أحببت السراب - 3

‫عدت إلى بيت أبي‪ ،‬الذي عايشت فيه كل آالمي‬
‫السابقة‪ ،‬ليتني عدته بذات النفس التي قد‬
‫خرجت‪ ،‬ولكن هيهات‪ ،‬فالعناء في األسر أفظع‬
‫وأدهى منه في الحرية!‬
‫شعرت أن كل مخاوفي تطاردني‪ ،‬وتستل سيفها‬
‫نحوي‪ .‬كل ألم راح يلوح بسكينه المسموم في‬
‫وجهي‪ .‬كل خذالن يشهر رمحه أمام ناظري‪.‬‬
‫كل كسر يعتصر فؤادي الصغير‪ ،‬الذي لم يعد‬
‫يقوى على الدفاع أو التصدي!!‬
‫‪99‬‬

‫ذهبت إلى الطبيب الذي اعرفه تماما‪ ،‬كما‬
‫أعرف اآلالم التي تغزوني‪ ،‬ولم أعد احتمل‬
‫المزيد منها‪ .‬ذهبت طواعية إلى سجن اخترته‬
‫بكامل قواي العقلية‪ ،‬كنت أراه مالذي الوحيد‪..‬‬

‫‪100‬‬

‫أكتب إليكم اآلن من داخل غرفة بيضاء‬
‫موحشة‪ .‬فضاء واسع‪ ،‬ال يقطنه سوى شبح‬
‫ذكرياتي الدامية‪ ،‬يتوسطه سرير دقيق‪ ،‬تقبع‬
‫عليه ذات النفس المهلهلة المؤرقة الذابلة‪..‬‬
‫أكتب إليكم وال أعلم ما إذا كان سيقرأ أحدهم ما‬
‫خطت يمناي‪ ،‬لكنني مرتاحة إلى كتابته على أية‬
‫حال‪ ،‬واإلفضاء بما في نفسي إليكم‪ .‬ربما‬
‫وجدت بكم من يؤازرني ولو حتى بتالقي‬
‫مخيلته وعقله مع ما خضتُه من معارك‪ ..‬أو‬
‫دعوات صادقة بتفريج كربتي‪..‬‬
‫أو ربما لن يقرأه أحد‪ ،‬لكنه سيظل شاهدا على‬
‫وقيعة قلبي الذي كنت السبب األول في عناءه‪،‬‬
‫ودرب معاناته التي ال تزول‪...‬‬
‫★★★‬
‫‪101‬‬

‫‪-٧‬أَ ْي َن ال َمفَ ّر‬
‫أعلم أننا قد تخطينا زمن الجاهلية منذ زمن‬
‫بعيد‪ .‬لكن البعض مازال يحيا بين أطاللها‬
‫بتفكيره‪ ،‬ويعتنق الكثير من معتقداتها الفانية‬
‫بمقاديره‪ ،‬ليس كمن عبد األصنام‪ ،‬وعاقر‬
‫الخمر‪ ،‬وأدمن المقامرة‪ ،‬بل كان عقله صنما‬
‫أصما في حد ذاته‪ .‬العقل الذي يزين صاحبه أو‬
‫يرديه هالكا وخيبة وندم‪.‬‬
‫تلك هي األصنام الفكرية‪ ،‬والمعتقدات الجائرة‬
‫التي كانت ومازالت تحكم عقول الكثيرين حتى‬
‫اآلن‪ ،‬وآسف من داخلي حقا حين أُذب ُح يوميا‬
‫بسيف االعتقاد الجائر الذي يرى في إنجاب‬
‫‪102‬‬

‫البنات أعظم داهية قد يصاب بها أحدهم في‬
‫حياته‪....‬‬
‫نعم وبكل أسف‪ ،‬لقد ولدت ألب يحيا ما بين"‬
‫أيمسكه على هون أم يدسه في التراب"‪ ،‬ولدت‬
‫ألب ظل وجهه مسودا‪ ..‬لم يمر على قلبه يوما"‬
‫وإذا الموءودة سئلت"‬
‫دائما ما كان يردد من ابتلي من البنات‪ ،‬لكنه ال‬
‫يذكر ختام الحديث أبدا‪ ،‬يتوقف عند قوله ابتلي‪،‬‬
‫ويتعامل معها على أنها أفظع بالء‪ ،‬ينظر نحونا‬
‫مرددا‪ :‬أنتم بالء‪ ،‬أعظم مصيبة قد أصابتني بعد‬
‫الزواج بوالدتكم!‬
‫كثيرا ما كنت أشعر بأن ذلك "الوأد" قد يكون‬
‫أيسر ألما من الوأد كل ثانية على ظهر هذه‬
‫األرض‪ .‬الموت لمرة واحدة أقل عذابا من‬
‫‪103‬‬

‫الموت في كل مرة أنظر فيها بوجه أبي‪ .‬مفارقة‬
‫الحياة أقل معاناة من موت في ثوب حياة مهترئة‬
‫تعيسة‪...‬‬
‫بدأت رحلتي في المعاناة يوم والدتي‪ ،‬بعد أن‬
‫خرجت الطبيبة تزف بشرى والدتي بخير ألبي‬
‫ووالدته‪ ،‬فلم يتقبل حقيقة األمر‪ ،‬كأن الحقيقة‬
‫كانت مؤلمة كثيرا بالنسبة إليه‪ .‬إلى حد قد بلغ‬
‫عدم تصديقها أو استيعابها حتى‪ ،‬كأن موتي‬
‫وعدم سالمتي في ذلك اليوم كان أقل ألما‬
‫بالنسبة إليه‪ ،‬خرج أبي من المشفى‪ ،‬ولم يرغب‬
‫في تسجيلي باسمه‪ ،‬جاهدت أمي كثيرا معه حتى‬
‫تقنعه بذلك‪ ،‬ويتقبل في نهاية األمر أنه قد رزق‬
‫بفتاة‪.‬‬

‫‪104‬‬

‫اللعنة التي حلت عليه ولم يستطع التخلص منها‬
‫على حد قوله عدة مرات‪...‬‬
‫يحضرني كثيرا كم المرات التي استيقظت على‬
‫بكاء أمي ونحيبها ليال‪،‬‬
‫لم تجرم بما يستحق الندم‪ ،‬ولم تقترف أي ذنب‪،‬‬
‫سوى خطيئة واحدة ال يمكن أن تغتفر في نظر‬
‫مجتمع بائس لم يتجاوز أعتاب الجاهلية‬
‫األولى‪...‬‬
‫أحيانا شعرت أنني مريضة نوعا ما‪ ،‬ألنني‬
‫منبوذة بين أفراد عائلة أبي‪ ،‬ورحت أفكر‬
‫بداخلي ربما أنني مصابة بمرض معد‪ ،‬أو علة‬
‫ال تزول‪ ..‬هل سأموت عند مرحلة ما من هذا‬
‫المرض؟‪ ،‬وإذا كان األمر بهذا السوء فال لوم‬

‫‪105‬‬

‫عليهم إذا؛ فالجميع يسعى إلنقاذ حياته‪،‬‬
‫والمحافظة عليها‪..‬‬
‫لكنني كبرت ألعرف أنني لم أصب بعلة قط‪.‬‬
‫إنها لعنة األنوثة‪ ،‬نوع من األسقام يظل مرافقا‬
‫طوال الحياة‪ ،‬إنها لعنة ال تزول بالنسبة لمجتمع‬
‫مريض بسرطان الذكورة المقيت‪ ،‬يرتوي من‬
‫ماءه اآلسن الكدر‪...‬‬
‫مجتمع يحكم عليك بالوفاة قبل أن تتم والدتك‬
‫حتى‪ ،‬مجتمع ترسخ بداخله" إنها شجرة خبيثة‬
‫ما لها من قرار"‬
‫الولد سر أبيه‪ ،‬وسنده‪ ،‬يحمل اسمه‪ ،‬لكن الفتاة‬
‫ستتزوج وتلتحق ببيت زوجها يوما ما‪ ،‬إال بال‬
‫فائدة تذكر‪ ،‬وهذا في اعتقاد من ال يعدها ضررا‬
‫في حد ذاتها‪...‬‬
‫‪106‬‬

‫ومرت األيام‪ ،‬وحان أوان التحاقي بمدرسة ما‪،‬‬
‫وبالرغم من كوني ابنة الست أعوام‪ ،‬إال أنني‬
‫كنت على وعي كاف‪ ،‬ألرى سچين أبي الملتهبة‬
‫ع ّرضت‬
‫تلفح أمي كلما ذكرت األمر أمامه‪ ،‬أو َ‬
‫باألمر ‪ ..‬حتى استوى األمر على ذهابي‬
‫للمدرسة مقابل أال يدفع أبي جنيها واحدا على‬
‫دراستي‪ ..‬إنه لن يجني منها أي ربح‪ ،‬فلم يغامر‬
‫في أمواج الخسارة بماله النفيس‪ ،‬الذي يثمن‬
‫لوريثه وحامي شرفه وجنابه‪..‬‬
‫وبالفعل ذهبت للدراسة‪ ،‬وكانت كل شغفي‪..‬‬
‫أمضيت جل أوقاتي أردد الحروف‪ ،‬وأتغنى‬
‫باألرقام‪ .‬أعمل كمعلمة لطالب في مخيلتي‪،‬‬
‫أصبحت عالمي الخاص الذي كان يضخ أمال‬
‫‪107‬‬

‫بين عروقي‪ ،‬وبريقا بعيني‪ ،‬حتى أنهيت الصف‬
‫الثالث‪ ،‬عندها قد بدأت مأساة جديدة بين جدران‬
‫محبسنا الصغير‪ ..‬لقد ولدت فتاة أخرى ألبي‪،‬‬
‫وكانت الصدمة في تلك المرة أشد وقعا من التي‬
‫سبقتها‪ ،‬على الرغم من أنني قرأت يوما أن‬
‫الصدمات يقل تأثيرها إذا تكررت لكن هول‬
‫الفاجعة كان أقسى في تلك المرة على كال‬
‫والداي‪ ،‬فأبي أصيب بحالة اكتئاب شديدة‪ ،‬طرد‬
‫على إثرها أمي من المنزل بعد أن سولت له‬
‫نفسه أن يضربها‪ ..‬وبالطبع غادرت معها برفقة‬
‫" الصغيرة رغد"‬
‫التي لم تكن طفلة في الواقع‪ ،‬بل كانت مالكا في‬
‫صورة بشرية محببة‪ ،‬لم أنظر لنفسي يوما بذات‬
‫العين التي أبصرتها بها‪ ،‬ربما ألنني لم أحضر‬
‫‪108‬‬

‫مأساتي بوعي كامل‪ ،‬واختلست النظر عنها بين‬
‫مذاكرات أمي‪ ..‬أو ربما كان أبي يسير وفق‬
‫القاعدة التي تقول" أن الخطأ حين يكرر ال‬
‫يغتفر" لكنني أرى إجحافا كبيرا في هذه القاعدة‪،‬‬
‫فالخطأ الذي يكرر ال يعد خطأ من األساس‪ ..‬ثم‬
‫من تلك التي ترغب بتدمير حياتها وتسولها‬
‫المودة من الخلق!‬

‫حين يأتينا األذى ممن كنا نعتقدهم ملجأ ومالذا‬
‫نتألم مرتين‪ ،‬مرة للثقة التي اندثرت بقلوبنا‪،‬‬
‫ومرة ألنفسنا التي هانت على من نحب!‬
‫وبعد أن مضى ما يقارب العام‪ ،‬أتى بعض‬
‫المصلحون لنعود أدراجنا إلى سجن أبي ومعتقله‬
‫الخاص‪ ،‬وبالفعل استجابت أمي لرغبتهم وعدنا‬
‫‪109‬‬

‫برفقة من حضر على الرغم من عدم قدوم أبي‬
‫معهم ذلك اليوم‪..‬‬
‫عندما اقتربت من المنزل انتابني شعور مختلط‪،‬‬
‫يحمل الضيق والحزن واألسى والبغض‪ .‬وألول‬
‫مرة أتذوق البغض يومذاك‪ ،‬حين استقبلنا والدي‬
‫بذات الغضب الذي غادرناه به‪ ،‬ورغم ذلك‬
‫أسرعت نحوه بابتسامة كأنني كنت أحمل قدرا‬
‫من االشتياق نحو ذلك الشخص الذي لم تظهر‬
‫بوارد ود منه تجاهي من قبل‪ ،‬فرمقني بنظرة‬
‫اشمئزاز وربت على كتفي على استحياء‪ ،‬كمن‬
‫ينفض الغبار عنه‪ ،‬كأنه يخشى أن تطاله لعنتي‪،‬‬
‫أو تتنقل إليه عدوى مرضي‪ .‬لكنني على كل‬
‫حال‪ ،‬كنت أوفر حظا من الصغيرة رغد التي‬
‫غادرت قبل أن تدرك حقيقة خروجها للدنيا‪،‬‬
‫‪110‬‬

‫وعادت تخطو أولى خطواتها به‪ ،‬كضيف غير‬
‫مرحب بوجوده واستقباله‪ .‬لم يبال بها مطلقا‪،‬‬
‫وال البتسامتها الصغيرة التي تسلب العقول‪،‬‬
‫اكتفي بقوله‪ :‬أهال‪ ،‬بامتعاض ألمي‪ ،‬ثم غادر‬
‫المنزل‪..‬‬
‫عندها أصبحت أراه كسيف للظلم قد سلط على‬
‫هذه النبتة الصغيرة‪ ،‬التي لم يلتفت يوما إلى‬
‫رعايتها أو االهتمام بها‪ ،‬ومع تقدم الوقت‪،‬‬
‫أصبح ينأى عن مناداة أمي باسمها ويكتفي بقوله‬
‫"يا شايلة الهم للمات" لجريمتها الشنعاء على حد‬
‫اعتقاده بإنجاب فتاتين على التوالي‪...‬‬
‫على الرغم من ذلك كنت سعيدة لعودتي للدراسة‬
‫التي فقدتُ إثر ذهابي برفقة والدتي إلى بيت‬
‫جدتي‪ ،‬وهنا بدأت أرسم أحالما وردية لمستقبل‬
‫‪111‬‬

‫مزهر‪ ،‬لم أكن أعلم أنني لن أناله حتى بأحالمي‪.‬‬
‫رحت ألقب نفسي بالدكتورة" نسمة رمضان"‬
‫أخصائي األطفال وحديثي الوالدة‪ .‬وكنت أرى‬
‫في الطفولة عالما خاليا من األحزان واآلالم‪ ،‬لذا‬
‫اخترت أن تقتصر عالقتي مع هذا العالم به‪،‬‬
‫واختزل تعاملي معه في محيط البراءة التي لم‬
‫تدنس بالظلم والخذالن‪.‬‬

‫وسرعان ما توالت األيام‪ ،‬وكبرت رغد‪،‬‬
‫وأصبحت ترافقني للمدرسة‪ ،‬التي أخذتنا نحو‬
‫شاطئ أحالم لن تطأه أقدامنا يوما‪ ،‬ولن تسير‬
‫قافلتنا نحوه‪ ،‬كرماد اشتدت به الريح في يوم‬
‫عاصف‪ .‬لم نقدر على شيء من أمرنا‪ ،‬حين‬

‫‪112‬‬

‫قرر والدي أننا سنعمل بعد ساعات الدراسة‪،‬‬
‫وإال لن نفكر في األمر بعدها حتى‪..‬‬
‫وبالفعل استسلم الجميع لمادة الزيف الجديدة التي‬
‫أصدرها أبي في قانونه‪ ،‬فعملت إحدانا بمتجر‬
‫مجاور‪ ،‬واألخرى عن عملت بمصنع في مدينة‬
‫قريبة‪ ،‬وظلت هكذا الحال ما بين دراسة بأول‬
‫النهار وعمل بآخره‪ ،‬والذي كان يمتد أحيانا إلى‬
‫الليل‪ ،‬جهد جهيد‪ ،‬كنت أتم يومي بشق األنفس‪،‬‬
‫ال أكاد أشعر بنفسي لشدة إجهادي‪ ،‬ومواصلة‬
‫الليل بالنهار‪..‬‬
‫ومضت بنا األيام لترسو على مرفأ جديد لليأس‬
‫يختلف إلى حد كبير عن العناء السابق‪ ،‬لقد‬
‫وصل قطار المأساة إلى محطته األخيرة‪ ،‬وبات‬
‫اآلن على مسافريه الترجل نحو وجهة غير‬
‫‪113‬‬

‫معروفة إلى اآلن‪ ..‬لقد بلغ السيل الزبى‪ ،‬فقد ولد‬
‫ألبي فتاة ثالثة‪ ،‬لكنه أنكر نسبتها إليه هذه المرة‬
‫تماما‪ ،‬وطلق أمي بال رجعة‪ ،‬وطردنا من‬
‫المنزل نهائيا!!‬
‫هنا بدأت معركتنا الجديدة‪ ،‬إثبات نسب الوليدة‪،‬‬
‫وتأمين منزل‪ ،‬وسبل عيش ألربعة أرواح‪،‬‬
‫ومواجهة مجتمع بأسره‪ ..‬ثم أخيرا استكمال‬
‫دراستنا‪..‬‬
‫لم تكن البداية يسيرة‪ ،‬ما بين مشقة االنتقال من‬
‫المدرسة‪ ،‬واالستقرار ببلدة غريبة‪ ،‬ونظرة‬
‫سفاحي األخالق والمبادئ‪ ،‬وبعد عناء شاق‬
‫ألربعة أشهر يمكن القول أننا استطعنا إحراز‬
‫تقدم بتلك المعركة الدامية‪ ،‬التي استلت كل‬
‫شعور بالسعادة منا‪ ،‬وسامتنا سوء العذاب بلهيب‬
‫‪114‬‬

‫جمارها‪ ..‬فعلى الرغم من أننا ابتعدنا عن البلدة‬
‫التي يسكنها أبي‪ ،‬إال أننا أُرغمنا على زيارته‬
‫صل من راتبنا نوعا من‬
‫في نهاية كل أسبوع ليُ َح ّ‬
‫اإلتاوة التي فرضها علينا‪ ..‬نعم لم يكن يترك لنا‬
‫سوى الفتات‪ ،‬أقل ما يقام به رمق الحياة‪ .‬لم يبد‬
‫يوما أية شفقة لحالنا وما آلت إليه األمور‪ ،‬حتى‬
‫أنه تزوج بأخرى‪ ،‬علها تغسل حوبته‪ ،‬ويكون له‬
‫منها الوالد‪ ..‬ولكن األقدار أضمرت له عقابا من‬
‫نوع خاص‪ ،‬فالمرأة التي تزوج كانت عقيم!!‪.‬‬
‫وظل البيت خاويا على عروشه لسنوات‪ ،‬يبكي‬
‫جدار السعادة الذي انقض فلم يستطع إقامته‪،‬‬
‫كأنه رسم دارس‪ ،‬وأنقاض بناء‪ ،‬كان يضم بين‬
‫جنباته في يوم ما قد يوصف بأنه أسرة‪..‬‬

‫‪115‬‬

‫تتابعت السنوات من جديد‪ ،‬وحطت بي في‬
‫محطة الثانوية العامة‪ ،‬السنة التي يشيب لها‬
‫الولدان في كل بيت بأرجاء المعمورة‪ .‬لكن ما‬
‫ألم بنا من أهوال‪ ،‬ال يقوى على مناهضته أي‬
‫شيء‪ ،‬ظللتُ على سابق عهدي من الذهاب‬
‫للمدرسة صباحا‪ ،‬والعمل بعدها حتى المساء‪،‬‬
‫لكنني هذه المرة كنت أختلس بعضا من ساعات‬
‫نومي حتى يتسنى لي الدراسة‪ ،‬ومراجعة‬
‫دروسي‪..‬‬
‫كنت أحاول أن أبذل جهدي‪ ،‬وأسعى على قدر‬
‫استطاعتي‪ ،‬وقد الح بخاطري أمنيتي الصغيرة‬
‫التي خبأتها بين طيات الزمن‪ ،‬ورغبتي بأن‬
‫أصبح طبيبة‪ ،‬كما أنني اعتقدت أنه سبيل نجاتي‬
‫األول واألخير‪ ،‬فربما اعترف بنا والدي‪،‬‬
‫‪116‬‬

‫وتحسنت أوضاعنا المادية‪ ،‬وعصمت أختاي من‬
‫العمل والتعب‪ ..‬لم أدخر وسعا لتحقيق أمنيتي‬
‫التي كانت بمثابة معركتي األولى واألخيرة في‬
‫الحياة‪..‬‬

‫وبالفعل‪ ،‬لم يقابل هللا جهودي بمثلها فقط‪ ،‬بل‬
‫ضاعفها بفضله وإحسانه الكريم‪ ،‬وبدال من‬
‫حلمي بااللتحاق بكلية الطب‪ ،‬كللت جهودي‬
‫بتتويجي للحصول على المركز األول على‬
‫مستوى الجمهورية‪...‬كان فضل هللا علي مذهال‬
‫لدرجة لم أحلم بها حتى‪ ،‬التفت نحو الماضي‬
‫األليم للحظات ورددت بداخلي "ما رأيت شرا‬
‫قط"‪.‬‬

‫‪117‬‬

‫لقد برئت كل أوجاعي وأسقامي‪ ،‬لوهلة كأن كل‬
‫ما حدث لم يحدث أبدا‪ ،‬حلقت في سماء الفرح‬
‫والسعادة التي لم أكن أعرف لهما سبيال من‬
‫قبل‪ ،‬ال سيما وقد حضرت الصحافة لتقيم معي‬
‫حوارا حول أسباب تفوقي ونجاحي‪..‬‬
‫لكن مع بداية المقابلة انعقد لساني‪ ،‬وكأنني‬
‫سقطت من أعلى الهاوية نحو أعماق الجحيم‪،‬‬
‫لقد قتلني ذلك الصحفي برمية مسددة دون أن‬
‫يدري‪ ،‬حين سألني‪ :‬يبدو أن والدك متوفي‪ ،‬ترى‬
‫ما سيكون شعوره لو كان معنا؟؟‬
‫حاولت تجميع بعض الكلمات ألجيب عن‬
‫سؤاله‪ ،‬لكن كل ألفاظ التعبير قد خانتني عندها‪،‬‬
‫وزل لساني‪ ،‬ليصدع بالحقيقة المؤلمة" ال‬

‫‪118‬‬

‫أعرف‪ ،‬ربما سيجحد األمر كما جحد وجودي‬
‫من قبل"‪..‬‬
‫ال أعرف كيف أمكنني قول ذلك وال ما حدث‬
‫بعدها‪ ،‬لكنني بقيت بمفردي مدة طويلة أبكي كل‬
‫لحظة عناء سكتُ عنها من قبل‪ ،‬أبكي َبطر حقي‬
‫وحق أخوتي‪ ،‬أبكي نفسي التي أعتصرها األلم‪،‬‬
‫أبكي لرغد التي ولدت قرينة للذل واإلهانة‪،‬‬
‫أبكي لوالدتي ولضعفها وقلة حيلتها‪ ،‬أبكي‬
‫لياسمين التي فقدت حقها في االنتساب إلى أبيها‪،‬‬
‫وشردت على طرقات الذل كلقيطة منبوذة‪ ،‬أبكي‬
‫إجحاف مجتمعي قبل كل شيء‪ ،‬الذي نبذ من‬
‫الجاهلية ما كره واستثنى منها ما طابت إليه‬
‫نفسه‪...‬بكيت حد االرتواء‪ ،‬حتى غسلت ندوب‬

‫‪119‬‬

‫قلبي بماء دمعي‪ ،‬حتى جفت المآقي‪ ،‬حتى‬
‫اكتفيت واكتفى مني البكاء‪..‬‬
‫بعدها وقررت مواجهة أبي‪ ،‬قررت أن أنزع‬
‫الغشاوة عن عينه‪ ،‬وأجلو الران الذي غشي‬
‫قلبه‪ ،‬قررت أخيرا أن اقتحم صرح كبريائه‪،‬‬
‫وأهدم قلعة جبروته وسطوته وبطشه‪ ،‬وبالفعل‬
‫غادرت المنزل نحو بيته ألصطدم بآخر‬
‫توقعاتي‪ ،‬إنه يبدو كزفاف من بعيد‪ ،‬ومن‬
‫العريس المنشود‪ ،‬إنه أبي!!‬
‫كانت تلك محاولته الثالثة‪ ،‬في سجل بؤسه‬
‫للحصول على الذكور‪ ،‬اكتفيت بإشارة من بعيد‬
‫على استحياء ثم غادرت المكان من فوري‪،‬‬
‫وبماذا سيفيد العتاب لمن ليس له قلب! إن طلب‬
‫الشيء من فاقده يعد ضربا من العبث والجنون!‬
‫‪120‬‬

‫تخطيت تلك األيام التي طال مرورها على‬
‫قلبي‪ ،‬والتحقت بكلية الطب بالفعل‪ ،‬كنت أرسم‬
‫لوحة سعادتي بهدوء وتروي‪ ،‬أخشى أن تختلط‬
‫علي األلوان فيتسلل إلى لوحتي األسود من‬
‫جديد‪ ..‬حتى فجعني القدر بما لم أحسب له من‬
‫قبل‪ ،‬ولم أفكر فيه مطلقا‪ ،‬إنه هول من نوع‬
‫خاص‪ ،‬قاس إلى حد يجعلك تتمنى الموت بكل‬
‫ثانية تمر عليك في هذه الحياة‪ .‬لقد كان أقسى‬
‫اختبار مقدر لي في هذه الدنيا‪ ..‬لقد توفيت "‬
‫الياسمين" توفيت لتترك شذاها يؤرقني بذاكرها‬
‫في كل ليلة‪ ..‬لتترك االبتسامة تنأى عن بيتنا‪،‬‬
‫ويسكنه األلم وبحق‪ ..‬عندها أدركت أن كل‬
‫جرح عهدناه وتجرعنا ألمه بالماضي لم يكن‬
‫جرحا بمعناه الحقيقي‪ ..‬لقد كانت صدعا شقق‬
‫‪121‬‬

‫قلبي‪ ،‬فلم أستطع مداواته حتى اآلن‪ ..‬واأللم‬
‫الذي خلفته لم تكتشف له العقاقير بعد‪ ..‬يصعب‬
‫علي تشخيصه إلى هذه اللحظة‪ ،‬كما أعجز عن‬
‫وصفه حتى!‬
‫انطفأ كل بريق لألمل كان يسكن بيننا‪ ،‬وسرمد‬
‫الحزن على كل زاوية في المنزل‪ ،‬لم أكن أدرك‬
‫أن الياسمين كانت قلب المنزل النابض‪ ،‬وبريق‬
‫األمل بعينه‪ ،‬رمق روحه‪ ،‬وترياق سعادته‪،‬‬
‫ووميض فرحه الذي سلبه منا أبي بجوره منقطع‬
‫النظير‪ ..‬لقد توفيت في طريقا لتوصيل اإلتاوة‬
‫األسبوعية التي ندفعها ألبي‪ ،‬ومما يكويني‬
‫ويذيبني كمدا أنه قد أخذ تعويضا عن الحادث‬
‫بكل تبجح وعدم مباالة‪ ،‬لقد تمكنت القسوة منه‬
‫حتى أن الوحش يعد مالكا مقارنة به!‬
‫‪122‬‬

‫لقد قتلها وشرب دمائها بأخذ ديتها بكل دم بارد‪..‬‬
‫تخرجت بعدها بفترة‪ ،‬وتقدم إلى خطبتي زميل‬
‫لي‪ ،‬لكن أبي تدخل وللمرة األولى فيما يعنيني‬
‫قائال‪ :‬إذا أمكنك أن تدفع ثمنها فال أمانع أن‬
‫تأخذها‪ ،‬ثم اتبع ذلك بضحكة ساخرة ولك أن‬
‫تأخذ األخرى هدية أيضا‪ ..‬وراح يثقل كاهله‬
‫بمطالبه التي ما أنزل هللا بها من سلطان‪ ،‬فلم‬
‫يجد المسكين بدا في الفرار‪...‬كان هذا أول‬
‫اعتراف بي من أبي‪ ،‬أعلم أنه لم يعترف بي‬
‫كابنة له‪ ،‬قطعة منه‪ ،‬لكن كصفقة رابحة له‪..‬‬
‫الصفقة التي ستجلب له أمواال طائلة على فرض‬
‫أنني سأعمل في المتاجرة بأوجاع الخلق كما‬
‫يفعل البعض‪ ،‬لكن المأساة لم تنتهي عند هذه‬
‫الحد‪ ،‬بل امتدت يد الظلم لتطال رغد هي‬
‫‪123‬‬

‫األخرى‪ ،‬تخرجت لتعمل في مكتب هندسي‪،‬‬
‫يحصد أبي أجرها وال يدع لها حتى النقير‪...‬‬

‫فأين المفر؟!‬
‫أين هو المفر من مستنقع األحزان؟! وكيف‬
‫السبيل إلى النجاة؟‬

‫أين المفر من لظى معاناتي ومأساتي؟!‬
‫أين المفر من قيد معتقدات هدمت صرح‬
‫سعادتي وبقائي؟‬

‫أين المفر من آالمي وأسقامي التي تطاردني‬
‫كأشباح الظالم؟!‬
‫‪124‬‬

‫أين المفر من علة ولدت بها في جور مجتمع‬
‫ظالم عاتي!‬

‫أين المفر وأنا طبيبة عجزت عن فهم علتي‪،‬‬
‫وسبب معاناتي‪ ،‬وكيفية مداواتي؟!‬

‫أنا جرح الزمان الذي لم يبرأ ولن يبرأ‪ ،‬أنا‬
‫الموءودة على ظهر األرض‪ ..‬أنا االبتسامة‬
‫المسلوبة‪ ،‬والعبرات المكتومة‪ ،‬واآلالم‬
‫المسمومة‪...‬‬
‫أنا خطيئة مجتمع كامل‪ ،‬لم يعرف يوما" بأي‬
‫ذنب قتلت"‪..‬‬
‫★★★‬
‫‪125‬‬

‫ص ْبر َج ِميل‬
‫‪-8‬فَ َ‬
‫كنت صغيرة جدا حينها ألدرك ما قد حدث لي‪،‬‬
‫ألدرك أنني كنت بضاعة مزجاة‪ ،‬ألدرك أنني‬
‫قد سلبت أبسط حقوقي على مرأى ومسمع من‬
‫العالمين‪ ،‬ولم يبال ألمري أحد‪...‬‬
‫بالمناسبة أنا أمنية‪ ،‬األمنية الوحيدة التي كتب لها‬
‫أن تعلق في كهف األمنيات الحزينة‪ ،‬الغير‬
‫محققة‪ .‬األمنية الصغيرة التي عجزت عن‬
‫مداوتها أمي‪ ،‬ومساندتها أخي‪ ،‬ونصرتها مجتمع‬
‫بأكمله‪ ...‬لكن هناك يقين بداخلي أن نجاتي‬
‫ستصير عجبا لبني العالمين‪...‬‬

‫‪126‬‬

‫كنت بالصف الثالث في المرحلة المتوسطة‪،‬‬
‫حين قررت أمي وجمعها الغفير من أخوتي‬
‫تزويجي في أحد أكثر الليالي بؤسا بحياتي‪..‬‬
‫كانت الصدمة قد فاقت كل توقعاتي‪ ،‬لم أدر بأي‬
‫عذر أتعلل وما هي حجتي لتفادي الحادث‬
‫األكثر ألما بحياتي‪ .‬فبعد وفاة والدي لم يعد هناك‬
‫ما يستحق البقاء ألجله‪ ،‬لقد كان عصاتي التي‬
‫أتوكأ عليها‪ ،‬وأذود بها عن قلبي العناء الذي‬
‫يصيبه‪ ،‬مالذي اآلمن لدى الخطوب المفزعة‪،‬‬
‫وبلسم روحي إذا اشتدت اآلالم‪ ..‬حقا أعجب‬
‫كثيرا من آالمي في تلك الفترة التي كانت تتمثل‬
‫في مشاجرة عابرة مع إحدى الزميالت‪ ،‬أو‬
‫امتحان في مادة ال أحبها كثيرا‪ ،‬أو زيارة عائلية‬
‫ال أرغب في استقبال ضيوفها‪ ..‬فهل هذه آالم‬
‫‪127‬‬

‫حقا‪...‬اليوم أيقنت المعنى الحقيقي لآلالم‪ ،‬حين‬
‫يكتب مصيرك بيد أكثر األشخاص بعدا عن‬
‫روحك‪ ،‬وما تطمئن وتسكن إليه نفسك‪ .‬لقد انعقد‬
‫مجلس حكماء العائلة الموقرة برئاسة أخوتي‬
‫الثالث‪ ،‬وأمي القائد األعلى‪ ،‬وأصدروا فرمانا‬
‫يفيد تزويجي برجل يزيد عمري بخمسة عشر‬
‫عاما‪ .‬نعم‪ ،‬أسمع اآلن من يقول إنه عمر آخر‪،‬‬
‫والبعض يرى أنه ال بأس مادام هناك توافق‬
‫وتفاهم‪ ،‬لكنني أعدمت في مظلمتي شتى‬
‫الخيارين؛ فلم يملك كمال قدرا من التوافق‪ ،‬ولم‬
‫يكن بيننا تفاهم في يوم ما‪ .‬كنت خادمة مطيعة‪،‬‬
‫تلبي األوامر بحذافيرها بكل هدوء واستسالم‪ ،‬لم‬
‫أعرف يوما إجابة سوى سمعا وطاعة‪ .‬لكن‬
‫إحساني لم يقابل يوما باإلحسان‪ ،‬بل كان في‬
‫‪128‬‬

‫مقابله كل قسوة وازدراء ونكران للجميل‪.‬‬
‫تزوجت كمال وهو ال يملك من حطام الدنيا‬
‫الكثير‪ ،‬كان يصعد سلم الثراء درجة بدرجة‪،‬‬
‫حتى أنه غادرني بعد الزفاف بثالثة أشهر‪ ،‬في‬
‫أحوج ما يكون إليه‪ ،‬فبينما كانت زميالتي تذهبن‬
‫يوميا للدراسة‪ ،‬كنت استيقظ على طرق والدته‬
‫الشديد على باب شفتي تردد‪ :‬ما كل هذا‬
‫النعاس‪ ،‬ستجلبين الفقر للمنزل‪ ،‬سينقطع رزقنا‬
‫بسببك‪ ،‬هيا استيقظي لتحضري الفطور‪ ،‬هناك‬
‫أناس لديهم أشغال‪ ،‬فليس الكل عديم الفائدة‬
‫مثلك‪...‬‬
‫وكل يوم كنت استيقظ على ذات االسطوانة‬
‫البذيئة عديمة الشعور‪ ،‬فأنزل لبيتها أعمل‬
‫كخادمة لديها ولدى بنيها وبناتها الالتي كن في‬
‫‪129‬‬

‫نفس سني تقريبا‪ ،‬لكن الران الذي كسى قلبها‬
‫بالكامل لم يسعها يوما أن تنظر إلي بذات العين‬
‫س ّخرة كليا‪،‬‬
‫التي كانت تنظر بها إليهن‪ ..‬كنت ُم َ‬
‫أعمل بدوام كامل‪ ،‬ال يتخلله ولو بعض الراحة‪،‬‬
‫حتى الدقائق التي كنت اختلسها للصالة‪ ،‬كانت‬
‫تضيقها ذرعا‪ :‬أنت‪ ،‬هل تصلين التراويح أم‬
‫ماذا‪ ،‬هل تمتد صالتك طوال النهار؟ ال أعلم ما‬
‫الذي جناه ولدي الحبيب ليبتلى بزوجة مثلك‪ ،‬آه‬
‫عليك يا ولدي زين الرجال‪ ،‬ليس لك حظ في‬
‫هذه الدنيا‪ .‬وكل يوم على نفس الحال من اإلهانة‬
‫والسباب‪ ،‬والهمز واللمز هي وبناتها‪.‬‬
‫فكرت كثيرا أن أهجر المنزل واذهب إلى‬
‫والدتي وأخوتي‪ ،‬ولكن هيهات فهم من أهدوني‬
‫لجالدي بال ذرة واحدة من الشفقة أو االحساس‪،‬‬
‫‪130‬‬

‫وكان جل ما يتعللون به‪ :‬إنك جميلة‪ ،‬ونحن‬
‫نخاف عليك‪ ،‬ومهما بلغت من التعليم‪ ،‬ليس‬
‫للمرأة سوى بيت زوجها‪ ..‬ربما كنت ألصدقهم‪،‬‬
‫لو دام هذا الجمال الذي تشدقوا به‪ ،‬أو كان ذلك‬
‫بيتا على األقل‪ .‬إنه حكم مؤبد باألسى واآلالم‬
‫الشاقة‪ ،‬إنه كهف لليأس للكسر للعجز‪ ،‬إنه ُجب‬
‫كجب يوسف‪ ،‬إال أنه ال تطرقه سيارة أبدا!‬
‫وبالفعل قضيت أيامي أعاني وحدي‪ ،‬حتى فقدت‬
‫احساسي باألشياء وبريقها‪ ،‬بل وجودها! ومما‬
‫زاد معاناتي أنني رزقت بفتاة‪ ،‬وهنا قامت قيامة‬
‫من نوع آخر‪ ،‬فما قد ما مضى ال يساوي معشار‬
‫ما أعانيه اآلن‪ ،‬وكنت أعجب حقا مما تعرني به‬
‫أم زوجي وهي التي رزقت من البنات ثالث‪،‬‬
‫وهي في ذاتها أنثى أو كما يبدو‪..‬‬
‫‪131‬‬

‫على كل انقضت فترة سفر زوجي ككابوس‬
‫مزعج‪ ،‬كنت أؤمل نصرته لدى عودته‪ ،‬ورد‬
‫اعتباري واعتبار ابنته التي وسمتها جدتها "‬
‫أر‬
‫بمصيبة" ساخرة من اسمها" منة"‪ ،‬وحقيقة لم َ‬
‫في نوائب الدهر مصيبة تعدل هذه المرأة التي‬
‫كاد الحقد والغضب يذيب داخلها‪ ..‬أضناني‬
‫الذهول عند عودة زوجي وقد استقبلته على‬
‫مدخل البيت‪ ،‬تبكي وتشكو سوء معاملتي‪،‬‬
‫وإساءة أدبي بحقها‪ .‬ال أخفيكم سرا انعقد لساني‬
‫عن التفسير وقتها‪ ،‬كدت أصدقها لو لم أكن‬
‫خصيمها المدعى عليه زورا وبهتانا‪ ،‬حتى أن‬
‫زوجي مكث لديها بعد عودته لمدة أسبوع كامل‬
‫كنوع من التأديب لي‪ ،‬وإرضاء لوالدته‪.‬‬
‫وألصدقكم القول لم أتعجب كثيرا؛ فاألب الذي‬
‫‪132‬‬

‫يقسو على ابنته في أول لقاء لهما‪ ،‬ويقابلها بهذا‬
‫الفتور البارد‪ ،‬ال يتوقع منه اشفاقا أو تقديرا‬
‫لشريكته! ‪...‬‬
‫مرت األيام ثقاال على قلبي‪ ،‬حتى أصبحت‬
‫صخرا أصما‪ ،‬لم أعد اتضرر مطلقا لم يفعلون‪،‬‬
‫كنت أتدثر في كل ليلة "بيوسف"‪ ،‬تلك اآليات‬
‫التي كنت أشعر بها تربت على قلبي بهدوء‪،‬‬
‫وحنان‪ ،‬كانت بمثابة دواء لكل داء‪ ،‬السباب‪،‬‬
‫التطاول‪ ،‬الكسر‪ ،‬والفقد‪ ،‬وكل ما جال ببالكم وما‬
‫لم يَجل‪ ،‬كأنها وصفة سرية لمداواة علل الروح‬
‫والنفس والقلب‪ ،‬وكل ما قد يتعثر أو يبتلى به‬
‫المرء‪ ،‬إنها الدواء الذي لم يفشل أبدا في مداواة‬
‫ألمي‪ ،‬كأن قلبي يغسل في كل مرة كنت أقرأها‬
‫فيها‪ .‬حتى حفظتها عن ظهر قلب‪ ،‬وأصبحت‬
‫‪133‬‬

‫أهمس بها لنفسي طوال فترة دوامي" إنما أشكوا‬
‫بثي وحزني إلى هللا وأعلم من هللا ما تعلمون"‬
‫نعم أعلم من هللا ما ال تعلمون‪ ،‬أعلم أن كل ألم‬
‫مؤقت ما دام في ثنايا الدنيا المؤقتة‪ ،‬وكل هذا‬
‫سينقضي يوما ما‪ ،‬وهللا وحده المستعان عليكم‪،‬‬
‫وعلى ما تصفون‪ ،‬وما تفعلون‪ ،‬هللا حسبي‬
‫وناصري وكفى به نعم النصير‪...‬‬
‫وبعد فترة زفت إلى طبيبتي بشرى حملي للمرة‬
‫الثانية‪ ،‬وهنا فتحت قذائف الحمم على‬
‫مصراعيها‪ ،‬يا أم البنات‪ ،‬وأنت أرض مالح ال‬
‫تنبت األوالد قط‪ ،‬وكل هذه الويالت التي لم تعد‬
‫تجذب اهتمامي‪ ،‬لم يكن هناك أسوأ من إصابتي‬
‫بالسكري‪ ،‬وتساقط بعض أسناني‪ ،‬وتناثر بعض‬
‫الخصالت البيضاء بشعري‪ ،‬وذهاب كل ُحسن‬
‫‪134‬‬

‫قد عهدته بنفسي‪ .‬أنا لم أعد أمنية‪ ،‬بل أنا أنشودة‬
‫الفناء‪ ،‬وأهزوجة األلم‪ ،‬وقصيدة اليأس واألسى‪،‬‬
‫لكنني كنت بالرغم من كل ذلك أردد" فصبر‬
‫جميل" وهللا المستعان على كل من ظلمني‬
‫وأودى بي‪ ،‬على كل ألم عانيت وعايشت‪ ،‬على‬
‫كل الليالي التي أمضيتها أبكي في صمت‪،‬‬
‫تتساقط العبرات كشالل حارق على وجنتاي في‬
‫صمت تام‪ ،‬كم كنت أتمنى أن أحظى بفرصة في‬
‫الصراخ‪ ،‬لكنني حتى التألم قد سلبت حقي فيه!‪.‬‬
‫وبمجرد أن وضعت ابنتي الثانية‪ ،‬حتى أبرم‬
‫زوجي خطة أمه بالزواج من أخرى‪ ،‬لم أمانع‬
‫في الواقع‪ ،‬كنت انتظر الدائرة لتدور عليهم‪،‬‬
‫وتقتص لربيع عمري الذي أفنيته على من ال‬
‫يستحق‪ ،‬وبالفعل تزوج من ابنة خالته " عال"‬
‫‪135‬‬

‫الحصان الرزان التي تتغنى بها أمه على الدوام‪.‬‬
‫وال أريد أن أقص عليكم قدر المأساة بعدها‪،‬‬
‫لكني على يقين تام بأن أقسى ما توقعتم ال‬
‫يناهض ما قد حدث‪.‬‬
‫ثم شاءت األقدار ووضعت عال بنتا ثالثة‬
‫لزوجي‪ ،‬أصيبت حماتي بجلطة إثر إخبارها‬
‫بالبشارة‪ ،‬فقدت النطق وقضت ما بقي من‬
‫أعوامها على كرسي متحرك‪ ،‬ثم أضمرت لها‬
‫العدالة اإللهية أمرا آخر‪ ،‬لقد توفيت الفتاة بعد‬
‫والدتها بفترة‪ ،‬وطلبت عال الطالق ألنها لم تجد‬
‫توافق بينها وبين زوجها المتعجرف‪ ،‬إنه ال‬
‫يطاق وال يحتمل‪ ،‬كهذا وصفته في الجلسة‬
‫العرفية أمام أعيان بلدتنا الكرام‪ ،‬وبالفعل طلقها‬
‫ودفع كل ما يملك كمؤخر لها‪ ،‬وثمنا لقائمة‬
‫‪136‬‬

‫المنقوالت‪ ،‬وغير ذلك مما كان يثمن وهو على‬
‫يقين ببقاء زيجة الهنا والسعادة‪..‬‬
‫ثم لم يبقَ أحد! نعم الوالدة أصبحت حمال ثقيال‬
‫على عاتقه‪ ،‬والزوجة لم تبق قطرة من ماء وجه‬
‫حتى أراقت ودنست هيبته باألرجاء‪ ،‬كما نسيت‬
‫أن أخبركم أن مخازن تجارته قد احترقت‪ ،‬وعاد‬
‫كأول يوم التقيته فيه‪ ،‬يعمل في بقالة مجاورة‪،‬‬
‫لكنني على الرغم من كل ذلك كنت كما أنا‪،‬‬
‫السامعة المطيعة‪ ،‬التي مرت بأحلك الظروف‪،‬‬
‫وكنت على استعداد أن أخطو فوق الجمر ثانية‬
‫حتى ال أفرق بين بناتي ووالدهم‪ ،‬وأهدم صرح‬
‫أمانهم الوحيد‪ ،‬فحتى وإن كان متصدع إال أنه‬
‫يبقى منزلهم ومأواهم الوحيد بهذه الدنيا‪...‬‬

‫‪137‬‬

‫"منة ومرام" كانتا شغلي الشاغل في الحياة‪ ،‬كل‬
‫أملي‪ ،‬وأمنياتي المبعثرة في ريح معانتي‪ ،‬كل‬
‫عدتي وعتادي وذخيرتي‪ ،‬وحصوني وقالعي‪،‬‬
‫كانتا شعاعي المشرق الوحيد‪ ،‬وما يستحق أن‬
‫أعيش ألجله بحق‪..‬‬
‫ومع تقدم الوقت‪ ،‬توارى ستار الزيف عن عين‬
‫زوجي شيئا فشيئا‪ ،‬وأصبح بإمكانه أن يبصر‬
‫نور الحقيقة‪ ،‬ومظلمتي التي عشتها خلف‬
‫جدران زواجه واالرتباط به‪ .‬بدأ بحسن إلى‬
‫على استحياء‪ ،‬كأن طبيعة الحال هي اإلساءة‪،‬‬
‫ولم يغير ذلك شيئا بداخلي‪ ،‬كنت كما أنا‪ ،‬في‬
‫الحقيقة لم يعد يمثل لي قدرا من األهمية تجعلني‬
‫أتألم لما يفعل أو لم يفعل‪ .‬كنت أعيش صورة‬
‫زائفة ألسرة حتى ال أؤرق ابنتاي فحسب‪.‬‬
‫‪138‬‬

‫أما عن حماتي فقد سامحتها‪ ،‬ليس ألنني أشفقت‬
‫على حالها وقد كنت الشخص الوحيد القائم على‬
‫خدمتها وكفى بهذا واعظا‪ .‬لكن ألنني أحب أن‬
‫يغفر هللا لي‪ ،‬كما كنت على أمل بعاقبة صبري‪،‬‬
‫فاألزمات مهما طالت واشتدت‪ ،‬فالبد من يوم‬
‫لزوالها‪.‬‬
‫وبالفعل قد أذن هللا بنجاحي في االختبار القاسي‪،‬‬
‫دخلت ليلة وفاة حماتي‪ ،‬فوجدت كمال يبكي‬
‫بشدة‪ ،‬كما لو كان لم يعرف البكاء من قبل‪.‬‬
‫أذهلني ما رأيت‪ ،‬لم اتوقع ما يحدث مطلقا‪ ،‬كان‬
‫هذا آخر شيء أتوقع رؤيته في حياتي‪ ،‬تسمرت‬
‫أقدامي باألرض‪ ،‬وتجمدت أجزائي كلها‪ ،‬كأني‬
‫منحوتة حجرية في مدخل الغرفة‪ ،‬أراقب بعين‬
‫ال ترف ما يفعل زوجي‪ ،‬وسط حالة شديدة من‬
‫‪139‬‬

‫الدهشة والذهول‪ ،‬حتى أنهى صالته ملتفتا‬
‫نحوي‪ ،‬فتسارعت أنفاسي محاولة مغادرة‬
‫المكان‪ ،‬إال أنه هتف بي" سامحيني أمنية" فخفق‬
‫قلبي بشدة كأنما قنبلة بدأت عدها العكسي للتو‪،‬‬
‫لم أستطع أن أنبس ببنت شفة‪ ،‬فعاودني ‪ :‬أعلم‬
‫أن ما أطلبه ليس باليسير‪ ،‬ولكن ليكن ابنتاي‬
‫شفاعتي لديك‪ ،‬ال أريد أن أموت وأنا أحمل‬
‫مظلمتك كما فعلت أمي‪ .‬عندها أجهشت في‬
‫البكاء‪ ،‬لم أع شيئا مما حدث بعدها‪ ،‬كان جميل‬
‫عوض هللا ما يعجز عن استيعابه‪ ،‬لقد نلت‬
‫ذاتي‪ ،‬وكرامتي‪ ،‬وحريتي‪ ،‬وتقديري بتلك‬
‫الكلمات الوجيزة‪.‬‬
‫كان سندي أعظم من أن يضام أو يترك مظلمتي‬
‫وشكايتي‪ ،‬وللمرة األولى أصبحت أؤمن بأني‬
‫‪140‬‬

‫أمنية حقا‪ ،‬أمنية الصبر الذي عزت معاركه‪،‬‬
‫وعظمت جائزته‪ ،‬الصبر هو المعركة الوحيدة‬
‫التي تخرج منها على يقين تام بالنصر‪ ،‬تلك‬
‫الدعوات التي ترسل إلى بريد ال يضل وجهته‬
‫أبدا‪ ،‬البريد الذي ال يعرف العطالت أو فترات‬
‫االستراحة؛ فالباب مفتوح أمام الجميع في أي‬
‫وقت شاء‪..‬‬
‫مهما اشتد البأس فانتظر الفرج؛ واعلم أن أحلك‬
‫الظلمات هي التي يعقبها بزوغ الفجر‪ ،‬ثم إياك‬
‫أن تنسى بأن الصبر وإن كان مر مذاقته‪ ،‬إال أن‬
‫عواقبه أحلى من العسل!‪.‬‬
‫★★★‬

‫‪141‬‬

‫‪-٩‬أجر المحسنين‬
‫إنها األقدار‪ ..‬تمنحنا قدر ما تأخذ‪ ،‬فقط المزيد‬
‫من الصبر والرضا‪ ،‬واليقين بأن كل منا‬
‫مستوفي رزقه غير منقوص‪ ،‬هو ما يحكم‬
‫طبيعة الموقف‪ ،‬ويحول كل محنة إلى أجمل‬
‫المنح!‬
‫ولدت يتيمة لوالد ال أتذكر أي لحظة جمعتني به‬
‫مطلقا‪ ،‬إال اللحظة التي فارق فيها العالم بأسره‪.‬‬
‫اللحظة التي لقى عندها حتفه بينما يحاول إنقاذي‬
‫من لظى حريق شب بمنزلنا نتيجة ماس‬
‫كهربائي‪..‬فآثر حياتي على حياته‪ .‬واليوم أتمنى‬
‫لو أحظى بحياة ثانية إلى جواره في الجنان‪..‬‬

‫‪142‬‬

‫لطالما تذكرت عبراته التي ذرف خوفا على‬
‫طفلة صغيرة تكاد تحترق بين ألعابها‬
‫الصغيرة‪..‬استيقظت كثيرا على هول النار‬
‫تفترسه أمام عيني‪ ،‬المشهد األكثر فزعا وترويعا‬
‫في حياتي؛ فكل ما ألم بي بعدها ليس إال كرماد‬
‫بيتنا المحترق بعد ما حدث‪...‬‬

‫تذكرت أمرا‪ ،‬أنا أميمة‪ ،‬وال أدري لم قد أطلق‬
‫علي والدي هذا االسم‪ ،‬فلم أحظ بفرصة لسؤاله‪،‬‬
‫ولم تخبرني أمي باألمر‪ ،‬ولم أسع لسؤالها حتى‪،‬‬
‫لكنني أحبه‪ ،‬وأعده ذكرى والدي الوحيدة‪،‬‬
‫بجانب صورة شخصية صغيرة‪ ،‬أذوب إذا‬
‫تأملتها من حين آلخر‪...‬‬

‫‪143‬‬

‫وبالحادث تعرضت أمي لحروق كثيرة‪ ،‬بأجزاء‬
‫متفرقة في جسدها‪ ،‬تركت على إثرها الكثير‬
‫من الندوب التي ُجعل الزمن عامل مداوتها‬
‫الوحيد‪ ،‬بينما استقر باألعماق جرح من نوع‬
‫آخر‪ ،‬أوقن أنه لم تكتشف له العقاقير حتى اآلن!‬
‫وتلك هي ندوب القلوب‪ ،‬يمتد تأثيرها لمدى‬
‫طويل‪ ،‬وفي كثير من األحوال تعصى على‬
‫التعافي!‬

‫كنت أرى هذا الصدع يشقق وجهها‪ ،‬كلما سألتها‬
‫عن أبي‪ ،‬كيف كان‪ ،‬وما يحب‪ ،‬وما يكره‪ ،‬حتى‬
‫كانت أحد األيام التي أجابت قائلة‪ :‬كان عطاء‬
‫هللا لي ولك‪ ،‬العطاء الذي عجزت عن استيعابه‬

‫‪144‬‬

‫طيلة حياتي معه‪ ،‬وازاد األمر بعد فقدي إياه‪ ،‬ثم‬
‫انتفضت تواري عبراتها مسرعة‪..‬‬
‫حينها قررت عدم سؤالها في األمر أبدا‪،‬‬
‫أدركت أن تكون معنى مصابا بعلة مزمنة‪،‬‬
‫ويأتي أحدهم كل يوم ليذكرك بأنك مريض‪،‬‬
‫فآثرت أن احتفظ بكل تلك التساؤالت إلى لقاء‬
‫غير معلوم‪..‬‬
‫ورحلنا في قافلة الحياة‪ ،‬نتلمس الخطى على‬
‫تراب القدر المحتوم‪ ،‬بنفوس يغشاها الرضا‪،‬‬
‫وتملؤها السكينة‪ ،‬فكل ما جاء من عند هللا خير‪،‬‬
‫وكل مصيبة يبتلى بها المرء تهون مادامت في‬
‫غير الدين‪...‬‬

‫‪145‬‬

‫وبعد سنوات‪ ،‬تخرجت من الجامعة‪ ،‬أردت أن‬
‫أزيح بعصا من العناء عن كاهل أمي‪ ،‬التي‬
‫تحملت مشقة السير بمفردها‪ ،‬ولم تدخر في‬
‫سبيل سعادتي وسعا وال قوة‪ ..‬وبالفعل تمت‬
‫الموافقة على طلبي أللتحق بهيئة التدريس في‬
‫إحدى المدارس الخاصة‪ ،‬كمعلمة للغة الفرنسية‪،‬‬
‫ورغم أن األجر كان زهيدا في البداية‪ ،‬إال أن‬
‫البركة كانت تصنع المعجزات!‬
‫وبعد فترة‪ ،‬تقدم إلى خطبتي زميل لي في‬
‫المدرسة‪ ،‬رفضت وبشدة‪ ،‬لم يكن يخيل إلي أن‬
‫أترك أمي مطلقا‪ ،‬ولم أجعل الزواج أحد أهدافي‬
‫في الحياة‪ ..‬قصرتها على التدريس ورعاية أمي‬
‫المريضة‪ ،‬وبعض العمل التطوعي في أوقات‬
‫الفراغ‪..‬لم أجد في حياتي حينها من قد أئتمنه‬
‫‪146‬‬

‫عليها من بعد أبي‪ ،‬لطالما جاهدت أمي إلقناعي‬
‫بالعدول عن األمر‪ ،‬لكنني تشبثت برأي حتى‬
‫النهاية‪..‬النهاية التي أسدلت ستارا جديدا للحزن‬
‫على قلبي‪ ،‬لقد توفيت أمي‪ ،‬وأذن هللا باسترداد‬
‫األمانة الثانية‪ ،‬وبعض روحي التي ظلت على‬
‫األرض‪ ،‬عندها أدركت معنى اليتم الحقيقي‪،‬‬