مصطفى بدلة الساعي وخرج من تقمصه للشخصية ،ومىض مغادرا
للبالتوه وهو حزين عىل أمله الضائع يف النصف دقيقة أمام الكامريا ،وما أن التفت
عائدا حتى سمع أحد الفنيني العاملني يف ديكور البالتوه حيدث اآلخر ويقول له:
اسمع بقى ،ما هو أنا لو ما أخدتش حقي دلوقتي مش هيحصل كويس ،ما هوملا النجفة تقع عىل فدوى ومتوت الدنيا هتتقلب ،وابقى دور عىل اليل هيسأل فيك
وفيا وقتها ،وال ابقى قول أنا اتفقت إين أوقع النجفة عليها وأموهتا مصعوقة
بالكهربا ،وموهتا وما أخدتش حقي.
فقال اآلخر:
- 87 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
وطي صوتك ،دلوقتي يقبضونا ،مهه بس مستنيني يطمنوا عىل التنفيذ يا راجل،هو يف حد بيدفع مقدم يف الزمن ده؟ صربك شوية يا حسن هتفضحنا.
وسمع مصطفى بالصدفة كالم العاملني ،فلم يتاملك أعصابه ،وجرى ملقابلة
النجمة التي ما أن سمعت أنه يريد مقابلتها حتى هاجت وماجت وقالت:
عايز إيه الزفت ده؟ هو أنا علشان عطفت عليه واديته كلمتني يقوهلم يف فيلميهيحسب إننا أصحاب؟ أما حاجة جتنن.
وأشارت للبيسة التي تساعدها يف ارتداء مالبسها وقالت:
روحي يا روحية قويل له الست فدوى بتقولك غور يف داهية.فقالت هلا لبيستها:
ما يصحش كده يا ست فدوى ،ده الراجل أنقذ حياتك.فردت فدوى بعصبية:
واديتله قرشني وعاجلته عىل حسايب ،عاوز إيه تاين؟ روحي مشيه يا روحية بدلما أجيبهم يشيلوه ويرموه برة.
ومضت روحية اللبيسة نحو مصطفى وقالت:
-الست بتقولك مش فاضية عندها مشهد دلوقتي.
- 88 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
فنظر مصطفى لبالتوه التصوير وكان اللوكيشن يتوسط سقفه نجفة كبرية احلجم
مليئة بالالمبات الكهربية ،ووجد العاملني اللذين سمعهام يتحدثان واقفني عىل
مقربة من أسالكها ينظران نحو فدوى ،وبديا وكأهنام جيهزا موقع السقوط .
وتقدمت فدوى ووقفت حتت النجفة وعدلت مالبسها وشعرها ،وما أن نطق
املخرج «أكشن» حتى رصخ مصطفى يف النجمة يف الوقت املناسب ...
ابعدي يا نجمة عن النجفة ،احسن هيوقعوها عليكي .فجرت فدوى مبتعدة عن النجفة ،فوقعت النجفة بعيدا عنها ،وأخرجت شذرا
رهيبا ،ورصخت فدوى ووقعت مغشيا عليها من الصدمة ،وأرسع اجلميع إليها،
وجتمع العامل حول مصطفى يستجوبونه من أين له بمعلومة سقوط النجفة ،وحتلقوا
حوله مستجوبني وهو واقف وسطهم مذهوال ،فقد بدا وكأنه املذنب وليس من أنقذ
البطلة من ميتة حمققة شنيعة.
واستدعى املنتج البوليس الذي حتفظ عىل مصطفى ليستجوبه ،واحتجزه يف
القسم ،فقال هلم ما عرفه من معلومات سمعها من العاملني ،لكنه فشل أن خيرج
العاملني من بني فنيي الديكور ،وأنكر رئيس العامل وجود عامل اسمه حسن،
وأصبح حسن كفص من امللح الذائب يف املاء ،وانقلب الرأي العام بحثا وتفسريا
عن لغز حماولة اغتيال فدوى فهمي ،واحتل مصطفى صفحات اجلرائد ،ليس يف
صفحة الفن ،ولكن يف صفحة احلوادث ،وقىض مصطفى يومني من أسوأ أيام عمره
يف حبس انفرادي ،وخضع ألكثر من عرشين استجوابا عله يغري من أقواله بال
- 89 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
جدوى ،بعد يومني قضامها مصطفى يف ختشيبة القسم ينام ويقوم عىل استجوابات،
وشك وريبة يف شخصه الطيب ونفسه الربيئة .ولوال نادية التي الحقته
بساندويتشات الفول والطعمية لكان مات جوعا حتى أفاقت فدوى من فزعها،
وعرفت القصة ،وأجرت اتصاالهتا عىل أعىل مستوى ،وطلبت مقابلة مصطفى
لتتبني األمر ،فتم اإلفراج عنه بضامن حمل إقامته ،وانتظره عم أنور سواق اهلانم
ونادية زميلته الكومبارس اجلدعة خارج القسم ،فخرج هلم خائفا حزينا ،فربتت
نادية عىل كتفه وقالت:
ما ختافيش يا مصطفى ياخويا ،ربنا هيظهر احلق ،أنت راجل طيب ،وربنا مشهيسيبك صدقني.
وقال له عم أنور:
تعاىل معايا يا ابني ،فدوى هانم مستنياك.فردت نادية:
والنبي يا عم أنور كفاية حلد كده ،وسيبه يف حاله ،ما جالوش من ورا فدوىهانم دي غري وجع القلب ،مرة كان هيتكسح ،والتانية بقى فيها سوابق وصوره
طلعت يف اجلرايد وسط املجرمني ،وهو راجل كومبارس معروف ،وله سمعته يف
الوسط بردو.
فقال عم أنور لنادية مرتجيا إياها:
- 90 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
يا بنتي سيبيه ييجي معايا ،أصل الست عاوزة تكافئوا ما تقطعيش رزقه. قوهلا كرت خريها وكفاية حلد كده.فرد مصطفى وقال لنادية:
أنا هروح معاه أقابلها يا نادية ،روحي أنت دلوقتي.فدفعته نادية يف صدره بغيظ وقالت:
روح ياخويا وماله ،إياك يولعوا فيك املرة دي ،أنا مايل ،أنا احلق عليا إين خايفة عليك.وتركته ومضت بغيظ وقلق أيضا ،وركب مصطفى مع عم أنور وذهب به عم
أنور لبيت النجمة التي بدت يف منتهى القلق واخلوف ،ومل تكن فدوى بمفردها ،كان
معها اثنان من الثريان البرشية الذين يقال عنهم «بودي جارد» ،ورجالن آخران كانا
يعمالن بالبوليس قبل أن يرتكا اخلدمة ليديرا عمال خاصا هبام لتدريب فتوات هذا
الزمن يف هذا الوسط ،الذين يلقبوهنم بالبودي جارد.
وخضع مصطفى الستجواب جديد ،فحكى ما سمعه للمرة الثالثة والعرشين،
وكاد يبكي من انفالت أعصابه أمامهم ،فرق قلب فدوى فهمي حلاله وقالت:
خالص ،أنا مصدقاه ،دي مش أول مرة ينقذ حيايت ،روحوا اقلبوا الدنياواعرفويل مني االتنني دول.
وأخرجت فدوى من شنطتها مبلغا من ورق بنكنوت ،رزمة كبرية ،ومضت هبا
نحو مصطفى لتعطيهم له ،وتأمر اخلدم أن يأخذوه ملطبخ القرص ويطعموه كاملرة
- 91 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
السابقة ،وقبل أن تفعل ،دخل عليهم خمرج العمل الذي فاجئها بأن هناك كامريا يف
خلفية البالتوه استطاعت أن تصور خلفية اللقطة ،وفيها بعض من عامل الكهرباء،
وهو قد استطاع إفراغ الرشيط ومحله إليها لرتاه ،فجذبت فدوى مصطفى من يده
بشدة كاد أن يسقط فيها منكبا عىل وجهه ليشاهد معها اللقطة يف حجرة يف قرصها
جمهزة ملشاهدة األفالم قبل طرحها عىل شاشات السينام ،وما أن تم عرض الفيلم
حتى صاح مصطفى ،وأشار عىل عاملني خلف الكامريات ،وقال:
ده حسن اليل سمعته بيتكلم ،وده صاحبه ،مهه دول يا فدوى هانم اليلشوفتهم وسمعتهم.
فعمل املخرج عىل إيقاف الصورة وتكبريها مرات ومرات ،وسأل مصطفى:
أنت متأكد؟فأكد له مصطفى كالمه ،فنادت فدوى بعصبية ثرياهنا البرشية ،وطالبتهم بأن
يأتوا هبذين العاملني من حتت األرض بأي شكل ،فقام مصطفى ليغادر فاستوقفته
فدوى وقالت:
وأنت يا مصطفى هتفضل هنا معايا عاوزاك ،لسة املوضوع ما انتهاش ،وكامنأنا عاوزة أكفأك عىل إنك أنقذت حيايت لتاين مرة.
فرتدد مصطفى ونظر حوله ال يعرف ماذا يفعل ،وماذا يقول ،فسبقته النجمة
ونادت عىل اخلدم عندها يف القرص ،وأمرهتم أن جيهزوا له غرفة يف حديقة قرصها
- 92 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
ليقيم فيها ،ومل تعطه فرصة للرفض ،وأمرت الطباخني أن يأتوه بالطعام يف حجرته
اجلديدة ،وتركته حائرا ومضت بعد أن أمرته أال يغادر البيت قبل أن تعود.
وأكرم اخلدم مصطفى ،وأغدقوا عليه من خري النجمة الوفري ،فأكل وشبع،
ودخل غرفته األنيقة يف حجرة قرصها ،ونام ومل يدر بالدنيا من شدة تعبه ،وقام عىل
صوت صخب جمنون وموسيقى وضحكات وأصوات عالية ،فخرج من حجرته
ليتبني األمر ،فوجد زمرة من نجوم السينام وقد جتمعوا يف حفل حول محام السباحة
يف قرص النجمة؛ لتثبت للجميع أهنا ما زالت قوية ،وأن األمر مل يؤثر فيها ،ولكي
تستثمر املوضوع كإعالن جماين هلا عىل صفحات اجلرائد واملجالت وبوستات الفيس
بوك رغم أهنا كانت يف أضعف حاالهتا ،فقد ضاعفت عدد الثريان البرشية املسامة
بالبودي جارد الذي حيموهنا.
وارتدت فدوى فستانا أنيقا مثريا أظهرت فيه سحرها وفتنتها ،واستسلمت لكل
الكامريات واملوبايالت أيضا ،وغذت غرورها وبارانويا مرضها النفيس بكلامت
اإلعجاب ،وآهات الشوق املكبوت يف العيون النهمة.
أما مصطفى فقد أطل من بعيد من نافذة حجرته باحلديقة اخلاصة عىل العامل
الساحر املزكرش باألواين واألصباغ ،منبهرا فاحتا فمه وعينيه ال يصدق كل هذا
الكم من هوالء النجوم ،ببدهلم األنيقة ،وفساتينهم املكشوفة ،وما أن ملحته فدوى
حتى أشارت له بيدهيا لتضفي عىل احلفل إثارة وفضوال ،فأتاها مهروال ،فجذبته من
يده لرتاقصه ،حتى كاد قلبه أن يقف من هول السعادة ،فلم يكن حتى يف أحالمه
- 93 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
جيرؤ أن يتخيل فدوى هانم بني ذراعيه بأناقتها وسحرها وعطرها الذي ينترش حوهلا
أينام ذهبت ،وخصالت شعرها الذهبية وهي تتطاير فتداعب خديه يف حلم مل جيرؤ
مصطفى أن حيلم به.
وجتمع حوهلا كل الصحفيني والفنانني والفضوليني يريدون أن يسمعوا مصطفى
بعد أن قرءوا يف الصحف واملجالت ما قيل عىل لسانه ،وبعضهم اهتمها باجلنون
ألهنا تؤوي يف بيتها هذا الرجل املشكوك يف أمره ويف كالمه ،ومصطفى منبهر
غامض وصامت يعطيك إحياء بأنه حويط ،قليل الكالم ،ولكنه يف واقع األمر خائف
مرجتف مرتعش ،مبهور بالعامل امللون الذي استيقظ فوجد نفسه فيه.
ويف تلك الليلة راقص مصطفى معظم فنانات احلفل ،بعضهن راقصنه تسلية
ومزاحا ،والبعض اآلخر فضوال وحرشية؛ ليسمعن منه قصة االغتيال املزعوم
ويتأكدن من صحته وصوابه ،لكن مصطفى ظل غامضا صامتا ،مما أثار جنوهنن،
وما استفزهن منه أكثر متنعه من رشب املنكر الذي كان املرشوب الرسمي للحفل،
وانتهت احلفل بعد رشوق الشمس ،وبعد أن رقص توتو ،وغنى ميمى ،وصفق هلم
شوشو ،ومل يكن توتو وميمى وشوشو راقصات أو ممثالت ،بل كانوا منتجني
ورجال أعامل ممن هلم اسم وصيت يف عامل املال واألعامل.
وعاد مصطفى حلجرته غامضا صامتا أيضا ،وكأنه شاهد كل عالمات الساعة
جمتمعة يف حفل النجمة املزعوم ،فالنجم ال حياسب أمام الكامريات واألضواء،
ولكن خلف الكامريا وأمام الواقع يشء آخر قد يصدم من يشاهده أو يبهره ،وقد
- 94 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
انتاب مصطفى احلالة األوىل من الصدمة رغم فرحته برؤية النجوم والنجامت،
واحلديث معهن ،بل ومراقصتهن أيضا ،ومتنى لو قابل نادية ليحكي هلا ويتمنظر
عليها بام رآه وما سمعه يف احلفل ،ونام مصطفى واستيقظ يف الصباح عىل حالة
الطوارئ التي تتلو نبأ قدوم شخصية مهمة جدا للقرص ملقابلة النجمة.
وتقدم اجلنايني من غرفة مصطفى ،وطرق بابه بقوة ،وبلغه أمر النجمة باملغادرة
والعودة بعد ساعتني من الزمن بعد أن ينرصف الشخص املهم الذي تستعد النجمة
الستقباله ،وكان مصطفى يشعر بصداع وتعب يف سائر جسده من جراء تلك
السهرة التي مل تكن ختطر له عىل بال ،فام كان منه إال أن قال للجنايني:
هو إيه ياخويا أصله ده؟ تعاىل يا مصطفى اسكن يف القرص ،روح يا مصطفىمن القرص ،ده بيسموه إيه ده؟
فقال له الرجل:
امال احنا نعمل إيه؟ وأنتم إيه اليل مصربكم عىل الغلب ده؟ أكل العيش ،أصل الست مغرقانا يف خريها ،كسوة وأكل وفلوس ،واحناأصحاب عيال.
-طب وأنت بتميش برتوح فني الساعتني دول؟
- 95 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
وال حتة ،ساعات أعمل نفيس خرجت وأدخل أوضتي وأقفل الباب علياوأطفي النور وكأين مش هنا ،حد يعني هيسأل فيا وهيتم بيا موجود وال مش
موجود؟
يعني أنت هتدخل أوضتك دلوقتي؟ ال ،عندي كام مشوار كده فرصة هروح أعملهم وآجي ،وأنت كامن شوفوراك إيه روح اعمله وتعاىل.
فقال مصطفى يف رسه:
ال ،وأروح ليه وآجي ليه؟ أنا أحسن حاجة أطفي النور وأعمل إين خرجت،يعني هو مني هيسأل عني وييجي يشوفني.
وأغلق مصطفى النور والباب ،وعاد لفراشه ،وأكمل نومه اهلانئ ،وخلت الفيال
سوى من النجمة وبودي جارد واحد بقي ليستقبل الشخصية املهمة ،ويغلق خلفها
باب القرص ،ويبقى منتظرا يف اخلارج ،ودخلت فدوى لتأخذ محامها ،وتستعد
الستقبال ضيفها ،وما أن دخلت يف مغطس بانيو محامها وغمرهتا املياة الدافئة
والصابون حتى ظهر أمامها شبح ملثم ،وأشهر يف وجهها سالحا ،وأمرها أال تصدر
صوتا ،فبقيت صامتة خائفة مرتعشة ،وقبل أن يقرتب الشبح بنصل سالحه من
رقبتها سمعت الضيف املهم ينادهيا من خلف باب محامها املوجود يف غرفة نومها
لتخرج له؛ ألنه اشتاق هلا ،حتى أنه جاء قبل ميعاده بساعة كاملة؛ ألنه مل يستطع
- 96 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
االنتظار ،فحمله الشوق وطار إليها قبل موعده ،فلم جتبه فدوى التي كانت حتت
هتديد السالح ،فناداها ثانية ،وملا مل جتبه النجمة من وراء باب محامها هذه املرة أيضا
قرر أن يدخل هلا بنفسه ،وما أن أمسك بمقبض الباب ليحركه ،ويدخل حتى
رصخت فدوى بذعر ورعب ،ونادته أن ينقذها ،ففتح الباب ،وما أن ملح الشبح
امللثم حتى ارتبك وصاح وفر هاربا ،وتركها ملصريها وحدها ،وجرى وراءه البودي
جارد ملا رآه هبذه احلالة ؛ ليساعده ويتقرب منه ،فرتك مكانه عىل باب النجمة،
وركض خلف الشخصية املهمة ينادهيا ويطمئن عليها ،وظلت فدوى ترصخ
وترصخ بال جميب.
فضحك الشبح امللثم ونظر نحوها وقال:
دلوقتي مفيش غريي أنا وأنت ،وال خدمك وال فتواتك ،وال حتى الراجلاملهم اليل أنت بتتحامي فيه هينقذك مني ،خالص يا فدوى ،جه وقت الزم نتحاسب
فيه وكل واحد ياخد حقه.
خد كل فلويس وجموهرايت وسيبني أعيش.فضحك وقال:
وال أموال الدنيا هتمني ،أنا عاوز عمرك ،زي ما ضيعتي عمري الزم أضيع عمرك. -أنت مني؟ أنا ما أعرفكش.
- 97 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
فضحك وقال :هوريكي يا فوفو أنا مني؛ ألن دي آخر ساعة ليكي يف عمرك،
واليل حمكوم عليه باإلعدام الزم جييبولوا آخر طلب يطلبه ،ودلوقتى هتعريف أنا مني.
ومد يده ،وقبل أن خيلع اللثام عن وجهه كان مصطفى قد اقتحم احلامم عىل أثر
صوت رصاخ النجمة ،فقد كان نائام ال يبايل بيشء حتى سمع أول رصخاهتا،
فانتفض من فراشه ال يعرف ماذا يفعل ،وما الذي حيدث يف القرص ،وما أن نظر من
خلف نافذته حتى رأى الشخص املهم يفر هاربا ،ووراءه البودي جارد؛ ليحميه هو
وهيدئ من روعه ،حتى شعر أن شيئا غري مريح قد وقع ،وعندما توالت رصخات
النجمة تأكد أهنا يف خطر ،فدخل القرص الذي كانت أبوابه مفتوحة عىل مرصاعيها
بعد هروب الرجل املهم اجلبان.
واستعان مصطفى بخياله السينامئي ،وباملشاهد األكشن التي يراها يف البالتوه
أثناء التصوير ،واقتحم غرفة مكتب النجمة؛ ليبحث عن مسدس ،فعىل حد علمه أن
األثرياء ال بد أن يقتنوا األسلحة النارية من باب الوجاهة والثراء ،وليس دفاعا عن
النفس كام يظن البعض ،فمهمة الدفاع يتوالها فتواهتم امللقبون بالبودي جارد ،ومل
يدم تفتيشه طويال ،فقد وجد أكثر من سالح ،فحمل واحدا وصعد إليها غري عابئ
بام يمكن أن ينتظره ،واقتحم احلامم ،وأشهر السالح يف وجه الشبح الذي فر هاربا
هو اآلخر ،وقفز من نافذة احلامم عىل سور القرص ،واهنارت فدوى ،ولعنت مصطفى
عىل تأخريه بدال من أن تشكره عىل فعله ،فهدأها ومىض ليرتكها ترتدي مالبسها،
فنادته بعصبية أال يرتكها وحدها ،وقامت مذعورة تتشبث به ،وخرجت فدوى
- 98 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
النجمة املثرية اجلميلة من البانيو كام ولدهتا أمها ومضت نحو مصطفى تبكي ،فام
كان منه إال أن نظر بعيدا عنها ،ومد يديه ومحل إليها بشكريها لتسرت جسدها،
ولكنها تلكأت ومل تأخذه منه ،كانت تريد أن تغادر احلامم بأي وضع وأي صورة ،ومل
يكن يشغل باهلا وضعها هذا عىل اإلطالق ،فمد مصطفى الشهم الشجاع يديه
ووضع البشكري غطاء عىل لوحة جسدها اجلميلة دون أن يرفع نظره نحوها أو ينتهز
الفرصة ويتطلع إليها.
وخرجت فدوى تبكي وترجتف ،وارمتت عىل فراشها ترتعش ،فمىض ليحرض هلا
كوبا من الليمون؛ ليطفئ به خوفها ،فنادته:
أنت رايح فني وسايبني؟ ما تسيبنيش لوحدي ،ما تسيبنيش لوحدي يا مصطفى. أنا كنت هجيبلك عصري ليمون هتدي بيه أعصابك يا هانم. ليمون إيه وزفت إيه؟ أنت فاكرنا بنمثل يف السيام دلوقتي؟ أنا مش عاوزاكتسيبني ،أنا خايفة اوى اوعى تسيبني ،أنا الزم أبلغ البوليس ،أنا هكلم البوليس،
هاتيل التليفون يا مصطفى.
أيوة ،وتنهاري وتسافري برة تتعاجلي وأتنفخ أنا يف القسم أسئلة واهتامات،مش كده؟ ما هو أنا يا هانم كل ما أنقذك أتوحل أنا ويطلع عني أهيل وأهل اليل
جابوين وال مؤاخذة.
- 99 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
فضحكت فدوى لكالمه رغم خوفها ،وأمرته أن جيلس بجوارها ،فرفض وظل
واقفا وهو يقول هلا:
ما يصحش يا هانم ،اهدي أنت بس وكل حاجة هتبقى متام.نظرت فدوى ملصطفى وقالت:
كلهم جبناء ،كلهم اختلوا عني وسابوين حتى إسامعيل الباجوري جرىوسابني أموت ،كلهم كالب ،كلهم كالب.
إسامعيل الباجوري ده اليل بيطلع يف التليفزيون ويف اجلرايد؟ أيوة هو الزفت ده بعينه ،متجوزين عريف وخايف عىل اسمه وسمعته حلد يعرفويطلع من الوزارة واحلزب بفضيحة ،فكل ما ييجي يزورين يطلب مني إين أطرد
الناس كلها علشان حمدش يشوفه ،وآدي النتيجة ،كنت مهوت قدامه وال سأل فيا،
وال فكر حتى يطمن عليا.
فقال مصطفى بطيبة وسذاجة رجل بسيط رشيف:
وأنت إيه اليل خيليكي تعميل يف نفسك كده يا هانم؟ قبلت بيه وبالوضع الزفت ده علشان خاطر حيميني. ازاي حيميكي وهو بيزورك زي احلرامية؟ طب وليه ما تتجوزيش راجل حيبكوحيميكي ويفضل جنبك يضلل عليكي؟
- 100 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
علشان كلهم كالب ،كل اليل حواليا كالب ،مفيش راجل فيهم عرفته إال ملاطمع فيا أو استغل مجايل ،كلهم كسبوا من ورايا كتري ،وأنا خرست نفيس.
ثم تطلعت إليه وقالت:
عارف يا مصطفى؟ أنت الراجل الوحيد اليل مبصش ليا بصتهم دي مع إنكان عندك الفرصة دي أكرت من أي واحد فيهم.
قال هلا مصطفى بصدق وقوة:
أعوذ باهلل يا هانم ،أنا بخاف من ربنا ،ثم أنا بني آدم مش حيوان ،وأنت مهامكان حرمة ضعيفة ،حمتاجة اليل حيميكي ويقويكي مش اليل يطمع فيكي ،بس اهدي
أنت بس وكل حاجة هتبقى متام.
ومىض الوقت رسيعا حتى امتألت الفيال من جديد باخلدم واحلشم ،ومازالت
فدوى متشبثة بمصطفى ،وطلبت خادمتها البوليس الذي حرض ليحقق يف الواقعة،
واجتهت الشكوك من جديد نحو مصطفى ،رغم نفي فدوى أن يكون ملصطفى أي
عالقة بام حيدث هلا سوى الصدفة البحتة فقط ،وخضع مصطفى لتحقيقات مكثفة
كادت أن يعرصوه فيها ؛ ليخرجوا منه عصريا مصفى من األجوبة حتى أرهق إرهاقا
شديدا ،فعطف عليه السادة املحققون بعد ثالث ساعات من التحقيقات ،وتركوه
ليعود إىل حجرته يف احلديقة اخللفية للقرص ،ولكن فدوى منعته وأمرت أن جتهز له
- 101 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
غرفة يف حجرة مالصقة حلجرهتا حتى يكون بالقرب منها ،فقد بدأت تشعر بعدم
األمان يف غري وجوده ،فامتثل مصطفى ألوامرها التي كانت أكرب من كل أحالمه.
وقررت فدوى أن تكافئه وتعطيه دورا أكرب يف فيلمها الذي حرمته من أداء
مشهده الثاين فيه ،وحذفت مشاهد الساعي ،واخرتع هلا السيناريست بناء عىل
رغبتها مشهدا لرجل أعامل كبري يعقد مع رشكتها صفقات كبرية تستغرق أكثر من
مشهد طبعا عىل حساب القصة واملضمون للفيلم الذي ليس له مضمون أساسا.
وأصبح مصطفى مرشف مالصقا هلا يف كل أوقاهتا ،يف بيتها حجرته كانت
بجانب حجرهتا ،ال تنام قبل أن تطمئن لوجوده فيها ،وال تذهب إىل االستوديو إال
وهو معها ،واستبدلته بالثريان البرشية التي حتميها ،وكان وجوده وحده كفيال
بإشعارها بالراحة واألمان.
واستبدلت فدوى بنطلون مصطفى املسطر ،وقميصه الكاروهات ببدل جديدة
من أحدث موديل من ماركة بري كاردان وفريزاتيش ،عىل حساب املنتج بالطبع الذي
مل يكن جيرؤ عىل أن يرفض طلب لدجاجة السينام التي تبيض له ذهبا عىل شبابيك
اإليرادات من جيوب املراهقني والتافهني.
وجرب مصطفى دخول االستوديو من مدخل النجوم ألول مرة يف حياته ،ورأته
نادية من بعيد ،وفرحت به وجرت عليه هتنئه وتدعو له بالتوفيق ،فنظر هلا من طرف
عينه وقال هلا:
- 102 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
صدقت بقى موهبتي وإين الزم كنت هطلع سلم املجد يف يوم؟ ولسة يا ناديةياما هتشويف مني.
الرصاحة ياخويا أنا مكنتش مصدقة ،والرصاحة أكرت بردو أنا لسة مشمصدقة ،بس نقول إيه؟ ربنا قادر عىل كل يشء.
ضحك مصطفى من طرف أنفه كام النجوم وقال لنادية:
هكلم املنتج يبقى يديكي دور يف فيلمنا اجلديد. اهلل الغني عنك وعن املخرج بتاعك يا مصطفى ،ده كل أدواره ألي ست إنشاهلل يا رب تكون كلبة وال قطة معدية يف البالتوه عنده الزم تطلع رقاصة وال فتاة
ليل ،وال حتى واحدة مغتصبة.
كده بقى يبقى أنت مش واثقة يف إمكانياتك التمثيلية. ما هي دي اإلمكانيات التمثيلية اليل الزمة املنتج بتاعك ،وبالنسبة يل وال مؤاخذة يامطصفى ياخويا يلعن أبو الفن والشهرة اليل تبيعني نفيس واحرتامي لذايت.
وقبل أن تكمل نادية كالمها ظهرت فدوى ،ونادت عىل مصطفى بصوهتا امليلء
بالنعومة واألنوثة ،فرتك مصطفى نادية حتدث نفسها وجرى عىل فدوى ،فنظرت
عليه نادية من بعيد ،واستعوضت اهلل يف حبيبها الذي خرج من ردائه البسيط ذات
يوم ،وتيقنت متاما أنه لن يعود ،ومثل مصطفى مشاهده املبالغ فيها بتمثيله املبالغ فيه
إكراما لعيون النجمة ،وعاد معها للبيت ليسرتحيا وسط حسد وتساؤل كل العاملني
- 103 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
يف البالتوه والوسط الفني كله ،عن ماهية مصطفى ،وإمكانياته وكينونته يف حياة
النجمة ،ومن أين له هبذه الثقة وهذا احلظ.
وكانت النجمة ممنوعة من اخلروج للزحام أو تغيري خط سريها من وإىل
االستوديو ،ومن وإىل بيتها ،فكانت تعود للقرص ،فتتناول غداءها أو عشاءها
وتدخل حلجرهتا ال خترج منها إال لليوم التايل ،كانت حياة مملة ،وكان كل من يدخل
للفيال خيضع لتفتيش أكثر بكثري من ذلك الذي يفتشونه يف املطارات للعابرين من
املشتبه فيهم ،وكان مصطفى مالصقا هلا يف الغرفة املجاورة يتناول طعامه هو اآلخر
وحده ،ثم يصعد غرفته يعاين زهقا وملال من النوع الفاره األنيق ،حتى ينام عىل
فراشه الوثري ووسادة من ريش النعام ،وكان ممنوعا من املغادرة ،ممنوعا من احلركة
إال بأمر من النجمة ،وذات ليلة دق باب حجرهتا ،وحدثها من خلف الباب يطلب
منها إذنا باملغادرة لساعة من الوقت ،ففتحت له الباب وقالت:
أنت مش عارف إنك مينفعش متيش وتسيبني ؛ وراك إيه يعني؟ ورايح فنيأحسن من هنا؟
تردد مصطفى وانتقى كلامته قبل أن ينطق هبا حتى ال يغضب فدوى ،وقال:
الرصاحة يا هانم زهقان ،كل حاجة حلوة يف القرص ،بس من غري روح والحياة ،عاوز أروح أشم شوية هوا يف حارتنا وآجي عىل طول ،وأستأذنك لو سمحت
سيبيني أخرج.
- 104 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
وأخذ يتوسل هلا من خلف الباب .
ففتحت له ونظرت له النجمة بغطرسة وقالت بعصبية:
أفندم؟ يعني القرص ده كله مفيهوش هوا يعجب سعادتك وال أكسجني يكفي جنابك؟فاعتذر هلا مصطفى وقال:
حرضتك أنا عاوز أشوف الناس ،وأحترك بحريتي ،وأقعد بطريقتي ،وآكلاألكل اليل نفيس فيه ،وأتكلم مع حد يفهمني ،كل حاجة يف قرصك يا هانم رائعة
وبديعة ،بس بقواعد وأصول ،أنا اختنقت منها ،ونفيس آخد منها إجازة ساعة وال
اتنني لو سمحت.
فنظرت له فدوى ورسحت بتفكريها وقالت:
بردو أنت عارف إنك مينفعش تسيبني ،الزم تفضل معايا. خالص تعايل معايا أنت.فضحكت وظنته يمزح ،فقال هلا:
واهلل العظيم أنا بتكلم بجد ،هعزمك عىل أكلة كباب عند عم عكاوي الفحلهتحلفي بيها طول عمرك.
ازاي يعني وأنا ممنوعة من اخلروج؟ اتنكري يف لبس خدامة من خداماتك ونخرج من باب املطبخ وأنا معاكي.- 105 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
بردو ازاي وأنت كامن ممنوع من اخلروج؟ تتصيل دلوقتي بالسيكيوريت واحلرس اليل عىل الباب وتقوليلهم إنك بعتاين معواحدة من خدمك نجيبلك حاجة ،وال نقضيلك مصلحة وراجعني عىل طول.
ففرحت فدوى باملغامرة ،وأرسعت إىل تليفوهنا وحدثت احلرس ،وتركها
لرتتدي مالبس التنكر التي هي عبارة عن عباية سوداء ،ورابطة شعر سوداء من
نفس لوهنا وتطريزها ،ومضت معه وقلبه سعيد باملغامرة ،وخرجا من باب القرص،
وركبا تاكيس ومضيا حلارة من حواري مرص القديمة ،وفدوى معه تتلفت حوهلا
تنظر من شبابيك السيارة عىل احلياة التي متثلها وال تعيشها ،واستأذهنا مصطفى أن
جيلب معهام نادية ،فوافقت النجمة عىل الفور ،فطلب نادية عىل موبايلها فنزلت له
مرسعة ،وركبت معهام التاكيس ،ومضوا إىل حيث قضاء السهرة املوعودة.
وتساءلت نادية عن املرأة األخرى التي مع مصطفى ،فقال هلا:
دي حماسن ،واحدة قريبتي من البلد جايبها معانا أفسحها.فنظرت هلا نادية من أسفل ألعىل وقالت:
أهال يا حماسن ،ما هي أصل ناقصاكي أنت كامن يا ست حماسن.ونظرت نادية ملصطفى وقالت:
أظن بقى أنت اليومني دول مرتيش عىل اآلخر ،فهطلب لوحدي كيلو كبابوجوزين محام.
- 106 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
فقال هلا مصطفى:
إيه االفرتا ده كله؟ ليه؟فضحكت نادية ،وقالت:
ما أنت لسه قايل ،أهو افرتا ،وبعدين اليل مش هاكلوا هلفه وأخده معاياالبيت ،ما هو أنا الزم أستغل فرصة رضا فدوى هانم عليك قبل ما يمسكوا السفاح
اليل بيطاردها ويرموك برة القرص ،ويستغنوا عن خدماتك ،وال أنت فاكر العز ده
كله علشان سواد عينيك؟ يا ابني اليل بيدخل حياة الناس اليل زي فدوى فهمي دول
بيدفع مش بيقبض ،أي أي ،إيه يا مصطفى؟ بتخبطني يف رجيل ليه؟ إيه اهلزار البايخ
الرخم بتاعك ده؟
باغت مصطفى نادية حماوال تصحيح املوقف قائال:
أصل واحدة زيك كومبارس الزم حتقد عىل النجوم اليل زي فدوى هانموتقول الكالم البايخ ده ،امال هتقول إيه يعني يا حتت كومبارس؟
أنا كومبارس آه ،بس بحرتم نفيس ،وبقدر قيمتها ،اليل عاوز يديني دور أبنيفيه مواهبي وقدريت عىل التمثيل هيالقي قدامه ممثلة جامدة اوى ،أما اليل عايز
يستغل مواهبي يف الرقص ،ويف لبس العريان ،فأنا أرفض جمرد إين أتعامل معاه،
ولألسف كل اليل صادفوين كانوا من نوعية منتجني فدوى بتاعتك دي ،أي أي ،إيه
يا مصطفى؟ كرست يل رجيل يا أخي.
- 107 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
ثم نظرت لفدوى وقالت:
بذمتك يا حماسن يا أوختيش اليل بتقدمه فدوى ده فن وال ابتذال؟فقام مصطفى وجذب نادية من شعرها وقال:
ما حترتمي نفسك بقى وختيل عندك شوية ذوق ودم ،أنا غلطان إين جبتكأطفحك كباب ،اليل قاعدة قدامك دي وبتسأليها عن فن فدوى فهمي تبقى..
فقاطعته فدوى وقالت:
خدامة الست فدوى يا نادية وقريبتها من بعيد.فارتبكت نادية وقالت:
أنا آسفة قوي يا حماسن ،وأنا بردو بشبه عليكي ،أنت فيكي شبه كبري قوي منهافعال ،بس هي بقى لو مسحت مكياجها ولبست طرحة وعباية زيك كده هتبقى هي
اليل خدامتك ،أصل الناس دول زينة.
فقام مصطفى وجذب نادية من مالبسها وقال:
غوري يا نادية من هنا ،قومي روحي ،خسارة فيكي الكباب واخلروجة دي،أنا غلطان أصال إين جبتك معانا ،داهية تاخدك.
فقالت فدوى:
سيبها يا مصطفى ،نادية ظريفة ،وأنا حبيتها ،وهي فعال بتتكلم صح.- 108 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
فرتك مصطفى زمارة رقبة نادية بناء عىل طلب فدوى هانم ،وأكملوا سهرهتم،
وتناولوا كباب عم كوراع الفحل بنهم شديد ،ثم أكملوا السهرة عىل قهوة بلدي
بجانب مطعم الكباب ،ورشبوا الشاي ،وتكلموا يف أحالمهم .وقالت نادية:
عارفة يا ست حماسن أنا لو كنت نجمة كنت اتربعت بجزء من ثرويت لصالح الناسالغالبة ،أو كنت عىل األقل عملت أفالم بترشح معاناهتم ،واخرتت مواضيع هتمهم..
فقال مصطفى:
طبعا أنت بتقويل كده علشان عارفة إنك عمرك ما هتبقي نجمة ،وال هيكون عندكثروة ،علشان قال إيه تتربعي بجزء منها ،وأنت بتكميل عشاكي نوم من اجلوع.
فردت نادية:
معلش يا ست حماسن ،أصل مصطفى بقى روبرت دينريوا امبارح بالليلواحنا نايمني وما نعرفش ،ما ختف علينا يا عم النجم ،ده أنت أول امبارح الصبح
كنت ساعي يف نفس الفيلم اليل أنت عاميل فيه رجل أعامل وبتدخن عسلية ،وال
تكونش صدقت روحك يا مصطفى؟ ده أنت أكلت كام علقة من حتت راس فدوى
فهمي اليل أنت بتدافع عنها دي واتنفخت يف القسم واتكسحت تالت أسابيع
حمدش قالك أنت فني ،غريش بس ربك العاطي سرتها معاك علشان خيتربك ملا يبقى
معاك قرشني هتعمل بيهم إيه؟ أصل احلكاية يا ست حماسن إنه..
فوضع مصطفى يده عىل فم نادية وقال:
- 109 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
ممكن تقفيل بقك ده شوية اهلل؟ خيرب بيت اليل شار عليا أجيبك معانا يا شيخة.فضحكت فدوى وقالت:
سيبها يا مصطفى تقول اليل هي عاوزاه ،أنا مش متضايقة خالص من كالمها،هي معاها حق يف كل كلمة قالتها ،وأنا هفكر يف كالمك ده وأوصله للست فدوى.
فرد مصطفى:
أنا آسف جدا يا هانم ،آدي أخرة اليل يعرف أشكال زي دي ،ما تسرتوش وختيلرقبته قد السمسمة ،قدامي يا نادية ،قدامي أرجعك مطرح ما جبتك ،أنا أصال غلطان إين
جبتك أطفحك معانا كباب ،أنت أخرك ساندويتش بدنجان عىل عتبة بيتكم ،ده لو
حبيتي تغريي هوا البيت يعني ،وكامن ممكن تعميل فضايح عىل العتبة ،قومي يال ،قومي
علشان وراكي غسيل الصبح والزم تنرشيه بدري علشان يلحق ينشف.
فضحكت فدوى ،وقامت نادية غاضبة وقالت:
أنا ماشية يا عم النجم مروحة؛ ألين فعال اتأخرت ،وفعال عندي كومة غسيلبكرة ،بس الزم تعرف كويس قوي إن األشكال اليل مش عاجباك دي واليل أنت
واحد منهم ،أنضف وأرشف من أشكال كتري متزوقة وبتربق من برة وهي من جوة
منها خرابة كبرية.
فرد مصطفى:
- 110 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
شكرا عىل املعلومة يا ست الفيلسوفة ،ممكن بقى هتوينا دلوقتي وتتفضيل بقىبالسالمة؟ ويا ريت تبلعيلك شوية كلور وال بطاس مغيل قبل ما تنامي يمكن يغسل
لسانك الزفر ده وينضف قلبك احلقود شوية؟
ومضت نادية غاضبة ،وانحنى مصطفى عىل النجمة يعتذر هلا عن كالم نادية أم
لسان فالت ،وقلب حقودي ،فلم تتاملك فدوى نفسها ،واهنارت تبكي وتقول:
نادية معاها حق ،أنا فعال من جوايا خرابة مفيهاش وال حتة سليمة ،كلها بقاياأشياء مكسورة ،ومستحيل ترجع سليمة من تاين ،أنا اليل زيي الزم يموت ويتقتل
ألف مرة يا مصطفى.
وحكت فدوى ملصطفى عن الرجل املهم الذي يأتيها رسا وتطرد كل من يف
القرص من أجله حتى ال يتعرفوا عىل شخصه؛ ألنه شخصية سياسية كبرية ومعروفة،
وهو ممن حيركون األحداث واألشخاص يف البلد ،وما يربطها به قديم جدا ،فهو
أول من وقف يف ظهرها واشرتك يف تلميعها وجعلها حمط مقاالت الصحافة،
وبرامج التليفزيون ،وأعطاها حصانة من الرقابة حتى تبدع يف أداورها ،وتتحول من
بطلة للكبار فقط لبطلة للكبار جدا جدا فقط ،ويف املقابل استغل مجاهلا يف اإليقاع
بشخصيات ،والتقرب لشخصيات أخرى ،وعمل صفقات جتارة واسعة ملن يريد أن
يشرتي ،وملن يريد أن يبيع.
فقال مصطفى بتعجب:
- 111 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
ياااه ،وهو يف حد يعمل يف مراته كده يا هانم؟فسالت دموع صادقة من عني فدوى وهي تقول:
ومني قالك إن أنا مراته؟ أنا حتى ورقة العريف رفض إنه يديني رشف إينأتنسب له حتى بورقة ،وخاف اليل بيعمله يف الناس يتقلب عليه ،وحد يستغل
الورقة دي ضده.
وأنت ازاي تقبيل كده؟ وكنت ممكن أقبل أكرت من كده كامن ،أنا جيت غريبة من بلدي العريب ،كنتهربانة من أهيل ومن فقري ،وكنت عاوزة أملع وأطلع ،وأبقى نجمة كبرية ،وكنت
متخيلة إن الغاية تربر الوسيلة ،وإين ملا أبقى نجمة كبرية ساعتها هقدر أطهر نفيس
وأختار طريقي وأصلح مساري ،بس صعب ومستحيل كامن إن اليل انكرس فيك
وإن اليل مات جواك يقدر يرجع للحياة من تاين.
وبكت وقالت بكلامت صادقة:
أنت إنسان طاهر وبريء ،اوعى تبيع نفسك يا مصطفى حتت أي سبب،حمدش هيشرتيك يا مصطفى لو أنت بعت نفسك.
فربت مصطفى عىل كتفها وقال:
تقدري تتخليص من كل ده ،وتطردي الناس دي كلها من حياتك ،حاويل وهتقدري.فضحكت فدوى وقالت:
- 112 -
أحبك ولكن ..غادة العليمي
تعرف الراجل اليل كان عاوز يموتني يف احلامم ده يبقى مني؟ ده يبقى أولواحد باعني يف السوق ،وعلمني ازاي أبقى سلعة غالية ،ده اول واحد قابلني يف
الطيارة ،وأعجب بجاميل ،ووعدين بالنجومية والشهرة اليل كانت يف صالة درجة
تالتة يف ملهى لييل قديم ،وكتب معايا عقد احتكار ،ووعدين إنه يوصلني ،بس أسمع
كالمه ،وسمعت كالمه ،واشتغلت معاه ،وكسب من ورايا كتري ،وأنا خرست معاه