أحببتُ_مُسلمة - 5

‫آجاشي‪ ،‬يأخذني إلى‪ ...‬ال أعلم إلى أين‪...‬‬
‫لم نحن على َّ‬
‫شاطئ البحر اآلن؟!‬
‫آه‪َ ،‬‬
‫قالت أيان باستغراب‪:‬‬
‫ّ‬
‫يخطط ْ‬
‫أن نسبح؟!‬
‫لم البحر اآلن‪ ،‬هل مين‬
‫‪ -‬آآجاشي‪َ ،‬‬

‫ضحك آجاشي؛ لطرافتها‪ ،‬ولم يرد عليها‪ ،‬فهو يعلم ما الذي سيحدث‪ ،‬أخبرته‬
‫صغير‪ ،‬لقد أقسم ْ‬
‫بأن‬
‫زوجته بكل شيء‪ ،‬وحزين أي ً‬
‫ضا على ما سيحدث لسيّده ال َّ‬
‫سرا على الجميع‪.‬‬
‫يصون موضوع أيان ً‬
‫مين هو‬
‫ً‬
‫رومانسي‪ ،‬األمر عرض‬
‫وجوا‬
‫لقد انشغلت اليوم‬
‫مطوال؛ ألجهز مكانًا‪ً ،‬‬
‫ً‬
‫زواج‪ ،‬ال بدَّ ْ‬
‫أن يكون مثاليًا‪.‬‬
‫سماء خانتني اليوم‪ ،‬وأرجو ّأال‬
‫ولكن يا لغبائي‪ ،‬حجزتُ الشاطئ بأكمله لنا‪ ،‬وال َّ‬
‫يمض قليل من الوقت‪ ،‬إال وبدأ المطر بالنُّزول‪.‬‬
‫يهطل المطر‪ ،‬ولم‬
‫ِ‬
‫ضا على‬
‫وعند رؤية سيارة آجاشي أصبحتُ متوت ّ ًرا أكثر من ذي قبل‪ ،‬وفار ً‬
‫نفسي الحماس‪ ،‬بدأ الوقت يا مين‪ ،‬رفع يديه اليمين مقف ًل قبضته‪ ،‬وقال مشج ًعا‬
‫لنفسه‪ :‬مين هو (فايتينغ) وضحك‪.‬‬
‫أشجع نفسي بنفسي اآلن‪ ،‬كم أنا بائس!!‬
‫ً‬
‫توقّ ْ‬
‫حامال معه مظلّة متّج ًها‬
‫فت سيارة آجاشي‪ ،‬وأيان ترى على بُعد مين هو‬
‫ْ‬
‫سيارة‪ ،‬ووقف أمامها مين‪ ،‬وقال‪ :‬إنَّها تمطر‪.‬‬
‫نحوهما‪،‬‬
‫خرجت أيان ِمن ال َّ‬
‫ْ‬
‫نورا‪ ،‬تعقّد حاجبي أيان لألسفل‬
‫ورأت أيان خلفه على الشاطئ خيمة‪ ،‬وبداخلها ً‬
‫بحزن‪ ،‬ثم قال مين‪ :‬هيّا بنا‪.‬‬
‫أخذها مين إلى داخل الخيمة‪ ،‬يوجد طاولة‪ ،‬وكرسيين‪ ،‬وعشاء فخم‪ ،‬وعليها‬
‫كانت تتمناه بحياتها ْ‬
‫ْ‬
‫أن‬
‫شموع‪ ،‬انقبض قلب أيان وج ًعا‪ ،‬وهي ترى ك َّل ما‬
‫يحصل‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬فقد حصل‪ ،‬ولكن مع شخص لن ترتبط به أبدًا‪.‬‬
‫ْ‬
‫تنظر لـسعادة مين لهذا‪ ،‬تن ّه ْ‬
‫وجلست على مهل‪ ،‬تحدِّق باألرجاء‪،‬‬
‫دت‪،‬‬
‫وقالت‪ :‬المكان جميل‪.‬‬
‫جلس مين أمامها‪ ،‬وقال‪ :‬إنّها قليلة بحقك‪.‬‬
‫ ولكن لماذا قليل؟‬‫ْ‬
‫وأتت نادلتان‪ ،‬لم يستطع مين من أن يتكلّم‪ ،‬وقدمتا األطباق لهما‪ ،‬وغادرتا‬
‫فورا‪.‬‬
‫ً‬
‫مين‪ :‬كلّها حالل‪ ،‬هيّا لنأكل‪.‬‬

‫ْ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫وبدأت بتذوق األكل‪ ،‬وتراه يأكل من‬
‫ورفعت ملعقة‪،‬‬
‫ابتسمت أيان؛ لتصرفه‪،‬‬
‫ضروري ْ‬
‫ْ‬
‫أن تجبر نفسك‪ ،‬وتأكل مثلي‪ ،‬فأنا‬
‫نفس طعامها‪،‬‬
‫وقالت‪ :‬مين ليس من ال َّ‬
‫ال أمانع حقًا‪.‬‬
‫قال وهو ينظر إليها مبتس ًما‪ :‬ولكن أنا أريد هكذا‪.‬‬
‫ووجهت نظرها إلى َّ‬
‫الطعام بخجل‪ ،‬وقالت بداخلها‪ :‬ال أظن َّ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫أن‬
‫صمتت أيان‬
‫اليوم سينتهي على خير‪.‬‬
‫أجلبك إلى هنا ِمن أجل ْ‬
‫لك‪ ،‬بل‪...‬لتمكثي ُهنا‬
‫ في الحقيقة لم‬‫عا ِ‬
‫أن يكون ودا ً‬
‫ِ‬
‫وإلى األبد‪.‬‬
‫ْ‬
‫حد ْ‬
‫وقالت‪ :‬لم أفهم!‬
‫ّقت به أيان بجهل‪،‬‬
‫وقف مين هو واتّجه إليها‪ ،‬أخرج علبة الخاتم‪ ،‬وركع أمامها‪ِ ،‬م ْن اللّحظة التي‬
‫وقف فيها‪ ،‬وقلب أيان بدأ بالخفقان‪ ،‬واآلن وقفت بسرعة‪ ،‬متفاجئة عند ركوعه‬
‫لها‪ :‬هل سيحدث ما أظنّه اآلن؟ هل هذا حقيقة؟!‬
‫هل هذا يتحقّق اآلن؟‬
‫حب‪ :‬أيان‪...‬هل تقبلين َّ‬
‫الزواج بي؟‬
‫فتح مين العلبة‪ ،‬وقال بكل ّ ٍ‬
‫ْ‬
‫عجزت كل الكلمات‪ ،‬واألفعال لدى أيان‪ ،‬هل تحزن؟ أ تبكي؟‬
‫لم قدري أنا هكذا يا‬
‫فإن مثل هذه األمور يفرح اإلنسان بها‪ ،‬ولكن ليس أنا‪َ ،‬‬
‫رب؟‬
‫ِل َم؟‬
‫ي‪ ،‬ولكن ّ‬
‫إن هذا امتحان آخر‪ ،‬وهو األسوأ‪،‬‬
‫عشتُ أيا ًما سيئة عند فقداني والدا ّ‬
‫واألصعب‪ ،‬يا رب امنحني القوة!‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫وقالت‪ :‬هل يمكنك الجلوس أمامي‬
‫ونظرت إليه‪،‬‬
‫جلست أيان على كرسيها‪،‬‬
‫ً‬
‫أوال؟‬
‫استغرب مين هو لهذا‪ ،‬لقد ت َّم عرض َّ‬
‫الزواج حال ًيا‪ ،‬وردّها البارد هذا يوحي‬
‫وكأنَّها ترفضني‪ .‬قال لنفسه‪.‬‬
‫بك؟!‬
‫وقف وجلس مستغربًا‪ :‬وقال ماذا ِ‬
‫ مين ألم تعلم أ ّنني مسلمة؟‬‫ال يمكنني ّ‬
‫الزواج ِمن شخص من غير ديني‪.‬‬
‫قال بثقة‪ :‬أعلم بهذا‪ ،‬ولقد قررتُ ‪...‬‬
‫تأملته أيان باستغراب‪ ،‬وأكمل ً‬
‫قائال‪ :‬أيان سأعتنق دين اإلسالم‪.‬‬

‫تفاجأت أيان لهذا‪ ،‬آه هل ما رأيت في غرفته سيتحقق؟ هل ماكنت أرجوه ِمن‬
‫قبل سيتحقق؟!‬
‫بك‪ ،‬ولكنَني سأفعل أي شيء فقط ِمن‬
‫ث َّم قال‪ :‬أنا ال أعلم كيف‪ ،‬ومتى أغرمتُ ِ‬
‫أجلك أنتِ‪.‬‬
‫ِ‬
‫ْ‬
‫وقالت‪ :‬هل ستسلم من أجلي أنا؟‬
‫سعادة ِمن وجه أيان‪،‬‬
‫فجأة انطفأ بريق ال َّ‬
‫ أيان سأكون معكم هذا قراري‪.‬‬‫ ستفعلها ِمن أجلي‪ ،‬وليس ِمن أجلك أنت‪.‬‬‫أنت)‬
‫(من أجلي وليس ِمن أجلك َ‬
‫لم يفهم مين القصد ِمن جملتها ِ‬
‫ْ‬
‫تن ّه ْ‬
‫وقالت منفعلة بغضب‪ :‬يا مين ليس الدِّين اإلسالمي تدخله فقط‬
‫دت أيان‪،‬‬
‫ِمن أجل اآلخرين‪ ،‬بل تدخله‪ ،‬وتقتنع به‪ ،‬وتؤمن به‪ ،‬فقط ِم ْن أجل نفسك‪ِ ،‬من أجل‬
‫ْ‬
‫أن يترسخ اإليمان في قلبك‪ ،‬قبل عقلك‪ ،‬هل تفهم؟‬
‫قالت هذا‪ ،‬وهي تصرخ بدون إدراك منها في وجه مين‪.‬‬
‫تراجع مين هو إلى الخلف‪ ،‬منده ً‬
‫شا ومتفاجئًا‪ ،‬لم يفهم سبب انفعالها هكذا‪،‬‬
‫بك؟!‬
‫وقال بقلق‪ :‬أيان ماذا ِ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫وقالت‪:‬‬
‫هدأت أيان‪،‬‬
‫ افهمني أرجوك‪ ،‬ال يمكنك ْ‬‫أن تعتنق اإلسالم فقط إرضاء لشخص ما‪ ،‬هذا‬
‫غير مقبول أبدًا‪.‬‬
‫يجب أن تكون بكامل قناعتك‪ ،‬ويمأل اإليمان قلبك ً‬
‫أوال‪ِ ،‬من أجل روحك‪،‬‬
‫ث َّم تسلَّم نفسك هلل‪َّ ،‬‬
‫إن ديننا دين تسليم هلل في كل أمورك‪.‬‬
‫الرئيسي في‪...‬‬
‫‬‫ت أي شخص يا أيان‪ ،‬فأن ِ‬
‫ولكنك لس ِ‬
‫ت ال َّ‬
‫ِ‬
‫سبب َّ‬
‫قاطعته أيان قائلة بضعف‪ :‬يااا مين‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫وقالت بضعف‪ :‬إنَّهُ‬
‫وابتسمت بهدوء‪،‬‬
‫صمتت بحزن‪ ،‬تأملت جمال الخاتم‪،‬‬
‫ث َّم‬
‫ْ‬
‫وقالت هل بالفعل ستسلم؟‬
‫جمي ٌل جدًا‪ ،‬ألقت نظرها إلى مين‪،‬‬
‫ نعم‪ ،‬سأفعل‪.‬‬‫ث َّم أنزلت عينيها لألسفل ً‬
‫ْ‬
‫وقالت أمهلني نصف ساعة؛ ألفكر بمفردي‬
‫قليال‪،‬‬
‫وقفت‪ ،‬ووقف هو معها‪ ،‬وقال‪ :‬حسنًا‪ ،‬سأتركك هنا؛ لتف ِ ّكري‪.‬‬
‫قاطعته قائلة‪:‬‬
‫ ال‪ ،‬سأخرج ً‬‫ْ‬
‫أخذت المظلة‪ ،‬وتطلّعت إلى مين بعينين‬
‫قليال‪ ،‬وأف ّكر براحتي‪،‬‬
‫ْ‬
‫خرجت ِمن المكان‪.‬‬
‫حزينتين لبرهة‪ ،‬ثم‬

‫قليال ً‬
‫وبدأت تبتعد ً‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫وقالت‪:‬‬
‫ونظرت إليه نظرة خاطفة‪،‬‬
‫قليال‪،‬‬
‫خرجت أيان‪،‬‬
‫قهرا‪ ،‬يا مين أنا أحبك‪،‬‬
‫أعتذر مين‪ ،‬ولكن ُهنا سأودعك‪ ،‬ولم تحتمل عيناها‪ ،‬بكت ً‬
‫ولكنّني آسفة اآلن‪ ،‬آسفة‪.‬‬
‫ْ‬
‫واستدارت؛ لتكمل رحيلها‪...‬‬
‫واشتدّ بكاؤها‪،‬‬
‫أ ّما مين هو جالس بمكانه‪ ،‬منتظر أيان‪ ،‬وانتابه القلق‪ ،‬فكأن عينيها ال تب ّ‬
‫شِران‬
‫ْ‬
‫أتت نادلة‪ ،‬مد ْ‬
‫مر اآلن أكثر ِم ْن نصف ساعة‪ْ ،‬‬
‫وقالت‪:‬‬
‫ّت إليه ورقة‪،‬‬
‫بسعادة‪ ،‬وقد َّ‬
‫ْ‬
‫كانت معك هذه الورقة‪.‬‬
‫سيدة التي‬
‫سيد مين‪ ،‬تركت لك ال َّ‬
‫أخذ مين الورقة‪ ،‬بفزع‪ ،‬ورأى ما بداخلها "مين هو أشكرك على ك ِّل ما فعلته‬
‫لي‪ ،‬ولكن أرجو ّأال تبحث ع ِنّي أبدًا"‬
‫"نعم ‪...‬إنَّها الحياة‪ ،‬صعب ْ‬
‫َّ‬
‫ولكن القدر‬
‫الحب‪ ،‬وتجد َمن يبادلك إياه‪،‬‬
‫َّ‬
‫أن تجدَ‬
‫عن بعضكما"‬
‫يبعدكما َ‬
‫نعم ربَّما كان مين سيسلم‪ ،‬ولكن ال يمكنني ْ‬
‫أن أرضى؛ ليفعل ذلك ِم ْن أجلي‪،‬‬
‫ومت‪ ،‬هل سيعود كما كان‪ ،‬ال‪ْ ،‬‬
‫ربَّما ْ‬
‫ْ‬
‫ّ‬
‫ولن أجازف بهذا‪،‬‬
‫كانت حياتي قصيرة‪،‬‬
‫إن‬
‫مين هو‪ ،‬أنا آسفة‪ ،‬ولكن قصتنا ستنتهي هنا‪.‬‬
‫أيان تقول هذا‪ ،‬وهي بسيارة األجرة‪ ،‬تحدِّق إلى الخارج‪ ،‬وتسمح لدموعها‬
‫باالنهمار دون توقف‪.‬‬
‫أ ّما مين هو‬
‫جن جنونه‪ ،‬بحث عنها بين المطر على ال َّ‬
‫لقد ّ‬
‫شاطئ‪ ،‬وآجاشي ينظر إليه‬
‫بحسرة‪ ،‬وأخذ سيارته‪ ،‬واتّجه للمشفى‪ ،‬ولكنّهُ انصدم أكثر بعدم وجود والديها‪،‬‬
‫صرحوا رحيلهم‪ ،‬بطلب ِمن اآلنسة‪ ،‬صباح اليوم‪،‬‬
‫وقال األطباء لقد ّ‬
‫ّ‬
‫فجن جنونه أكثر‪ ،‬ركض إلى الخارج‪ ،‬وركب سيارته‪ ،‬وقاد بسرعة‪ ،‬دون‬
‫انتباه‪ ،‬ارتطم بعمود الكهرباء‪ ،‬وبدأ الدَّخان يتصاعد من جانب المحرك‪ ،‬ومين قد‬
‫فقد وعيه لبرهة‪.‬‬
‫ً‬
‫قليال‪ ،‬حتى استفاق رويدًا‪ ،‬رويدًا‪ ،‬أمسك برأسه ِمن األلم‪ ،‬ولمس جبينه وقع به‬
‫جرح طفيف‪ ،‬ودماء على وجهه‪ ،‬من جراء هذا الجرح‪ ،‬وعاد لوعيه‪ ،‬مجدّدًا‪،‬‬
‫وتكرارا‪ ،‬ولكن محركه ل ْم يستجب له‪،‬‬
‫مرارا‪،‬‬
‫وتذ ّكر أيان‪ ،‬وبدأ بتشغيل سيارته‬
‫ً‬
‫ً‬
‫ففقد أعصابه‪ ،‬وخرج وهو يسعل‪ ،‬وقال‪ :‬ال أيان ال تفعليها‪ ،‬ال تفعليها‪.‬‬

‫وركض بأقسى قوته‪ ،‬لم يكن بحوزته ً‬
‫ماال؛ ليركب سيارة أجرة‪ ،‬ظ ّل يركض‪،‬‬
‫حتى وصل‪ ،‬ودخل إلى المنزل‪ ،‬وجسده ً‬
‫مبتال كل ًيا‪.‬‬
‫ْ‬
‫وقالت‪ :‬ماذا حدث؟ وما هذا‬
‫دخل مين باحثًا بغرفة أيان‪ ،‬تتبعه آجوما فزعة‪،‬‬
‫الذي على جبينك؟!‬
‫أتت؟ هل ْ‬
‫و ّجه كالمه مين آلجوما بقلق‪ :‬هل ْ‬
‫أتت أيان إلى هنا؟‬
‫ْ‬
‫رد ْ‬
‫ضاعت أيان؟‬
‫ّت بهلع‪ :‬ال‪ ،‬أل ْم تكن معك‪ ،‬هل‬
‫سرير مستغربًا‪ ،‬مصدو ًما م ّما حدث‪َّ ،‬‬
‫إن ك َّل األحداث‬
‫جلس مين على ال َّ‬
‫ْ‬
‫حصلت بسرعة البرق‪.‬‬
‫متى ّ‬
‫خط ْ‬
‫طت لهذا؟ وماذا اقترفتُ أنا بغفلةً مني‪ ،‬دون إدراك؛ لجعلها ترحل؟‬
‫ْ‬
‫رحلت أيان؟‬
‫هل هذ حدث حقًا؟ هل‬
‫ت عا ٍل ممزوج بالخوف قائلة‪ :‬أين أيان مين؟‬
‫قالت آجوما بصو ٍ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫رحلت وتركتني‪.‬‬
‫اختفت‪،‬‬
‫ت مخنوق‪ :‬لقد‬
‫نظر مين إليها مصدو ًما‪ ،‬وقال بصو ٍ‬
‫ْ‬
‫تركت آجوما علبة إسعافات أوليَّة أمام مين؛ لتضميد جرحه الذي على جبينه‪،‬‬
‫ولكنَّه وقف‪ ،‬عطس‪ ،‬وسعل بقوة في آن واحد‪ ،‬وقال بصرامة‪:‬‬
‫عادت أيان أخبريني‪ ،‬أريد ْ‬
‫ آجوما‪ْ ،‬‬‫ْ‬
‫أن أبقى في غرفتي لوحدي اآلن‪،‬‬
‫إن‬
‫وال تطرقي باب غرفتي رجا ًء‪.‬‬
‫مشى‪ ،‬وتو ّجه؛ ليذهب إلى غرفته‪ ،‬وتمدّد على سريره‪ ،‬وجسده يرتجف‬
‫من البرد‪.‬‬
‫ْ‬
‫ولكن لم يخبرها باتفاقه مع أيان‪ ،‬ال يقصد بهذا‬
‫قال آجاشي لزوجته ما حدث‪،‬‬
‫ْ‬
‫كسرت خاطره ِمن كثر ما تر ّجته؛ بعدم إخباره‬
‫جرح سيّده‪ ،‬ولكن أيان‬
‫ّ‬
‫بمخططها‪ ،‬فهذا قرار قد ت ّم وتنفذ‪.‬‬
‫حاولت آجوما إعطائه الحساء‪ ،‬والدَّواء‪ ،‬ولكنّه رفض‪ ،‬رفض األكل‪ ،‬والدَّواء‪،‬‬
‫حتى الذَّهاب للمستشفى‪...‬‬

‫أيان‬
‫وطلبت ِم ْن والدايها ْ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫أن‬
‫وعلمت ما يجري ِمن آجاشي‪،‬‬
‫فجرا‪،‬‬
‫إنَّها ال َّ‬
‫ساعة الثَّانية ً‬
‫يسبقاها للمطار‪ ،‬وينتظراها‪ ،‬سأعود بعد ْ‬
‫أمرا ما‪.‬‬
‫أن أتفقّد ً‬

‫ْ‬
‫عادت أيان مجدّدًا إلى المنزل‪ ،‬رأتها آجوما‪،‬‬
‫أتى آجاشي‪ ،‬وأخذها إلى المنزل‪،‬‬
‫ْ‬
‫وقالت بقلق‪:‬‬
‫أخيرا أتيتِ‪ ،‬رجا ًء بنيتي أقنعيه؛ ليذهب إلى المستشفى‪ ،‬فهو ال يستجيب لنا‪.‬‬
‫‬‫ً‬
‫ حسنًا‪.‬‬‫ْ‬
‫ْ‬
‫ات ّ ْ‬
‫ورأت مين بنفس بدلته‬
‫ودخلت بحذر‪،‬‬
‫جهت إلى غرفة مين‪ ،‬تتبعها آجوما‪،‬‬
‫الرسميَّة‪ ،‬األنيقة‪ ،‬ولكن اآلن أصبح رطبًا ِم ْن المطر‪.‬‬
‫َّ‬
‫وقالت ألجوما‪ :‬نادي على زوجك ِمن فضلك‪.‬‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫وأخرجت ثوب نومه‪ ،‬دخل آجاشي‬
‫وفتحت أيان خزانة مين‪،‬‬
‫ذهبت آجوما‪،‬‬
‫وقال‪ :‬هل طلبتني؟‬
‫ْ‬
‫رفعت يديها؛ لتريه ما لديها‪.‬‬
‫ت خافت‪ :‬سأخرج‪ ،‬اآلن حاول ْ‬
‫ْ‬
‫أن تغيّر مالبسه؛ ِكي ال يزداد‬
‫وقالت بصو ٍ‬
‫مرضه‪ ،‬ونادني عندما تتم‪.‬‬
‫ْ‬
‫سل‪ :‬أرجوك‪ ،‬ال تجعله‬
‫استجاب أجاشي لها‪ ،‬وأخذ ما بيدها‪،‬‬
‫وقالت بتو ّ‬
‫يستيقظ‪ ،‬حسنًا؟‬
‫نظر إليها آجاشي‪ ،‬وتعاطف معها‪ ،‬وأومأ برأسه بالموافقة‪.‬‬
‫وتوجهت إلى المطبخ‪ ،‬ج ّه ْ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫زت الدَّواء‪ ،‬والمنشفة‪ ،‬ووعاء الماء‪،‬‬
‫خرجت أيان‪،‬‬
‫ْ‬
‫طلبت منهم االنفراد معه‪ ،‬لبّوا طلبها‪.‬‬
‫خرج آجاشي‪،‬‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫جلست‬
‫دخلت أيان تحدِّق به‪ ،‬وتراه يتصبّب عرقًا‪ ،‬رغم برودة غرفته‪،‬‬
‫ث َّم‬
‫ْ‬
‫وبدأت بوضع‬
‫بجواره‪ ،‬وأعطته الدَّواء بملعقة إلى فمه‪ ،‬وأشربته قليل ِم ْن الماء‪،‬‬
‫ْ‬
‫وقالت بحزن‪ :‬أرجوك‬
‫منشفة على جبينه‪ ،‬وتمسح أجزاء ِمن جسمه األعلى‪،‬‬
‫سامحني‪...‬سامحني‪ ،‬أرجوك‪ ،‬فإن هذا ما كان يجب ْ‬
‫أن يحدث‪ ،‬ستتفهمني يو ًما‬
‫ما‪.‬‬
‫ْ‬
‫ومر ْ‬
‫سماء تتغيّر معلنة حلول فجر يوم جديد‪ ،‬لم يبقَ على‬
‫ت ساعات‪،‬‬
‫وبدأت ال َّ‬
‫َّ‬
‫سفر سوى ساعة‪.‬‬
‫ال َّ‬
‫أيان واقفة في حديقة المنزل‪ ،‬تنظر إلى البيت النَّظرة األخيرة‪ ،‬بعد ْ‬
‫ْ‬
‫تأكدت‬
‫أن‬
‫على ّ‬
‫ْ‬
‫أصبحت جيّدة‪ ،‬وبرغم تعبه‪ ،‬وعدم إحساسه بوجود أحد‬
‫أن صحة مين هو‬
‫ْ‬
‫وقالت بضعف‪ :‬مين هو‪ ،‬أنا سأكون بخير‪ ،‬فكن بخير‪،‬‬
‫سن جسده‪،‬‬
‫قربه‪ ،‬فقد تح ّ‬
‫أرجوك‪.‬‬

‫وقف مين هو أمام نافدة غرفته‪ ،‬ينظر إلى الخارج بوجه حزين‪ ،‬وبيده ورقة‬
‫تركتها لهُ أيان بجانبه قبل مغادرتها‪ ،‬كتبت فيها‪:‬‬
‫" مين هو أتذ ّكر أول لقاء لنا بالمطعم‪ ،‬وكنت أنا بوقتها ق ْد أضعتُ محفظتي‪،‬‬
‫وتكرارا‪،‬‬
‫مرارا‬
‫ّيت يد العون لي‪ ،‬وساعدتني‬
‫أنت كنت كري ًما معي‪ ،‬ومد َ‬
‫وكيف َ‬
‫ً‬
‫ً‬
‫كثيرا‪ ،‬ولرعايتك لي‪،‬‬
‫أنا لن أنسى معروفك هذا ما حييت‪ ،‬مين هو ممتنة لك ً‬
‫ي‪ ،‬وسامحني اآلن على تقصيري معك‪ ،‬ولكن أرجوك عش حياتك مثل‬
‫ولوالد ّ‬
‫ماكنت قبل وجودي بحياتك‪ ،‬وكن بخير دائ ًما‪ ،‬وأرجوك أرجوك‪ ،‬ال تبحث ع ِنّي‬
‫َ‬
‫أبدًا ً أبدًا‪...‬الوداع"‬
‫مين هو‪:‬‬
‫حب حياتي بعد ذلك اليوم‪ ،‬بالفعل عملتُ بما قالته‬
‫أر َّ‬
‫لقد َّ‬
‫مر شهران‪ ،‬وأنا لم َ‬
‫للفن مجدّدًا‪ ،‬بل أغرقتُ نفسي بالعمل‪ ،‬من أجل ْ‬
‫لي‪ ،‬رجعتُ ّ‬
‫أن أنساها‪،‬‬
‫وأصبحتُ ف ً‬
‫كثيرا‪ ،‬أصبح بداخلي‬
‫ظا‪ ،‬وعصبيًّا‪ ،‬وفريق العمل يتضايقون منِّي ً‬
‫أستطع ْ‬
‫أن أنساها‪.‬‬
‫غضب‪ ،‬وحزن‪ ،‬ووحدة‪ ،‬ومع كل هذا ل ْم‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫كثيرا‪ ،‬الوقت ال‬
‫أيان‬
‫أحدثت ثقبًا بداخلي في ك ِّل ثانية ّ‬
‫تمر بحياتي أشتاق إليها ً‬
‫يمضي‪ ،‬بال ِنّسبة لي ل ْم أع ْد أدخل إلى منزلي؛ لكثرة ما أرى خيالها بكل مكان‪،‬‬
‫وأستمر بالبكاء‪ ،‬كـطفل؛ لكثرة ما ظللتُ طريقي‪ ،‬ال أعلم كيف ولكنّني وجدتُ‬
‫نفسي أمام الجامع‪ ،‬خرجتُ من سيارتي‪ ،‬وبدأتُ أستشير ال َّ‬
‫شيخ فاتح ع ّما حدث‪،‬‬
‫ألن هناك حلقة مفقودة م ّما حدث بذلك اليوم ال َّ‬
‫ّ‬
‫شاطئ‪ ،‬ال أتذكرها‪.‬‬
‫ولكن بسبب ال َّ‬
‫شيخ فاتح عرفتُ ماهي (أيان ظنّ ْ‬
‫ت أنّني قد أسلم ِم ْن أجلها‪ ،‬ولكن‬
‫بدأ فضولي؛ لمعرفة دينهم قبل ْ‬
‫بمحض إرادتي‪،‬‬
‫قررتُ هذا‬
‫أن أقع في ح ِبّها‪ ،‬وقد ّ‬
‫ِ‬
‫وقناعتي الكليَّة)‬
‫ي ْ‬
‫وقلتُ لل َّ‬
‫أن أفعل؛ ِكي أكون مسل ًما؟‬
‫شيخ‪ :‬ماذا عل َّ‬
‫مين هو‪:‬‬
‫شهر تاله آخر‪ ،‬وأنا قد أعلنتُ إسالمي بين أهلي حاليًا‪ ،‬قبل ْ‬
‫أن ينتشر إلى‬
‫وسائل اإلعالم‪.‬‬

‫الجميع تقبّل قراري‪ ،‬وأحترمه‪ ،‬ولكن أمي تلوم أيان على هذا القرار‪ ،‬تركتها‬
‫أكثر ِمن شهر‪ ،‬حتى تهدأ‪ ،‬وتتقبّلني ِم ْن جديد‪ ،‬أنا كنتُ دون دين‪ ،‬حملتُ اسم‬
‫"مين هو" منذُ ولدتُ ‪ ،‬ولكن اآلن لقد تغيرتُ ‪ ،‬وغيّرتُ اسمي إلى "مروان"‬
‫مرت تسعة أشهر‪ ،‬وأنا أعلم أين أنتِ‪ ،‬وأين تعملين‪ ،‬ولكن قولي لي‪:‬‬
‫أيان‪ ،‬لقد ّ‬
‫لو ظهرتُ أمامك‪ ،‬هل ستغضبين مني؟‬
‫لقد أسلمتُ منذُ أشهر‪ ،‬بل سأكمل عا ًما بأكمله‪ ،‬على هذا القرار‪ ،‬الذي اتّخذته‪...‬‬
‫نعم فعلتها‪ ،‬فعلتها ولكن ليس ِمن أجل شخص ما‪ ،‬كما تظنّين‪ ،‬بل ِم ْن أجل‬
‫روحي‪ ،‬لنّجاة ِم ْن النَّار‪ ،‬وطمعًا للجنّة‪.‬‬
‫ضالل طوال حياتي‪،‬‬
‫أنا سعيد؛ لوجودك بحياتي‪،‬‬
‫لوالك لكنتُ في طريق ال ّ‬
‫ِ‬
‫جعلتني أدرك أين أكون‪ ،‬وماذا أريد‪ ،‬أيان أنا أشكرك لـدخولك حياتي‪.‬‬

‫الفصل الثﱠالث‬
‫أيان‬
‫لقد سافرنا إلى أمريكا‪ ،‬واستقريّنا‪ ،‬وبدأنا العمل‪ ،‬أنا‪ ،‬ووالدي بنفس ال َّ‬
‫شركة‪،‬‬
‫أتابع أخبار مين هو ِمن حين إلى آخر؛ ِكي ال أتعلّق به أكثر‪ ،‬آآه إنّني أكذب على‬
‫نفسي‪ ،‬فأنا ل ْم أنساه‪.‬‬
‫وهل لي ْ‬
‫أن أنسى قطعة من قلبي؟‬
‫رغم َّ‬
‫أن مديري في العمل‪ ،‬طلب يدي رسميًا ِم ْن والدي‪ ،‬وجلب الخاتم؛ لكي‬
‫ْ‬
‫متهربة ِمن اإلجابة‪ ،‬لستُ‬
‫وفقت‪ ،‬ولكنّني أظ ّل أتح ّجج بأي شيء‪،‬‬
‫ألبسه في حالة‬
‫ِّ‬
‫مستعدّة لهذا‪.‬‬
‫لو كان ال َّ‬
‫شخص هو أول َمن قابلته‪ ،‬لكنتُ مؤكد سأرتدي خاتمه‪ ،‬ولكن شاء‬
‫القدر ْ‬
‫أن ينحرف طريقي‪.‬‬
‫ما زلت أتذ ّكر ذلك المساء‪ ،‬كما لو كان باألمس‪ ،‬وكيف ت ّم عرض طلبه‪ ،‬كم‬
‫جميال حقًا هذا العرض‪ ،‬وال أعتقد أنّه سيأتي يوم‪ ،‬وأتلقى كمثل هذا ّ‬
‫ً‬
‫الطلب‪.‬‬
‫كان‬
‫أن أوافق على هذا ال َّ‬
‫وربّما لصالحي ْ‬
‫شخص‪.‬‬
‫ي‪ ،‬وسافرنا‪ ،‬لكان هذا‬
‫لو ل ْم أذهب إلى الحفلة في تلك اليوم‪ ،‬وركبتُ مع والدا ّ‬
‫ال َّ‬
‫شخص سيكون األول بحياتي‪.‬‬
‫ولكن ال يوجد بحياتنا (لو‪ ،‬لم)‬
‫بل إنَّه القدر‪ ،‬ولكن أي قدر هذا الذي أعيشه اآلن؟!‬
‫ووقفت؛ لتقفل نافذة غرفتها؛ لتنام‪ ،‬وأثناء إقفالها‪ْ ،‬‬
‫ْ‬
‫رأت‬
‫مسحت أيان دموعها‪،‬‬
‫صا‪ ،‬واقفًا في حديقة منزلهم‪ْ ،‬‬
‫قالت بغضب‪ :‬اشش إنّه سكير‪ ،‬مزعج‪ ،‬سأتصل‬
‫شخ ً‬
‫بال ّ‬
‫شرطة‪.‬‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫عادت نظرها إلى الخارج مجدّدًا‪،‬‬
‫رفعت أيان هاتفها؛ إلجراء االتّصال‪ ،‬ث َّم‬
‫ْ‬
‫الرقم (‪ّ )... 91‬إال أنَّها تج ّم ْ‬
‫ْ‬
‫وتوقفت‬
‫دت‪،‬‬
‫أشاحت نظرها إلى الهاتف؛ لتكتب َّ‬
‫منبهرة‪ ،‬ودقات قلبها تزداد‪ ،‬وتزداد‪ ،‬حد ْ‬
‫ّقت ببطء مجدّدًا إلى الخارج "هااااا‪ ،‬هل‬
‫هذا‪...‬؟!"‬

‫تو ّجهت مسرعة إلى الخارج‪ ،‬مندهشة‪ ،‬تنظر إلى ال َّ‬
‫شخص‪ ،‬بل ترى اآلن مين‬
‫هو‪...‬‬
‫وهو بحالة مزرية‪ ،‬وسواد تحت عينيه‪ ،‬وضعف يبدو على جسده‪ ،‬والحزن ما‬
‫زال مرسو ًما على وجهه‪.‬‬
‫أن من الممكن ْ‬
‫أيان لم تصدِّق َّ‬
‫أن يأتي فنان كبير؛ ليبحث عنها‪ ،‬وها هو قد‬
‫فعل‪ ،‬ولكن ما هذا الحال؟!‬
‫ي ْ‬
‫أن أفعل؛ لجعلك‬
‫نظر مين إليها بتعب‪ ،‬وقال بصو ٍ‬
‫ت مخنوق‪ :‬ماذا عل َّ‬
‫تحبيني؟‬
‫ي ْ‬
‫أن أفعل؛ لجعلك تقبلين بي‪ ،‬هااا؟‬
‫ماذا عل َّ‬
‫إن قلبي يؤلمني‪ّ ،‬‬
‫أيان‪َّ ،‬‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫وبدأت بالبكاء‪،‬‬
‫هرعت إليه‪،‬‬
‫ودق على صدره بقوة‪،‬‬
‫قال‪ِ :‬ل َم ك َّل هذ الحزن الذي أشعر به أنا؟‬
‫أنا لماذا حزين؟‬
‫حزين ‪...‬‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫وركعت أمامه‪ ،‬تحدِّق به‪ ،‬ودموعها تنهمر‬
‫قفزت أيان إليه‪،‬‬
‫وسقط على ركبتيه‪،‬‬
‫على خدّيّها‪ّ ،‬‬
‫وهي َم ْن ظنّ ْ‬
‫ت بأنَّهُ مرتا ًحا‪ ،‬كما تراه‬
‫تمزق قلبها؛ لرؤيته هكذا‪،‬‬
‫َ‬
‫دائ ًما في ال ِت ّلفاز‪.‬‬
‫هل كان فقط يم ِث ّل لعامة ال َّ‬
‫شعب؟ وعندما يكون بمفرده يكون بهذه الحالة؟‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫ومسكت وجهه تمسحه بعطف‪.‬‬
‫رفعت أيان يديها‪،‬‬
‫رفع نظره إليها بحزن‪ ،‬وأيان تمسح وجنتيه برفق‪ ،‬تبعد آثار الدُّموع‪.‬‬
‫وقالت له بلطف‪ً :‬‬
‫ْ‬
‫أهال بك بيننا‪.‬‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫وقالت‪ :‬ساعدني؛ لندخل‪ ،‬حسنًا؟‬
‫وضعت ذراعه بكتفها‪،‬‬
‫ث َّم‬
‫مرة يقترب منها بقدر هذا القرب‪،‬‬
‫تأمل مين هو مالمح وجهها‪ ،‬فهذه أول ّ‬
‫ابتسم براحة‪ ،‬ووقف معها‪.‬‬
‫دخل كالهما إلى البيت‪ ،‬أدخلته أيان إلى غرفتها‪ ،‬وجعلته يستلقي على‬
‫سريرها‪ ،‬ومن شدّة التَّعب الذي به‪ ،‬استغرق مين مباشرة ً في النَّوم‪ ،‬بعد ْ‬
‫أن قال‬
‫أرجوك‪...‬ال تتركيني‪.‬‬
‫آخر كلمة‪ :‬ال تتركيني‪،‬‬
‫ِ‬

‫ْ‬
‫وأجهشت مباشرة بالبكاء‪ ،‬بعد تملّكها لنفسها ِكي ال تبكي‬
‫غادرت أيان غرفتها‪،‬‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫سا‪ ،‬رأها والدها بقلق‪ ،‬وقال بهدوء‪:‬‬
‫نزلت إلى األسفل‪،‬‬
‫أمامه‪،‬‬
‫ووجدت والدها جال ً‬
‫تعالي‪ ،‬واجلسي بقربي عزيزتي‪.‬‬
‫ْ‬
‫وجلست‪ ،‬نظر والدها إلى عينيها المنتفخة ِم ْن البكاء‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫اتّجهت أيان إليه‪،‬‬
‫أعلم َم ْن بغرفتك‪.‬‬
‫ لقد أتى‪ ،‬وأنا‪...‬‬‫قاطعها والدها‪ ،‬وقال‪ :‬أعلم َم ْن تكونين‪ ،‬فال داعي لل ّ‬
‫شرح‪.‬‬
‫ثم مسك بيديها‪ ،‬وأضاف ً‬
‫ووالدتك كنَّا نعلم مسبقًا بما كان‬
‫قائال‪ :‬عزيزتي‪ ،‬أنا‪،‬‬
‫ِ‬
‫قرارا صائبًا بابتعادك عنه‪ ،‬فهذا ال يليق‬
‫ت‬
‫ت قد اتخذ ِ‬
‫لك في كوريا‪ ،‬وأن ِ‬
‫يحدث ِ‬
‫ً‬
‫بنا‪.‬‬
‫ت فقط تعالي لحضننا‪ ،‬إذا‬
‫أنا‬
‫ووالدتك نثق بقرارك‪ ،‬وحكمك‪ ،‬وسندعمك‪ ،‬أن ِ‬
‫ِ‬
‫ت إلينا‪.‬‬
‫احتج ِ‬
‫ْ‬
‫وحضنت والدها كطفلة صغيرة‪ ،‬احتاجت لمن يأويها‪.‬‬
‫بدأت أيان بالبكاء‪،‬‬
‫وقال والدها‪َّ :‬‬
‫كثيرا‪ ،‬فهو اآلن ضيفنا‪ ،‬وسنعامله كما يجب‪،‬‬
‫إن مين هو ساعدنا ً‬
‫حسنًا عزيزتي؟‬
‫قالت أيان‪ ":‬حسنًا‪.‬‬
‫بعد ْ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫وقالت‪ :‬سانأم اآلن‪ ،‬تصبح على‬
‫وقفت‪،‬‬
‫أن أفرغت بكاءها بحضن والدها‪،‬‬
‫خير أبي‪.‬‬
‫ْ‬
‫ذهبت أيان ونام والدها على األريكة‪.‬‬
‫ردَّ لها بالمثل‪،‬‬
‫ْ‬
‫صحت‬
‫ح َّل صباح يوم جديد يحمله غموض‪ ،‬وأحداث جديدة في حياة أيان‪،‬‬
‫وذهبت إلى ال َّ‬
‫ْ‬
‫شركة؛ لتأخذ إجازة مرضيّة لمدّة أسبوع‪.‬‬
‫باكرا‪،‬‬
‫ً‬
‫وقالت لقد عدتُ ‪ ،‬وتركت حذاءها‪ ،‬وعلّ ْ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫قت معطفها‬
‫أتت أيان ِمن الخارج‪،‬‬
‫ْ‬
‫وات ّ ْ‬
‫فوقفت ساكنة‪ ،‬مندهشة‪ ،‬مين هو كان واقفًا أمامها مبتس ًما‪،‬‬
‫جهت إلى الدَّاخل‪،‬‬
‫مرتديًا قميص والدها األبيض‪ ،‬وقبّعة أبيض لونها في رأسه‪ ،‬وحذاء من الجلد‬
‫الذي يرتديه والدها‪.‬‬
‫سرها بدهشة‪ :‬حتى الحذاء ليس بمقاسه‪ ،‬ما الذي يحاول مين ْ‬
‫أن يثبته؟‬
‫أيان في ِ ّ‬
‫وقف والدها بجانبه‪ ،‬وقال له‪ :‬هيّا بُني؛ لنذهب لصالة الجمعة‪.‬‬
‫وتجاوزاها‪ ،‬ثم خرجا إلى‪ ،‬وهما يتحدثان مع بعضهما‪.‬‬

‫وقفت والدة أيان إلى جانبها‪ ،‬وقالت‪ :‬هل رأيتيه‪ ،‬لقد قال بأنَّه أسلم‪.‬‬
‫ْ‬
‫قالت أيان بصدمة‪ :‬ماااذا؟‬
‫ نعم‪ ،‬لقد قال هذا‪ ،‬ال نعلم حقًا‪ ،‬لو كان يكذب‪ ،‬أو يصدق بشأن هذا األمر‪ ،‬ال‬‫أعلم‪.‬‬
‫ أرجو ْ‬‫أن يكونَ صادقًاً‪ ،‬كما تعلمين ال يوجد لعب في الدِّين‪.‬‬
‫صعدت أيان إلى غرفتها‪ ،‬تصفحت حاسوبها ْ‬
‫ْ‬
‫تخص دخوله‬
‫عن أي معلومات‬
‫ّ‬
‫في اإلسالم‪ ،‬ولكن ل ْم تجد شيئًا ِم ْن هذا‪.‬‬
‫مين هو‪:‬‬
‫لقد تعبتُ ‪ ،‬وأنا أكون حذرا ً ِكي ال تراني أيان‪ ،‬ولم أستطع ْ‬
‫أن أتمالك نفسي‪،‬‬
‫وأنا أرى َم ْن أحببتها أمامي دائ ًما‪.‬‬
‫عند خروجها ِمن المنزل‪ ،‬وعند دخولها إلى ال َّ‬
‫شركة‪ ،‬وحتى عند مغادرتها من‬
‫ال َّ‬
‫ضا‪...‬‬
‫شركة‪ ،‬وحين تتنزه في الحديقة بعد انتهاء ساعات العمل أي ً‬
‫ْ‬
‫كثيرا من النَّظر إليها ِمن بعيد‪...‬‬
‫تعبت ً‬
‫كان قصدي باألمس فقط رؤيتها ِمن خالل نافذتها من بعيد‪ ،‬مثل كل يوم‪،‬‬
‫ولكن شدّني ال َّ‬
‫ع ْن قرب‪...‬‬
‫شوق؛ ألقترب من حديقة منزلهم‪ ،‬ورؤيتها َ‬
‫أتحرك‪ ،‬فأصابني الدُّوار ً‬
‫أستطع ْ‬
‫قليال؛‬
‫أن‬
‫ولكن‪ ،‬وبسبب حالتي المزري‪ ،‬لم‬
‫َّ‬
‫ْ‬
‫لعدم تناولي للطعام من فترة‪...‬‬
‫لك من والدك‬
‫واآلن لقد أتيتُ إلى ُهنا أيان‪ ،‬وأنا مسلم‪ ،‬نعم مسلم‪ ،‬وسأتقدّم ِ‬
‫سابق‪.‬‬
‫اآلن‪ ،‬كما قل ِ‬
‫ت لي في ال َّ‬
‫أرجوك ال ترفضيني‪.‬‬
‫ِ‬
‫بينما أيان‪ ،‬ومين هو في الخارج يتنزهان‪ ،‬ج ّه ْ‬
‫ضيافة؛‬
‫زت والدة أيان غرفة ال ِ ّ‬
‫لينام بها مين هو فترة إقامته معهم‪.‬‬
‫مين هو الحظ شرود أيان‪ ،‬وقال‪ :‬ماذا هناك؟‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫وقالت‪ :‬ماذا؟!‬
‫نظرت أيان إليه باستغراب‪،‬‬
‫ إنَّ ِك شاردة‪ ،‬ما الذي يشغل بالك؟‬‫نظرت أيان لألمام ً‬
‫ْ‬
‫قالت‪ :‬سمعتُ بأنَّ َك أسلمت‪ ،‬ونظرت إليه‪.‬‬
‫قليال‪ ،‬ث َّم‬
‫ابتسم مين‪ ،‬وقال‪ :‬نعم‪ ،‬فعلتُ ‪.‬‬
‫ْ‬
‫وقالت‪ :‬ولماذا؟‬
‫وقفت أيان أمامه‪،‬‬

‫ضياع الذي كنت به سابقًا‪.‬‬
‫استغرب مين؛ لردِّها هذا‪ ،‬وقال‪ :‬ألنقذ نفسي من ال َّ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫وقالت‪:‬‬
‫نظرت إليه بحيرة‪،‬‬
‫ونظرت لألسفل‪ ،‬ث َّم‬
‫صمتت إيان‪ ،‬ردّه غير مقنع‪،‬‬
‫ولم ل ْم يظهر هذا الخبر في ال ِت ّلفاز؟‬
‫َ‬
‫زالت ّ‬
‫ْ‬
‫تشك بصدق كالمه‪ ،‬ث ُ َّم قال‪ :‬سأعلن‬
‫نظر إليها بعمق‪ ،‬لقد فهم‪ ،‬فهي ما‬
‫سا_ قري ًبا‪.‬‬
‫ع ْن ذلك _أسا ً‬
‫َ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫ومشت‪ ،‬ومشى‬
‫عادت لمكانها بجانبه‪،‬‬
‫نظرت أيان لجدِّية كالمه هذا‪ ،‬ث ُ َّم‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫وقالت‪ :‬ومن يعلم‬
‫نظرت إليه‪،‬‬
‫بجانبها‪ ،‬ما زالت أيان متفاجئة‪ ،‬تتملَّكها الحيرة‪،‬‬
‫عن هذا غيرنا؟‬
‫ي‬
‫ابتسم بسعادة‪ ،‬وقال‪ :‬آجوما‪ ،‬وآجاشي‪ ،‬وشقيقتي‪ ،‬وأمي‪ ،‬وأنتم فقط‪ ،‬فليس لد ّ‬
‫َم ْن أثق بهم بهذا العالم كلّه غيركم‪.‬‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫وابتسمت بخجل‪ ،‬فتواضعه رائع‪ ،‬فهذا سبب إعجابها به‬
‫نظرت أيان إليه‪،‬‬
‫سا‪.‬‬
‫أسا ً‬
‫ت عزمتُ‬
‫جلسا على كرسي الحديقة‪ ،‬وقال مين هو‪ :‬عندما تركتني‪ ،‬ورحل ِ‬
‫تركك لي‪ ،‬نعم‬
‫منك‪ ،‬ولم أفهم سبب‬
‫ِ‬
‫بأ ِنّي سأعود لسابق عهدي‪ ،‬كنتُ غاض ًبا ِ‬
‫ولكنك ال تغادرين عقلي أبدًا‪.‬‬
‫عدتُ لل ِت ّلفاز‪ ،‬والتَّمثيل‪،‬‬
‫ِ‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫وقالت‪ :‬أنا حقًا آسفة‪.‬‬
‫شعرت أيان بحزن‪ ،‬لما أصابه‪،‬‬
‫ ال بأس‪...‬‬‫وفي يوم ال أعلم كيف فعلتُها‪ ،‬وقدتُ سيارتي إلى ال َّ‬
‫شيخ فاتح‪.‬‬
‫قالت أيان باستغراب‪ :‬ال َّ‬
‫ْ‬
‫شيخ فاتح!‬
‫قال لها‪ :‬هل تذكرين في ذلك اليوم‪ ،‬عندما ُكنا في الجامع‪ ،‬وأنا كنتُ بين‬
‫مجموعة منهم‪.‬‬
‫ْ‬
‫ْ‬
‫وقالت‪ :‬نعم‪ ،‬أتذ ّكر‪ ،‬وبعد؟‬
‫تذكرت أيان ذلك اليوم‬
‫تابع مين‪ :‬الحظ ال َّ‬
‫شيخ كثرة أسئلتي له‪ ،‬وعند مغادرتي أعطاني رقم هاتفه‪ ،‬لو‬
‫أمورا تخصكم‪ ،‬أو ساورني ال َّ‬
‫شك‪ ،‬والحيرة‪ ،‬أساله مباشرة‪.‬‬
‫احتجتُ لمعرفة‬
‫ً‬
‫قررتُ الدُّخول في اإلسالم قبل وقوعي بح ِبّك‪ ،‬وهذا ما فسر بسوء‬
‫أيان‪ ،‬أنا ّ‬
‫فهم‪.‬‬
‫أيان تنظر إليه مندهشة‪ ،‬هل هذا الذي أمامي هو مين؟‬
‫هل أنا في حلم؟!‬
‫كنت تنتمي؟‬
‫وسألت قائلة‪ :‬سابقًا ألي ديانة َ‬

‫ حقيقةٍ‪ ،‬كنتُ أعتقد سابقًا َّ‬‫أن الدِّيانات تعيق من قدرتي على قيادة أموري كما‬
‫أشاء‪ ،‬ولكن هذا الفكر جعلني أشعر بأنّني أعيش حياتي دون هدف‪ ،‬أو‬
‫معنى‪ ،‬آكل‪ ،‬أشرب دون حمد لل ِنّعمة‪ ،‬أنام‪ ،‬وأصحو كيفما شئتُ ‪ ،‬أسهر‬
‫وألهو‪ ،‬وأقيم عالقات ال متناهية‪.‬‬
‫لقد كنتُ في ضياع‪ ،‬وأدور في حلقة فارغة‪ ،‬والدي توفي منذُ زمن‪ ،‬أ ّما أمي‬
‫توقفت عن رعايتي منذ زمن‪ ،‬وك ّل ما يهمها اآلن هو ال َّ‬
‫ْ‬
‫شركة‪ ،‬والمال‪.‬‬
‫سابق كنتُ أرى‬
‫أيان‪ ،‬لطالما أعجبتُ بالعرب‪ ،‬وتقاليدهم العربيّة‪ ،‬في ال ّ‬
‫أمورهم بشكل سطحي‪ ،‬وأتع ّجب منهم‪ ،‬أما وجودك بحياتي‪ ،‬كانت نعمة ِم ْن‬
‫ربنا‪ ،‬فأنا كنتُ فقط محتاج لدفعة‪ ،‬بسيطة‪ ،‬يدفعني بها شخص ما‪ ،‬ألسلك هذا‬
‫َّ‬
‫ت َم ْن دفعني‪.‬‬
‫الطريق‪ ،‬وأن ِ‬
‫ت لي في يوم عيد ميالدي‪،‬‬
‫وأحمد هللا على رسالته لي‪ ،‬ما زلتُ أتذ ّكر ما قل ِ‬
‫وعن جزء بسيط ِمن اآلية‪ ،‬ولكنَّها ذات معنى‪ ،‬وصلة بسبب وجودك بحياتي‪.‬‬
‫سعادة التي غمرني بها مين هو اليوم كانت جميلة‪ ،‬ومستحيلة بذات الوقت‪.‬‬
‫ال َّ‬
‫أحسستُ مصداقيَّة حديثه‪ ،‬وبالفعل أنا قد اشتقتُ لهُ كثي ًرا‪.‬‬
‫َّ‬
‫إن مين يدهشني أكثر‪ ،‬وأكثر‪ ،‬جزء مني يجعلني أصدِّقه‪ ،‬وأقبل به‪ ،‬والجزء‬
‫اآلخر خائف ْ‬
‫ي‪.‬‬
‫أن يكون فقط يكذب عل َّ‬
‫ْ‬
‫ضحك‬
‫كانت وجبة العشاء التي أعدّتها والدتي لذيذة‪ ،‬ولم يفارقنا الحديث‪ ،‬وال َّ‬
‫بوجوده‪ ،‬نعم‪ ،‬أعترف كنّا سعداء للغاية اليوم بوجوده‪ ،‬أما والدي ووالدتي يحبَّان‬
‫مين‪ ،‬آه أقصد مروان‪ ،‬أصبح اسمه مروان اآلن‪ ،‬ولكن لن يصبح مروان‬
‫صغيرا‬
‫اختبارا‬
‫ي‬
‫بنظري‪ ،‬حتى يعترف بخبر إسالمه إلى العالم‪ ،‬وأنا أسا ً‬
‫ً‬
‫ً‬
‫سا لد ّ‬
‫له‪.‬‬
‫َّ‬
‫فإن أمي وأبي لديهما العلم بماذا سيحدث غدًا‪ ،‬أنا آسفة بما سيحدث غدًا يا‬
‫ق كالمك‪.‬‬
‫مين‪ ،‬ولكن هذا لصالحنا جميعًا‪ ،‬حتى أتأكد ِمن صد ِ‬
‫ع ْن قرار ابنتنا‪ ،‬حرام بحق ال َّ‬
‫"أال يجب ْ‬
‫شاب"‬
‫أن نعدل َ‬
‫ْ‬
‫صة‪.‬‬
‫وجهت والدة أيان لزوجها بهذا الحديث‪ ،‬بقلق‪ ،‬وهما بغرفتهما الخا ّ‬
‫ردَّ زوجها‪ :‬نعم‪ ،‬إنَّهُ كذلك‪ ،‬ولكن علينا ْ‬
‫أن نقف بقربها غدًا‪ ،‬ونثق بها‪.‬‬
‫ْ‬
‫تن ّه ْ‬
‫وقالت‪ :‬فليسامحني هللا إذًا‪.‬‬
‫دت األم‪،‬‬

‫مين هو يحدق إلى الخاتم الذي يملكه‪ ،‬وقال بسعادة‪ :‬أرجو ْ‬
‫أن تقبلي بي هذه‬
‫المرة أيان‪.‬‬
‫ّ‬
‫لقد أتى اليوم التّالي‪ ،‬وال أعلم لماذا أيان تتجنّبني طوال الوقت‪.‬‬
‫تتحجج بانشغالها مع والدتها‪ ،‬وتنظيف المنزل‪ ،‬وتحضير الغداء‪ ،‬ثم تال ذلك‬
‫كثيرا‪ ،‬وما زلتُ أنظر إليها ِمن بعيد فقط‪.‬‬
‫العشاء‪ ،‬آه اشتقتُ لها ً‬
‫ي‬
‫أما أنا انشغلتُ مع والدها بالذهاب إلى الجامع‪،‬‬
‫ّ‬
‫وعرفني على رجال الح ّ‬
‫الذي يقطن به‪ ،‬ومن الجميل َّ‬
‫أن هنا ال أحد يعرفني‪ ،‬أو يشبّه بي‪ ،‬ومع لبسي‬
‫صالة‪ ،‬هذا يبعد عنهم ك ّل هذا ال ّ‬
‫شك‪ ،‬ويتابعون في حال‬
‫المتواضع‪ ،‬وتأديتي لل ّ‬
‫سبيلهم‪.‬‬
‫قليال‪ ،‬وأكمل ً‬
‫أما كوريا‪ ،‬ث ُ َّم ضحك ً‬
‫قائال‪ :‬يقولون إنَّه ُهو‪ ،‬وبكل تأكيد‪ ،‬يتم‬
‫مطاردتي‪.‬‬
‫ح َّل المساء‪ ،‬وارتديتُ بدلة كنتُ قد اشتريتها عند ّ‬
‫تنزهي‪ ،‬مع أيان‪ ،‬لقد‬
‫وقررتُ ْ‬
‫أن أتقدّم لخطبتها اليوم بها‪ ،‬ولكنّي ما زلتُ ال‬
‫أعجبتها تلك البدلة‪ّ ،‬‬
‫أعرف بأي شكل سأتقدَّم لها بطلب َّ‬
‫الزواج!‬
‫فأنا أريدها ْ‬
‫ت لي‪.‬‬
‫أن توافق‪ ،‬وأخذها معي بعيدًا ِم ْن هنا‪ ،‬نعم‪ ،‬أيان سمعتِ؟ أن ِ‬
‫ارتديتُ ثوبًا محتش ًما ذي أكمام‪ ،‬سكريمي اللّون‪ ،‬ووضعتُ أحمر ال ّ‬
‫شِفاه يليق‬
‫بـلون فستاني‪ ،‬ووشاح ِمن أجل ْ‬
‫أن أغطي به شعري‪ ،‬طويل‪ ،‬محتشم‪ ،‬وأنيق‪.‬‬
‫ْ‬
‫ّقت إلى الخاتم بحزن‪ ،‬وتن ّه ْ‬
‫حد ْ‬
‫وقالت بداخلها‪ :‬أنا ال أقصد جرحك يا مين‪،‬‬
‫دت‪،‬‬
‫ولكن هذا فقط ِمن أجلنا جمي ًعا‪ ،‬أرجو أن تتفهمني‪.‬‬
‫ْ‬
‫صة بالخطوبة‪.‬‬
‫ورفعت يديها‪ ،‬ثم وضعته في إصبعها البنصر‪ ،‬الخا ّ‬
‫قال الوالد‪ :‬جاء الضيف أيان‪.‬‬
‫كان مين هو واقفًا بقرب والدها‪ ،‬مستغربًا ِمن هذا الدَّخيل‪ ،‬الذي يحمل باقة ورد‬
‫ي وسيم ال َّ‬
‫حمراء‪ ،‬دخل ال َّ‬
‫شكل والمالمح‪ ،‬يرتدي‬
‫شاب إلى الدَّاخل‪ ،‬إنَّه ُ كور ّ‬
‫ضا_ أصيب مين هو بالغيرة‪ ،‬ولكن ما أضفى غليانه هو خاتم‬
‫بدلة رسميَّة _أي ً‬
‫الخطوبة الذي يرتديه ال ّ‬
‫شاب على إصبعه‪.‬‬
‫فال داعي فهو مرتبط‪.‬‬
‫يتحرك معها‪ ،‬أينما تتّجه‪ ،‬اندهش‬
‫خطوات أيان نازلة على الدَّرج‪ ،‬وثوبها‬
‫ّ‬
‫مين؛ لجمالها‪ ،‬فقد أعتاد لرؤيتها ساب ًقا‪ ،‬ولكن اليوم ال يستطيع أن يعبر عن‬
‫سره‪ :‬جميلة!‬
‫إعجابه بوجود الجميع‪ ،‬فقط اكتفى بالنَّظر إليها‪ ،‬وقال في ِ ّ‬

‫وقالت برقّة‪ً :‬‬
‫ْ‬
‫نزلت أيان مبتسمة‪ ،‬وات َّ ْ‬
‫أهال بك حازم‪.‬‬
‫ضيف‪،‬‬
‫جهت إلى ال َّ‬
‫قائال بشوق‪ً :‬‬
‫الرجل االبتسامة‪ ،‬وهتف ً‬
‫أهال بخطيبتي الجميلة‪.‬‬
‫بادلها َّ‬
‫انزعج مين‪ ،‬م ّما سمعه اآلن ورأى خاتم الخطوبة‪ ،‬ولكن انصعق أكثر‪،‬‬
‫ْ‬
‫رفعت يدها؛ لتأخذ باقة الورد‬
‫عندما رأى الخاتم‪ ،‬الذي تضعه أيان عندما‬
‫أهذه مزحة!‬
‫ع ْن فهم الموقف‪ ،‬قاطعهم الوالد‪ ،‬وقال من‬
‫حزن الوالدان؛ لرؤية عجز مين هو َ‬
‫باب األدب‪ :‬هيّا؛ لندخل فقد قدّمنا العشاء‪.‬‬
‫ودخلوا إلى الدَّاخل ّإال مين هو‪ ،‬ساكن في مكانه‪ ،‬مصعوقًا‪ ،‬وأغمض جفنيه‬
‫بشدّة‪ِ ،‬م ْن حرق جفنه‪ ،‬شهق عميقًا‪ ،‬واحتقن وجهه‪ ،‬بالدِّماء‪ ،‬غاضبًا‪ ،‬ث ُ َّم أطلق‬
‫زفرة‪ ،‬وجعل خطواته يذهب إلى غرفة َّ‬
‫سخافة التي طرأ‬
‫الطعام؛ ليراه‪ ،‬ما هذه ال َّ‬
‫اآلن؟‬
‫مين هو تائ ًها بـطاولة العشاء؛ يرى ضحكات‪ ،‬وسعادة‪ ،‬وتبادل أطراف‬
‫الرجل َّ‬
‫الزائد بغاليته أيان‪.‬‬
‫الحديث‪ ،‬واهتمام َّ‬
‫"ما الذي فاتني ِم ْن قبل؟! كيف حدث هذا؟!‬
‫ْ‬
‫اشتعلت بداخله‪ ،‬ال يعرف ماذا يفعل‬
‫مشاعر متضاربة‪ِ ،‬م ْن الغضب‪ ،‬والغيرة‬
‫هل يقلب َّ‬
‫الرجل‪ ،‬ويكسر إصبعه؟؟؟‬
‫الطاولة رأ ً‬
‫سا على عقب‪ ،‬ويلكم َّ‬
‫أو يخطف أيان؟ أو ماذا؟‬
‫ضحك َّ‬
‫مشاعر مشو ّ‬
‫الزائف‪،‬‬
‫شة‪ ،‬ولكنَّه ظ ّل متمال ًكا ألعصابه‪ ،‬يجاملهم بال ّ‬
‫الرجل بقدر سؤاله‪ ،‬دون ْ‬