أحببتُ_مُسلمة - 5
آجاشي ،يأخذني إلى ...ال أعلم إلى أين...
لم نحن على َّ
شاطئ البحر اآلن؟!
آهَ ،
قالت أيان باستغراب:
ّ
يخطط ْ
أن نسبح؟!
لم البحر اآلن ،هل مين
-آآجاشيَ ،
ضحك آجاشي؛ لطرافتها ،ولم يرد عليها ،فهو يعلم ما الذي سيحدث ،أخبرته
صغير ،لقد أقسم ْ
بأن
زوجته بكل شيء ،وحزين أي ً
ضا على ما سيحدث لسيّده ال َّ
سرا على الجميع.
يصون موضوع أيان ً
مين هو
ً
رومانسي ،األمر عرض
وجوا
لقد انشغلت اليوم
مطوال؛ ألجهز مكانًاً ،
ً
زواج ،ال بدَّ ْ
أن يكون مثاليًا.
سماء خانتني اليوم ،وأرجو ّأال
ولكن يا لغبائي ،حجزتُ الشاطئ بأكمله لنا ،وال َّ
يمض قليل من الوقت ،إال وبدأ المطر بالنُّزول.
يهطل المطر ،ولم
ِ
ضا على
وعند رؤية سيارة آجاشي أصبحتُ متوت ّ ًرا أكثر من ذي قبل ،وفار ً
نفسي الحماس ،بدأ الوقت يا مين ،رفع يديه اليمين مقف ًل قبضته ،وقال مشج ًعا
لنفسه :مين هو (فايتينغ) وضحك.
أشجع نفسي بنفسي اآلن ،كم أنا بائس!!
ً
توقّ ْ
حامال معه مظلّة متّج ًها
فت سيارة آجاشي ،وأيان ترى على بُعد مين هو
ْ
سيارة ،ووقف أمامها مين ،وقال :إنَّها تمطر.
نحوهما،
خرجت أيان ِمن ال َّ
ْ
نورا ،تعقّد حاجبي أيان لألسفل
ورأت أيان خلفه على الشاطئ خيمة ،وبداخلها ً
بحزن ،ثم قال مين :هيّا بنا.
أخذها مين إلى داخل الخيمة ،يوجد طاولة ،وكرسيين ،وعشاء فخم ،وعليها
كانت تتمناه بحياتها ْ
ْ
أن
شموع ،انقبض قلب أيان وج ًعا ،وهي ترى ك َّل ما
يحصل.
نعم ،فقد حصل ،ولكن مع شخص لن ترتبط به أبدًا.
ْ
تنظر لـسعادة مين لهذا ،تن ّه ْ
وجلست على مهل ،تحدِّق باألرجاء،
دت،
وقالت :المكان جميل.
جلس مين أمامها ،وقال :إنّها قليلة بحقك.
ولكن لماذا قليل؟ْ
وأتت نادلتان ،لم يستطع مين من أن يتكلّم ،وقدمتا األطباق لهما ،وغادرتا
فورا.
ً
مين :كلّها حالل ،هيّا لنأكل.
ْ
ْ
ْ
وبدأت بتذوق األكل ،وتراه يأكل من
ورفعت ملعقة،
ابتسمت أيان؛ لتصرفه،
ضروري ْ
ْ
أن تجبر نفسك ،وتأكل مثلي ،فأنا
نفس طعامها،
وقالت :مين ليس من ال َّ
ال أمانع حقًا.
قال وهو ينظر إليها مبتس ًما :ولكن أنا أريد هكذا.
ووجهت نظرها إلى َّ
الطعام بخجل ،وقالت بداخلها :ال أظن َّ
ْ
ْ
أن
صمتت أيان
اليوم سينتهي على خير.
أجلبك إلى هنا ِمن أجل ْ
لك ،بل...لتمكثي ُهنا
في الحقيقة لمعا ِ
أن يكون ودا ً
ِ
وإلى األبد.
ْ
حد ْ
وقالت :لم أفهم!
ّقت به أيان بجهل،
وقف مين هو واتّجه إليها ،أخرج علبة الخاتم ،وركع أمامهاِ ،م ْن اللّحظة التي
وقف فيها ،وقلب أيان بدأ بالخفقان ،واآلن وقفت بسرعة ،متفاجئة عند ركوعه
لها :هل سيحدث ما أظنّه اآلن؟ هل هذا حقيقة؟!
هل هذا يتحقّق اآلن؟
حب :أيان...هل تقبلين َّ
الزواج بي؟
فتح مين العلبة ،وقال بكل ّ ٍ
ْ
عجزت كل الكلمات ،واألفعال لدى أيان ،هل تحزن؟ أ تبكي؟
لم قدري أنا هكذا يا
فإن مثل هذه األمور يفرح اإلنسان بها ،ولكن ليس أناَ ،
رب؟
ِل َم؟
ي ،ولكن ّ
إن هذا امتحان آخر ،وهو األسوأ،
عشتُ أيا ًما سيئة عند فقداني والدا ّ
واألصعب ،يا رب امنحني القوة!
ْ
ْ
ْ
وقالت :هل يمكنك الجلوس أمامي
ونظرت إليه،
جلست أيان على كرسيها،
ً
أوال؟
استغرب مين هو لهذا ،لقد ت َّم عرض َّ
الزواج حال ًيا ،وردّها البارد هذا يوحي
وكأنَّها ترفضني .قال لنفسه.
بك؟!
وقف وجلس مستغربًا :وقال ماذا ِ
مين ألم تعلم أ ّنني مسلمة؟ال يمكنني ّ
الزواج ِمن شخص من غير ديني.
قال بثقة :أعلم بهذا ،ولقد قررتُ ...
تأملته أيان باستغراب ،وأكمل ً
قائال :أيان سأعتنق دين اإلسالم.
تفاجأت أيان لهذا ،آه هل ما رأيت في غرفته سيتحقق؟ هل ماكنت أرجوه ِمن
قبل سيتحقق؟!
بك ،ولكنَني سأفعل أي شيء فقط ِمن
ث َّم قال :أنا ال أعلم كيف ،ومتى أغرمتُ ِ
أجلك أنتِ.
ِ
ْ
وقالت :هل ستسلم من أجلي أنا؟
سعادة ِمن وجه أيان،
فجأة انطفأ بريق ال َّ
أيان سأكون معكم هذا قراري. ستفعلها ِمن أجلي ،وليس ِمن أجلك أنت.أنت)
(من أجلي وليس ِمن أجلك َ
لم يفهم مين القصد ِمن جملتها ِ
ْ
تن ّه ْ
وقالت منفعلة بغضب :يا مين ليس الدِّين اإلسالمي تدخله فقط
دت أيان،
ِمن أجل اآلخرين ،بل تدخله ،وتقتنع به ،وتؤمن به ،فقط ِم ْن أجل نفسكِ ،من أجل
ْ
أن يترسخ اإليمان في قلبك ،قبل عقلك ،هل تفهم؟
قالت هذا ،وهي تصرخ بدون إدراك منها في وجه مين.
تراجع مين هو إلى الخلف ،منده ً
شا ومتفاجئًا ،لم يفهم سبب انفعالها هكذا،
بك؟!
وقال بقلق :أيان ماذا ِ
ْ
ْ
وقالت:
هدأت أيان،
افهمني أرجوك ،ال يمكنك ْأن تعتنق اإلسالم فقط إرضاء لشخص ما ،هذا
غير مقبول أبدًا.
يجب أن تكون بكامل قناعتك ،ويمأل اإليمان قلبك ً
أوالِ ،من أجل روحك،
ث َّم تسلَّم نفسك هللَّ ،
إن ديننا دين تسليم هلل في كل أمورك.
الرئيسي في...
ت أي شخص يا أيان ،فأن ِ
ولكنك لس ِ
ت ال َّ
ِ
سبب َّ
قاطعته أيان قائلة بضعف :يااا مين
ْ
ْ
ْ
وقالت بضعف :إنَّهُ
وابتسمت بهدوء،
صمتت بحزن ،تأملت جمال الخاتم،
ث َّم
ْ
وقالت هل بالفعل ستسلم؟
جمي ٌل جدًا ،ألقت نظرها إلى مين،
نعم ،سأفعل.ث َّم أنزلت عينيها لألسفل ً
ْ
وقالت أمهلني نصف ساعة؛ ألفكر بمفردي
قليال،
وقفت ،ووقف هو معها ،وقال :حسنًا ،سأتركك هنا؛ لتف ِ ّكري.
قاطعته قائلة:
ال ،سأخرج ًْ
أخذت المظلة ،وتطلّعت إلى مين بعينين
قليال ،وأف ّكر براحتي،
ْ
خرجت ِمن المكان.
حزينتين لبرهة ،ثم
قليال ً
وبدأت تبتعد ً
ْ
ْ
ْ
ْ
وقالت:
ونظرت إليه نظرة خاطفة،
قليال،
خرجت أيان،
قهرا ،يا مين أنا أحبك،
أعتذر مين ،ولكن ُهنا سأودعك ،ولم تحتمل عيناها ،بكت ً
ولكنّني آسفة اآلن ،آسفة.
ْ
واستدارت؛ لتكمل رحيلها...
واشتدّ بكاؤها،
أ ّما مين هو جالس بمكانه ،منتظر أيان ،وانتابه القلق ،فكأن عينيها ال تب ّ
شِران
ْ
أتت نادلة ،مد ْ
مر اآلن أكثر ِم ْن نصف ساعةْ ،
وقالت:
ّت إليه ورقة،
بسعادة ،وقد َّ
ْ
كانت معك هذه الورقة.
سيدة التي
سيد مين ،تركت لك ال َّ
أخذ مين الورقة ،بفزع ،ورأى ما بداخلها "مين هو أشكرك على ك ِّل ما فعلته
لي ،ولكن أرجو ّأال تبحث ع ِنّي أبدًا"
"نعم ...إنَّها الحياة ،صعب ْ
َّ
ولكن القدر
الحب ،وتجد َمن يبادلك إياه،
َّ
أن تجدَ
عن بعضكما"
يبعدكما َ
نعم ربَّما كان مين سيسلم ،ولكن ال يمكنني ْ
أن أرضى؛ ليفعل ذلك ِم ْن أجلي،
ومت ،هل سيعود كما كان ،الْ ،
ربَّما ْ
ْ
ّ
ولن أجازف بهذا،
كانت حياتي قصيرة،
إن
مين هو ،أنا آسفة ،ولكن قصتنا ستنتهي هنا.
أيان تقول هذا ،وهي بسيارة األجرة ،تحدِّق إلى الخارج ،وتسمح لدموعها
باالنهمار دون توقف.
أ ّما مين هو
جن جنونه ،بحث عنها بين المطر على ال َّ
لقد ّ
شاطئ ،وآجاشي ينظر إليه
بحسرة ،وأخذ سيارته ،واتّجه للمشفى ،ولكنّهُ انصدم أكثر بعدم وجود والديها،
صرحوا رحيلهم ،بطلب ِمن اآلنسة ،صباح اليوم،
وقال األطباء لقد ّ
ّ
فجن جنونه أكثر ،ركض إلى الخارج ،وركب سيارته ،وقاد بسرعة ،دون
انتباه ،ارتطم بعمود الكهرباء ،وبدأ الدَّخان يتصاعد من جانب المحرك ،ومين قد
فقد وعيه لبرهة.
ً
قليال ،حتى استفاق رويدًا ،رويدًا ،أمسك برأسه ِمن األلم ،ولمس جبينه وقع به
جرح طفيف ،ودماء على وجهه ،من جراء هذا الجرح ،وعاد لوعيه ،مجدّدًا،
وتكرارا ،ولكن محركه ل ْم يستجب له،
مرارا،
وتذ ّكر أيان ،وبدأ بتشغيل سيارته
ً
ً
ففقد أعصابه ،وخرج وهو يسعل ،وقال :ال أيان ال تفعليها ،ال تفعليها.
وركض بأقسى قوته ،لم يكن بحوزته ً
ماال؛ ليركب سيارة أجرة ،ظ ّل يركض،
حتى وصل ،ودخل إلى المنزل ،وجسده ً
مبتال كل ًيا.
ْ
وقالت :ماذا حدث؟ وما هذا
دخل مين باحثًا بغرفة أيان ،تتبعه آجوما فزعة،
الذي على جبينك؟!
أتت؟ هل ْ
و ّجه كالمه مين آلجوما بقلق :هل ْ
أتت أيان إلى هنا؟
ْ
رد ْ
ضاعت أيان؟
ّت بهلع :ال ،أل ْم تكن معك ،هل
سرير مستغربًا ،مصدو ًما م ّما حدثَّ ،
إن ك َّل األحداث
جلس مين على ال َّ
ْ
حصلت بسرعة البرق.
متى ّ
خط ْ
طت لهذا؟ وماذا اقترفتُ أنا بغفلةً مني ،دون إدراك؛ لجعلها ترحل؟
ْ
رحلت أيان؟
هل هذ حدث حقًا؟ هل
ت عا ٍل ممزوج بالخوف قائلة :أين أيان مين؟
قالت آجوما بصو ٍ
ْ
ْ
رحلت وتركتني.
اختفت،
ت مخنوق :لقد
نظر مين إليها مصدو ًما ،وقال بصو ٍ
ْ
تركت آجوما علبة إسعافات أوليَّة أمام مين؛ لتضميد جرحه الذي على جبينه،
ولكنَّه وقف ،عطس ،وسعل بقوة في آن واحد ،وقال بصرامة:
عادت أيان أخبريني ،أريد ْ
آجوماْ ،ْ
أن أبقى في غرفتي لوحدي اآلن،
إن
وال تطرقي باب غرفتي رجا ًء.
مشى ،وتو ّجه؛ ليذهب إلى غرفته ،وتمدّد على سريره ،وجسده يرتجف
من البرد.
ْ
ولكن لم يخبرها باتفاقه مع أيان ،ال يقصد بهذا
قال آجاشي لزوجته ما حدث،
ْ
كسرت خاطره ِمن كثر ما تر ّجته؛ بعدم إخباره
جرح سيّده ،ولكن أيان
ّ
بمخططها ،فهذا قرار قد ت ّم وتنفذ.
حاولت آجوما إعطائه الحساء ،والدَّواء ،ولكنّه رفض ،رفض األكل ،والدَّواء،
حتى الذَّهاب للمستشفى...
أيان
وطلبت ِم ْن والدايها ْ
ْ
ْ
أن
وعلمت ما يجري ِمن آجاشي،
فجرا،
إنَّها ال َّ
ساعة الثَّانية ً
يسبقاها للمطار ،وينتظراها ،سأعود بعد ْ
أمرا ما.
أن أتفقّد ً
ْ
عادت أيان مجدّدًا إلى المنزل ،رأتها آجوما،
أتى آجاشي ،وأخذها إلى المنزل،
ْ
وقالت بقلق:
أخيرا أتيتِ ،رجا ًء بنيتي أقنعيه؛ ليذهب إلى المستشفى ،فهو ال يستجيب لنا.
ً
حسنًا.ْ
ْ
ات ّ ْ
ورأت مين بنفس بدلته
ودخلت بحذر،
جهت إلى غرفة مين ،تتبعها آجوما،
الرسميَّة ،األنيقة ،ولكن اآلن أصبح رطبًا ِم ْن المطر.
َّ
وقالت ألجوما :نادي على زوجك ِمن فضلك.
ْ
ْ
وأخرجت ثوب نومه ،دخل آجاشي
وفتحت أيان خزانة مين،
ذهبت آجوما،
وقال :هل طلبتني؟
ْ
رفعت يديها؛ لتريه ما لديها.
ت خافت :سأخرج ،اآلن حاول ْ
ْ
أن تغيّر مالبسه؛ ِكي ال يزداد
وقالت بصو ٍ
مرضه ،ونادني عندما تتم.
ْ
سل :أرجوك ،ال تجعله
استجاب أجاشي لها ،وأخذ ما بيدها،
وقالت بتو ّ
يستيقظ ،حسنًا؟
نظر إليها آجاشي ،وتعاطف معها ،وأومأ برأسه بالموافقة.
وتوجهت إلى المطبخ ،ج ّه ْ
ْ
ْ
زت الدَّواء ،والمنشفة ،ووعاء الماء،
خرجت أيان،
ْ
طلبت منهم االنفراد معه ،لبّوا طلبها.
خرج آجاشي،
ْ
ْ
جلست
دخلت أيان تحدِّق به ،وتراه يتصبّب عرقًا ،رغم برودة غرفته،
ث َّم
ْ
وبدأت بوضع
بجواره ،وأعطته الدَّواء بملعقة إلى فمه ،وأشربته قليل ِم ْن الماء،
ْ
وقالت بحزن :أرجوك
منشفة على جبينه ،وتمسح أجزاء ِمن جسمه األعلى،
سامحني...سامحني ،أرجوك ،فإن هذا ما كان يجب ْ
أن يحدث ،ستتفهمني يو ًما
ما.
ْ
ومر ْ
سماء تتغيّر معلنة حلول فجر يوم جديد ،لم يبقَ على
ت ساعات،
وبدأت ال َّ
َّ
سفر سوى ساعة.
ال َّ
أيان واقفة في حديقة المنزل ،تنظر إلى البيت النَّظرة األخيرة ،بعد ْ
ْ
تأكدت
أن
على ّ
ْ
أصبحت جيّدة ،وبرغم تعبه ،وعدم إحساسه بوجود أحد
أن صحة مين هو
ْ
وقالت بضعف :مين هو ،أنا سأكون بخير ،فكن بخير،
سن جسده،
قربه ،فقد تح ّ
أرجوك.
وقف مين هو أمام نافدة غرفته ،ينظر إلى الخارج بوجه حزين ،وبيده ورقة
تركتها لهُ أيان بجانبه قبل مغادرتها ،كتبت فيها:
" مين هو أتذ ّكر أول لقاء لنا بالمطعم ،وكنت أنا بوقتها ق ْد أضعتُ محفظتي،
وتكرارا،
مرارا
ّيت يد العون لي ،وساعدتني
أنت كنت كري ًما معي ،ومد َ
وكيف َ
ً
ً
كثيرا ،ولرعايتك لي،
أنا لن أنسى معروفك هذا ما حييت ،مين هو ممتنة لك ً
ي ،وسامحني اآلن على تقصيري معك ،ولكن أرجوك عش حياتك مثل
ولوالد ّ
ماكنت قبل وجودي بحياتك ،وكن بخير دائ ًما ،وأرجوك أرجوك ،ال تبحث ع ِنّي
َ
أبدًا ً أبدًا...الوداع"
مين هو:
حب حياتي بعد ذلك اليوم ،بالفعل عملتُ بما قالته
أر َّ
لقد َّ
مر شهران ،وأنا لم َ
للفن مجدّدًا ،بل أغرقتُ نفسي بالعمل ،من أجل ْ
لي ،رجعتُ ّ
أن أنساها،
وأصبحتُ ف ً
كثيرا ،أصبح بداخلي
ظا ،وعصبيًّا ،وفريق العمل يتضايقون منِّي ً
أستطع ْ
أن أنساها.
غضب ،وحزن ،ووحدة ،ومع كل هذا ل ْم
ْ
ْ
كثيرا ،الوقت ال
أيان
أحدثت ثقبًا بداخلي في ك ِّل ثانية ّ
تمر بحياتي أشتاق إليها ً
يمضي ،بال ِنّسبة لي ل ْم أع ْد أدخل إلى منزلي؛ لكثرة ما أرى خيالها بكل مكان،
وأستمر بالبكاء ،كـطفل؛ لكثرة ما ظللتُ طريقي ،ال أعلم كيف ولكنّني وجدتُ
نفسي أمام الجامع ،خرجتُ من سيارتي ،وبدأتُ أستشير ال َّ
شيخ فاتح ع ّما حدث،
ألن هناك حلقة مفقودة م ّما حدث بذلك اليوم ال َّ
ّ
شاطئ ،ال أتذكرها.
ولكن بسبب ال َّ
شيخ فاتح عرفتُ ماهي (أيان ظنّ ْ
ت أنّني قد أسلم ِم ْن أجلها ،ولكن
بدأ فضولي؛ لمعرفة دينهم قبل ْ
بمحض إرادتي،
قررتُ هذا
أن أقع في ح ِبّها ،وقد ّ
ِ
وقناعتي الكليَّة)
ي ْ
وقلتُ لل َّ
أن أفعل؛ ِكي أكون مسل ًما؟
شيخ :ماذا عل َّ
مين هو:
شهر تاله آخر ،وأنا قد أعلنتُ إسالمي بين أهلي حاليًا ،قبل ْ
أن ينتشر إلى
وسائل اإلعالم.
الجميع تقبّل قراري ،وأحترمه ،ولكن أمي تلوم أيان على هذا القرار ،تركتها
أكثر ِمن شهر ،حتى تهدأ ،وتتقبّلني ِم ْن جديد ،أنا كنتُ دون دين ،حملتُ اسم
"مين هو" منذُ ولدتُ ،ولكن اآلن لقد تغيرتُ ،وغيّرتُ اسمي إلى "مروان"
مرت تسعة أشهر ،وأنا أعلم أين أنتِ ،وأين تعملين ،ولكن قولي لي:
أيان ،لقد ّ
لو ظهرتُ أمامك ،هل ستغضبين مني؟
لقد أسلمتُ منذُ أشهر ،بل سأكمل عا ًما بأكمله ،على هذا القرار ،الذي اتّخذته...
نعم فعلتها ،فعلتها ولكن ليس ِمن أجل شخص ما ،كما تظنّين ،بل ِم ْن أجل
روحي ،لنّجاة ِم ْن النَّار ،وطمعًا للجنّة.
ضالل طوال حياتي،
أنا سعيد؛ لوجودك بحياتي،
لوالك لكنتُ في طريق ال ّ
ِ
جعلتني أدرك أين أكون ،وماذا أريد ،أيان أنا أشكرك لـدخولك حياتي.
الفصل الثﱠالث
أيان
لقد سافرنا إلى أمريكا ،واستقريّنا ،وبدأنا العمل ،أنا ،ووالدي بنفس ال َّ
شركة،
أتابع أخبار مين هو ِمن حين إلى آخر؛ ِكي ال أتعلّق به أكثر ،آآه إنّني أكذب على
نفسي ،فأنا ل ْم أنساه.
وهل لي ْ
أن أنسى قطعة من قلبي؟
رغم َّ
أن مديري في العمل ،طلب يدي رسميًا ِم ْن والدي ،وجلب الخاتم؛ لكي
ْ
متهربة ِمن اإلجابة ،لستُ
وفقت ،ولكنّني أظ ّل أتح ّجج بأي شيء،
ألبسه في حالة
ِّ
مستعدّة لهذا.
لو كان ال َّ
شخص هو أول َمن قابلته ،لكنتُ مؤكد سأرتدي خاتمه ،ولكن شاء
القدر ْ
أن ينحرف طريقي.
ما زلت أتذ ّكر ذلك المساء ،كما لو كان باألمس ،وكيف ت ّم عرض طلبه ،كم
جميال حقًا هذا العرض ،وال أعتقد أنّه سيأتي يوم ،وأتلقى كمثل هذا ّ
ً
الطلب.
كان
أن أوافق على هذا ال َّ
وربّما لصالحي ْ
شخص.
ي ،وسافرنا ،لكان هذا
لو ل ْم أذهب إلى الحفلة في تلك اليوم ،وركبتُ مع والدا ّ
ال َّ
شخص سيكون األول بحياتي.
ولكن ال يوجد بحياتنا (لو ،لم)
بل إنَّه القدر ،ولكن أي قدر هذا الذي أعيشه اآلن؟!
ووقفت؛ لتقفل نافذة غرفتها؛ لتنام ،وأثناء إقفالهاْ ،
ْ
رأت
مسحت أيان دموعها،
صا ،واقفًا في حديقة منزلهمْ ،
قالت بغضب :اشش إنّه سكير ،مزعج ،سأتصل
شخ ً
بال ّ
شرطة.
ْ
ْ
عادت نظرها إلى الخارج مجدّدًا،
رفعت أيان هاتفها؛ إلجراء االتّصال ،ث َّم
ْ
الرقم (ّ )... 91إال أنَّها تج ّم ْ
ْ
وتوقفت
دت،
أشاحت نظرها إلى الهاتف؛ لتكتب َّ
منبهرة ،ودقات قلبها تزداد ،وتزداد ،حد ْ
ّقت ببطء مجدّدًا إلى الخارج "هااااا ،هل
هذا...؟!"
تو ّجهت مسرعة إلى الخارج ،مندهشة ،تنظر إلى ال َّ
شخص ،بل ترى اآلن مين
هو...
وهو بحالة مزرية ،وسواد تحت عينيه ،وضعف يبدو على جسده ،والحزن ما
زال مرسو ًما على وجهه.
أن من الممكن ْ
أيان لم تصدِّق َّ
أن يأتي فنان كبير؛ ليبحث عنها ،وها هو قد
فعل ،ولكن ما هذا الحال؟!
ي ْ
أن أفعل؛ لجعلك
نظر مين إليها بتعب ،وقال بصو ٍ
ت مخنوق :ماذا عل َّ
تحبيني؟
ي ْ
أن أفعل؛ لجعلك تقبلين بي ،هااا؟
ماذا عل َّ
إن قلبي يؤلمنيّ ،
أيانَّ ،
ْ
ْ
وبدأت بالبكاء،
هرعت إليه،
ودق على صدره بقوة،
قالِ :ل َم ك َّل هذ الحزن الذي أشعر به أنا؟
أنا لماذا حزين؟
حزين ...
ْ
ْ
وركعت أمامه ،تحدِّق به ،ودموعها تنهمر
قفزت أيان إليه،
وسقط على ركبتيه،
على خدّيّهاّ ،
وهي َم ْن ظنّ ْ
ت بأنَّهُ مرتا ًحا ،كما تراه
تمزق قلبها؛ لرؤيته هكذا،
َ
دائ ًما في ال ِت ّلفاز.
هل كان فقط يم ِث ّل لعامة ال َّ
شعب؟ وعندما يكون بمفرده يكون بهذه الحالة؟
ْ
ْ
ومسكت وجهه تمسحه بعطف.
رفعت أيان يديها،
رفع نظره إليها بحزن ،وأيان تمسح وجنتيه برفق ،تبعد آثار الدُّموع.
وقالت له بلطفً :
ْ
أهال بك بيننا.
ْ
ْ
وقالت :ساعدني؛ لندخل ،حسنًا؟
وضعت ذراعه بكتفها،
ث َّم
مرة يقترب منها بقدر هذا القرب،
تأمل مين هو مالمح وجهها ،فهذه أول ّ
ابتسم براحة ،ووقف معها.
دخل كالهما إلى البيت ،أدخلته أيان إلى غرفتها ،وجعلته يستلقي على
سريرها ،ومن شدّة التَّعب الذي به ،استغرق مين مباشرة ً في النَّوم ،بعد ْ
أن قال
أرجوك...ال تتركيني.
آخر كلمة :ال تتركيني،
ِ
ْ
وأجهشت مباشرة بالبكاء ،بعد تملّكها لنفسها ِكي ال تبكي
غادرت أيان غرفتها،
ْ
ْ
سا ،رأها والدها بقلق ،وقال بهدوء:
نزلت إلى األسفل،
أمامه،
ووجدت والدها جال ً
تعالي ،واجلسي بقربي عزيزتي.
ْ
وجلست ،نظر والدها إلى عينيها المنتفخة ِم ْن البكاء ،وقال:
اتّجهت أيان إليه،
أعلم َم ْن بغرفتك.
لقد أتى ،وأنا...قاطعها والدها ،وقال :أعلم َم ْن تكونين ،فال داعي لل ّ
شرح.
ثم مسك بيديها ،وأضاف ً
ووالدتك كنَّا نعلم مسبقًا بما كان
قائال :عزيزتي ،أنا،
ِ
قرارا صائبًا بابتعادك عنه ،فهذا ال يليق
ت
ت قد اتخذ ِ
لك في كوريا ،وأن ِ
يحدث ِ
ً
بنا.
ت فقط تعالي لحضننا ،إذا
أنا
ووالدتك نثق بقرارك ،وحكمك ،وسندعمك ،أن ِ
ِ
ت إلينا.
احتج ِ
ْ
وحضنت والدها كطفلة صغيرة ،احتاجت لمن يأويها.
بدأت أيان بالبكاء،
وقال والدهاَّ :
كثيرا ،فهو اآلن ضيفنا ،وسنعامله كما يجب،
إن مين هو ساعدنا ً
حسنًا عزيزتي؟
قالت أيان ":حسنًا.
بعد ْ
ْ
ْ
وقالت :سانأم اآلن ،تصبح على
وقفت،
أن أفرغت بكاءها بحضن والدها،
خير أبي.
ْ
ذهبت أيان ونام والدها على األريكة.
ردَّ لها بالمثل،
ْ
صحت
ح َّل صباح يوم جديد يحمله غموض ،وأحداث جديدة في حياة أيان،
وذهبت إلى ال َّ
ْ
شركة؛ لتأخذ إجازة مرضيّة لمدّة أسبوع.
باكرا،
ً
وقالت لقد عدتُ ،وتركت حذاءها ،وعلّ ْ
ْ
ْ
قت معطفها
أتت أيان ِمن الخارج،
ْ
وات ّ ْ
فوقفت ساكنة ،مندهشة ،مين هو كان واقفًا أمامها مبتس ًما،
جهت إلى الدَّاخل،
مرتديًا قميص والدها األبيض ،وقبّعة أبيض لونها في رأسه ،وحذاء من الجلد
الذي يرتديه والدها.
سرها بدهشة :حتى الحذاء ليس بمقاسه ،ما الذي يحاول مين ْ
أن يثبته؟
أيان في ِ ّ
وقف والدها بجانبه ،وقال له :هيّا بُني؛ لنذهب لصالة الجمعة.
وتجاوزاها ،ثم خرجا إلى ،وهما يتحدثان مع بعضهما.
وقفت والدة أيان إلى جانبها ،وقالت :هل رأيتيه ،لقد قال بأنَّه أسلم.
ْ
قالت أيان بصدمة :ماااذا؟
نعم ،لقد قال هذا ،ال نعلم حقًا ،لو كان يكذب ،أو يصدق بشأن هذا األمر ،الأعلم.
أرجو ْأن يكونَ صادقًاً ،كما تعلمين ال يوجد لعب في الدِّين.
صعدت أيان إلى غرفتها ،تصفحت حاسوبها ْ
ْ
تخص دخوله
عن أي معلومات
ّ
في اإلسالم ،ولكن ل ْم تجد شيئًا ِم ْن هذا.
مين هو:
لقد تعبتُ ،وأنا أكون حذرا ً ِكي ال تراني أيان ،ولم أستطع ْ
أن أتمالك نفسي،
وأنا أرى َم ْن أحببتها أمامي دائ ًما.
عند خروجها ِمن المنزل ،وعند دخولها إلى ال َّ
شركة ،وحتى عند مغادرتها من
ال َّ
ضا...
شركة ،وحين تتنزه في الحديقة بعد انتهاء ساعات العمل أي ً
ْ
كثيرا من النَّظر إليها ِمن بعيد...
تعبت ً
كان قصدي باألمس فقط رؤيتها ِمن خالل نافذتها من بعيد ،مثل كل يوم،
ولكن شدّني ال َّ
ع ْن قرب...
شوق؛ ألقترب من حديقة منزلهم ،ورؤيتها َ
أتحرك ،فأصابني الدُّوار ً
أستطع ْ
قليال؛
أن
ولكن ،وبسبب حالتي المزري ،لم
َّ
ْ
لعدم تناولي للطعام من فترة...
لك من والدك
واآلن لقد أتيتُ إلى ُهنا أيان ،وأنا مسلم ،نعم مسلم ،وسأتقدّم ِ
سابق.
اآلن ،كما قل ِ
ت لي في ال َّ
أرجوك ال ترفضيني.
ِ
بينما أيان ،ومين هو في الخارج يتنزهان ،ج ّه ْ
ضيافة؛
زت والدة أيان غرفة ال ِ ّ
لينام بها مين هو فترة إقامته معهم.
مين هو الحظ شرود أيان ،وقال :ماذا هناك؟
ْ
ْ
وقالت :ماذا؟!
نظرت أيان إليه باستغراب،
إنَّ ِك شاردة ،ما الذي يشغل بالك؟نظرت أيان لألمام ً
ْ
قالت :سمعتُ بأنَّ َك أسلمت ،ونظرت إليه.
قليال ،ث َّم
ابتسم مين ،وقال :نعم ،فعلتُ .
ْ
وقالت :ولماذا؟
وقفت أيان أمامه،
ضياع الذي كنت به سابقًا.
استغرب مين؛ لردِّها هذا ،وقال :ألنقذ نفسي من ال َّ
ْ
ْ
ْ
ْ
وقالت:
نظرت إليه بحيرة،
ونظرت لألسفل ،ث َّم
صمتت إيان ،ردّه غير مقنع،
ولم ل ْم يظهر هذا الخبر في ال ِت ّلفاز؟
َ
زالت ّ
ْ
تشك بصدق كالمه ،ث ُ َّم قال :سأعلن
نظر إليها بعمق ،لقد فهم ،فهي ما
سا_ قري ًبا.
ع ْن ذلك _أسا ً
َ
ْ
ْ
ْ
ومشت ،ومشى
عادت لمكانها بجانبه،
نظرت أيان لجدِّية كالمه هذا ،ث ُ َّم
ْ
ْ
وقالت :ومن يعلم
نظرت إليه،
بجانبها ،ما زالت أيان متفاجئة ،تتملَّكها الحيرة،
عن هذا غيرنا؟
ي
ابتسم بسعادة ،وقال :آجوما ،وآجاشي ،وشقيقتي ،وأمي ،وأنتم فقط ،فليس لد ّ
َم ْن أثق بهم بهذا العالم كلّه غيركم.
ْ
ْ
وابتسمت بخجل ،فتواضعه رائع ،فهذا سبب إعجابها به
نظرت أيان إليه،
سا.
أسا ً
ت عزمتُ
جلسا على كرسي الحديقة ،وقال مين هو :عندما تركتني ،ورحل ِ
تركك لي ،نعم
منك ،ولم أفهم سبب
ِ
بأ ِنّي سأعود لسابق عهدي ،كنتُ غاض ًبا ِ
ولكنك ال تغادرين عقلي أبدًا.
عدتُ لل ِت ّلفاز ،والتَّمثيل،
ِ
ْ
ْ
وقالت :أنا حقًا آسفة.
شعرت أيان بحزن ،لما أصابه،
ال بأس...وفي يوم ال أعلم كيف فعلتُها ،وقدتُ سيارتي إلى ال َّ
شيخ فاتح.
قالت أيان باستغراب :ال َّ
ْ
شيخ فاتح!
قال لها :هل تذكرين في ذلك اليوم ،عندما ُكنا في الجامع ،وأنا كنتُ بين
مجموعة منهم.
ْ
ْ
وقالت :نعم ،أتذ ّكر ،وبعد؟
تذكرت أيان ذلك اليوم
تابع مين :الحظ ال َّ
شيخ كثرة أسئلتي له ،وعند مغادرتي أعطاني رقم هاتفه ،لو
أمورا تخصكم ،أو ساورني ال َّ
شك ،والحيرة ،أساله مباشرة.
احتجتُ لمعرفة
ً
قررتُ الدُّخول في اإلسالم قبل وقوعي بح ِبّك ،وهذا ما فسر بسوء
أيان ،أنا ّ
فهم.
أيان تنظر إليه مندهشة ،هل هذا الذي أمامي هو مين؟
هل أنا في حلم؟!
كنت تنتمي؟
وسألت قائلة :سابقًا ألي ديانة َ
حقيقةٍ ،كنتُ أعتقد سابقًا َّأن الدِّيانات تعيق من قدرتي على قيادة أموري كما
أشاء ،ولكن هذا الفكر جعلني أشعر بأنّني أعيش حياتي دون هدف ،أو
معنى ،آكل ،أشرب دون حمد لل ِنّعمة ،أنام ،وأصحو كيفما شئتُ ،أسهر
وألهو ،وأقيم عالقات ال متناهية.
لقد كنتُ في ضياع ،وأدور في حلقة فارغة ،والدي توفي منذُ زمن ،أ ّما أمي
توقفت عن رعايتي منذ زمن ،وك ّل ما يهمها اآلن هو ال َّ
ْ
شركة ،والمال.
سابق كنتُ أرى
أيان ،لطالما أعجبتُ بالعرب ،وتقاليدهم العربيّة ،في ال ّ
أمورهم بشكل سطحي ،وأتع ّجب منهم ،أما وجودك بحياتي ،كانت نعمة ِم ْن
ربنا ،فأنا كنتُ فقط محتاج لدفعة ،بسيطة ،يدفعني بها شخص ما ،ألسلك هذا
َّ
ت َم ْن دفعني.
الطريق ،وأن ِ
ت لي في يوم عيد ميالدي،
وأحمد هللا على رسالته لي ،ما زلتُ أتذ ّكر ما قل ِ
وعن جزء بسيط ِمن اآلية ،ولكنَّها ذات معنى ،وصلة بسبب وجودك بحياتي.
سعادة التي غمرني بها مين هو اليوم كانت جميلة ،ومستحيلة بذات الوقت.
ال َّ
أحسستُ مصداقيَّة حديثه ،وبالفعل أنا قد اشتقتُ لهُ كثي ًرا.
َّ
إن مين يدهشني أكثر ،وأكثر ،جزء مني يجعلني أصدِّقه ،وأقبل به ،والجزء
اآلخر خائف ْ
ي.
أن يكون فقط يكذب عل َّ
ْ
ضحك
كانت وجبة العشاء التي أعدّتها والدتي لذيذة ،ولم يفارقنا الحديث ،وال َّ
بوجوده ،نعم ،أعترف كنّا سعداء للغاية اليوم بوجوده ،أما والدي ووالدتي يحبَّان
مين ،آه أقصد مروان ،أصبح اسمه مروان اآلن ،ولكن لن يصبح مروان
صغيرا
اختبارا
ي
بنظري ،حتى يعترف بخبر إسالمه إلى العالم ،وأنا أسا ً
ً
ً
سا لد ّ
له.
َّ
فإن أمي وأبي لديهما العلم بماذا سيحدث غدًا ،أنا آسفة بما سيحدث غدًا يا
ق كالمك.
مين ،ولكن هذا لصالحنا جميعًا ،حتى أتأكد ِمن صد ِ
ع ْن قرار ابنتنا ،حرام بحق ال َّ
"أال يجب ْ
شاب"
أن نعدل َ
ْ
صة.
وجهت والدة أيان لزوجها بهذا الحديث ،بقلق ،وهما بغرفتهما الخا ّ
ردَّ زوجها :نعم ،إنَّهُ كذلك ،ولكن علينا ْ
أن نقف بقربها غدًا ،ونثق بها.
ْ
تن ّه ْ
وقالت :فليسامحني هللا إذًا.
دت األم،
مين هو يحدق إلى الخاتم الذي يملكه ،وقال بسعادة :أرجو ْ
أن تقبلي بي هذه
المرة أيان.
ّ
لقد أتى اليوم التّالي ،وال أعلم لماذا أيان تتجنّبني طوال الوقت.
تتحجج بانشغالها مع والدتها ،وتنظيف المنزل ،وتحضير الغداء ،ثم تال ذلك
كثيرا ،وما زلتُ أنظر إليها ِمن بعيد فقط.
العشاء ،آه اشتقتُ لها ً
ي
أما أنا انشغلتُ مع والدها بالذهاب إلى الجامع،
ّ
وعرفني على رجال الح ّ
الذي يقطن به ،ومن الجميل َّ
أن هنا ال أحد يعرفني ،أو يشبّه بي ،ومع لبسي
صالة ،هذا يبعد عنهم ك ّل هذا ال ّ
شك ،ويتابعون في حال
المتواضع ،وتأديتي لل ّ
سبيلهم.
قليال ،وأكمل ً
أما كوريا ،ث ُ َّم ضحك ً
قائال :يقولون إنَّه ُهو ،وبكل تأكيد ،يتم
مطاردتي.
ح َّل المساء ،وارتديتُ بدلة كنتُ قد اشتريتها عند ّ
تنزهي ،مع أيان ،لقد
وقررتُ ْ
أن أتقدّم لخطبتها اليوم بها ،ولكنّي ما زلتُ ال
أعجبتها تلك البدلةّ ،
أعرف بأي شكل سأتقدَّم لها بطلب َّ
الزواج!
فأنا أريدها ْ
ت لي.
أن توافق ،وأخذها معي بعيدًا ِم ْن هنا ،نعم ،أيان سمعتِ؟ أن ِ
ارتديتُ ثوبًا محتش ًما ذي أكمام ،سكريمي اللّون ،ووضعتُ أحمر ال ّ
شِفاه يليق
بـلون فستاني ،ووشاح ِمن أجل ْ
أن أغطي به شعري ،طويل ،محتشم ،وأنيق.
ْ
ّقت إلى الخاتم بحزن ،وتن ّه ْ
حد ْ
وقالت بداخلها :أنا ال أقصد جرحك يا مين،
دت،
ولكن هذا فقط ِمن أجلنا جمي ًعا ،أرجو أن تتفهمني.
ْ
صة بالخطوبة.
ورفعت يديها ،ثم وضعته في إصبعها البنصر ،الخا ّ
قال الوالد :جاء الضيف أيان.
كان مين هو واقفًا بقرب والدها ،مستغربًا ِمن هذا الدَّخيل ،الذي يحمل باقة ورد
ي وسيم ال َّ
حمراء ،دخل ال َّ
شكل والمالمح ،يرتدي
شاب إلى الدَّاخل ،إنَّه ُ كور ّ
ضا_ أصيب مين هو بالغيرة ،ولكن ما أضفى غليانه هو خاتم
بدلة رسميَّة _أي ً
الخطوبة الذي يرتديه ال ّ
شاب على إصبعه.
فال داعي فهو مرتبط.
يتحرك معها ،أينما تتّجه ،اندهش
خطوات أيان نازلة على الدَّرج ،وثوبها
ّ
مين؛ لجمالها ،فقد أعتاد لرؤيتها ساب ًقا ،ولكن اليوم ال يستطيع أن يعبر عن
سره :جميلة!
إعجابه بوجود الجميع ،فقط اكتفى بالنَّظر إليها ،وقال في ِ ّ
وقالت برقّةً :
ْ
نزلت أيان مبتسمة ،وات َّ ْ
أهال بك حازم.
ضيف،
جهت إلى ال َّ
قائال بشوقً :
الرجل االبتسامة ،وهتف ً
أهال بخطيبتي الجميلة.
بادلها َّ
انزعج مين ،م ّما سمعه اآلن ورأى خاتم الخطوبة ،ولكن انصعق أكثر،
ْ
رفعت يدها؛ لتأخذ باقة الورد
عندما رأى الخاتم ،الذي تضعه أيان عندما
أهذه مزحة!
ع ْن فهم الموقف ،قاطعهم الوالد ،وقال من
حزن الوالدان؛ لرؤية عجز مين هو َ
باب األدب :هيّا؛ لندخل فقد قدّمنا العشاء.
ودخلوا إلى الدَّاخل ّإال مين هو ،ساكن في مكانه ،مصعوقًا ،وأغمض جفنيه
بشدّةِ ،م ْن حرق جفنه ،شهق عميقًا ،واحتقن وجهه ،بالدِّماء ،غاضبًا ،ث ُ َّم أطلق
زفرة ،وجعل خطواته يذهب إلى غرفة َّ
سخافة التي طرأ
الطعام؛ ليراه ،ما هذه ال َّ
اآلن؟
مين هو تائ ًها بـطاولة العشاء؛ يرى ضحكات ،وسعادة ،وتبادل أطراف
الرجل َّ
الزائد بغاليته أيان.
الحديث ،واهتمام َّ
"ما الذي فاتني ِم ْن قبل؟! كيف حدث هذا؟!
ْ
اشتعلت بداخله ،ال يعرف ماذا يفعل
مشاعر متضاربةِ ،م ْن الغضب ،والغيرة
هل يقلب َّ
الرجل ،ويكسر إصبعه؟؟؟
الطاولة رأ ً
سا على عقب ،ويلكم َّ
أو يخطف أيان؟ أو ماذا؟
ضحك َّ
مشاعر مشو ّ
الزائف،
شة ،ولكنَّه ظ ّل متمال ًكا ألعصابه ،يجاملهم بال ّ
الرجل بقدر سؤاله ،دون ْ
لم نحن على َّ
شاطئ البحر اآلن؟!
آهَ ،
قالت أيان باستغراب:
ّ
يخطط ْ
أن نسبح؟!
لم البحر اآلن ،هل مين
-آآجاشيَ ،
ضحك آجاشي؛ لطرافتها ،ولم يرد عليها ،فهو يعلم ما الذي سيحدث ،أخبرته
صغير ،لقد أقسم ْ
بأن
زوجته بكل شيء ،وحزين أي ً
ضا على ما سيحدث لسيّده ال َّ
سرا على الجميع.
يصون موضوع أيان ً
مين هو
ً
رومانسي ،األمر عرض
وجوا
لقد انشغلت اليوم
مطوال؛ ألجهز مكانًاً ،
ً
زواج ،ال بدَّ ْ
أن يكون مثاليًا.
سماء خانتني اليوم ،وأرجو ّأال
ولكن يا لغبائي ،حجزتُ الشاطئ بأكمله لنا ،وال َّ
يمض قليل من الوقت ،إال وبدأ المطر بالنُّزول.
يهطل المطر ،ولم
ِ
ضا على
وعند رؤية سيارة آجاشي أصبحتُ متوت ّ ًرا أكثر من ذي قبل ،وفار ً
نفسي الحماس ،بدأ الوقت يا مين ،رفع يديه اليمين مقف ًل قبضته ،وقال مشج ًعا
لنفسه :مين هو (فايتينغ) وضحك.
أشجع نفسي بنفسي اآلن ،كم أنا بائس!!
ً
توقّ ْ
حامال معه مظلّة متّج ًها
فت سيارة آجاشي ،وأيان ترى على بُعد مين هو
ْ
سيارة ،ووقف أمامها مين ،وقال :إنَّها تمطر.
نحوهما،
خرجت أيان ِمن ال َّ
ْ
نورا ،تعقّد حاجبي أيان لألسفل
ورأت أيان خلفه على الشاطئ خيمة ،وبداخلها ً
بحزن ،ثم قال مين :هيّا بنا.
أخذها مين إلى داخل الخيمة ،يوجد طاولة ،وكرسيين ،وعشاء فخم ،وعليها
كانت تتمناه بحياتها ْ
ْ
أن
شموع ،انقبض قلب أيان وج ًعا ،وهي ترى ك َّل ما
يحصل.
نعم ،فقد حصل ،ولكن مع شخص لن ترتبط به أبدًا.
ْ
تنظر لـسعادة مين لهذا ،تن ّه ْ
وجلست على مهل ،تحدِّق باألرجاء،
دت،
وقالت :المكان جميل.
جلس مين أمامها ،وقال :إنّها قليلة بحقك.
ولكن لماذا قليل؟ْ
وأتت نادلتان ،لم يستطع مين من أن يتكلّم ،وقدمتا األطباق لهما ،وغادرتا
فورا.
ً
مين :كلّها حالل ،هيّا لنأكل.
ْ
ْ
ْ
وبدأت بتذوق األكل ،وتراه يأكل من
ورفعت ملعقة،
ابتسمت أيان؛ لتصرفه،
ضروري ْ
ْ
أن تجبر نفسك ،وتأكل مثلي ،فأنا
نفس طعامها،
وقالت :مين ليس من ال َّ
ال أمانع حقًا.
قال وهو ينظر إليها مبتس ًما :ولكن أنا أريد هكذا.
ووجهت نظرها إلى َّ
الطعام بخجل ،وقالت بداخلها :ال أظن َّ
ْ
ْ
أن
صمتت أيان
اليوم سينتهي على خير.
أجلبك إلى هنا ِمن أجل ْ
لك ،بل...لتمكثي ُهنا
في الحقيقة لمعا ِ
أن يكون ودا ً
ِ
وإلى األبد.
ْ
حد ْ
وقالت :لم أفهم!
ّقت به أيان بجهل،
وقف مين هو واتّجه إليها ،أخرج علبة الخاتم ،وركع أمامهاِ ،م ْن اللّحظة التي
وقف فيها ،وقلب أيان بدأ بالخفقان ،واآلن وقفت بسرعة ،متفاجئة عند ركوعه
لها :هل سيحدث ما أظنّه اآلن؟ هل هذا حقيقة؟!
هل هذا يتحقّق اآلن؟
حب :أيان...هل تقبلين َّ
الزواج بي؟
فتح مين العلبة ،وقال بكل ّ ٍ
ْ
عجزت كل الكلمات ،واألفعال لدى أيان ،هل تحزن؟ أ تبكي؟
لم قدري أنا هكذا يا
فإن مثل هذه األمور يفرح اإلنسان بها ،ولكن ليس أناَ ،
رب؟
ِل َم؟
ي ،ولكن ّ
إن هذا امتحان آخر ،وهو األسوأ،
عشتُ أيا ًما سيئة عند فقداني والدا ّ
واألصعب ،يا رب امنحني القوة!
ْ
ْ
ْ
وقالت :هل يمكنك الجلوس أمامي
ونظرت إليه،
جلست أيان على كرسيها،
ً
أوال؟
استغرب مين هو لهذا ،لقد ت َّم عرض َّ
الزواج حال ًيا ،وردّها البارد هذا يوحي
وكأنَّها ترفضني .قال لنفسه.
بك؟!
وقف وجلس مستغربًا :وقال ماذا ِ
مين ألم تعلم أ ّنني مسلمة؟ال يمكنني ّ
الزواج ِمن شخص من غير ديني.
قال بثقة :أعلم بهذا ،ولقد قررتُ ...
تأملته أيان باستغراب ،وأكمل ً
قائال :أيان سأعتنق دين اإلسالم.
تفاجأت أيان لهذا ،آه هل ما رأيت في غرفته سيتحقق؟ هل ماكنت أرجوه ِمن
قبل سيتحقق؟!
بك ،ولكنَني سأفعل أي شيء فقط ِمن
ث َّم قال :أنا ال أعلم كيف ،ومتى أغرمتُ ِ
أجلك أنتِ.
ِ
ْ
وقالت :هل ستسلم من أجلي أنا؟
سعادة ِمن وجه أيان،
فجأة انطفأ بريق ال َّ
أيان سأكون معكم هذا قراري. ستفعلها ِمن أجلي ،وليس ِمن أجلك أنت.أنت)
(من أجلي وليس ِمن أجلك َ
لم يفهم مين القصد ِمن جملتها ِ
ْ
تن ّه ْ
وقالت منفعلة بغضب :يا مين ليس الدِّين اإلسالمي تدخله فقط
دت أيان،
ِمن أجل اآلخرين ،بل تدخله ،وتقتنع به ،وتؤمن به ،فقط ِم ْن أجل نفسكِ ،من أجل
ْ
أن يترسخ اإليمان في قلبك ،قبل عقلك ،هل تفهم؟
قالت هذا ،وهي تصرخ بدون إدراك منها في وجه مين.
تراجع مين هو إلى الخلف ،منده ً
شا ومتفاجئًا ،لم يفهم سبب انفعالها هكذا،
بك؟!
وقال بقلق :أيان ماذا ِ
ْ
ْ
وقالت:
هدأت أيان،
افهمني أرجوك ،ال يمكنك ْأن تعتنق اإلسالم فقط إرضاء لشخص ما ،هذا
غير مقبول أبدًا.
يجب أن تكون بكامل قناعتك ،ويمأل اإليمان قلبك ً
أوالِ ،من أجل روحك،
ث َّم تسلَّم نفسك هللَّ ،
إن ديننا دين تسليم هلل في كل أمورك.
الرئيسي في...
ت أي شخص يا أيان ،فأن ِ
ولكنك لس ِ
ت ال َّ
ِ
سبب َّ
قاطعته أيان قائلة بضعف :يااا مين
ْ
ْ
ْ
وقالت بضعف :إنَّهُ
وابتسمت بهدوء،
صمتت بحزن ،تأملت جمال الخاتم،
ث َّم
ْ
وقالت هل بالفعل ستسلم؟
جمي ٌل جدًا ،ألقت نظرها إلى مين،
نعم ،سأفعل.ث َّم أنزلت عينيها لألسفل ً
ْ
وقالت أمهلني نصف ساعة؛ ألفكر بمفردي
قليال،
وقفت ،ووقف هو معها ،وقال :حسنًا ،سأتركك هنا؛ لتف ِ ّكري.
قاطعته قائلة:
ال ،سأخرج ًْ
أخذت المظلة ،وتطلّعت إلى مين بعينين
قليال ،وأف ّكر براحتي،
ْ
خرجت ِمن المكان.
حزينتين لبرهة ،ثم
قليال ً
وبدأت تبتعد ً
ْ
ْ
ْ
ْ
وقالت:
ونظرت إليه نظرة خاطفة،
قليال،
خرجت أيان،
قهرا ،يا مين أنا أحبك،
أعتذر مين ،ولكن ُهنا سأودعك ،ولم تحتمل عيناها ،بكت ً
ولكنّني آسفة اآلن ،آسفة.
ْ
واستدارت؛ لتكمل رحيلها...
واشتدّ بكاؤها،
أ ّما مين هو جالس بمكانه ،منتظر أيان ،وانتابه القلق ،فكأن عينيها ال تب ّ
شِران
ْ
أتت نادلة ،مد ْ
مر اآلن أكثر ِم ْن نصف ساعةْ ،
وقالت:
ّت إليه ورقة،
بسعادة ،وقد َّ
ْ
كانت معك هذه الورقة.
سيدة التي
سيد مين ،تركت لك ال َّ
أخذ مين الورقة ،بفزع ،ورأى ما بداخلها "مين هو أشكرك على ك ِّل ما فعلته
لي ،ولكن أرجو ّأال تبحث ع ِنّي أبدًا"
"نعم ...إنَّها الحياة ،صعب ْ
َّ
ولكن القدر
الحب ،وتجد َمن يبادلك إياه،
َّ
أن تجدَ
عن بعضكما"
يبعدكما َ
نعم ربَّما كان مين سيسلم ،ولكن ال يمكنني ْ
أن أرضى؛ ليفعل ذلك ِم ْن أجلي،
ومت ،هل سيعود كما كان ،الْ ،
ربَّما ْ
ْ
ّ
ولن أجازف بهذا،
كانت حياتي قصيرة،
إن
مين هو ،أنا آسفة ،ولكن قصتنا ستنتهي هنا.
أيان تقول هذا ،وهي بسيارة األجرة ،تحدِّق إلى الخارج ،وتسمح لدموعها
باالنهمار دون توقف.
أ ّما مين هو
جن جنونه ،بحث عنها بين المطر على ال َّ
لقد ّ
شاطئ ،وآجاشي ينظر إليه
بحسرة ،وأخذ سيارته ،واتّجه للمشفى ،ولكنّهُ انصدم أكثر بعدم وجود والديها،
صرحوا رحيلهم ،بطلب ِمن اآلنسة ،صباح اليوم،
وقال األطباء لقد ّ
ّ
فجن جنونه أكثر ،ركض إلى الخارج ،وركب سيارته ،وقاد بسرعة ،دون
انتباه ،ارتطم بعمود الكهرباء ،وبدأ الدَّخان يتصاعد من جانب المحرك ،ومين قد
فقد وعيه لبرهة.
ً
قليال ،حتى استفاق رويدًا ،رويدًا ،أمسك برأسه ِمن األلم ،ولمس جبينه وقع به
جرح طفيف ،ودماء على وجهه ،من جراء هذا الجرح ،وعاد لوعيه ،مجدّدًا،
وتكرارا ،ولكن محركه ل ْم يستجب له،
مرارا،
وتذ ّكر أيان ،وبدأ بتشغيل سيارته
ً
ً
ففقد أعصابه ،وخرج وهو يسعل ،وقال :ال أيان ال تفعليها ،ال تفعليها.
وركض بأقسى قوته ،لم يكن بحوزته ً
ماال؛ ليركب سيارة أجرة ،ظ ّل يركض،
حتى وصل ،ودخل إلى المنزل ،وجسده ً
مبتال كل ًيا.
ْ
وقالت :ماذا حدث؟ وما هذا
دخل مين باحثًا بغرفة أيان ،تتبعه آجوما فزعة،
الذي على جبينك؟!
أتت؟ هل ْ
و ّجه كالمه مين آلجوما بقلق :هل ْ
أتت أيان إلى هنا؟
ْ
رد ْ
ضاعت أيان؟
ّت بهلع :ال ،أل ْم تكن معك ،هل
سرير مستغربًا ،مصدو ًما م ّما حدثَّ ،
إن ك َّل األحداث
جلس مين على ال َّ
ْ
حصلت بسرعة البرق.
متى ّ
خط ْ
طت لهذا؟ وماذا اقترفتُ أنا بغفلةً مني ،دون إدراك؛ لجعلها ترحل؟
ْ
رحلت أيان؟
هل هذ حدث حقًا؟ هل
ت عا ٍل ممزوج بالخوف قائلة :أين أيان مين؟
قالت آجوما بصو ٍ
ْ
ْ
رحلت وتركتني.
اختفت،
ت مخنوق :لقد
نظر مين إليها مصدو ًما ،وقال بصو ٍ
ْ
تركت آجوما علبة إسعافات أوليَّة أمام مين؛ لتضميد جرحه الذي على جبينه،
ولكنَّه وقف ،عطس ،وسعل بقوة في آن واحد ،وقال بصرامة:
عادت أيان أخبريني ،أريد ْ
آجوماْ ،ْ
أن أبقى في غرفتي لوحدي اآلن،
إن
وال تطرقي باب غرفتي رجا ًء.
مشى ،وتو ّجه؛ ليذهب إلى غرفته ،وتمدّد على سريره ،وجسده يرتجف
من البرد.
ْ
ولكن لم يخبرها باتفاقه مع أيان ،ال يقصد بهذا
قال آجاشي لزوجته ما حدث،
ْ
كسرت خاطره ِمن كثر ما تر ّجته؛ بعدم إخباره
جرح سيّده ،ولكن أيان
ّ
بمخططها ،فهذا قرار قد ت ّم وتنفذ.
حاولت آجوما إعطائه الحساء ،والدَّواء ،ولكنّه رفض ،رفض األكل ،والدَّواء،
حتى الذَّهاب للمستشفى...
أيان
وطلبت ِم ْن والدايها ْ
ْ
ْ
أن
وعلمت ما يجري ِمن آجاشي،
فجرا،
إنَّها ال َّ
ساعة الثَّانية ً
يسبقاها للمطار ،وينتظراها ،سأعود بعد ْ
أمرا ما.
أن أتفقّد ً
ْ
عادت أيان مجدّدًا إلى المنزل ،رأتها آجوما،
أتى آجاشي ،وأخذها إلى المنزل،
ْ
وقالت بقلق:
أخيرا أتيتِ ،رجا ًء بنيتي أقنعيه؛ ليذهب إلى المستشفى ،فهو ال يستجيب لنا.
ً
حسنًا.ْ
ْ
ات ّ ْ
ورأت مين بنفس بدلته
ودخلت بحذر،
جهت إلى غرفة مين ،تتبعها آجوما،
الرسميَّة ،األنيقة ،ولكن اآلن أصبح رطبًا ِم ْن المطر.
َّ
وقالت ألجوما :نادي على زوجك ِمن فضلك.
ْ
ْ
وأخرجت ثوب نومه ،دخل آجاشي
وفتحت أيان خزانة مين،
ذهبت آجوما،
وقال :هل طلبتني؟
ْ
رفعت يديها؛ لتريه ما لديها.
ت خافت :سأخرج ،اآلن حاول ْ
ْ
أن تغيّر مالبسه؛ ِكي ال يزداد
وقالت بصو ٍ
مرضه ،ونادني عندما تتم.
ْ
سل :أرجوك ،ال تجعله
استجاب أجاشي لها ،وأخذ ما بيدها،
وقالت بتو ّ
يستيقظ ،حسنًا؟
نظر إليها آجاشي ،وتعاطف معها ،وأومأ برأسه بالموافقة.
وتوجهت إلى المطبخ ،ج ّه ْ
ْ
ْ
زت الدَّواء ،والمنشفة ،ووعاء الماء،
خرجت أيان،
ْ
طلبت منهم االنفراد معه ،لبّوا طلبها.
خرج آجاشي،
ْ
ْ
جلست
دخلت أيان تحدِّق به ،وتراه يتصبّب عرقًا ،رغم برودة غرفته،
ث َّم
ْ
وبدأت بوضع
بجواره ،وأعطته الدَّواء بملعقة إلى فمه ،وأشربته قليل ِم ْن الماء،
ْ
وقالت بحزن :أرجوك
منشفة على جبينه ،وتمسح أجزاء ِمن جسمه األعلى،
سامحني...سامحني ،أرجوك ،فإن هذا ما كان يجب ْ
أن يحدث ،ستتفهمني يو ًما
ما.
ْ
ومر ْ
سماء تتغيّر معلنة حلول فجر يوم جديد ،لم يبقَ على
ت ساعات،
وبدأت ال َّ
َّ
سفر سوى ساعة.
ال َّ
أيان واقفة في حديقة المنزل ،تنظر إلى البيت النَّظرة األخيرة ،بعد ْ
ْ
تأكدت
أن
على ّ
ْ
أصبحت جيّدة ،وبرغم تعبه ،وعدم إحساسه بوجود أحد
أن صحة مين هو
ْ
وقالت بضعف :مين هو ،أنا سأكون بخير ،فكن بخير،
سن جسده،
قربه ،فقد تح ّ
أرجوك.
وقف مين هو أمام نافدة غرفته ،ينظر إلى الخارج بوجه حزين ،وبيده ورقة
تركتها لهُ أيان بجانبه قبل مغادرتها ،كتبت فيها:
" مين هو أتذ ّكر أول لقاء لنا بالمطعم ،وكنت أنا بوقتها ق ْد أضعتُ محفظتي،
وتكرارا،
مرارا
ّيت يد العون لي ،وساعدتني
أنت كنت كري ًما معي ،ومد َ
وكيف َ
ً
ً
كثيرا ،ولرعايتك لي،
أنا لن أنسى معروفك هذا ما حييت ،مين هو ممتنة لك ً
ي ،وسامحني اآلن على تقصيري معك ،ولكن أرجوك عش حياتك مثل
ولوالد ّ
ماكنت قبل وجودي بحياتك ،وكن بخير دائ ًما ،وأرجوك أرجوك ،ال تبحث ع ِنّي
َ
أبدًا ً أبدًا...الوداع"
مين هو:
حب حياتي بعد ذلك اليوم ،بالفعل عملتُ بما قالته
أر َّ
لقد َّ
مر شهران ،وأنا لم َ
للفن مجدّدًا ،بل أغرقتُ نفسي بالعمل ،من أجل ْ
لي ،رجعتُ ّ
أن أنساها،
وأصبحتُ ف ً
كثيرا ،أصبح بداخلي
ظا ،وعصبيًّا ،وفريق العمل يتضايقون منِّي ً
أستطع ْ
أن أنساها.
غضب ،وحزن ،ووحدة ،ومع كل هذا ل ْم
ْ
ْ
كثيرا ،الوقت ال
أيان
أحدثت ثقبًا بداخلي في ك ِّل ثانية ّ
تمر بحياتي أشتاق إليها ً
يمضي ،بال ِنّسبة لي ل ْم أع ْد أدخل إلى منزلي؛ لكثرة ما أرى خيالها بكل مكان،
وأستمر بالبكاء ،كـطفل؛ لكثرة ما ظللتُ طريقي ،ال أعلم كيف ولكنّني وجدتُ
نفسي أمام الجامع ،خرجتُ من سيارتي ،وبدأتُ أستشير ال َّ
شيخ فاتح ع ّما حدث،
ألن هناك حلقة مفقودة م ّما حدث بذلك اليوم ال َّ
ّ
شاطئ ،ال أتذكرها.
ولكن بسبب ال َّ
شيخ فاتح عرفتُ ماهي (أيان ظنّ ْ
ت أنّني قد أسلم ِم ْن أجلها ،ولكن
بدأ فضولي؛ لمعرفة دينهم قبل ْ
بمحض إرادتي،
قررتُ هذا
أن أقع في ح ِبّها ،وقد ّ
ِ
وقناعتي الكليَّة)
ي ْ
وقلتُ لل َّ
أن أفعل؛ ِكي أكون مسل ًما؟
شيخ :ماذا عل َّ
مين هو:
شهر تاله آخر ،وأنا قد أعلنتُ إسالمي بين أهلي حاليًا ،قبل ْ
أن ينتشر إلى
وسائل اإلعالم.
الجميع تقبّل قراري ،وأحترمه ،ولكن أمي تلوم أيان على هذا القرار ،تركتها
أكثر ِمن شهر ،حتى تهدأ ،وتتقبّلني ِم ْن جديد ،أنا كنتُ دون دين ،حملتُ اسم
"مين هو" منذُ ولدتُ ،ولكن اآلن لقد تغيرتُ ،وغيّرتُ اسمي إلى "مروان"
مرت تسعة أشهر ،وأنا أعلم أين أنتِ ،وأين تعملين ،ولكن قولي لي:
أيان ،لقد ّ
لو ظهرتُ أمامك ،هل ستغضبين مني؟
لقد أسلمتُ منذُ أشهر ،بل سأكمل عا ًما بأكمله ،على هذا القرار ،الذي اتّخذته...
نعم فعلتها ،فعلتها ولكن ليس ِمن أجل شخص ما ،كما تظنّين ،بل ِم ْن أجل
روحي ،لنّجاة ِم ْن النَّار ،وطمعًا للجنّة.
ضالل طوال حياتي،
أنا سعيد؛ لوجودك بحياتي،
لوالك لكنتُ في طريق ال ّ
ِ
جعلتني أدرك أين أكون ،وماذا أريد ،أيان أنا أشكرك لـدخولك حياتي.
الفصل الثﱠالث
أيان
لقد سافرنا إلى أمريكا ،واستقريّنا ،وبدأنا العمل ،أنا ،ووالدي بنفس ال َّ
شركة،
أتابع أخبار مين هو ِمن حين إلى آخر؛ ِكي ال أتعلّق به أكثر ،آآه إنّني أكذب على
نفسي ،فأنا ل ْم أنساه.
وهل لي ْ
أن أنسى قطعة من قلبي؟
رغم َّ
أن مديري في العمل ،طلب يدي رسميًا ِم ْن والدي ،وجلب الخاتم؛ لكي
ْ
متهربة ِمن اإلجابة ،لستُ
وفقت ،ولكنّني أظ ّل أتح ّجج بأي شيء،
ألبسه في حالة
ِّ
مستعدّة لهذا.
لو كان ال َّ
شخص هو أول َمن قابلته ،لكنتُ مؤكد سأرتدي خاتمه ،ولكن شاء
القدر ْ
أن ينحرف طريقي.
ما زلت أتذ ّكر ذلك المساء ،كما لو كان باألمس ،وكيف ت ّم عرض طلبه ،كم
جميال حقًا هذا العرض ،وال أعتقد أنّه سيأتي يوم ،وأتلقى كمثل هذا ّ
ً
الطلب.
كان
أن أوافق على هذا ال َّ
وربّما لصالحي ْ
شخص.
ي ،وسافرنا ،لكان هذا
لو ل ْم أذهب إلى الحفلة في تلك اليوم ،وركبتُ مع والدا ّ
ال َّ
شخص سيكون األول بحياتي.
ولكن ال يوجد بحياتنا (لو ،لم)
بل إنَّه القدر ،ولكن أي قدر هذا الذي أعيشه اآلن؟!
ووقفت؛ لتقفل نافذة غرفتها؛ لتنام ،وأثناء إقفالهاْ ،
ْ
رأت
مسحت أيان دموعها،
صا ،واقفًا في حديقة منزلهمْ ،
قالت بغضب :اشش إنّه سكير ،مزعج ،سأتصل
شخ ً
بال ّ
شرطة.
ْ
ْ
عادت نظرها إلى الخارج مجدّدًا،
رفعت أيان هاتفها؛ إلجراء االتّصال ،ث َّم
ْ
الرقم (ّ )... 91إال أنَّها تج ّم ْ
ْ
وتوقفت
دت،
أشاحت نظرها إلى الهاتف؛ لتكتب َّ
منبهرة ،ودقات قلبها تزداد ،وتزداد ،حد ْ
ّقت ببطء مجدّدًا إلى الخارج "هااااا ،هل
هذا...؟!"
تو ّجهت مسرعة إلى الخارج ،مندهشة ،تنظر إلى ال َّ
شخص ،بل ترى اآلن مين
هو...
وهو بحالة مزرية ،وسواد تحت عينيه ،وضعف يبدو على جسده ،والحزن ما
زال مرسو ًما على وجهه.
أن من الممكن ْ
أيان لم تصدِّق َّ
أن يأتي فنان كبير؛ ليبحث عنها ،وها هو قد
فعل ،ولكن ما هذا الحال؟!
ي ْ
أن أفعل؛ لجعلك
نظر مين إليها بتعب ،وقال بصو ٍ
ت مخنوق :ماذا عل َّ
تحبيني؟
ي ْ
أن أفعل؛ لجعلك تقبلين بي ،هااا؟
ماذا عل َّ
إن قلبي يؤلمنيّ ،
أيانَّ ،
ْ
ْ
وبدأت بالبكاء،
هرعت إليه،
ودق على صدره بقوة،
قالِ :ل َم ك َّل هذ الحزن الذي أشعر به أنا؟
أنا لماذا حزين؟
حزين ...
ْ
ْ
وركعت أمامه ،تحدِّق به ،ودموعها تنهمر
قفزت أيان إليه،
وسقط على ركبتيه،
على خدّيّهاّ ،
وهي َم ْن ظنّ ْ
ت بأنَّهُ مرتا ًحا ،كما تراه
تمزق قلبها؛ لرؤيته هكذا،
َ
دائ ًما في ال ِت ّلفاز.
هل كان فقط يم ِث ّل لعامة ال َّ
شعب؟ وعندما يكون بمفرده يكون بهذه الحالة؟
ْ
ْ
ومسكت وجهه تمسحه بعطف.
رفعت أيان يديها،
رفع نظره إليها بحزن ،وأيان تمسح وجنتيه برفق ،تبعد آثار الدُّموع.
وقالت له بلطفً :
ْ
أهال بك بيننا.
ْ
ْ
وقالت :ساعدني؛ لندخل ،حسنًا؟
وضعت ذراعه بكتفها،
ث َّم
مرة يقترب منها بقدر هذا القرب،
تأمل مين هو مالمح وجهها ،فهذه أول ّ
ابتسم براحة ،ووقف معها.
دخل كالهما إلى البيت ،أدخلته أيان إلى غرفتها ،وجعلته يستلقي على
سريرها ،ومن شدّة التَّعب الذي به ،استغرق مين مباشرة ً في النَّوم ،بعد ْ
أن قال
أرجوك...ال تتركيني.
آخر كلمة :ال تتركيني،
ِ
ْ
وأجهشت مباشرة بالبكاء ،بعد تملّكها لنفسها ِكي ال تبكي
غادرت أيان غرفتها،
ْ
ْ
سا ،رأها والدها بقلق ،وقال بهدوء:
نزلت إلى األسفل،
أمامه،
ووجدت والدها جال ً
تعالي ،واجلسي بقربي عزيزتي.
ْ
وجلست ،نظر والدها إلى عينيها المنتفخة ِم ْن البكاء ،وقال:
اتّجهت أيان إليه،
أعلم َم ْن بغرفتك.
لقد أتى ،وأنا...قاطعها والدها ،وقال :أعلم َم ْن تكونين ،فال داعي لل ّ
شرح.
ثم مسك بيديها ،وأضاف ً
ووالدتك كنَّا نعلم مسبقًا بما كان
قائال :عزيزتي ،أنا،
ِ
قرارا صائبًا بابتعادك عنه ،فهذا ال يليق
ت
ت قد اتخذ ِ
لك في كوريا ،وأن ِ
يحدث ِ
ً
بنا.
ت فقط تعالي لحضننا ،إذا
أنا
ووالدتك نثق بقرارك ،وحكمك ،وسندعمك ،أن ِ
ِ
ت إلينا.
احتج ِ
ْ
وحضنت والدها كطفلة صغيرة ،احتاجت لمن يأويها.
بدأت أيان بالبكاء،
وقال والدهاَّ :
كثيرا ،فهو اآلن ضيفنا ،وسنعامله كما يجب،
إن مين هو ساعدنا ً
حسنًا عزيزتي؟
قالت أيان ":حسنًا.
بعد ْ
ْ
ْ
وقالت :سانأم اآلن ،تصبح على
وقفت،
أن أفرغت بكاءها بحضن والدها،
خير أبي.
ْ
ذهبت أيان ونام والدها على األريكة.
ردَّ لها بالمثل،
ْ
صحت
ح َّل صباح يوم جديد يحمله غموض ،وأحداث جديدة في حياة أيان،
وذهبت إلى ال َّ
ْ
شركة؛ لتأخذ إجازة مرضيّة لمدّة أسبوع.
باكرا،
ً
وقالت لقد عدتُ ،وتركت حذاءها ،وعلّ ْ
ْ
ْ
قت معطفها
أتت أيان ِمن الخارج،
ْ
وات ّ ْ
فوقفت ساكنة ،مندهشة ،مين هو كان واقفًا أمامها مبتس ًما،
جهت إلى الدَّاخل،
مرتديًا قميص والدها األبيض ،وقبّعة أبيض لونها في رأسه ،وحذاء من الجلد
الذي يرتديه والدها.
سرها بدهشة :حتى الحذاء ليس بمقاسه ،ما الذي يحاول مين ْ
أن يثبته؟
أيان في ِ ّ
وقف والدها بجانبه ،وقال له :هيّا بُني؛ لنذهب لصالة الجمعة.
وتجاوزاها ،ثم خرجا إلى ،وهما يتحدثان مع بعضهما.
وقفت والدة أيان إلى جانبها ،وقالت :هل رأيتيه ،لقد قال بأنَّه أسلم.
ْ
قالت أيان بصدمة :ماااذا؟
نعم ،لقد قال هذا ،ال نعلم حقًا ،لو كان يكذب ،أو يصدق بشأن هذا األمر ،الأعلم.
أرجو ْأن يكونَ صادقًاً ،كما تعلمين ال يوجد لعب في الدِّين.
صعدت أيان إلى غرفتها ،تصفحت حاسوبها ْ
ْ
تخص دخوله
عن أي معلومات
ّ
في اإلسالم ،ولكن ل ْم تجد شيئًا ِم ْن هذا.
مين هو:
لقد تعبتُ ،وأنا أكون حذرا ً ِكي ال تراني أيان ،ولم أستطع ْ
أن أتمالك نفسي،
وأنا أرى َم ْن أحببتها أمامي دائ ًما.
عند خروجها ِمن المنزل ،وعند دخولها إلى ال َّ
شركة ،وحتى عند مغادرتها من
ال َّ
ضا...
شركة ،وحين تتنزه في الحديقة بعد انتهاء ساعات العمل أي ً
ْ
كثيرا من النَّظر إليها ِمن بعيد...
تعبت ً
كان قصدي باألمس فقط رؤيتها ِمن خالل نافذتها من بعيد ،مثل كل يوم،
ولكن شدّني ال َّ
ع ْن قرب...
شوق؛ ألقترب من حديقة منزلهم ،ورؤيتها َ
أتحرك ،فأصابني الدُّوار ً
أستطع ْ
قليال؛
أن
ولكن ،وبسبب حالتي المزري ،لم
َّ
ْ
لعدم تناولي للطعام من فترة...
لك من والدك
واآلن لقد أتيتُ إلى ُهنا أيان ،وأنا مسلم ،نعم مسلم ،وسأتقدّم ِ
سابق.
اآلن ،كما قل ِ
ت لي في ال َّ
أرجوك ال ترفضيني.
ِ
بينما أيان ،ومين هو في الخارج يتنزهان ،ج ّه ْ
ضيافة؛
زت والدة أيان غرفة ال ِ ّ
لينام بها مين هو فترة إقامته معهم.
مين هو الحظ شرود أيان ،وقال :ماذا هناك؟
ْ
ْ
وقالت :ماذا؟!
نظرت أيان إليه باستغراب،
إنَّ ِك شاردة ،ما الذي يشغل بالك؟نظرت أيان لألمام ً
ْ
قالت :سمعتُ بأنَّ َك أسلمت ،ونظرت إليه.
قليال ،ث َّم
ابتسم مين ،وقال :نعم ،فعلتُ .
ْ
وقالت :ولماذا؟
وقفت أيان أمامه،
ضياع الذي كنت به سابقًا.
استغرب مين؛ لردِّها هذا ،وقال :ألنقذ نفسي من ال َّ
ْ
ْ
ْ
ْ
وقالت:
نظرت إليه بحيرة،
ونظرت لألسفل ،ث َّم
صمتت إيان ،ردّه غير مقنع،
ولم ل ْم يظهر هذا الخبر في ال ِت ّلفاز؟
َ
زالت ّ
ْ
تشك بصدق كالمه ،ث ُ َّم قال :سأعلن
نظر إليها بعمق ،لقد فهم ،فهي ما
سا_ قري ًبا.
ع ْن ذلك _أسا ً
َ
ْ
ْ
ْ
ومشت ،ومشى
عادت لمكانها بجانبه،
نظرت أيان لجدِّية كالمه هذا ،ث ُ َّم
ْ
ْ
وقالت :ومن يعلم
نظرت إليه،
بجانبها ،ما زالت أيان متفاجئة ،تتملَّكها الحيرة،
عن هذا غيرنا؟
ي
ابتسم بسعادة ،وقال :آجوما ،وآجاشي ،وشقيقتي ،وأمي ،وأنتم فقط ،فليس لد ّ
َم ْن أثق بهم بهذا العالم كلّه غيركم.
ْ
ْ
وابتسمت بخجل ،فتواضعه رائع ،فهذا سبب إعجابها به
نظرت أيان إليه،
سا.
أسا ً
ت عزمتُ
جلسا على كرسي الحديقة ،وقال مين هو :عندما تركتني ،ورحل ِ
تركك لي ،نعم
منك ،ولم أفهم سبب
ِ
بأ ِنّي سأعود لسابق عهدي ،كنتُ غاض ًبا ِ
ولكنك ال تغادرين عقلي أبدًا.
عدتُ لل ِت ّلفاز ،والتَّمثيل،
ِ
ْ
ْ
وقالت :أنا حقًا آسفة.
شعرت أيان بحزن ،لما أصابه،
ال بأس...وفي يوم ال أعلم كيف فعلتُها ،وقدتُ سيارتي إلى ال َّ
شيخ فاتح.
قالت أيان باستغراب :ال َّ
ْ
شيخ فاتح!
قال لها :هل تذكرين في ذلك اليوم ،عندما ُكنا في الجامع ،وأنا كنتُ بين
مجموعة منهم.
ْ
ْ
وقالت :نعم ،أتذ ّكر ،وبعد؟
تذكرت أيان ذلك اليوم
تابع مين :الحظ ال َّ
شيخ كثرة أسئلتي له ،وعند مغادرتي أعطاني رقم هاتفه ،لو
أمورا تخصكم ،أو ساورني ال َّ
شك ،والحيرة ،أساله مباشرة.
احتجتُ لمعرفة
ً
قررتُ الدُّخول في اإلسالم قبل وقوعي بح ِبّك ،وهذا ما فسر بسوء
أيان ،أنا ّ
فهم.
أيان تنظر إليه مندهشة ،هل هذا الذي أمامي هو مين؟
هل أنا في حلم؟!
كنت تنتمي؟
وسألت قائلة :سابقًا ألي ديانة َ
حقيقةٍ ،كنتُ أعتقد سابقًا َّأن الدِّيانات تعيق من قدرتي على قيادة أموري كما
أشاء ،ولكن هذا الفكر جعلني أشعر بأنّني أعيش حياتي دون هدف ،أو
معنى ،آكل ،أشرب دون حمد لل ِنّعمة ،أنام ،وأصحو كيفما شئتُ ،أسهر
وألهو ،وأقيم عالقات ال متناهية.
لقد كنتُ في ضياع ،وأدور في حلقة فارغة ،والدي توفي منذُ زمن ،أ ّما أمي
توقفت عن رعايتي منذ زمن ،وك ّل ما يهمها اآلن هو ال َّ
ْ
شركة ،والمال.
سابق كنتُ أرى
أيان ،لطالما أعجبتُ بالعرب ،وتقاليدهم العربيّة ،في ال ّ
أمورهم بشكل سطحي ،وأتع ّجب منهم ،أما وجودك بحياتي ،كانت نعمة ِم ْن
ربنا ،فأنا كنتُ فقط محتاج لدفعة ،بسيطة ،يدفعني بها شخص ما ،ألسلك هذا
َّ
ت َم ْن دفعني.
الطريق ،وأن ِ
ت لي في يوم عيد ميالدي،
وأحمد هللا على رسالته لي ،ما زلتُ أتذ ّكر ما قل ِ
وعن جزء بسيط ِمن اآلية ،ولكنَّها ذات معنى ،وصلة بسبب وجودك بحياتي.
سعادة التي غمرني بها مين هو اليوم كانت جميلة ،ومستحيلة بذات الوقت.
ال َّ
أحسستُ مصداقيَّة حديثه ،وبالفعل أنا قد اشتقتُ لهُ كثي ًرا.
َّ
إن مين يدهشني أكثر ،وأكثر ،جزء مني يجعلني أصدِّقه ،وأقبل به ،والجزء
اآلخر خائف ْ
ي.
أن يكون فقط يكذب عل َّ
ْ
ضحك
كانت وجبة العشاء التي أعدّتها والدتي لذيذة ،ولم يفارقنا الحديث ،وال َّ
بوجوده ،نعم ،أعترف كنّا سعداء للغاية اليوم بوجوده ،أما والدي ووالدتي يحبَّان
مين ،آه أقصد مروان ،أصبح اسمه مروان اآلن ،ولكن لن يصبح مروان
صغيرا
اختبارا
ي
بنظري ،حتى يعترف بخبر إسالمه إلى العالم ،وأنا أسا ً
ً
ً
سا لد ّ
له.
َّ
فإن أمي وأبي لديهما العلم بماذا سيحدث غدًا ،أنا آسفة بما سيحدث غدًا يا
ق كالمك.
مين ،ولكن هذا لصالحنا جميعًا ،حتى أتأكد ِمن صد ِ
ع ْن قرار ابنتنا ،حرام بحق ال َّ
"أال يجب ْ
شاب"
أن نعدل َ
ْ
صة.
وجهت والدة أيان لزوجها بهذا الحديث ،بقلق ،وهما بغرفتهما الخا ّ
ردَّ زوجها :نعم ،إنَّهُ كذلك ،ولكن علينا ْ
أن نقف بقربها غدًا ،ونثق بها.
ْ
تن ّه ْ
وقالت :فليسامحني هللا إذًا.
دت األم،
مين هو يحدق إلى الخاتم الذي يملكه ،وقال بسعادة :أرجو ْ
أن تقبلي بي هذه
المرة أيان.
ّ
لقد أتى اليوم التّالي ،وال أعلم لماذا أيان تتجنّبني طوال الوقت.
تتحجج بانشغالها مع والدتها ،وتنظيف المنزل ،وتحضير الغداء ،ثم تال ذلك
كثيرا ،وما زلتُ أنظر إليها ِمن بعيد فقط.
العشاء ،آه اشتقتُ لها ً
ي
أما أنا انشغلتُ مع والدها بالذهاب إلى الجامع،
ّ
وعرفني على رجال الح ّ
الذي يقطن به ،ومن الجميل َّ
أن هنا ال أحد يعرفني ،أو يشبّه بي ،ومع لبسي
صالة ،هذا يبعد عنهم ك ّل هذا ال ّ
شك ،ويتابعون في حال
المتواضع ،وتأديتي لل ّ
سبيلهم.
قليال ،وأكمل ً
أما كوريا ،ث ُ َّم ضحك ً
قائال :يقولون إنَّه ُهو ،وبكل تأكيد ،يتم
مطاردتي.
ح َّل المساء ،وارتديتُ بدلة كنتُ قد اشتريتها عند ّ
تنزهي ،مع أيان ،لقد
وقررتُ ْ
أن أتقدّم لخطبتها اليوم بها ،ولكنّي ما زلتُ ال
أعجبتها تلك البدلةّ ،
أعرف بأي شكل سأتقدَّم لها بطلب َّ
الزواج!
فأنا أريدها ْ
ت لي.
أن توافق ،وأخذها معي بعيدًا ِم ْن هنا ،نعم ،أيان سمعتِ؟ أن ِ
ارتديتُ ثوبًا محتش ًما ذي أكمام ،سكريمي اللّون ،ووضعتُ أحمر ال ّ
شِفاه يليق
بـلون فستاني ،ووشاح ِمن أجل ْ
أن أغطي به شعري ،طويل ،محتشم ،وأنيق.
ْ
ّقت إلى الخاتم بحزن ،وتن ّه ْ
حد ْ
وقالت بداخلها :أنا ال أقصد جرحك يا مين،
دت،
ولكن هذا فقط ِمن أجلنا جمي ًعا ،أرجو أن تتفهمني.
ْ
صة بالخطوبة.
ورفعت يديها ،ثم وضعته في إصبعها البنصر ،الخا ّ
قال الوالد :جاء الضيف أيان.
كان مين هو واقفًا بقرب والدها ،مستغربًا ِمن هذا الدَّخيل ،الذي يحمل باقة ورد
ي وسيم ال َّ
حمراء ،دخل ال َّ
شكل والمالمح ،يرتدي
شاب إلى الدَّاخل ،إنَّه ُ كور ّ
ضا_ أصيب مين هو بالغيرة ،ولكن ما أضفى غليانه هو خاتم
بدلة رسميَّة _أي ً
الخطوبة الذي يرتديه ال ّ
شاب على إصبعه.
فال داعي فهو مرتبط.
يتحرك معها ،أينما تتّجه ،اندهش
خطوات أيان نازلة على الدَّرج ،وثوبها
ّ
مين؛ لجمالها ،فقد أعتاد لرؤيتها ساب ًقا ،ولكن اليوم ال يستطيع أن يعبر عن
سره :جميلة!
إعجابه بوجود الجميع ،فقط اكتفى بالنَّظر إليها ،وقال في ِ ّ
وقالت برقّةً :
ْ
نزلت أيان مبتسمة ،وات َّ ْ
أهال بك حازم.
ضيف،
جهت إلى ال َّ
قائال بشوقً :
الرجل االبتسامة ،وهتف ً
أهال بخطيبتي الجميلة.
بادلها َّ
انزعج مين ،م ّما سمعه اآلن ورأى خاتم الخطوبة ،ولكن انصعق أكثر،
ْ
رفعت يدها؛ لتأخذ باقة الورد
عندما رأى الخاتم ،الذي تضعه أيان عندما
أهذه مزحة!
ع ْن فهم الموقف ،قاطعهم الوالد ،وقال من
حزن الوالدان؛ لرؤية عجز مين هو َ
باب األدب :هيّا؛ لندخل فقد قدّمنا العشاء.
ودخلوا إلى الدَّاخل ّإال مين هو ،ساكن في مكانه ،مصعوقًا ،وأغمض جفنيه
بشدّةِ ،م ْن حرق جفنه ،شهق عميقًا ،واحتقن وجهه ،بالدِّماء ،غاضبًا ،ث ُ َّم أطلق
زفرة ،وجعل خطواته يذهب إلى غرفة َّ
سخافة التي طرأ
الطعام؛ ليراه ،ما هذه ال َّ
اآلن؟
مين هو تائ ًها بـطاولة العشاء؛ يرى ضحكات ،وسعادة ،وتبادل أطراف
الرجل َّ
الزائد بغاليته أيان.
الحديث ،واهتمام َّ
"ما الذي فاتني ِم ْن قبل؟! كيف حدث هذا؟!
ْ
اشتعلت بداخله ،ال يعرف ماذا يفعل
مشاعر متضاربةِ ،م ْن الغضب ،والغيرة
هل يقلب َّ
الرجل ،ويكسر إصبعه؟؟؟
الطاولة رأ ً
سا على عقب ،ويلكم َّ
أو يخطف أيان؟ أو ماذا؟
ضحك َّ
مشاعر مشو ّ
الزائف،
شة ،ولكنَّه ظ ّل متمال ًكا ألعصابه ،يجاملهم بال ّ
الرجل بقدر سؤاله ،دون ْ